Pages

February 27, 2016

!بين ربطة القات و باقة الورد


رشـا المقالح


في المجتمعات التي تعلمت كيف تتجاوز "خلافاتها" و كيف تتعايش مع "اختلافاتها"، تستطيع أن تلاحظ ببساطة كيف أن الناس توجه اهتمامتها لأشياء ربما بدت في نظرنا سطحية و غير مهمة، إلا أنها تعكس تحولا عميقا من ثقافة العنف و الصراع إلى ثقافة السلم والتمدن.  فمثلا:

- الورود و الزهور
تعتبر جزءا مهما من الثقافة الغربية و يتم تبادلها في المناسبات و الزيارات. و تنتشر محلات الأزهار في كل مكان، كما تقوم بعض السوبرماركتات بتخصيص مساحات لعرض الأزهار و عمل تخفيضات مناسبة. اذا دعيت لمنزل أحدهم فأفضل هدية يمكن أن تقدمها لهم هي باقة من الأزهار. و إذا دعوت أحدهم لزيارتك فتوقع منهم باقة جميلة. صحيح أن لكل مجتمع خصوصيته و عاداته و تقاليده، لكن ما الذي يمكن أن تتوقعه من أحدهم إذا دعوته للغداء أو العشاء في بيتك! لماذا لا نتبادل الورود و الأزهار في المناسبات المختلفة؟ ليست المسألة مجرد محاولة تقليد أعمى للمجتمعات الغربية، لكن الورود و الأزهار تساهم في تلطيف المشاعر و نحن بحاجة لذلك لأن مجتمعنا جلف و يعاني من الغلظة في التعامل و من الجفاف في العواطف.

  





- الشموع :

في بلادنا مثلا يستخدم الشمع للإضاءة عند انقطاع التيار الكهربائي، ففي المساء تجد الطلاب يذاكرون و الأمهات يعددن الطعام والأطفال يلعبون تحت ضوء الشموع. أما في المجتمعات التي تجاوزت خلافاتها و تعايشت مع اختلافاتها فإن للشمع معنى مختلف تماما! الشمع هنا يباع في جميع السوبرماركتات بأشكال و أحجام و ألوان و حتى نكهات مختلفة!  و إذا دعيت للعشاء في منزل أحدهم فإنه يضيء الشمع  كنوع من الترحاب و إضفاء جو من الحميمية و الدفء. 




- اقفال الحب
عبارة عن أقفال رومانسية المظهر و الألوان، يقوم المتحابان بكتابة أسميهما أو الأحرف الأولى منها على القفل ثم يضعانه و يغلقانه على سياج جسر أو على بوابة ، أو غيرها من المواقع العامة المشابهة. ثم يغلقان القفل و يقومان برمي المفتاح و التخلص منه علامة على عدم احتياجهما للمفتاح لأن حبهما غير قابل للإنفصال. و بغض النظر عن الفكرة الرومانيسة غير الناضجة و التي ربما تثير المراهقين بشكل خاص، و بغض النظر عن رفض بعض السلطات لأقفال الحب و ذلك لاعتبارها نوع من التخريب للمتلكات العامة،  إلا أن انتشار مثل هذه الظاهرة يشير إلى لطافة المجتمع في التعامل مع مشاعر الحب . عندنا مثلا سيقولون لك أن أقفال الحب حرام  لأن الحب أصلا حرام و غير جائز شرعا!




- "ضع كتابا و خذ آخر ":
كما هو واضح في الصورة، عبارة عن "كبينة" مخصصة لتبادل الكتب بين الناس. و لا يوجد من يشرف عليها! تأتي بنفسك لتضع كتابا لم تعد بحاجته و تأخذ بدلا منه كتابا من الكتب الموضوعة في الكبينة. و هكذا ترى الناس من تلقاء نفسها تأتي لتضع كتابا و تأخذ آخر. طبعا فكرة كهذه غير قابلة للتنفيذ في مجتمعنا لأسباب عديدة ليس أولها عدم ايمان الناس في بلادنا بأهمية القراءة و إنما أهمها أنك إذا وضعت خرقة مثلا في الشارع أو في مكان عام، فستختفي خلال عشر ثوان! هكذا ببساطة... و بالتالي إذا قررت تنفيذ مثل هذه الفكرة فسيتم سرقة كل الكتب ورقة ورقة و سيتم تفكيك الكبينة و سيختفي المشروع في غمضة عين. أو في أحسن الأحوال سيأتي أشخاص لأخذ كتب و لن يضعوا بدلا عنها أي كتب أخرى و هكذا سينتهي المشروع قبل أن يبدأ! و كما ترى عندما يطبق مجتمع ما فكرة كهذه فإنك تستخلص منها دروسا عديدة ليس حب القراءة آخرها و إنما أيضا تستنتج أن الرخاء الإقتصادي يعم المجتمع و بالتألي فإن هذا بدوره جعل الأمانة منتشرة بين أفراده و أنهم يمارسون الرقابة الذاتية على تصرفاتهم!




الآن تخيل معي الشخص الذي انتهى لتوه مع حبيبته من إغلاق القفل على حبهما، و هو يعود إلى منزله مساءا و بيده كتاب ليجلس على مقعده  بعد أن أشعل شمعة ملونة ذات رائحة عطرة ، بينما يوجد أمام نافذته إناء بداخله عدد من الأزهار الخلابة، تخيل معي و هو ينهمك في القراءة في تلك الأجواء المشحونة بالدفء و الهدوء.

هل يستطيع شخص كهذا أن يحمل سلاحا و يقتل الآخرين؟! هل يسهل تحريضه على العنف و الصراع؟! و الآن تخيل معي شخصا "مبحشما" لم يرى الورود و الأزهار في حياته و لا يعرف القراءة و الكتابة و لم يقل كلمة غزل أو حب واحدة في حياته و لا يضيء الشمع إلا عند انقطاع الكهرباء! هذا الشخص و أمثاله للأسف الشديد هم السلاح الفتاك الذي تعتمد عليه كل الأطراف السياسية المتصارعة في بلادنا. تخيل كل ذلك و ستعرف كيف تحولت هذه المجتمعات إلى مجتمعات مسالمة ترفض العنف و تحب الحياة.