رشا المقالح
في بلادنا عندما تفرغ الأسرة من تناول طعام الغداء مثلا، ينصرف الذكور دون حتى أن يقوموا برفع طبق واحد من سفرة الطعام، فهذه مسئولية الإناث في الأسرة، لذا ترى الذكور و قد انتقلوا إلى غرفة أخرى و استلقوا في كسل بانتظار الشاي و الذي هو بالطبع مسئولية الإناث أيضا!
و يتكرر نفس السيناريو في كل وجبة، فإعداد الطعام و تجهيز السفرة و تنظيفها بعد انتهاء الأكل هي وظيفة المرأة فقط.و كل أعمال المنزل من طبخ و تنظيف و غسل للملابس و الأطباق هي وظيفة النساء فقط ، حتى العناية بالأطفال هم مسئولية الزوجة وحدها دون مشاركة حقيقية من الرجل، و مبرر ذلك كله بأن الرجل عمله خارج المنزل و المرأة عملها داخله.
لكن ذلك غير صحيح! فقد تجد في الأسرة الواحدة أبناء و بنات و جميعهم يذهبون
للدراسة في المدارس أو الجامعات أو حتى للعمل، لكن الذكور عند عودتهم للبيت غير
مطالبين بأي مساهمة في الأعمال المنزلية بينما تجد الفتاة تذهب للدراسة أو العمل و
تعود لتشارك في الطبيخ و النفيخ بينما
يعود أخوها ليستلقي على سريره بانتظار أن يقدم له الطعام!
أما بالنسبة للثياب المتسخة فكل ما يفعله الولد هو أن يلقي بثيابه المتسخة
في السلة المخصصة لذلك في أحسن الأحوال - فهناك من سيلقيها بإهمال على الأرض - ثم
يأتي في اليوم التالي ليجدها مغسولة و مطوية و موضوعة في دولابه. فقد قامت الفتاة
بغسل ثيابها و ثيابه و ثياب الأسرة بأكملها! بل أنه غير مطالب حتى بتنظيف غرفته و مكان نومه و مكان جلوسه!!
و الطريف أن لدينا مصطلحات يمنية توصف بها الفتاة حسب "نبوغها" في عمل البيت
فهي "حميش" و "باشت" و"سترة"...! و تعاب
الفتاة في مجتمعنا إذا كانت لا تتقن أعمال البيت بينما عدم إتقان الرجل لتلك الأعمال هو دليل دامغ على رجولته!
فترى الذكر منهم يقول بكل فخر :"لا أستطيع أن أقلي بيضة"! أو
"لا أستطيع إعداد كوب من الشاي"!!
و هكذا تتربى الفتاة في مجتمعنا على أنها خلقت للبيت فقط، و بالتالي يتم تهيئتها منذ سن مبكرة لتتلاءم مع ذلك الدور الذي رسم لها، حيث يتم تدريبها و منذ سن مبكرة في أغلب الأحيان على تنظيف البيت و إعداد الطعام و غسل الملابس، و جميع تلك الأعمال مهمة بالتأكيد و لا غنى عنها لكن الذكور لا يتم تنشئتهم على ذلك بل إنهم لا يحترمون تلك الأعمال في الغالب و ينظرون إليها بانتقاص، ثم يضحكون على المرأة و يقولون لها أنت "ملكة" في بيتك هذه مملكتك و الحقيقة أنها ليست ملكة و إنما "شغالة" بدون أجر و بدون تقدير أيضا.
واجب المرأة الوحيد المقدس و الذي يمكن أن نتفهم جلوسها في البيت من أجله هو العناية بمولودها، و العناية هنا المقصود بها ارضاعه و تنشئته التنشئة النفسية و الاجتماعية السوية و ليس مجرد الطبيخ و الغسيل و بقية اعمال المنزل لأنه هذه الأعمال ليست مسئولية المرأة وحدها و إنما يجب أن تكون مسئولية كل سكان المنزل! فإذا قررت المرأة البقاء في البيت لفترة معينة من أجل تربية أولادها فعلى الرجل أن يعرف انه مسئول مسئولية كاملة عن غسيل ملابسه و إعداد طعامه و تنظيف طبقه و ترتيب فراشه و المكان الذي يجلس فيه.
فالأعمال المنزلية مرهقة جدا و مملة و تستنزف الكثير من الوقت بدون طائل، أي أنها لا تضيف لمن يقوم بها أي مردود ذهني أو فكري، و لنا أن نتخيل إذا انشغل شخص ما يوميا بإعداد ثلاث وجبات في اليوم ، و تنظيف المطبخ بعد إعداد كل وجبة، و ترتيب البيت، و غسيل الملابس و العناية بالأطفال، فإنه من الصعب إن لم يكن من المستحيل أن يجد الوقت الكافي و الجهد اللازم و المزاج الملائم ليطور معارفه و ينمي قدراته و مهاراته، و سيفوته الكثير من الخبرات الحياتية المهمة التي تعمل على توسيع المدارك، و هكذا سيظل محدود التفكير و سيجد أن العالم يتقدم من حوله بينما هو قابع في مكانه دون أي تقدم، و الدليل على ذلك أن الشغالات اللواتي يعملن في خدمة البيوت – مع احترامي لهن و لاحتياجهن و لظروفهن – إلا أنهن في الغالب من ذوات التعليم المحدود و ربما المنعدم! لذا فإنه من الظلم أن يُعهد بجميع تلك الأعمال إلى المرأة وحدها و يجب أن يتشارك بها جميع سكان البيت، و هكذا تتخفف الأعباء الثقيلة.
رسالتي لكل امرأة يمنية هي أن تحرص على أن ينشأ أطفالها في بيت يجدون فيه أمهم و أباهم يتناوبان على إعداد الطعام و يتشاركان في تنظيف المنزل، و يقوم كل منهما برفع طبقه من المائدة عند الفراغ من الأكل و غسله، و يرون والدهم يقدم الشاي لوالدتهم مرة ، و مرة يرون أمهم تقدم طبق الفاكهة لوالدهم و هكذا. و أن يتعلم الذكور منذ سن مبكرة الدخول إلى المطبخ و المشاركة في إعداد الطعام تماما مثلما يتم تعليم الإناث. هذه البيئة الإيجابية التي تمتليء بالمحبة و التقدير و الاحترام المتبادل، ستكون كفيلة بإنشاء جيل لديه شعور بالمسئولية و احترام الذات و ثقة أكبر بالنفس.... بيئة كهذه لا تسمح للذكر بأن ينظر بانتقاص للمرأة و لا تسمح للمرأة بأن تنتقص من قدرها و مكانتها.
No comments:
Post a Comment