Pages

November 29, 2016

كيف تكتب رواية عصرية ناجحة؟

أنيس الباشا


فيما مضى كانت الكتابة وتأليف القصص والروايات مسألة صعبة وشاقة تتطلب وجود موهبة خاصة وتستدعي من الكاتب أو المؤلف أن يستخدم كل مهاراته وأن يعتصر عقله ويطوع قلمه ليتمكن من إخراج قطعة أدبية قيمة تحجز مكانها بجدارة وسط بقية الأعمال المتميزة التي تنتجها قرائح المبدعين وتشكل مصدر الهام ومحل دراسة للأجيال اللاحقة..

أما اليوم فلم تعد الكتابة وتأليف القصص مسألة صعبة أو معقدة أو حتى تحتاج إلى مهارات أومواهب خاصة ومتميزة، ويكفي أن تتبع قواعد معينة وتستخدم أساليب معروفة لتنتج قصصا تحقق نجاحا وانتشارا ساحقا بل وتحصد أيضا عددا من الجوائز والأوسمة!..ولايهم حينها ما قيمة هذا العمل الأدبي وما الذي اضافه على مستوى المعرفة أوالثقافة أوالأدب أو التجارب والخبرات ، المهم أننا في عصر السرعة والانتشار والتركيز على "الشكل" على حساب "المضمون"..

وهذه الأساليب التي يتبعها كتاب اليوم تكاد أن تكون واحدة في مجملها وبينها اختلافات طفيفة تختلف فقط باختلاف الكاتب، إنما في نهاية المطاف لابد أن تجد هذه القواعد المتبعة من قبل المؤلفين منفردة أو مجتمعة فيما يُعرف اليوم ب"الأعمال الأدبية"، وعليك إذا أردت أن تكتب عملا أدبيا يحقق نجاحا مضمونا أن تستخدم هذه الأساليب الموضحة أدناه:

أولا: التوجه
التوجه عنصر مهم وحيوي جدا في نجاح وانتشار أي قصة الآن..عليك قبل أن تقرر كتابة أي قصة أن تقضي وقتا كافيا في متابعة نشرات الاخبار وقراءة وتحليل التقارير والتصريحات والمقالات الصحفية لتعرف ما هو الاتجاه والمزاج العام لدى الحكومات والمجتمعات الغربية وحتى المنظمات الانسانية والدولية العاملة في مختلف الدول.. فمثلا على المستوى السياسي إذا كان التوجه العام يصب ناحية تركيز العداء ناحية دولة ما أو نظام ما أو جماعة ما..فعليك أن تمسك بهذا الخيط وتبني عملك الأدبي كله على أساسه بحيث تتبنى في قصتك نفس الموقف الذي يتبناه الرأي المحلي والغربي، أما اذا كانت المنظمات الدولية تولول على موضوعات معينة وتسلط عليها الضوء مثل قضية الزواج المبكر أو تجنيد الأطفال فلتكتب قصة يكون بطلها طفل تم تجنيده أو رواية بطلتها طفلة تعرضت للزواج المبكر وعاشت تجربة بشعة، أو اكتب قصة تُظهر فيها بشكل مبالغ سيئات وعيوب نظام ما أو جماعة معينة يعاديها العالم ويهاجمها الإعلام ..وهكذا بحيث تجعل قصتك دائما ذات توجه يتماشى مع ما يشغل المجتمع الدولي بشقيه الحكومي والإنساني ولا تلتفت لأي معيار آخر عند اختيارك لموضوع عملك الأدبي..

ثانيا: عنوان القصة
احرص على ان يكون عنوان القصة غريبا ومركبا على غرار "متدحرجا أحببت زمنا" أو "عندما يعطس المريخ" أو "الطحالب تعشق مرتين"...الخ، أو استخدم مفردات غير مفهومة بالمرة مثل "بلاتنتيسفشخ" أو " سنطعيز 7".. هذه العناوين تساعد على تسويق الرواية مبكرا قبل حتى أن يقرأها أحد وتعطي القارىء إيحاء بأنه مقبل على قراءة نص غير تقليدي وخطير، وكن على يقين بأنه لا يمكن لأي ناقد أو قارىء أن يتجرأ وينقد أو يسفه رواية يحمل غلافها اسم "سنطعيز 7" والا اتهموه بالتخلف وقصر النظر وعدم مسايرة الحداثة!

ثالثا: لغة القصة
عليك أن تحرص على تطعيم وتضمين القصة بعبارات وكلمات توحي بالغموض والحداثة مثل : انتابته مشاعر لازوردية.. مثلما تلاشى الطحلب الزغبي في غياهب السديم الأزرق..رائحة الوقت البنفسجية.. الهوامش الانكسارية.. النظرات الخنفشارية..
وغيرها من الجمل التي يمكنك كتابة مئات منها في جلسة واحدة وأنت تحتسي كوبا من القهوة..

واستخدم ايضا جمل وتعبيرات معقدة من هنا وهناك توحي للقراء بأنك مثقف من الطراز الثقيل الذي يقرأ في اليوم مائة كتاب على الأقل (يمكنك الاستعانة ببعض مواقع الانترنت لتساعدك في تركيب هذه الجمل):
كرحلة برومثيوس الأزلية في بحر كريت..
عيناها كعيني ديوجين في بحثه المحموم عن رجل أمين.. 
كلا.. لن أصرخ كما صرخ سبارتاكوس في وجه طغاة روما..
 تنتظره هناك كما انتظرت بياتريس دانتي على أبواب الجحيم..
 سوداوي كأنه قادم من عوالم كافكا المظلمة..الخ

 فالقارىء العادي لن يفهم معظم هذه العبارات لكنه سيشعر بالقشعريرة حتما وهو يقرأها وستنتابه الهيبة من القصة ومن كاتبها ولن يجرؤ على أن يعلن أنه لم يفهم شيئا من هذا الكلام بل على العكس سيتظاهر بأنه معك على طول الخط وأن كلماتك "هزته حتى الأعماق" بل وربما يبكي من شدة التأثر والرهبة..

رابعا: محتوى القصة
عليك أن تعرف أنه لا يهم إن كانت قصتك مترابطة أم لا.. تحمل في طياتها رسالة أو هدف تريد ايصاله للقارىء أم لا، ففي عصر الحداثة كما قلنا الشكل أهم من المضمون لذلك عليك ألا تتعب نفسك وتضيع وقتك في محاولة بناء شخصيات القصة وتدقيق الحبكة وصياغتها وكل هذا الهراء الذي تخصص فيه الأولون وبرعوا فيه لانه كان لديهم المزاج الرائق للإهتمام بهكذا تفاصيل وكان لديهم جمهور يستمتع بذلك الاتقان..أما نحن فنعيش في عصر السرعة والبحث عن الاضواء والجوائز والإعجاب السريع المتفجر لذا عليك أن تركز على القشور وأن تنوع في المحتوى بحيث يناسب رغبات الجمهور المتعطش للجنس والعنف والابتذال..عليك أن تجعل الجنس جزءا من مكونات القصة حتى لو أقحمته فيها بشكل واضح وصريح لا يخدم سياق القصة، ولا بأس ببعض العنف أيضا خصوصا ضد النساء، واذا كنت تضع نصب عينيك وأنت تكتب تلك المؤسسات الغربية التي تقوم بتوزيع الجوائز وترجمة القصص العربية فعليك أن تجدف في الرواية وأن تجعل فكرتها الرئيسية تتمحور حول سوء معاملة المرأة التي ستقرر أن تتمرد وهو - أي التمرد - ما سيقوم به كل أبطال قصتك حيث يتمردون ويشككون في كل شيء ..في الدين وفي الخالق وفي كل الثوابت والقيم والأخلاق..

خامسا: أبطال القصة
سواء كانت بطلة الرواية جميلة أم قبيحة، سطحية أم عميقة، احرص على أن يكون اسمها "لارا" .. إن فرص نجاح القصص الحديثة التي تدعى فيها البطلة لارا كبيرة جدا اذا ما قارناها بالقصص الأخرى التي يكون فيها اسم البطلة فاطمة أو رشيدة مثلا.. فإذا ما وجدت ان كل القصص المنشورة مؤخرا استخدمت اسم "لارا" فاختر احد الاسماء التي تجدها في أي مسلسل تركي مدبلج وسيفي بالغرض، ويمكنك ايضا حين تصف البطلة ان تتخيل نفس شكل الممثلة التي اخذت هذا الاسم في المسلسل وهكذا توفر على نفسك عناء التخيل..أما بطل القصة فعليك أن تجعل شخصيته مزيجا من الشرق والغرب في نفس الوقت.. فهو شرقي حار الطبع غيور يحب الأكل المليء بالبهارات– وربما يصلي إذا كنت لن تلعب على تيمة الكفر و الالحاد- وهو في نفس الوقت عصري متحرر "كوول" يحب سماع موسيقى شوبارت وباخ ويعشق أكل ال "تشيز برجر"، كما أنه يدخن ويشرب البيرة والشمبانيا وربما الفودكا أيضا " وحاول أن تقرأ قليلا عن الفرق بين هذه المشروبات الروحية لأن القارىء الغربي سيلاحظ جهلك بسرعة عندما يقرأ ما كتبت عن هذه الأمور"

وهكذا وباتباعك لهذه الخطوات فإنك تضمن نجاحا ساحقا لقصتك وأن يتم طباعتها أكثر من مرة وربما ترجمتها للغات أخرى..خصوصا حين يقوم أحد النقاد الكبار – عن طريق الإحراج أو المجاملة أو حتى الشفقة-  بالكتابة عن روايتك ويصفها بأنها تُشكل"فتحا" في عالم الرواية الحديثة ونموذجا سيُحتذى به لعدة أجيال قادمة!

صحيح أن كثيرين الان يتبعون نفس الخطوات ويستخدمون أساليب متشابهة بل وربما الكلمات ذاتها مع بعض التغيير، فمثلا  قد تجد في رواية أن لون السديم "بنفسجي" ورائحة الوقت "زرقاء"، بينما في رواية أخرى العكس حيث يكون لون السديم "ازرق" ورائحة الوقت "بنفسجية" ، وبعضهم قد يجعل الهوامش "خنفشارية" ويصف النظرات بأنها "انكسارية".. لا بأس.. لا تجعل هذا يحبطك أويفت في عضدك ..أولا لأن معظم القراء لن ينتبهوا لهذا الأمر، وثانيا لانه بإمكانك دائما ان تضع بصمتك الخاصة وأن تصمم بنفسك مصطلحاتك "الخنفشارية السديمية" وأن تكسر كل الخطوط الحمراء التي كسرها من قبلك ..

المهم أن تتذكر دائما أن الهدف ليس كتابة قصة هادفة مفهومة لها جسم ورأس وذيل، بل المهم هو الحذلقة والتصنع والغموض وهي الطينة التي يمكنك أن تشكلها كما تشاء لتخرج منها بعشرات القصص الناجحة في زمن الرداءة الذي نعيشه.. لهذا لا تتردد كثيرا بل شمر عن ساعديك واشحذ قلمك واحجز لنفسك مكانا في هذا العالم المتعطش لكل ما هو سطحي وتافه..

ومبروك عليك الجائزة مقدما يا "مُبدع"!