رشا المقالح
عندما ذهبنا إلى الهند لقضاء عطلة قبل قدوم
طفلنا إلى الدنيا، كنت أتوقع أن أرى بلادا ساحرة كتلك التي نراها في أفلام بوليوود
خاصة تلك المشاهد التي يظهر فيها البطل و البطلة فجأة و دون سابق إنذار يرقصان و
يغنيان في أحضان حدائق غناء أو طبيعة خلابة و ساحرة.
تلك المشاهد جعلتني أتصور أن الهند جميلة
هكذا، و أن تلك المناظر الخلابة التي نراها في الأفلام الهندية هي مجرد أماكن
اعتيادية في الهند بحيث أن نافذة كل بيت هندي تطل عليها ببساطة. تصور ساذج للغاية،
و لقد اكتشفت ذلك بنفسي ما إن وصلت إلى
الهند!
فقد شعرت
بصدمة كبيرة. و كان التساؤل الذي يدور في رأسي و أنا في الطريق من المطار إلى
الفندق في مدينة حيدر آباد : "هل قطعت كل هذه الأميال لأجد نفسي في اليمن؟؟!"
فما إن وطئت قدماي حيدر آباد حتى فوجئت بالشوارع المتسخة والزحام والعشوائية، إضافة إلى منظر "العشش" المنتشرة في كل مكان و التي يتصاعد منها الدخان في محاولة بائسة من
الناس لإبعاد "البعوض" ، في مشهد مشابه تماما للمشهد الذي اعتدت رؤيته في
بلادي و خاصة في مدينتي "الحديدة".
المهم بعد قضاء ثلاثة أسابيع في الهند في
ثلاث مدن مختلفة، حيث سافرنا من حيدر آباد إلى بنجلور "التي تسمى بمدينة الحدائق" و منها إلى ميسور بحثا عن الهند
التي نراها في بوليوود، و لم نجد شيئا من ذلك إلا عندما زرنا "راموجي" و
هي مدينة متكاملة للانتاج الإعلامي و الفني وهناك فقط وجدنا الخضرة والمناظر الساحرة و الشوارع النظيفة غير المزدحمة "مثل تلك التي في الأفلام"!
بعد تلك الرحلة أصبت بحذر شديد عند تلقي ما
يعرض على شاشات السينما أو التلفزيون،
فأصبحت أحلل ما أشاهده من أفلام و مسلسلات بطريقة مختلفة تماما. فكل تمثيلية
هي في حقيقة الأمر انعكاس للمجتمع الذي جاءت منه ، بحيث أن ما نراه هو ما تفتقده تلك المجتمعات و
ليس بالضرورة ما يدور فيها! حيث يسعى الكتاب و المخرجون إلى إثارة خيال
المشاهد بالأمور التي لا يراها كل يوم في واقعه. فلو انتقلنا من السينما الهندية
إلى السينما الأمريكية و كذلك التلفزيون الأمريكي لوجدنا أن أفلام و مسلسلات الرعب
و الأكشن و الجريمة تحتل مساحة واسعة ، و قد يتبادر إلى ذهن المشاهد أن المجتمع
الأمريكي يعيش في إثارة دائمة و أن كل فندق رخيص على الطريق العام
"موتيل" هو بداية لقصة رعب حقيقية!
فعلى سبيل المثال لا الحصر مسلسل الخيال
العلمي و دراما الجريمة الناجح "بيرسون أوف انتريست" “Person of Interest” و الذي تدور
أحداثه في مدينة نيويورك ، عند مشاهدة هذا المسلسل لربما تبادر إلى الذهن أن نيويورك هي مدينة الجريمة الأولى في العالم،
فالمسلسل يحتوي على كثير من مشاهد العنف و قتال الشوارع و تبادل كثيف لإطلاق النار
حتى بداخل قسم الشرطة، و التي هي في الأساس شرطة فاسدة و لا يعتمد عليها.
بينما في واقع الأمر فإن معدل الجريمة انخفض
في مدينة نيويورك منذ منتصف التسعينات بل و إن معدل العنف فيها أقل من المتوسط
بالنسبة للمدن الكبيرة، بالإضافة إلى إنها و وفقا لتصنيف لمجلة الإيكونوميست في العام 2015 لخمسين مدينة كبيرة في
العالم ، احتلت نيويورك المرتبة العاشرة من المدن الكبرى الأكثر أمانا في العالم، فضلا
عن المرتبة الثامنة و العشرين من حيث الأكثر أمانا في السلامة الشخصية، و ذلك بحسب
ما ورد في موسوعة ويكيبيديا. لكن كتاب ومخرجي المسلسلات لهم تصور آخر مخالف تماما لما هو موجود على أرض الواقع!
أما نحن في اليمن فلو قمنا بعمل مسلسلات و أفلام خيال علمي في اليمن، فإن
أقصى ما سنتخيله هو الأمان و النظام و القانون و الشوارع النظيفة و الجميلة و ذهاب
الناس إلى أعمالها و التلاميذ إلى مدارسهم بدون أي خوف ، و أن الخدمات متوفرة، ففي
الوقت الذي يعد انقطاع التيار الكهربائي مشهدا مثيرا في أي فيلم أمريكي فإنه يعد
حدثا عاديا في بلادنا! وبالنسبة لنا فإن استمرار التيار الكهربائي طوال الليل و
النهار يُعد خيالا علميا غير قابل للتحقق أو التصديق!
و هكذا إذا رأيت الأمريكان يعرضون
فيلما يسلط الضوء على "العنف و الجريمة" فأعرف أنهم في واقع الأمر يعيشون
حياة هادئة و ربما "مملة" بعض الشيء، و إذا رأيت الأتراك يسلطون الضوء
في مسلسلاتهم على الرومانسية وقصص الحب فيمكنك أن تشتم رائحة جفاف عاطفي في مجتمعهم، و إذا رأيت
البطل في الأفلام الهندية يدمر الأشرار وينكل بهم ويتصدى للفساد بمفرده فأعلم أنك أمام مجتمع يعاني
أفراده من الخوف و عدم القدرة على الإقدام و المواجهة ..و إذا رأيت فيلما يمنيا يعيش
أبطاله ليلا نهارا في مجتمع يسود فيه القانون وتتوفر فيه خدمة الماء والكهرباء فتأكد بأنك أمام مجتمع غارق في الفساد والعطش والظلام!