Pages

March 30, 2017

...من استعجل أبطأ


أنيس الباشا


بالتأكيد مررت بهذه التجربة من قبل..عندما تضطر للوقوف في طابور ما او الانتظار لبعض الوقت من اجل ان تنجز معاملة ما.. عندها ينتابك الملل والضيق.. تزفر في عصبية.. تنظر في ساعتك.. تشرأب بعنقك لترى كم عدد الناس أو الأرقام أمامك وكيف تسير عملية تحركهم .. يا لهذا البطء المستفز الذي يتحرك به هؤلاء القوم فقط عندما لايكون لديك أنت ترف الانتظار، يبدو أن كل الناس قرروا أن يأتوا إلى هذا المكتب اليوم لأنك فيه! المشكلة أن هناك طن من المشاوير والمهام التي يتعين عليك انجازها اليوم بالذات وذلك الموظف او تلك الموظفة وراء الشبابيك يتعاملون بتراخ وليس لديهم أدنى فكرة عن التعطل والتأخير الذي يسببوه لك.. كم هم مستفزون وليتك فقط تجد الفرصة لتخبرهم بهذه الحقيقة وانهم يستحقون تلك الوظائف المضجرة والمملة التي يتقاضون عليها تلك الرواتب الهزيلة، لكنك لن تجرؤ على ذلك بالطبع والا عقدت الوضع على نفسك أكثر فهؤلاء الموظفون ينتظرون منك هفوة فقط كي يفرغوا كل عقدهم واحباطاتهم وكراهيتهم لعملهم فوق رأسك..

 لذا تزفر مرة أخرى ويبدأ عقلك لاشعوريا في عمل معادلات وهمية محاولا استنتاج الوقت الذي ستستغرقه عملية الوقوف والانتظار هذه .. لم تكن يوما بارعا في الرياضيات لذا فكل المخرجات والارقام التي يستنبطها عقلك تبدو مخيفة ووفقا لها فإنك ستضطر للانتظار الى يوم الدين اذا بقيت في مكانك وهكذا لا يعود بإمكانك عمل أي شيء آخر.. هنا يبدأ ذلك الصراع المرير بداخلك.. هل تغادر المكان على الفور وتعود في وقت آخر أم تواصل الانتظار عل معجزة ما تحدث في الخمس الدقائق القادمة تجعل  الامور تسير بوتيرة أسرع؟ تتململ في وقتك وتحرك قدميك في مكانهما دلالة على الصراع الذي يعتمل بداخلك والذي لايظهر على ملامحك التي تحرص على جعلها هادئة قدر الإمكان.. ذلك الرجل الاصلع البدين الواقف خلفك يبدو عليه التوتر والعصبية وهو ينقل قدميه أيضا و يزفر طوال الوقت حتى ان وهج انفاسه الثقيلة يلسع قفاك.. الأبله..! كأنه يضره ان ينتظر هنا لساعات، انك لا تعرفه لكنك تستطيع ان تخمن بل وان تقسم على أن هذا صاحب هذه الملامح الخاملة والكرش الكبير لايملك وقتا ثمينا يضيعه هنا مثلك.. هناك ايضا ذلك الفتى المراهق المائع الذي يقف أمامك وقد ارتدى بنطالا ممزقا ويقف في لامبالاة واستهتار يلوك قطعة من اللبان و يدير عينيه في المكان متظاهرا بالوسامة وهو يلقي نظرات يظنها قاتلة باتجاه الفتيات المتواجدات.. تقاوم بصعوبة رغبة عارمة في صفعه على قفاه والقائه خارج المكان.. لم يكن ينقصك إلا أمثال هذا الرقيع الذين يسبقونك في الطابور ويقللون من فرص انجازك للمهمة التي اتيت من اجلها بسرعة بينما ليس لديهم حتى عُشر وقتك الثمين.. تتأمله في غل للحظات وتستفزك تلك الخصلات التي يسدلها على جبهته وذلك البنطلون المتراخي الذي يلبسه والذي بالكاد يصل الى اعلى فخذيه، تدرك فورا ان امثال هذا الفتى لا يضيرهم الوقوف في هكذا طوابير لأيام وليس لساعات خصوصا لو كان هناك فتيات في الجوار!

تزفر مجددا وتلقي نظرة على ساعتك للمرة الألف، تبا.. اذا استمر الحال على ما هو عليه فلن تتمكن من اللحاق بمواعيدك الأخرى، المشكلة أنه يتوجب عليك أيضا الانتهاء من هذه المهمة السخيفة وإلا اصبحت عبئا اضافيا يُضاف إلى جدول مهام الغد المزدحم أصلا..

وهكذا بعد لحظات عصيبة من التردد وعمل معادلات زمنية معقدة ومرهقة تقرر أن تستسلم، لن يمكنك ان تتحمل تلك الانفاس الثقيلة على رقبتك أو تستمر في رؤية ذلك البنطلون المتراخي الذي يبدو من تحته اللباس الداخلي لذلك الفتى المستهتر أمامك، لذا تنسحب من الطابور ولا تنسى قبل خروجك ان تلقي نظرات نارية على من حولك، لو أن النظرات تقتل لتحول هؤلاء إلى رماد في لحظات، تغادر المكان في خطوات سريعة، ربما تعود مجددا بعد الانتهاء من بعض المشاوير الضرورية وحينها ربما يكون الازدحام أقل وبالتأكيد لن تجد ذلك الفتى الرقيع ولا ذلك الرجل البدين ذو الأنفاس الثقيلة..


ولو أن أحدا نقل لك عبر بث فيديو مباشر ما جرى في المكان الذي كنت فيه قبل قليل لشعرت بالندم على قرارك بالانسحاب ولتمنيت انك ظللت هناك لخمس دقائق إضافية.. فبعد انصرافك بخمس دقائق فُتح فجأة شباك خدمة آخر واتجه كثير ممن كانوا يقفون في طابورك إلى ذلك الشباك بحيث تقدم الصف كثيرا حتى ان ذلك الفتى المراهق وجد نفسه بعد عشر دقائق فقط يقف أمام شباك الموظف المختص وقد نسى ذلك الأبله أن يحضر أوراقه الشخصية لذا غادر بسرعة كي يعود مجددا أي أن دورك كان بعده مباشرة..


لكنك لم تكن هناك لترى هذا المشهد، فقد اندفعت بسرعة الى الخارج وانت تلعن الجميع في سرك وتتمنى ان يظلوا واقفين هناك الى يوم الدين وأن لا ينجز أحدهم أي معاملة، اتجهت الى سيارتك وفتحت الباب بعصبية وأدرت المحرك وانطلقت بسرعة وانت تختلس النظر الى ساعتك.. سيكون عليك أن تمر بمكتب  البريد أولا ثم السوق لشراء بعض الاغراض، أم هل الافضل ان تبدأ بالسوق ثم البريد، عليك أن تمر على المدرسة لكي تحضر الأولاد لكن من المهم أيضا ألا تنسى أن تجلب من السوق كل ما هو مكتوب في تلك القائمة التي أعدتها زوجتك هذا الصباح وأوصتك مرارا بألا تنسى أي شيء فيها، تذكر ان سداد الفواتير ايضا يجب أن يتم اليوم والا لن تتمكنوا من طبخ أي شيء ناهيك عن الحياة بدون كهرباء ولا انترنت ولا.. إن مشكلة الأوضاع المعيشية انها تتفاقم بحيث لم يعد هناك مجال ل ... وفجأة طرااااااااااااخ


اصطدام تلك الشاحنة القديمة بسيارتك قطع حبل افكارك ومن حسن الحظ أنه لم يقطع حبلك الشوكي من منبته، تترنح من الصدمة والمفاجأة قبل أن يصلك صراخ سائق الشاحنة الغاضب الذي يبدو انه تمالك نفسه من الصدمة بسرعة خارقة بحيث أنك وبعد خمس ثوان فقط من الاصطدام وجدت رأسه عند نافذتك يحدق فيك بعيون متقدة، تزفر في عصبية وانت تغادر السيارة ورأسك يغلي من الغيظ، لقد اصطدم بك هذا الأحمق من الخلف ثم وجد في نفسه الجرأة ليغضب وينفعل وكأنه هو الضحية! بالتأكيد لا يملك رخصة ولا يبدو انه يعرف الف باء القيادة، لكن عليك أن تتوخى الحذر لأن تلك العصا الغليظة التي يحملها قد تهوي فوق رأسك في أي لحظة وستكون مصيبة ان تتسخ بذلتك بالدماء لأن عليك ان ترتديها غدا في الاجتماع والمصيبة أن غسالة البيت معطلة منذ أسبوع ولم تجد الوقت الكافي لاخذها الى ورشة التصليح..!

المهم أنك وانت واقف تحت حر الشمس في الشارع تستمع لصراخ ذلك السائق أدركت انك ستتمالك اعصابك ولن تنتزع العصا منه لتهشمها فوق رأسه، لكنك ستصر على أن يأتي رجال المرور ويثبتوا انك لست المخطىء لان سيارتك تعرضت لضرر كبير لن يمكنك اصلاحه بنفسك كما ان ذلك السائق مصر على الا يتركك تنصرف قبل أن تدفع له ثمن اصلاح سيارته باعتبار أنك المخطىء، لذا فلا مفر من الانتظار وخوض المعركة وهذا معناه ضياع النهار بأكمله، وهكذا تبتلع ريقك في مرارة وأنت تدرك انه لن يمكنك اليوم ان تسدد الفواتير ولا أن تمر بالسوق ولا أن تعود إلى المكتب الحكومي الذي غادرته للتو، بل أنك ستضطر أيضا للاتصال بزوجتك كي تقوم هي باحضار الأولاد.. فعلا كما تقول جدتك رحمها الله "من استعجل أبطأ"!

وكل هذا بسبب خمس دقائق فقط.. أو حتى عشر دقائق، فمن الحماقة أن تتصرف بانفعال لمجرد انك اضطررت الى الوقوف والانتظار ولم تستطع أن تتحمل بضع دقائق حتى يأتي دورك، مثلك مثل شخص قطع طريقا طويلا ليصل في النهاية الى صخرة تسد الطريق، يأخذ فأسه ويهوي عليها بمائة ضربة ثم يصاب باليأس ويلقي بالفأس وينصرف ليأتي شخص آخر بعده يهوي على الصخرة بضربة واحدة فقط فتنكسر لان ضرباتك المائة قد مهدت الطريق واختصرته..

لذا تعلم الصبر.. ليس الكثير منه وانما القليل ..وحين تروادك نفسك بأن الامر سيستمر الى مالانهاية وأن دورك لن يأتي حاول أن تعطي نفسك وقتا اضافيا.. انتظر خمس دقائق أو أكثر وربما تغير الوضع، اضرب الضربة رقم واحد بعد المائة فربما تنكسر الصخرة وان لم تنكسر فاضربها ضربة ثانية وثالثة، لا تيأس وتتراجع فيأتي شخص آخر ويقطف ثمار تعبك..لا تضيع الوقت في الانسحاب وتغيير الاولويات فقد تجد نفسك في النهاية وقد خسرت اضعاف الوقت الذي أردت توفيره بينما لم تنجز نصف المطلوب.. و في الأخير..احترس ايضا من سائقي الشاحنات الذين يروق لهم أن يصدموا سيارات الآخرين من الخلف ويظنون أن الحق معهم لأن معهم هراوات غليظة!


March 21, 2017

!...هكذا نأكل و هكذا يأكلون


رشا المقالح


ما بين الشرق و الغرب هناك فروق شتى، أكثرها طرافة تلك التي تتعلق بعادات الأكل و طرق إعداد الطعام و طرق تقديمه. فكل شعب له عادات غذائية معينة و معتاد على مذاقات تختلف من بلد لآخر، فالمذاق هو شيء تنشأ على تقبله و اعتياده.


و قد لاحظت فروقا جوهرية بين المذاق العربي و المذاق الغربي خاصة في المناطق الباردة. و كان من أبرزها طرق إعداد الشاي و القهوة و السمك،  و درجة السخونة المقبولة للمشروبات و المأكولات و طريقة إعداد المائدة و الجلوس حولها. تعالوا معي في جولة سريعة للتعرف على أبرز تلك الملاحظات!

 الأكل على الطريقة الغربية و الأكل على الطريقة العربية
هناك من يكتب بيده اليمنى و هناك من لا يستطيع الكتابة سوى باليد اليسرى، و لكننا في اليمن لا نأكل سوى باليد اليمنى، و لم أصادف طوال حياتي في اليمن شخصا يأكل بيده اليسرى حتى لو كان "أعسرا" ..!
و لم أفكر أبدا أن الأكل باليد اليمنى سيكون مشكلة حتى دعيت إلى العشاء للمرة الأولى في منزل غربي!
صحيح أن طريقة تقديمهم للأكل تختلف تماما عن طريقة تقديمنا له، فهم يأكلون على الطاولة بينما اعتدنا نحن ان نأكل طعامنا على الأرض، كما أنهم يأكلون في أطباق منفردة و ليس من طبق واحد كما نفعل نحن. و نحن في أكلنا لا نعتمد على الشوكة و السكين مثلهم، و على الرغم من أنك – كشخص قادم من اليمن – قد تتجاوز كل الفروقات السابقة و تتأقلم معها جيدا و تقدم كل التنازلات الممكنة حتى لا تبدو شاذا أمام رفاقك الجالسين على المائدة، لكن التنازل الوحيد الذي لن تستطيع تقديمه هو أن تأكل باليد اليسرى!

تقنيا هذا مستحيل و يفوق قدرتك على التحمل و سيتحول الأمر من مجرد دعوة لطيفة للعشاء إلى معركة تتضمن محاولات بائسة لتصويب الشوكة إلى فمك المفتوح ببلاهة في انتظار ما يلقى إليه من طعام. كل هذا و انت تشاهد الجالسين من حولك يأكلون ببساطة بيدهم اليسرى، و دون أي معاناة.

اتيكيت الأكل يفرض أن تمسك بالشوكة بيدك اليسرى بينما تمسك بالسكين باليد اليمنى، و أجد نفسي من أشد المعارضين لهذا الاتيكيت الأخرق، لسببين رئيسيين أولهما أننا شعب لا نأكل باليد اليسرى، و ثانيهما نحن لا نأكل طعامنا بالشوكة أصلا! فنحن نستخدم الخبز بدلا عن الشوكة في الإمساك بالطعام.

شخصيا، اضطر لمخالفة هذا الاتيكيت و الإمساك بالشوكة باليد اليمنى و بالسكينة باليد اليسرى، و ذلك لأن يدي اليمنى متمكنة جدا و قادرة على فعل ما هو أكثر من مجرد تقطيع الأكل أو اسناده على الشوكة فلماذا لا أستخدمها في الإمساك بالشوكة و القيام بالعمل الحقيقي بدلا من تضييع قدراتها الحقيقية فيما لا يفيد؟!

 يجب أن يتم مراجعة هذا الاتيكيت فعلى ما يبدو أن من  وضعه هو شخص ضيق الأفق لم يفكر بكل الاحتمالات الممكنة.


 نحن و هم و "الكريمة"!
تعد الكريمة في اليمن منتج مستورد فهي ليست جزءا من المطبخ اليمني، و إنما دخلت إلى اليمن مع العولمة. و مع أن الكريمة وفدت إلينا من الخارج إلا أننا  نستخدمها في اليمن بشروطنا نحن و حسب طريقتنا في استطعام  الأكل. فالكريمة عندنا في اليمن لا تؤكل إلا مع اأصناف الحلويات. صحيح أن كل شعب يستطعم بطريقة مختلفة تماما، ولكن هناك خطوط حمراء لا يجب تجاوزها و من بينها ألا نأكل السمك مع الكريمة! 

عندما دعتنا جارتنا الألمانية في إحدى المرات إلى مطعم لأكل السمك، قلت في نفسي السمك هو السمك و ليس فيه حلال و حرام و لا أي محذورات و لذا سوف نطلب أي صنف من أصناف السمك و نأكل دون خوف...!و بالفعل طلبت أنا و زوجي طبقا يسمى الماتيس الشتوي  ‘Winter Matjes’   و هو من أشهر انواع السمك في ألمانيا، و هكذا جلسنا بكل "ألاطة" في انتظار طبق السمك و نحن نشعر أننا في أمان و أن لا مفاجاءات مع السمك. و لكن عندما وصلت الأطباق كانت المفاجأة!

"سمك نيء غير مطبوخ" مع كريمة حلوة المذاق!!







كيف يأكلون السمك مع الكريمة؟؟!! وليته كان سمكا مطبوخا انما نيء حيث اكتفوا بوضعه في محلول ملحي لعدة أيام ثم وضعوه أمامنا على الأطباق!ا  وكمحاولة يائسة أخيرة كأمنية المحكوم عليه بالإعدام سألنا النادلة ما إذا كان السمك قد تم طبخه ولو لبضع دقائق وتمنينا أن تكذب وتقول نعم لكنها  أصرت بفخر شديد أنه نيء ولم يطبخ و لم يتم حتى تقريبه من أي مصدر حراري!

- الأكل الحار
 جرب - أنت الشخص القادم من بلاد مثل اليمن - أن تطلب من أي مطعم تركي في المانيا، سندويتش شاورما "حار" و آخر غير حار، ثم اطلب من الجرسون أن يضعهما في طبق واحد أمامك و ألا يخبرك أيهما الحار، ثم تذوق من كل منهما و أتحداك بعدها أن تعرف أيهما الحار و أيهما غير الحار! لماذا؟ لأنهما لا يختلفان عن بعضهم البعض في الطعم فكلاهما بالنسبة لك أصلا غير حارين! فكثير من الأكلات القادمة إلى البلاد الغربية من مطابخ شرقية  مثل المطبخ التركي يتم تعديل التوابل فيها حتى تتلائم مع الذائقة الغربية.
و الطريف أنك عندما تسأل الغربيين هل تحبون الأكل الحار فسيجيبون بابتسامة عريضة نعم بالتأكيد!! و لكن عندما نتذوق ما يسمونه بالأكل الحار نقول لهم هل تسمون هذا أكلا حارا؟ لا بد أنكم تمزحون!

- الشاي  و القهوة
نحن العرب نشرب الشاي و كذلك القهوة بطريقة مختلفة تماما عن الطريقة التي يشرب بها الغربيون هذين المشروبين الساخنين و الذين يتمتعان بأهمية كبيرة في كل أنحاء العالم.

فمثلا إذا أردنا نحن اليمنيون شرب الشاي فيجب أولا أن نقوم بغلي الماء على موقد الفرن في وعاء يسمى بالعامية "الجزوة" و من ثم نضيف السكر ثم الشاي "الفرط" و ربما الهيل أو النعناع حسب الرغبة، أما بالنسبة للشاي مع الحليب فنحن نضيف الحليب و الشاي إلى الماء المغلي و نتركه يغلي لعدة دقائق، و بعدها  يجب أن يقدم الشاي ساخنا بل و لدينا القدرة على شربه ساخنا فور وصوله! 

أما بالنسبة للقهوة فطريقة إعدادها تشبه طريقة إعداد الشاي، فنحن نقوم بغلي الماء في "الجزوة" أيضا و اضافة السكر و الهيل و مسحوق القهوة - و الحليب أيضا حسب الرغبة - و ترك جميع المحتويات تغلي لفترة ثم يتم تقديمها و شربها ساخنة أيضا. 



أما الشاي على الطريقة الغربية فالماء يتم غليه بغلاية الماء، ثم يتم وضع كيس الشاي في الفنجان و يصب عليه الماء الساخن. ثم لا يشرب الشاي إلا بعد أن يتحول الماء الساخن إلى ماء فاتر! فليس لديهم القدرة على شربه ساخنا جدا كما نفعل نحن! 


أما الغربيون فيستخدمون ما يسمى بـ "جهاز تحضير القهوة" و هذا الجهاز يأتي بأشكال و أحجام مختلفة، و عندما اشتريناه للمرة الأولى ، كنا نتأمله في شغف و كأنه "آلة الزمن" .وقتها  لم نعرف أين نسكب الماء و لا أين نضع القهوة! و لكن بعد الإستعانة باليوتيوب - الحمدلله أننا نعيش في عصر الإنترنت - و مع الممارسة و التكرار، صرنا خبراء في استخدام ذلك الجهاز، و اكتشفنا في تلك الآلة ميزة عجيبة و هي أنك مهما استخدمت من أنواع مختلفة من القهوة و مهما غيرت في مقدار الماء أو مسحوق القهوة فإنك تحصل في كل مرة على "نفس الطعم السيء"...! 





  و يعتمد تحضير القهوة في هذا الجهاز على وضع مسحوق القهوة في فلتر مصنوع من الورق، و يتم وضعه في قمع، ثم بعدها نقوم بصب الماء في خانة منفصلة و بعدها يتم تشغيل الجهاز، فيسخن الماء حتى الغليان و يتجه إلى القمع حيث القهوة في الفلتر فيتخلل الماء القهوة و لينزل في الوعاء الذي يقع أسفل فتحة القمع حيث تتقطر القهوة بداخله. 


و بعد أن تنتهي عملية تقطير القهوة "سيئة المذاق"، يقومون بصبها في الفناجين و تقديمها مع وعاء منفصل للحليب و وعاء للسكر ليتم اضافتهما حسب الرغبة.  و لكم أن تتخيلوا أن القهوة الناتجة عن هذه الطريقة ليست ساخنة جدا ، و ببعض الخيال أيضا يمكنكم أن تستنتجوا كيف تتحول القهوة بعد إضافة الحليب  البارد إليها إلى "عصير" فاتر عديم المذاق ليس بها تلك اللسعة والدخان المتصاعد من فنجان قهوتنا العربية.





لا زلنا مع ذلك نضطر لاستخدام ذلك الجهاز ليس لأننا نريد تقليد الغربيين في طريقة شربهم للقهوة و لكن لأننا عندما ندعو معارفنا و أصدقاءنا و جيراننا الغربيين فلا بد أن نعد لهم القهوة بالطريقة التي اعتادوا عليها، أما عندما نشرب قهوتنا الصباحية فنحن نعدها بطريقتنا التي اعتدنا عليها، فللقهوة المعدة بهذة الطريقة نكهة خاصة لا يفهمها إلا من اعتاد عليها، و لهذا كتب محمود درويش ثم غناها لاحقا مارسيل خليفة : "أحن إلى خبز أمي و  قهوة أمي..." و لو كانت أمه تعد القهوة على الطريقة الغربية لما غنى لقهوتها على الإطلاق!


 و في كل الأحوال، تظل ملاحظة هذه الفروقات الطريفة في عادات المأكل و الملبس و غيرها من الاختلافات الثقافية من الأمور الممتعة حقا، فهي تجربة غنية بالتفاصيل...تفاصيل حتى و إن كانت صغيرة إلا أن لها أهميتها  في رسم الصورة الكبيرة للشعوب و المجتمعات على اختلافها وتنوعها..