Pages

March 21, 2017

!...هكذا نأكل و هكذا يأكلون


رشا المقالح


ما بين الشرق و الغرب هناك فروق شتى، أكثرها طرافة تلك التي تتعلق بعادات الأكل و طرق إعداد الطعام و طرق تقديمه. فكل شعب له عادات غذائية معينة و معتاد على مذاقات تختلف من بلد لآخر، فالمذاق هو شيء تنشأ على تقبله و اعتياده.


و قد لاحظت فروقا جوهرية بين المذاق العربي و المذاق الغربي خاصة في المناطق الباردة. و كان من أبرزها طرق إعداد الشاي و القهوة و السمك،  و درجة السخونة المقبولة للمشروبات و المأكولات و طريقة إعداد المائدة و الجلوس حولها. تعالوا معي في جولة سريعة للتعرف على أبرز تلك الملاحظات!

 الأكل على الطريقة الغربية و الأكل على الطريقة العربية
هناك من يكتب بيده اليمنى و هناك من لا يستطيع الكتابة سوى باليد اليسرى، و لكننا في اليمن لا نأكل سوى باليد اليمنى، و لم أصادف طوال حياتي في اليمن شخصا يأكل بيده اليسرى حتى لو كان "أعسرا" ..!
و لم أفكر أبدا أن الأكل باليد اليمنى سيكون مشكلة حتى دعيت إلى العشاء للمرة الأولى في منزل غربي!
صحيح أن طريقة تقديمهم للأكل تختلف تماما عن طريقة تقديمنا له، فهم يأكلون على الطاولة بينما اعتدنا نحن ان نأكل طعامنا على الأرض، كما أنهم يأكلون في أطباق منفردة و ليس من طبق واحد كما نفعل نحن. و نحن في أكلنا لا نعتمد على الشوكة و السكين مثلهم، و على الرغم من أنك – كشخص قادم من اليمن – قد تتجاوز كل الفروقات السابقة و تتأقلم معها جيدا و تقدم كل التنازلات الممكنة حتى لا تبدو شاذا أمام رفاقك الجالسين على المائدة، لكن التنازل الوحيد الذي لن تستطيع تقديمه هو أن تأكل باليد اليسرى!

تقنيا هذا مستحيل و يفوق قدرتك على التحمل و سيتحول الأمر من مجرد دعوة لطيفة للعشاء إلى معركة تتضمن محاولات بائسة لتصويب الشوكة إلى فمك المفتوح ببلاهة في انتظار ما يلقى إليه من طعام. كل هذا و انت تشاهد الجالسين من حولك يأكلون ببساطة بيدهم اليسرى، و دون أي معاناة.

اتيكيت الأكل يفرض أن تمسك بالشوكة بيدك اليسرى بينما تمسك بالسكين باليد اليمنى، و أجد نفسي من أشد المعارضين لهذا الاتيكيت الأخرق، لسببين رئيسيين أولهما أننا شعب لا نأكل باليد اليسرى، و ثانيهما نحن لا نأكل طعامنا بالشوكة أصلا! فنحن نستخدم الخبز بدلا عن الشوكة في الإمساك بالطعام.

شخصيا، اضطر لمخالفة هذا الاتيكيت و الإمساك بالشوكة باليد اليمنى و بالسكينة باليد اليسرى، و ذلك لأن يدي اليمنى متمكنة جدا و قادرة على فعل ما هو أكثر من مجرد تقطيع الأكل أو اسناده على الشوكة فلماذا لا أستخدمها في الإمساك بالشوكة و القيام بالعمل الحقيقي بدلا من تضييع قدراتها الحقيقية فيما لا يفيد؟!

 يجب أن يتم مراجعة هذا الاتيكيت فعلى ما يبدو أن من  وضعه هو شخص ضيق الأفق لم يفكر بكل الاحتمالات الممكنة.


 نحن و هم و "الكريمة"!
تعد الكريمة في اليمن منتج مستورد فهي ليست جزءا من المطبخ اليمني، و إنما دخلت إلى اليمن مع العولمة. و مع أن الكريمة وفدت إلينا من الخارج إلا أننا  نستخدمها في اليمن بشروطنا نحن و حسب طريقتنا في استطعام  الأكل. فالكريمة عندنا في اليمن لا تؤكل إلا مع اأصناف الحلويات. صحيح أن كل شعب يستطعم بطريقة مختلفة تماما، ولكن هناك خطوط حمراء لا يجب تجاوزها و من بينها ألا نأكل السمك مع الكريمة! 

عندما دعتنا جارتنا الألمانية في إحدى المرات إلى مطعم لأكل السمك، قلت في نفسي السمك هو السمك و ليس فيه حلال و حرام و لا أي محذورات و لذا سوف نطلب أي صنف من أصناف السمك و نأكل دون خوف...!و بالفعل طلبت أنا و زوجي طبقا يسمى الماتيس الشتوي  ‘Winter Matjes’   و هو من أشهر انواع السمك في ألمانيا، و هكذا جلسنا بكل "ألاطة" في انتظار طبق السمك و نحن نشعر أننا في أمان و أن لا مفاجاءات مع السمك. و لكن عندما وصلت الأطباق كانت المفاجأة!

"سمك نيء غير مطبوخ" مع كريمة حلوة المذاق!!







كيف يأكلون السمك مع الكريمة؟؟!! وليته كان سمكا مطبوخا انما نيء حيث اكتفوا بوضعه في محلول ملحي لعدة أيام ثم وضعوه أمامنا على الأطباق!ا  وكمحاولة يائسة أخيرة كأمنية المحكوم عليه بالإعدام سألنا النادلة ما إذا كان السمك قد تم طبخه ولو لبضع دقائق وتمنينا أن تكذب وتقول نعم لكنها  أصرت بفخر شديد أنه نيء ولم يطبخ و لم يتم حتى تقريبه من أي مصدر حراري!

- الأكل الحار
 جرب - أنت الشخص القادم من بلاد مثل اليمن - أن تطلب من أي مطعم تركي في المانيا، سندويتش شاورما "حار" و آخر غير حار، ثم اطلب من الجرسون أن يضعهما في طبق واحد أمامك و ألا يخبرك أيهما الحار، ثم تذوق من كل منهما و أتحداك بعدها أن تعرف أيهما الحار و أيهما غير الحار! لماذا؟ لأنهما لا يختلفان عن بعضهم البعض في الطعم فكلاهما بالنسبة لك أصلا غير حارين! فكثير من الأكلات القادمة إلى البلاد الغربية من مطابخ شرقية  مثل المطبخ التركي يتم تعديل التوابل فيها حتى تتلائم مع الذائقة الغربية.
و الطريف أنك عندما تسأل الغربيين هل تحبون الأكل الحار فسيجيبون بابتسامة عريضة نعم بالتأكيد!! و لكن عندما نتذوق ما يسمونه بالأكل الحار نقول لهم هل تسمون هذا أكلا حارا؟ لا بد أنكم تمزحون!

- الشاي  و القهوة
نحن العرب نشرب الشاي و كذلك القهوة بطريقة مختلفة تماما عن الطريقة التي يشرب بها الغربيون هذين المشروبين الساخنين و الذين يتمتعان بأهمية كبيرة في كل أنحاء العالم.

فمثلا إذا أردنا نحن اليمنيون شرب الشاي فيجب أولا أن نقوم بغلي الماء على موقد الفرن في وعاء يسمى بالعامية "الجزوة" و من ثم نضيف السكر ثم الشاي "الفرط" و ربما الهيل أو النعناع حسب الرغبة، أما بالنسبة للشاي مع الحليب فنحن نضيف الحليب و الشاي إلى الماء المغلي و نتركه يغلي لعدة دقائق، و بعدها  يجب أن يقدم الشاي ساخنا بل و لدينا القدرة على شربه ساخنا فور وصوله! 

أما بالنسبة للقهوة فطريقة إعدادها تشبه طريقة إعداد الشاي، فنحن نقوم بغلي الماء في "الجزوة" أيضا و اضافة السكر و الهيل و مسحوق القهوة - و الحليب أيضا حسب الرغبة - و ترك جميع المحتويات تغلي لفترة ثم يتم تقديمها و شربها ساخنة أيضا. 



أما الشاي على الطريقة الغربية فالماء يتم غليه بغلاية الماء، ثم يتم وضع كيس الشاي في الفنجان و يصب عليه الماء الساخن. ثم لا يشرب الشاي إلا بعد أن يتحول الماء الساخن إلى ماء فاتر! فليس لديهم القدرة على شربه ساخنا جدا كما نفعل نحن! 


أما الغربيون فيستخدمون ما يسمى بـ "جهاز تحضير القهوة" و هذا الجهاز يأتي بأشكال و أحجام مختلفة، و عندما اشتريناه للمرة الأولى ، كنا نتأمله في شغف و كأنه "آلة الزمن" .وقتها  لم نعرف أين نسكب الماء و لا أين نضع القهوة! و لكن بعد الإستعانة باليوتيوب - الحمدلله أننا نعيش في عصر الإنترنت - و مع الممارسة و التكرار، صرنا خبراء في استخدام ذلك الجهاز، و اكتشفنا في تلك الآلة ميزة عجيبة و هي أنك مهما استخدمت من أنواع مختلفة من القهوة و مهما غيرت في مقدار الماء أو مسحوق القهوة فإنك تحصل في كل مرة على "نفس الطعم السيء"...! 





  و يعتمد تحضير القهوة في هذا الجهاز على وضع مسحوق القهوة في فلتر مصنوع من الورق، و يتم وضعه في قمع، ثم بعدها نقوم بصب الماء في خانة منفصلة و بعدها يتم تشغيل الجهاز، فيسخن الماء حتى الغليان و يتجه إلى القمع حيث القهوة في الفلتر فيتخلل الماء القهوة و لينزل في الوعاء الذي يقع أسفل فتحة القمع حيث تتقطر القهوة بداخله. 


و بعد أن تنتهي عملية تقطير القهوة "سيئة المذاق"، يقومون بصبها في الفناجين و تقديمها مع وعاء منفصل للحليب و وعاء للسكر ليتم اضافتهما حسب الرغبة.  و لكم أن تتخيلوا أن القهوة الناتجة عن هذه الطريقة ليست ساخنة جدا ، و ببعض الخيال أيضا يمكنكم أن تستنتجوا كيف تتحول القهوة بعد إضافة الحليب  البارد إليها إلى "عصير" فاتر عديم المذاق ليس بها تلك اللسعة والدخان المتصاعد من فنجان قهوتنا العربية.





لا زلنا مع ذلك نضطر لاستخدام ذلك الجهاز ليس لأننا نريد تقليد الغربيين في طريقة شربهم للقهوة و لكن لأننا عندما ندعو معارفنا و أصدقاءنا و جيراننا الغربيين فلا بد أن نعد لهم القهوة بالطريقة التي اعتادوا عليها، أما عندما نشرب قهوتنا الصباحية فنحن نعدها بطريقتنا التي اعتدنا عليها، فللقهوة المعدة بهذة الطريقة نكهة خاصة لا يفهمها إلا من اعتاد عليها، و لهذا كتب محمود درويش ثم غناها لاحقا مارسيل خليفة : "أحن إلى خبز أمي و  قهوة أمي..." و لو كانت أمه تعد القهوة على الطريقة الغربية لما غنى لقهوتها على الإطلاق!


 و في كل الأحوال، تظل ملاحظة هذه الفروقات الطريفة في عادات المأكل و الملبس و غيرها من الاختلافات الثقافية من الأمور الممتعة حقا، فهي تجربة غنية بالتفاصيل...تفاصيل حتى و إن كانت صغيرة إلا أن لها أهميتها  في رسم الصورة الكبيرة للشعوب و المجتمعات على اختلافها وتنوعها..





No comments:

Post a Comment