رشا المقالح
انتهت الإجازة الصيفية و أقبل شهر سبتمبر و أقبل معه موسم العودة إلى
المدارس. منذ أن
أنهيت سنوات المدرسة لم يعد هذا الموسم يهمني على الإطلاق و لكن ابتداء من شهر
سبتمبر هذا العام كل شيء تغير بالنسبة لي! فقد التحق صغيري بالمدرسة و صار لدينا
في البيت تلميذ!
ذهاب الطفل إلى المدرسة للمرة الأولى يعد
حدثا كبيرا في ألمانيا، حيث تقيم المدرسة و كذلك العائلة في اليوم الأول للطفل في
المدرسة احتفالية خاصة تسمى احتفالية الإلتحاق بالمدرسة “Einschulungsfeier”، و من أهم التقاليد المرتبطة بهذا اليوم المميز هو حصول الطفل على
هدية مميزة من والديه تسمى ب مخروط المدرسة "Schultüte" و هو تقليد يُعتقد أن بداياته تعود إلى العام 1810 في كل من ولايتي ساكسونيا و تورينغن الألمانيتين.
و مخروط المدرسة عبارة عن كيس ورقي مصنوع من
الورق المقوى، إما أن يتم شراءه جاهزا أو إعداده يدويا في المنزل، كما أن له أحجاما
مختلفة فمن الممكن أن يكون صغيرا أو كبيرا. و يتم ملء هذا المخروط بالحلويات و
كذلك باللوازم المدرسية و الألعاب و غيرها من الهدايا الصغيرة و ربما المفيدة
للطفل في بدايته الجديدة.
وربما كان السبب وراء
هذا الاحتفاء الكبير بدخول الطفل إلى المدرسة هو أن الطفل في المانيا لا يبدأ
بتعلم القراءة و الكتابة إلا في المدرسة حيث أن المرحلة السابقة لها و هي مرحلة
روضة الأطفال لا تعد جزءا من النظام التعليمي و هي عبارة عن فترة يقضيها الأطفال
في اللعب و كذلك التعلم عن طريق اللعب و لا يتلقون أي دروس و لا يتعلمون مهارات
الكتابة و القراءة و الحساب. يمكنك أن تعرف المزيد عن رياض الأطفال في
ألمانيا وكيف يقضي عادة الأطفال يومهم فيها في هذه التدوينة هذه تجربة طفلي في روضة الأطفال في المانيا
بدأت أنا و زوجي بإعداد مخروط المدرسة لابننا خلال العطلة الصيفية. اشترينا مخروطا كبيرا مزين
برسوم حرب النجوم وهي تيمة لها شعبية كبيرة بين الكبار والصغار هنا، و كنا في كل
مرة نضع فيه شيئا ما حتى امتلئ عن آخره بانتهاء الصيف و حلول شهر سبتمبر. و خلال
تلك الفترة كنا حريصين على إخفاء المخروط
حتى لا تقع عليه عينا طفلنا الفضولي ، و ذلك لإبقائه مفاجأة حتى يومه الأول
في المدرسة.
و بالتأكيد لم يكن مخروط المدرسة هو الشيء الوحيد الذي قمنا
بتجهيزه ، فقد قمنا كذلك بشراء لوازم المدرسة الأساسية و على رأسها بالطبع حقيبة
المدرسة. و من المثير للاهتمام أن الحقائب المدرسية في ألمانيا و خاصة تلك التي
يرتديها طلاب المرحلة الأساسية تمتاز بتصميمها المربع! ويُقال أن السبب وراء هذا التصميم هو
الحفاظ على اللوازم المدرسية وخاصة الكتب و الدفاتر من التكوم و التجعد. و من
سلبيات هذا النوع من الحقائب ارتفاع ثمنها، فهي مكلفة نسبيا، و لكن الخبر السار أن
الحقيبة لا تأتي منفردة و إنما يوجد بداخلها ملحقات أخرى مفيدة مثل حافظة أقلام و
حقيبة قماشية و محفظة و غيرها.
و عندما جاء اليوم المنتظر استيقظ صغيرنا في وقت مبكر جدا من فرط
الحماس و الإثارة! وكان أول شيء قاله عندما فتح عينيه: "أين هو مخروط المدرسة؟"
و عندما رآه شعر بسعادة عارمة و بدأ بتخيل ما بداخله.
في الساعة العاشرة و النصف كنا على أهبة الاستعداد: الكاميرا
جاهزة، و طفلنا يرتدي ملابسه الجديدة و يحمل حقيبة المدرسة على ظهره و يمسك بكل
فرح مخروط المدرسة بكلتا يديه ! ثم انطلقنا الى المدرسة لحضور الاحتفالية الخاصة
بهذا اليوم "مراسم الإلتحاق بالمدرسة"، و التي كان مقررا لها أن تبدأ في
الحادية عشرة صباحا.
وعندما وصلنا وجدنا ساحة المدرسة و قد امتلئت بتلاميذ الصف
الأول و هم يحملون مخاريطهم ذات الألوان و الأحجام المختلفة، بالإضافة إلى أفراد
عائلاتهم و أصدقائهم الذين جاءوا للمشاركة في الاحتفال بهذا اليوم المميز للتلميذ
الجديد في العائلة. و كان مما اثار انتباهنا أن بعض الضيوف كانوا بكامل أناقتهم حيث كان بعضهم يرتدي ملابس رسمية و كأنه ذاهب لحضور مراسم حفل زفاف!
انتظرنا في طابور
طويل لدخول القاعة التي سيقام فيها الحفل، و التي هي في الأصل قاعة الرياضة
التابعة للمدرسة و قد تم تجهيزها لتلك المناسبة بمسرح و كراسي للضيوف. و عندما جاء
دورنا لدخول القاعة سألتنا الموظفة عن اسم طفلنا فأجابها بفخر، وعندها قامت تلك
الموظفة بالبحث عن اسمه في اللوحة الموجودة وراءها حيث علقت عليها بطاقات تعريفية
تحمل أسماء جميع طلاب الصف الأول. التقطت البطاقة التعريفية الخاصة بصغيرنا و قامت
بتثبيتها على سترته، فشعر حينها بفخر أكبر!
عندما دخلنا إلى
القاعة، قامت إحدى المدرسات بمرافقة صغيرنا إلى مقعده بجانب بقية طلاب الصف الأول،
أما نحن فاضطررنا إلى البقاء واقفين مثل عدد من الآباء الآخرين و ذلك لأن جميع
المقاعد كانت ممتلئة.
استهلت مديرة
المدرسة الاحتفالية بكلمة ترحيب بالضيوف، و أخبرت فيها طلاب الصف الأول أن طلاب
الصف الرابع أعدوا شيئا لطيفا للترحيب بهم في هذا اليوم الخاص. و بالفعل قام طلاب
الصف الرابع بتأدية أغنية جميلة بعنوان " أنت تذهب إلى المدرسة"، وأعقب تلك
الأغنية أداء موسيقي جميل لكتاب الأطفال الكلاسيكي "اليرقة الجائعة جدا". لقد كانت فكرة رائعة حقا أن يقوم
التلاميذ الأكبر سنا في المدرسة بالغناء و
تأدية عرض موسيقي للترحيب بالتلاميذ الأصغر سنا!
بعد ذلك، حان
الوقت لأخذ طلاب الصف الأول إلى فصولهم الدراسية. وقد تم ذلك بطريقة احتفالية
أيضا! هناك أربعة فصول للصف الأول في المدرسة الابتدائية التي يذهب إليها صغيرنا و
هي : أ، ب، ج، د. و هناك مربية لكل صف، و
هكذا وقفت مربية كل صف على خشبة المسرح و قامت بمناداة كل طفل على حدة، و كان على
كل طفل يسمع اسمه أن يصعد إلى خشبة المسرح و أن يصافح معلمته و يقف انتظارا لمناداة
بقية طلاب الصف. كانت لحظة رائعة للغاية أن نشاهد هؤلاء الأطفال الصغار و هم
يصافحون معلميهم و ينتظرون بهدوء على المسرح، لحظة جميلة شعرت فيها بأن طفلي
الصغير قد كبر كثيرا!
توجه الأطفال مع مربيتهم إلى فصولهم الدراسية و قضوا
نحو ساعة في التعرف على بيئتهم الجديدة، لقد كان ذلك أمرا في غاية الروعة أن يتم
إعطاء الأطفال فرصة كهذه للتعرف على محيطهم في أجواء احتفالية مبهجة. و خلال تلك
الأثناء، انتظرنا مع بقية الآباء و الأمهات و الضيوف الآخرين في قاعة أخرى تم
تجهيزها لكي ينتظر فيها الآباء إلى حين خروج أطفالهم. و قد تم إعداد القهوة و
الكيك و غيرها من الوجبات الخفيفة للضيوف.
وفي حوالي الساعة
الواحدة، سمح لنا بالذهاب إلى الفصول الدراسية لأخذ أطفالنا. عندما دخلت إلى الفصل شعرت بارتياح كبير، فالفصل واسع و يغمره
الضوء من النوافذ الكبيرة التي تشغل نصف مساحة الجدارن و ربما أكثر! أما صغيري فقد كان فخورا و هو يرينا مقعده و
يشرح لنا الأجزاء المختلفة للصف و الأدراج والرفوف الموجودة فيه والمخصصة لكل طفل. في الحقيقة أردت البقاء لفترة
أطول لالتقاط المزيد من الصور لكن ابني كان متحمسا جدا للعودة إلى المنزل ليفتح
مخروط المدرسة و يكتشف الهدايا المخبئة بداخله!
صحيح أن التحاق
الطفل بالمدرسة يمثل مرحلة جديدة في حياة أي طفل وفي حياة عائلته أيضا، و لكن في
المانيا يتم الاحتفال بانطلاق هذه المرحلة و يحرص الألمان على جعل اليوم الأول للطفل
في المدرسة مبهجا للغاية.
في العديد من
الأماكن حول العالم، بما في ذلك بلادنا اليمن، لا يحتفى باليوم الأول من المدرسة على الإطلاق. كنت دائما ما أشعر بالحزن أن يومي
الأول في المدرسة لم يكن يوما مميزا، وأعتقد أن الكثير من الناس يشاركونني الشعور
ذاته، و لكنني سعيدة للغاية أن صغيري حصل على يوم جميل ستكون ذكراه مرتبطة دائما
بالفرح و البهجة.