Pages

November 30, 2017

!...عيد الفوانيس



أنيس الباشا

أسير حاملا معي فانوسي
وفانوسي أيضا يسير معي..
في الأعلى تشع النجوم نورا
وفي الأسفل نرسل نحن الضوء..

كانت هذه ترجمة كلمات إحدى الأغاني الألمانية التي كنا نرددها أنا وابني ونحن نسير في الخارج مع مجموعة من تلاميذ صفه وأولياء أمورهم في إحدى ليالي نوفمبر الباردة ونحن نحتفل بمناسبة دينية ألمانية تُعرف ب "يوم القديس مارتن" لكن الاسم الشهير لهذه المناسبة هو "عيد الفوانيس"..وهي مناسبة يتم الاحتفال بها في 11 نوفمبر من كل عام، ورغم أنها مناسبة كاثوليكية بحتة إلا أن الاحتفال بها أصبح تقليدا شعبيا في جميع مناطق ألمانيا بما فيها المناطق البروتستانتية، ولكن من هو هذا القديس مارتين الذي خُصص هذا اليوم له وما هي علاقة الاحتفال به بالفوانيس؟

ارتبط هذا الاحتفال باسم القديس مارتن التوروزي الذي يُعرف بأنه "صديق الأطفال ونصير الفقراء". وُلد هذا الراهب عام 336 بعد الميلاد في فرنسا التي كانت تعرف ببلاد الغال آنذاك. وكان جنديا في الجيش الروماني لكنه كان يكره القتال والحرب لذا ما لبث أن تمرد وأعلن أنه لن يخدم في الجيش ولن يقاتل أحد لأن هذا الأمر ضد عقيدته المسيحية، وأشهر القصص التي تُحكى عن هذا الراهب تقول أنه في أحد أيام العواصف الثلجية وجد رجلا فقيرا شبه عار يرتجف من شدة البرد ولا يجد من يساعده فما كان من الراهب مارتن إلا أن قام بقطع معطفه إلى نصفين اعطى واحدا منهما للفقير والتحف هو بالنصف الآخر وهكذا أنقذ مارتن ذلك المسكين من الموت بردا. وقد بدأ الاحتفال بيوم القديس مارتن في فرنسا أول الأمر ثم ما لبث ان انتشر إلى إيطاليا وألمانيا وبريطانيا والدول الإسكندنافية وبقية دول أوروبا الشرقية لكنه لم يصبح تقليدا احتفاليا في بلد مثل الولايات المتحدة الأمريكية.

وتعتبر الفوانيس الورقية والخروج بها في موكب من أكثر الأشياء التي ينتظرها ويترقبها الأطفال في هذا اليوم بفارغ الصبر حيث يقوم الأطفال – بمساعدة البالغين - قبل مجيء شهر نوفمبر بصنع فوانيس من الورق المقوى وتوضع داخل الفانوس شمعة وفي ليلة الحادي عشر من نوفمبر يحضر كل طفل فانوسه ليشارك في مسيرة الفوانيس، وفي بعض المناطق يصاحب هذا الموكب شخص يقوم بتأدية دور القديس مارتن حيث يرتدي زيا قديما كجندي روماني ويمتطي حصانا. ويقوم العديد من الألمان في هذا اليوم بإعداد وليمة يكون الطبق الرئيسي فيها هو لحم الإوز وذلك تبعا لأسطورة تقول أن القديس مارتن رفض أن يتم ترسيمه أسقفا من قبل الناس وحاول الهرب والاختباء في حظيرة للإوز لكن صياح الإوز كشف مكانه.   

ولأن العادة جرت بأن يتم الاحتفال بهذه المناسبة على مستوى المدارس ورياض الأطفال، فقد تلقينا دعوة من المدرسة في وقت مبكر تُعلمنا بأنه سيكون هناك احتفال بهذه المناسبة وتدعونا للمشاركة في الاحتفال وفي صنع الفوانيس الورقية التي سيحملها الأطفال في ليلة الحادي عشر من نوفمبر. كما تم إبلاغنا بأنه سيكون هناك بوفيه مفتوح في المدرسة بعد انتهاء مسيرة الفوانيس وأن المدعوون بإمكانهم احضار أطباق طعام منزلية للمشاركة في ذلك البوفيه. وهكذا في يوم الحادي عشر من نوفمبر ذهب ابني إلى المدرسة في الصباح حيث أن هذه المناسبة لا تعتبر عطلة رسمية في ألمانيا، وفي المساء كنا جميعا مستعدين وذهبنا للمدرسة مرة أخرى في الساعة الخامسة والنصف مساء. كان الجو بارد وماطرا لذا تمنيت أن يتوقف هطول المطر على الأقل حين نبدأ المسيرة الليلية خارج المدرسة.




وفي المدرسة كان الأطفال في حالة كبيرة من الحماس واللهفة، وكانت مربية الفصل قد رصت جميع الفوانيس الورقية على الأرض بحيث يتمكن كل طفل من العثور على فانوسه الذي يحمل اسمه. عند حوالي الساعة السادسة مساء خرجنا جميعا إلى ساحة المدرسة حيث أمسك كل طفل بفانوسه وقام الآباء والأمهات بإشعال الشموع بداخل كل فانوس ثم صنع الأطفال حلقة دائرية وبدأوا بإشراف المعلمة بترديد بعض الأغاني الخاصة بهذه المناسبة. كان هناك عازف جيتار يصاحب الأغاني بأنغام الجيتار ثم بدأنا التحرك إلى خارج المدرسة والكل يردد ويغني، كان الجو شديد البرودة لكن بدون مطر لحسن الحظ وكنا نمشي في الشوارع الصغيرة المحيطة بالحي بينما الأطفال يمشون ويضحكون بسعادة ويرددون الأغاني بحماس ومرح بصوت عال يشاركهم في ذلك الكبار، وكان كل طفل يحرص على ألا تطفىء الريح شمعته حيث أن اشتعال الفانوس الورقي هو من الحوادث المعتادة في هذا الاحتفال وهو أمر يسبب للطفل الكثير من الحزن والإحباط!










كانت الأغاني جميلة حقا ذات كلمات وألحان معبرة ورقيقة، إحدى الأغاني التي راقت لي يومها كثيرا تدعى "تعال، نريد أن نقوم بمسيرة للفوانيس" وتدور كلماتها حول الاحتفال بالفوانيس وأهمية أن يحتفل الجميع صغارا وكبارا وأن تتسع قلوب الجميع للمرح. بعد أن أنتهينا من الطواف عدنا إلى المدرسة حيث تجمع الجميع في أحد الصفوف وبدأوا بالأكل، بالطبع أنهى الأطفال أكلهم بسرعة وانطلقوا للعب والجري بين الفصول ، ويبدو أن كون المدرسة فُتحت مساء ذلك اليوم للعب والمرح قد أشعل حماستهم فقد كانوا يلعبون بحماس كبير ويمرحون بشكل جنوني. وعند حوالي الساعة السابعة والنصف مساء قام الكبار بإعادة ترتيب المكان وتنظيفه ثم غادرنا إلى المنزل حاملين معنا بالطبع الفانوس الخاص بولدنا.










برغم أن كثير من المناسبات والأعياد الدينية في الغرب أصبح يغلب عليها الطابع التجاري البحت إلا أن المشاركة في بعض هذه المناسبات هو أمر ممتع وجميل خصوصا تلك الاحتفالات التي ينخرط فيها الناس مع أطفالهم. قبل ذلك اليوم لم نكن نعلم أي شيء عن القديس مارتن لكن هذا لم يمنع من استمتاعنا بتلك الأمسية وبالمسيرة الليلية الفانوسية، وقد قرأت لاحقا أن الغرض من هذا الاحتفال هو تسليط الضوء على التواضع والايثار وهما خصلتان مهمتان في حياة جميع الناس سواء في الشرق أم في الغرب، وكم نحن بحاجة ماسة لمن يضيء للآخرين الطريق ويدل ويرشد على الخير تماما كما يبدد فانوس ورقي صغير قليلا من ظلمة الليل. 

November 19, 2017

!اليوم العالمي للمرحاض.....أعزكم الله






رشا المقالح 


لا يذكر الحمام بين المتحدثين في العالم العربي إلا و قال المتحدث للسامع - كنوع من التأدب - عبارات تنزيهية أو ربما اعتذاريه على غرار "أعزك الله" ، "أكرم الله السامعين"، و غيرها، و ربما كان ذلك مفهوما فالحمام هو المكان الذي تُقضى فيه الحاجة.. لكن ربما يفوت البعض أن المرحاض يحافظ على حياتنا و ينقذ أرواح الكثيرين! 

و لهذا أقرت الأمم المتحدة أن يكون التاسع عشر من شهر نوفمبر من كل عام يوما عالميا للتذكير بأهمية المرحاض في تصريف النفايات البشرية و التي يمكن أن تنشر أمراضا قاتلة في حالة عدم التخلص منها بالطريقة الصحيحة و كذلك للفت أنظار العالم إلى أن هناك ملايين البشر الذين لا تتوفر لديهم وسائل الصرف الصحي الآمنة و الملائمة.

و لكنني في تدوينتي  هذه – و بمناسبة يوم المرحاض العالمي -  سأتحدث عن الاختلافات التي لاحظتها بين الحمامات في بلادنا و بين الحمامات في البلاد الغربية، و هي اختلافات و ان كانت تعد طريفة إلا أنها مثيرة للاهتمام، فعلى سبيل المثال  كتبت قبل مدة تدوينة عن رحلتي إلى مدينة فتزلر و التي تقع في غرب وسط  ألمانيا، و كان من ضمن مشاهداتي في تلك الرحلة وجود فتحة لتصريف المياه على أرضية الحمام الملحق بالغرفة التي مكثت فيها خلال مدة إقامتي هناك.  وقد أثار هذا الأمر انتباهي حينها لأني اعتدت على أن أرضية الحمامات في البلاد الغربية لا تحتوي على فتحات لتصريف المياه. بعكس ما هو عليه الأمر في بلادنا اليمن و الذي تُعد فتحة تصريف الحمام أمرا اعتياديا لا يثير انتباه أحد، و لهذا و عندما قرأت إحدى قريباتي تلك التدوينة شدت انتباهها تلك الملحوظة التي كتبت عنها و سألتني عندئذ باستغراب : " كيف يتم تنظيف الحمام عندكم إذن؟"

 الدهشة التي أصابت قريبتي عندما عرفت أن أرضية الحمام في البلاد الغربية لا تحتوي على فتحة لتصريف المياه هي نفس الدهشة التي أصابتني عند بداية إقامتي في أوروبا.و قد كان هذا موضوعا للتندر فيما بيننا ثم وعدتها أن أكتب موضوعا كاملا عن هذا الأمر فطلبت مني ألا أستغرق وقتا طويلا لأنها كلما دخلت إلى الحمام ستشعر دائما بالحيرة و ستستغرق في التساؤل عن الكيفية التي أقوم فيها بتنظيف الحمام. و لأنه لا يوجد أفضل من اليوم العالمي للمرحاض للكتابة عن الحمامات، فقد قررت أن اكتب عن الحمام في يومه العالمي!

فما هي ابرز الفروقات بين الحمامات في اليمن و الحمامات في بلاد الغرب؟!

لا توجد فتحة تصريف!
هنا تعد أرضية الحمام مثلها مثل أرضية أي غرفة أخرى في البيت بغض النظر عن وجود المياه فيها! حيث يتم فرش أرضية الحمام بسجاجيد خاصة تمتص البلل و تحافظ على أرضية الحمام جافة و نظيفة، حتى أنك لا تحتاج هنا إلى لبس شبشب خاص بالحمام!  و في محلات الأثاث و الديكورات ستجد قسما كاملا خاصا بالحمامات تباع فيه تلك السجاجيد و بقية ملحقات الحمام. و لكن السؤال الذي ربما سيتبادر إلى ذهن أي شخص قادم من اليمن و خاصة النساء ." و لكن كيف يتم تنظيف الحمام دون وجود فتحة تصريف؟؟!!"  

 فنحن في اليمن نقوم بتنظيف أرضية الحمام بصب الماء عليها صبا ثم نستخدم قشاطة الماء و هي أداة  تتكون من عصا طويلة يوجد في نهايتها قطعة أفقية مصنوعة من المطاط ، نستخدمها لتجميع الماء ليصب في فتحة التصريف الموجودة على أرضية الحمام.





و الحق يقال أنني كنت أعتقد في السابق أن هذه هي الطريقة الوحيدة لتنظيف أي حمام في العالم و لكني هنا تعرفت على طريقة أخرى، يبذل فيها مجهود أقل و لكنها فعالة أكثر كما أنها أكثر توفيرا للمياه و محافظة على أرضية الحمام في نفس الوقت . فالادوات المستخدمة في تنظيف أرضية الحمام هنا هي عبارة  ممسحة و  دلو يحتوي على فتحة لعصر الممسحة. و يتم ملء الدلو بالماء الدافيء و وضع الكمية المناسبة من منظف خاص بالأرضيات، ثم توضع الممسحة بداخل الدلو و تغمر تماما بالماءو يتم تحريكها عدة مرات، ثم يتم وضعها على فتحة العصر و عصرها جيدا حتى تخرج كميات الماء الزائدة منها. ثم يتم بعدها مسح الأرضية و يعاد تكرار العملية عدة مرات حسب الحاجة. بعدها تترك الأرضية حتى تجف أو يتم تجفيفها بممسحة أخرى للتجفيف و من ثم يعاد فرش السجاجيد الخاصة بأرضية الحمام.



كابينة الاستحمام
 و مما يساهم في الحفاظ على أرضية الحمام جافة هي أن الاستحمام يتم في كابينة مغطاة بشكل كامل بحاجز محكم يمنع خروج الماء اثناء الاستحمام و تطايره على أرضية الحمام . أما بعد الانتهاء من الاستحمام فيتم تنشيف القدمين بمنشفة خاصة توضع على الأرضية  أمام كابينة الاستحمام مباشرة.












لا توجد شطافات
شطافة التواليت
يعد الماء أمرا أساسيا في عملية الاستنجاء من الفضلات في بلادنا  مما يجعل الشطاف أداة لا غنى عنها في الحمام أو ربما في حالة غياب الشطاف لا بد من وجود حنفية بجانب المرحاض حيث يوضع أسفلها دلو ماء و وعاء لغرف الماء و لكن الأمر ليس كذلك أبدا في البلاد الغربية حيث أن الماء لا يستخدم في الاستنجاء من الفضلات و إنما تستخدم المناديل الورقية لإزالتها و تسمى تلك المناديل بورق التواليت. و ربما كان ذلك من الأمور التي تساهم في الحفاظ على أرضية الحمام جافة طوال الوقت!






ورق التواليت


لا يوجد مرحاض "عربي"
من الشائع لدينا جدا في اليمن و خاصة في العمارات السكنية الحديثة وجود نوعين مختلفين من المراحيض في الحمام الواحد: المرحاض العربي و المرحاض الافرنجي. لكن هنا في البلاد الغربية لا توجد في الحمامات سوى المراحيض الافرنجية، و يعد ذلك أمرا صادما لكثير من العرب الذين لم يعتادوا على المرحاض الإفرنجي بل إنه يسبب لبعضهم معاناة بالغة و صعوبة في التأقلم و قد سمعت قصصا طريفة للغاية عن هذا الأمر.

و مع ذلك فقد صادفت خلال مدة اقامتي في أوروبا مراحيض عربية مرتين فقط إحداها في مدينة كارل سروه الألمانية و التي تقع جنوب غرب المانيا، و كان ذلك في الحمام التابع لدائرة الهجرة هناك و الأخرى في إحدى دورات المياه التابعة لمحطة القطار الرئيسية في مدينة تقع أقصى شمال إيطاليا على الحدود السويسرية!
 الطريف في الأمر ان المرحاض العربي يسمى في ايطاليا "توركا" أي تركي، و هنا طرأ في ذهني سؤال: هل ما نسميه بالمرحاض "العربي" هو تركي الأصل؟  عندما بحثت عن الأمر وجدت أن ما نسميه بالمرحاض العربي لا يعد حكرا على العرب فقط و إنما منتشر في بلدان أخرى مثل اليابان و الصين و شرق آسيا....



مرحاض "عربي" في المانيا




مرحاض "عربي" في إيطاليا

وبغض النظر عن مسألة أي نوع من  المراحيض هو الأفضل صحيا و ما يرافق ذلك من جدل دائر حتى في الأوساط الغربية و انقسام الناس بين فريقين: فريق يرى أن قضاء الحاجة على الطريقة الغربية غير صحي مقارنة بالطريقة "العربية" او ما تسمى بطريقة "القرفصاء"، وفريق آخر يصر على العكس، حتى تحول الأمر أحيانا إلى معارك اعلامية واجتماعية ساخنة كما حصل هنا في ألمانيا قبل حوالي شهرين حين تحولت مسألة بناء مرحاض "عربي" وصف بالإسلامي في أحد المراكز الثقافية إلى قضية رأي عام شغلت الناس! 

و في كل الأحوال فإن التنقل بين البلدان المختلفة يجعلك في مواجهة دائمة للاختلافات الثقافية و المعيشية، و ستجد أن أبسط التفاصيل التي كنت معتادا عليها و التي لا يمكنك أن تتخيل حياتك بدونها ستجد أنها في بلد آخر تعد أمورا غريبة لا وجود لها في حياة الناس بل أنهم لا يتصورون وجودها أصلا.....و من بينها فتحة تصريف الماء على أرضية الحمام!