Pages

July 27, 2018

!.... ليلة سقوط "التحيتا"



Pic from Pexels





أنيس الباشا


كنا نشاهد نشرة الأخبار المسائية، وحين جاء الدور على ما يجري في اليمن، إذا بالخبر يقول أن قوات ما يُسمى إختلاقا وسخرية ب "التحالف العربي" مسنودة بما يسمى زورا وبهتانا ب "القوات الموالية للشرعية" قد تمكنت من "استعادة" السيطرة على مديرية التحيتا في محافظة الحديدة التي تشهد قتالا عنيفا منذ عدة أيام بين تلك القوات وبين القوات اليمنية الأخرى المناوئة لها..

التحيتا.. تلك المديرية التعسة التي تعاني منذ عقود من الفقر وسوء ونقص الخدمات الأساسية و التي لم يخطر ببال أكثر ابناءها جموحا وخيالا أن مديريتهم سوف تتصدر يوما نشرات الاخبار العالمية وستكون محور نقاشات وتحليلات وحلقات اخبارية خاصة، تحولت هذه المنطقة بين ليلة وضحاها إلى "نجم" إخباري يتبارى المحللون والمعلقون الاستراتيجيون في الحديث عنها وعن تطور سير العمليات العسكرية التي تستهدف اتمام السيطرة عليها! كيف سيكون الحال إذا وكم سيتطلب الأمر من أجل معركة السيطرة على زبيد أو بيت الفقيه؟ بل ماذا عن مدينة الحديدة نفسها؟

هذا الخبر بحد ذاته كان دليلا كافيا على مدى عبثية وحقارة هذه الحرب التي تشنها السعودية والامارات منذ اكثر من ثلاث سنوات ضد اليمن واليمنيين بدون أن يكون لها أي بعد استراتيجي أو اهداف سياسية أو حتى منطقية لدى الأطراف المتصارعة بشكل مباشر، وهي حرب لا زالت مستمرة وسوف تستمر للأسف على الاقل في المدى المنظور ما لم تحدث أمورا غير متوقعة تغير دفة الأحداث، فالذي يقود هذه الحرب ظاهريا سواء في السعودية أو في الامارات هم أشخاص غير اسوياء يعانون من أمراض نفسية و محكومون بعقد جنون العظمة وخيالات وأوهام النفوذ والسيطرة ، وفي نهاية المطاف فهم في واقع الامر ليسوا إلا "مخالب" قذرة تستخدمهم قوى خارجية أكبر وأكثر ذكاء منهم لها أهدافها وأجندتها في المنطقة، وقد تحقق بالفعل بعضا من أهداف هذه القوى على حساب دماء ومعاناة وتجويع شعب بأكمله هو الشعب اليمني الذي ليس له ناقة ولا جمل في هذه الحرب التي فُرضت عليه والتي لم يكن أكثر اليمنيين إفراطا في التشاؤم ليتخيل حتى امكانية حدوثها يوما ما..

نعود لموضوع "التحيتا" الذي يبدو أنه سيظل يشغل وسائل الاعلام لفترة لا بأس بها، فالمعارك الشرسة للسيطرة على هذه المديرية تتراوح بين كر وفر، والطرف المعتدي يحشد ويجند ويدفع بكل طاقاته ليسيطر على بعض مناطق تلك المديرية ثم ما يلبث أن يفقد تلك المناطق لصالح الطرف المقاوم له ويتراجع ليحشد من جديد محاولا "استعادة" تلك المناطق وهكذا دواليك، ويستمر ذلك الكابوس المرعب مخلفا وراءه المزيد والمزيد من المعاناة والعذاب لأبناء المنطقة بينما تستمر نشرات الاخبار في التحليل والعرض واستضافة الخبراء كي يتحدثوا عن أهمية وخطورة مديرية "التحيتا" وكيف ان السيطرة عليها ستشكل نقطة تحول خطيرة في مسار الحرب – الممتدة منذ أكثر من ثلاث سنوات والتي لم تُحسم ولا في أي جبهة أكثر أهمية من التحيتا – حتى ليظن المشاهد الذي لا ينتمي للمنطقة انهم يتحدثون عن سقوط القسطنطينية بيد محمد الفاتح أو بغداد في يد التتار أو روما على يد هانيبال!

أما بالنسبة لنا كيمنيين عشنا وترعرعنا هناك فالصورة أمامنا مختلفة تماما، أنا شخصيا وُلدت في مدينة الحديدة التي تبعد عنها التحيتا بضعة كيلومترات ولا زلت أذكر أن اسم التحيتا لم يكن يُذكر بين أهالي الحديدة إلا على سبيل الدعابة والسخرية المريرة لمنطقة لا يوجد بها أي آثار تاريخية أو معالم سياحية وتعاني من الفقر وسوء الخدمات وذلك قبل أن يكون هناك ما يسمى بربيع عربي أو قوات شرعية أو حوثية! ولا أظن أن أهالي مديرية التحيتا سيرفع من معنوياتهم أو يخفف من معاناتهم معرفة أن كل ما يتعلق بمنطقتهم - التي كانت إلى وقت قريب منسية و مهملة - من معلومات وبيانات جغرافية وصور الأقمار الصناعية يجري عرضه وبحثه وتحليله باستخدام أرقى وأحدث شاشات الكومبيوترات المتناثرة في أروقة ودهاليز ومكاتب المباني التابعة لوزارت الدفاع ومكاتب الاستخبارات الأمريكية والفرنسية والبريطانية!

الصورة التي نراها والتي يُفترض أن يراها كل انسان لديه القليل من الضمير والأحساس للوضع في البلد بأكمله هي صورة سوداء قاتمة عبثية ومؤلمة..مؤلمة إلى حدود لا يقدر العقل البشري على تصورها، فهذا البلد الذي كان اسمه يوما ما "السعيد" لم ير أياما سعيدة منذ دهور وظل ابناؤه إلى وقت قريب يعيشون ويكافحون في ظل ظروف حياتية صعبة للغاية لا يقدر أحد أن يتحملها ولا توجد في كثير من الدول الأخرى ، ومع ذلك كانت الحياة تمضي بشكل أو بآخر و أغلب الناس يحاول البقاء كل بقدر استطاعته وبحسب ظروفه وحظه والكل يمني نفسه بغد أفضل قد يأتي وقد لا يأتي لكن الأمل يظل هناك في متناول الجميع لا يمكن لأحد مصادرته أو تحطيمه..و لكن المتربصون بهذا البلد المثقل المتعب استكثروا على ابنائه أن يعيشوا هذه الحياة المليئة بالضنك والشقاء فجاؤوا بملايينهم وأطماعهم وسفاهتهم ليزيدوا الحياة تعاسة وبؤسا وليدخلوا البلد في وضع ما كان أكبر متشائم ليجرؤ حتى على مجرد تخيله!

الصورة يمكن تلخيصها في معاناة شعب بأكمله ظل غالبية أبناؤه لعقود يعانون من الفقر والظلم والفساد السياسي والاداري وسوء توزيع الثروة ومع ذلك استطاعوا بمعجزة ما أن يعيشوا ويصمدوا ويستمروا إلى أن وصلتهم أمواج ما سُمي ب "الربيع العربي" فتفاءل الجميع وظنوا أن المعجزة قد حدثت وأن آوان التغيير للأفضل قد حان، فإذا بالربيع يتحول إلى خريف رمادي قاتم ليس هناك بصيص ضوء يتخلله..ودُمر البلد وتمزق على أيدي المعتدين الخارجيين وعلى أيدي الأطراف اليمنية أيضا التي جميعها بلا استثناء تحركها أطماع ومآرب مختلفة لا تصب إلا في أطر مصالح ضيقة وذاتية بعيدة كل البعد عن مراعاة المصلحة العامة ومعاناة الناس..  وإنني على يقين من أن أغلب الناس في اليمن الآن - إن لم يكن جميعهم ليحلمون بأن تعود أيام الظلم والفساد وسوء توزيع الثروة تلك، ومن المؤكد أنهم حين يقارنون تلك الأيام بما آل إليه الحال الآن فإنهم يجدون تلك الايام الصعبة أشبه بحلم وردي جميل ولى وترك خلفه ذكرى عاطرة يحن إليها من يتذكرها!

المسألة ليست في أن "تسقط" التحيتا في أيدي من تدعمهم الامارات والسعودية أو يستعيد السيطرة عليها الطرف الآخر المناوىء لهم، المسألة أن هذه الحرب العبثية فقدت بوصلتها تماما في ظل صمت دولي وتعتيم إعلامي وأصبحت عبارة عن تراجيديا حقيقية تتضاءل جوارها كل المآسي التي شهدها العالم منذ قرونا من الزمن، هذه المآساة التي يعيشها اليمنيون لن يوقفها سقوط التحيتا أو زبيد أو الجراحي أو غيرها من المناطق، ولن يخفف من معاناة اليمنيين آراء الخبراء السياسيين الذين يتحدثون عن معركة التحيتا وكأنها معركة  اكتيوم أو ستالينجراد أو عين جالوت، معاناة اليمنيين في كافة أرجاء اليمن ستستمر سواء سقطت التحيتا أو لم تسقط، وما ينطبق على التحيتا ينطبق على ما عداها، ولا يسقط في كل هذه المعارك والصراعات حتى الآن إلا بقايا الأمل في قلوب الناس في غد ربما يكون أقل قساوة وأكثر رحمة وانسانية..

June 29, 2018

!... الحياة بدون أسوار

ب





أنيس الباشا



من منا لا يذكر كيف كان شكل سور المدرسة التي كان يدرس بها؟ لا شك إن كثيرين قد حاولوا أو على الأقل قد شهدوا بعض محاولات "الفرار" من المدرسة عن طريق تسلق سورها. بالنسبة لي، فإن من أكثر المناظر التي رأيتها في أوروبا ولا زالت تستوقفني كلما صادفتها هي مشهد المدارس الكبيرة التي لا تحيط بها أي أسوار ومع ذلك يتواجد جميع الطلاب أطفالا كانوا أم مراهقين في المدرسة طوال وقت الدوام ولا يفر منهم أحد أو يفكر حتى مجرد التفكير في أن يغادر المدرسة عبر بابها "المفتوح" دائما أو عن طريق عبور تلك الأسوار بالغة القصر التي تعطي للمدرسة حدودها وشكلها الخارجي فقط ويمكن لطفل صغير أن يتخطاها بكل بساطة! 

نموذج لسور بيت يطل على الشارع مباشرة لكن السور قصير للغاية

شكل آخر لسور منزلي وبوابة المنزل نفسه مفتوحة

كثير من الاسوار المنزلية لها غرض جمالي وديكوري بحت


كثير من الأسوار المنزلية عبارة عن سياج من الأشجار المهذبة والمقلمة




وفي كل مرة أذهب فيها إلى المدرسة التي يؤمها ابني كي أشارك في أحد الفعاليات الخاصة بالتلاميذ وآبائهم أجد نفسي دائما أتوقف مبهورا أمام مشهد التلاميذ وهم يجرن ويلعبون ويلهون في ساحات المدرسة الواسعة وبجوار بابها المفتوح دائما وأسوارها بالغة القصر ومع ذلك لم أر تلميذا واحدا "نط" من فوق السور أو حاول حتى مجرد محاولة عبور السور إلى الخارج! هذه المشاهد لا تستوقف الناس هنا على الإطلاق فهي من الأمور الروتينية التي وجدوها ونشأوا عليها منذ الصغر، لكن بالنسبة لنا فعدم وجود أسوار هو أمر عجيب للغاية، حتى شقيقي حين زار  كوريا الجنوبية منذ عدة سنوات استوقفه ايضا مشهد المدارس والجامعات التي لا تحيط بها أي أسوار! فهذه المشاهد قطعا غير مألوفة لنا..

البوابة الرئيسية لمدرسة ابني وقد التقطت الصورة  في فترة الاستراحة حيث كان الاطفال يلعبون ويقتربون من البوابة بدون أن يتعدها

جانب من سور مدرسة ابني وهو سور قصير يمكن لاي طفل أن يتسلقه بسهولة


ففي بلادنا يختلف الأمر ، و منظر الأسوار هو أمر معتاد وشائع للغاية ، فهي موجودة ومنتشرة أينما ذهبنا، فلدينا أسوار تحيط بالمدارس، وأسوار تحيط بالبيوت، وأسوار تحيط بالمباني والشركات والمنشآت الحكومية، بل أن عندنا أسوارا تحيط بمساحات شاسعة وخالية من الأراضي الجرداء! فبالنسبة للمجتمعات العربية الشرقية تمثل الأسوار جزءا هاما في حياة الناس، والهدف منها في العادة هو الحماية وطلب الأمان و "إبعاد" المتطفلين والمتلصصين والفضوليون، أما بالنسبة للمدارس والجامعات فإن الهدف من تلك الأسوار هو إبقاء الطلاب واحتجازهم داخل مرافق المكان إلى أن ينتهي الدوام وحماية هذه الاماكن من "دخول" أي عناصر خارجية لا تنتمي للمكان، ولأن كل مفروض مرفوض وبسبب طبيعة وفطرة الإنسان الرافضة للتقييد والكبت فإن محاولات الفرار من مباني 
المدارس لا تنتهي ولا تتوقف.


 بل أن تلك المحاولات قد تنتهي أحيانا بنهايات مأساوية، أتذكر في أحد المرات حين كنت أدرس في المرحلة الإعدادية أننا شاهدنا من نافذة الصف محاولة فرار أحد الطلاب الذي تسلق أحد أسوار المدرسة العالية "يبلغ طوله أربعة أمتار على الأقل" وحين حاول النزول إلى الجانب الاخر قام بالتشبث ببعض كابلات الكهرباء الممدودة وللأسف فقد صعقه التيار ومات! ولو أن شخصا من خارج اليمن رأى ذلك المشهد المرعب لما تصور للحظة أن هذا "الهارب" هو مجرد طالب أراد الفرار من مبنى المدرسة ولظن أن الأمر يتعلق بمجرم خطير يقضي فترة عقوبة مؤبدة في أحد السجون المخصصة لعتاة المجرمين أو أنه سفاح محكوم عليه بالإعدام لذا يحاول بكل طريقة أن يفر من المكان كي ينقذ حياته!

لا أذكر أني تسلقت سور المدرسة يوما، لكني أذكر في أحد المرات أثناء الفسحة أننا كنا نتمشى في أروقة المدرسة لنجد أن أحدهم نسى اغلاق أحد الأبواب الخلفية للمدرسة التي تقود إلى الخارج والتي تكون مغلقة بإحكام في العادة لأن الدخول والخروج من وإلى المدرسة يكون عادة عبر بابها الرئيسي الضخم الذي يقف عليه حارس أو اثنين، وعندها أصابنا نوع من العته والاندهاش الممزوج بالسعادة لذلك الاكتشاف الخطير لدرجة اننا كنا نخرج من ذلك الباب إلى الشارع ثم نعود مجددا إلى المدرسة غير مصدقين أنه بإمكاننا مغادرة ذلك الحصن المسمى "مدرسة" هكذا ببساطة ومن ثم العودة إليه كما نشاء حتى أن البعض أصيب بنوبة من الهستيريا من هول وروعة ذلك الاكتشاف ! أما عندما يتعلق الأمر بالبيوت فإن الأسوار في بلادنا قد يتجاوز ارتفاعها الاربعة أمتار خصوصا تلك الأسوار التي تحيط بمنازل الأغنياء والمسئولين وأصحاب المناصب، ومن المشاهد المألوفة في اليمن أن ترى بيوتا و "فيلات" فخمة تحيط بها أسوار مرتفعة وممتدة على طول البصر، وعادة ما يكون هناك علاقة طردية بين ارتفاع وطول السور ومكانة أومنصب أو ثروة صاحب المنزل، أما البيوت العادية فتحيط بكثير منها أسوار أقل ارتفاعا وإن كانت مقارنة بالبيوت هنا في أوروبا تُعد مرتفعة ومبالغ في طولها وحجمها وامتدادها.

 ومع ذلك فإن تلك الاسوار التي تحيط بالبيوت في مجتمعاتنا كثيرا ما تفشل في منح الأمان والحماية والخصوصية لأصحابها. وأتذكر منزلا لأحد أغنياء المدينة التي عشت فيها طفولتي كان يحيط به أسوارا شاهقة يتجاوز ارتفاعها الأمتار الستة لكن هذا لم يفت في عضد المتلصصين الذين يجن جنونهم حين يرون أسوارا عالية كهذه ويتملكهم الفضول لمعرفة ماذا يوجد وراءها، لذا فقد كان البعض يصعد إلى هضاب الجبل الكبير المطل على المدينة كي يتمكن من رؤية ما وراء تلك الاسوار!

إن الأسوار التي نراها في كل مكان في مجتمعاتنا هي انعكاس لمظاهر الكبت والقمع والانغلاق الذي يعاني منه الناس، وكلما زادت الاسوار وعلت زادت الرغبة لدى الناس في محاولة تسلق هذه الاسوار سواء للفرار منها أو لمعرفة ما الذي يجري وراءها أو بداخلها. ووجود الأسوار المرتفعة في كل مكان هو دليل أيضا على تدني مستوى الوعي والتحضر لدى أفراد المجتمع، فمعظم بيوت الناس في الدول الغربية المتقدمة لا تحيط بها أي أسوار وكذلك الحال بالنسبة للمدارس والمنشآت والمباني، ومع ذلك فالجميع يحترم خصوصية الآخرين ولا يعتدي أو يتعدى عليها، والتلاميذ يذهبون يوميا للمدارس ويبقون هناك حتى انتهاء الدوام لا يفرون ولا يتسلقون الاسوار رغم انخفاضها الشديد بل ولا يحاولون حتى الخروج حتى عبر الابواب المفتوحة على الدوام بدون حراسة ولا حراس.

كثير من الاسوار الغرض منها فقط تحديد ملكية المكان ومساحة الارض المزروعة



إن وجود الاسوار وشكلها وحجمها هو بمثابة مؤشر فعلي على طبيعة وثقافة المجتمع، ففي المجتمعات المتقدمة التي تسود فيها لغة القانون والحقوق والواجبات ولا يُسمح فيها بأي شكل من أشكال القمع والقهر حتى في داخل البيوت وبين أفراد الأسرة الواحدة، هذه المجتمعات لا تنتشر فيها الأسوار العالية ولا يشعر أفرادها بأنهم في سجن مفروض عليهم وتتولد لدى الجميع صغارا وكبار الرقابة الذاتية فيذهب الطفل إلى المدرسة ويبقى بداخلها بإرادته ورغبته رغم انه لا يوجد في المبنى أي أسوار، والعكس في المجتمعات المتخلفة التي ينتشر فيها الظلم والقهر والقمع ويكون القانون فيها مجرد حبر على ورق وسيف مسلط فقط على رقاب الضعفاء، ففي هذه المجتمعات يشعر الناس بأنهم دائما في سجن لذا يحاولون الفرار منه بأي شكل ومتى ما سنحت الفرصة وكانت هناك تغرة في السور تسمح بالهروب أو بالتلصص واستراق النظر عبرها لأن الرقابة الذاتية واحترام خصوصيات الغير ثقافة لم يتربى عليها أفراد هذه المجتمعات "المسورة"!



لذلك فإن هذه المشاهد سواء مشهد التلاميذ في فناء المدرسة التي ليس لها سور أومشهد البيوت التي لا تحيط بها الأسوار ومع ذلك فتلاميذ المدارس لا يفرون من المدرسة وخصوصية الناس في بيوتها التي لا تحيط بها الأسوار محفوظة ومصانة، ستظل هذه المشاهد تستوقفني دائما وتجعلني أدرك بشكل عملي معنى التحضر والتقدم الإنساني والمجتمعي ، وسأظل كلما رأيت هذه المشاهد أتحسر و أقول "اللهم ارزقنا أسوارا أقل ارتفاعا وسلوكيات أكثر علوا"!

April 27, 2018

.... لن نُهزم



Pic from Pexels




أنيس الباشا



لن نُهزم..
أنى يُهزم من كان تاريخه
يضاهي الجبال..
كيف يُقهر من كان اعداؤه..
حفنة من "أشباه الرجال"!

لن نُهزم..
فنحن تاريخ و أصل و حضارة..
أما هُم.. فبقايا ولمم
بُعثرت فوق صحراء وحجارة..

لن نُهزم.. ولن ننكسر
بل سننهض من بين الرماد يوما..
لنقول ها قد عدنا..
كي نحيا ، وكي ننتصر..

لن نُهزم ..
هل سمعتم أن أُسد الغاب
تأذت يوما من عض الأرانب؟
أما علمتم أن كل حشودهم وجيوشهم
أوهى وأضعف من بيوت العناكب؟

لن نُهزم..
طالما بقى لدينا أناس..
ثابتون كألف ألف حائط
موقنون أن الدم والصبر
سيعيدان رسم كل الخرائط..

لن نُهزم..
فنحن أرض الكرامات
و أحفاد من نصروا
نحن مهد الحضارات
وقبر كل من عبروا..
أما حُفاة النفط
إن صالوا وإن صخبوا
فالقرن منبتهم..

والقرن -بإذن الله- مُنكسر! 


نوفمبر 2016 

March 22, 2018

صُناع الطغاة









الصورة من موقع Pixabay


أنيس الباشا




إذا كان لدى شعوب العالم المتقدمة ما تتباهى به في مجالات الحياة الإنسانية والعلمية والصناعية، فإن الشعوب العربية لديها أيضا مجال لا تستطيع أمة أخرى أن تنافسها أو تتفوق عليها فيه ألا وهو "صناعة" الطغاة والجبابرة..!

فمن يقلب في صفحات التاريخ القريب للأمة العربية سيجد أنه في مقابل الجهل والتخلف والتأخر عن اللحاق بركب التقدم والتنمية الحقيقية هناك شبه اتفاق – ضمني بالطبع - على إنتاج مجموعة من الأفراد المستبدين الذين يتحكمون في مصائر ومقدرات الأمة بدعاوى ومزاعم مختلفة كثير منها ما هو مضحك وقد يدعو للسخرية في نفس الوقت خصوصا بعد كل التقدم والتطور الذي شهدته وتشهده البشرية في العقود الأخيرة.. و في النهاية المحصلة دائما واحدة وهي شعوب ضائعة متخلفة مشتتة ومنقسمة وفي واجهتها وعلى رأسها ذلك الفرد "الملهم" المستبد وحاشيته الذين يستفيدون من هذا التشتت والانقسام ليبقوا ويحكموا ويثروا على حساب البلد والناس...

إن اللوم الحقيقي لا يقع على هؤلاء الطغاة والمستبدين لأن الطمع وحب السيطرة والاستبداد هي نوازع بشرية فطرية مؤهلة للخروج متى ما وجدت المناخ الملائم والتربة المناسبة لها كي تنمو وتزدهر.. وتضطر للانزواء والتقوقع إذا ما وجدت الرادع الصحيح المتمثل في قوة القانون وتفعيل المحاسبة والرقابة.. وإدراك هذه الحقيقة والاعتراف بوجودها هو الذي أنشأ الحاجة في الغرب لوجود القانون الذي يحفظ ويصون مصالح المجموعة ويمنع استبداد الفرد الواحد بمصائر ومقدرات "أمة" أو مجموعة من البشر تعيش في رقعة جغرافية معينة وتتشارك موارد محدودة أو متنوعة.. وهذه الحاجة نشأت منذ قرون وتطورت بمرور الوقت لتصل إلى مجموعة من الأنظمة والقوانين العصرية التي تحدد علاقة المحكوم بالحاكم وتوضح بدون لبس الحقوق والواجبات لدى كلا الطرفين وتنزع تماما فكرة تقديس الفرد الواحد الملهم أو الزعيم الرمز الفذ الذي يمثل ظل الله على الأرض..

لكن للأسف يبدو أن الشعوب العربية لم تدرك بعد هذه الحقيقة أو أنها تدركها لكن هناك شيء أشبه ما يكون ب الموروث الجمعي الذي يجعل من هذه الشعوب رهينة دائما بيد المستبد ..والغريب أنه وفي عصر تقارب العالم وتحوله لقرية صغيرة فإن هذه الشعوب تشاهد وترى كيف يحصل غيرها على حريته وحقوقه وكرامته ولكن بالنسبة لها فإن هذا الأمر يبدو لها نوعا من "الخيال" الذي يصعب تحقيقه ولذلك تستمر بنجاح في الشيء الذي لا تجيد سواه ألا وهو صناعة المزيد من الطغاة وممارسة "الوثنية" السياسية بأبهى صورها!

ومن المؤسف أن الإسلام جاء ليحارب هذه الوثنية السياسية وليعطي الناس الحرية والكرامة التي يستحقونها لكن الشعوب التي تدين بهذا الدين العظيم هي اليوم أبعد ما تكون عن الحرية والكرامة وجميعها غارقة في التخلف وانعدام الحريات واهدار الكرامة..وإلى جانب غرق هذه الشعوب في مستنقعات الجهل والظلم في عصر ميثاق حقوق الإنسان وغزو الفضاء فإن هذه الأمم مشغولة بعبادة الحاكم وتمجيده وقبوله كقدر حتمي لا مفر منه ولا مخرج!

والسؤال الذي يطرح نفسه هو كيف يصنع العرب طغاتهم ولماذا رغم قيام بعض الثورات في العالم العربي قديما ضد هؤلاء الطغاة أو مؤخرا عبر ما اصطلح على تسميته ب "الربيع العربي" ومع ذلك لازالت الشعوب العربية ترسف في قيود الظلم والذل والاستبداد؟

إن السبب الأول والأساسي فيما تعانيه هذه الشعوب أن طبع "الاستبداد" موجود بنسب متفاوتة وصور مختلفة لدى جميع أفرادها..فالله سبحانه وتعالى عدل لا يظلم ولا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.. إن هؤلاء الطغاة والمستبدين لم يأتوا إلينا من الفضاء الخارجي بل من داخل مجتمعاتنا.. و للأسف فإن كل فرد في مجتمعاتنا العربية المسلمة هو مشروع مستبد ينتظر الفرصة الملائمة لينمو ويبرز أسنانه ومخالبه..وهذا الاستبداد يمكن ملاحظته على نطاق بسيط مثل استبداد رب الأسرة بزوجته وأفراد عائلته أو رب العمل بمرؤوسيه أو بعض الآباء والأمهات بأولادهم وهكذا وصولا إلى المنظور الأوسع وهو استبداد فرد ما بأمة بأسرها!

العامل الثاني لاستمرار بقاء الطغاة مرهون بعلاقة تفاعلية بينهم وبين الشعوب التي يحكمونها.. فإذا استمرت الشعوب تنظر للحاكم بوصفه ذلك الفرد الملهم الذي لا يخطأ ولا يُحاسب ولا يُسائل بل وفوق ذلك تستمر في النفاق و"التطبيل" له سواء كان ذلك نتيجة فهم خاطئ للدين أو بسبب موروث اجتماعي قاصر يضع الحاكم فوق مصاف البشر، أو لأجل مصالح مادية يغدقها الطاغية على الحاشية والبطانة التي تعاونه وتثبته في سدة الحكم.. فإن هؤلاء الطغاة سيظلون قدرا حتميا لا مفر منه.. ويوم يفهم الناس طبيعة ودور الحاكم وحقيقة مسئولياته وأنه في أبسط عبارة مجرد "خادم" لهم لا "سيدا" عليهم..حينها فقط يمكن أن تحصل هذه الشعوب على حريتها وكرامتها 
وحقوقها ..  


وفوق هذا كله فإن الانعتاق من العبودية والتمتع بالحرية يتطلب أن يكون هناك استعداد فطري ونفسي لدى أفراد 
الأمة، وأن يكون هناك وعي لما يريده الناس وما يصب في صالح المنفعة العامة لهم بعيدا عن الولاءات الضيقة والمحسوبيات وكما يقول عبد الرحمن الكواكبي رحمه الله في كتابه الرائع طبائع الاستبداد:" إن الحرية التي تنفع الأمة هي التي تحصل عليها بعد الاستعداد لقبولها، و أما التي تحصل على أثر ثورة حمقاء فقلما تفيد شيئا، لأن الثورة غالبا تكتفي بقطع شجرة الاستبداد و لا تقتلع جذورها، فلا تلبث أن تنبت و تنمو و تعود أقوى مما كانت أولا."
  

February 28, 2018

!... الصلاة على النبي على الطريقة الألمانية..

Pic from Pixabay





أنيس الباشا

من يسافر ويحتك ويعيش في مجتمعات غربية لا شك أنه سيلاحظ الفروق والاختلافات التي توجد بين البيئة التي جاء منها وبين البيئة الجديدة التي يعيش فيها الآن، فبين المجتمعات العربية الشرقية ونظيراتها من المجتمعات الغربية الأوروبية فروق كثيرة سواء في أسلوب ونمط الحياة بشكل عام أو حتى على مستوى الأمور اليومية البسيطة مثل المأكل والمشرب والملبس..

وككل مجتمع بشري، هناك صفات عامة يشترك فيها أغلب الناس وهناك من يشذ عن القاعدة، و من البديهي القول بأن كل مجتمع انساني له جوانبه الايجابية والسلبية حيث لا يوجد مجتمع مثالي 100%، لكن من الأشياء التي لفتت ولا زالت تلفت نظري في مجتمع كالمجتمع الألماني هو ذلك الهدوء الشديد الذي يصبغ تصرفات الناس – في الأغلب- والذي يبدو لمن يلاحظه كأنما هو أسلوب حياة بحد ذاته..

وبالنسبة لشخص قادم من مجتمع عربي شرقي قح، فإن ذلك الهدوء الذي لاحظته فيما حولي جذب انتباهي بشدة وجعلني انتبه إليه وأركز في جوانبه وأتأمل فيها محاولا معرفة ما الذي يجعل الناس هنا تتعامل مع بعضها البعض بهذا الهدوء الذي نفتقده بشدة في مجتمع كمجتمعنا اليمني مثلا؟

فالعصبية والانفعال والعجلة هي ثلاثية مميزة لمجتمعنا الذي يندر أن تجد فيه خلاف ذلك سواء كنت تتعامل على مستوى ضيق مع الاقارب والجيران في نفس الحي أو في بيئات العمل الرسمية والخاصة أو حتى في الشارع والمطعم والحديقة! فالناس دائما في عجلة من أمرها والانفعالات مثل فتيل البارود الجاهز في أي لحظة للإنفجار في وجوه الجميع والعصبية هي السمة الغالبة التي يصادفها المرء أينما ذهب والكل "نفسه في حلقه" لماذا لا أحد يدري..!


جرب أن تقود سيارتك في اليمن وسط طريق ما به إشارة مرورية أو صيانة أو حادث أو أي سبب آخر يجعل حركة سير السيارات تتباطأ قليلا لبعض الوقت.. في الحال ستسمع مئات الهتافات والصراخ والزعيق والشتائم المختلطة بأصوات أبواق السيارات وصرير عجلات المركبات وستشعر أن القيامة على وشك أن تقوم لمجرد أن حركة السير توقفت أو أبطأت لبضع دقائق. بينما من الشائع هنا في ألمانيا أن يكون هناك ازدحام سير خصوصا في الطرق السريعة التي تربط بين المدن ومع ذلك لم أسمع أو أرى أحدا يشتم أو يصرخ أو يطلق نفير سيارته، بل إن الناس تتفنن في تزجية الوقت في مثل هذه الظروف وتتحسب لمثل هذه المواقف فتجد من يحضر معه كتاب أو مجلة يرغب في قراءتها ريثما يخف الازدحام وآخر يسلي نفسه بالاستماع إلى بعض الموسيقى، بل أن البعض قد يترجل من عربته ويتناول بعض العصير أو "يدردش" مع بعض السائقين خصوصا إذا كانت حركة السير متوقفة تماما.


حتى في مناسباتنا المفرحة هناك دوما تلك العجلة والعصبية غير المبررة التي نتعامل بها، تذهب إلى حفلة ما أو عرس ما فتجد أن الهدوء هو آخر ما يمكن أن تصف به المكان والمناسبة، فالناس متوترة وأعصابها مشدودة رغم أن المناسبة يفترض أنها مبهجة، لكن الكل متوتر ومنفعل خصوصا من يقع على عاتقهم مهمة تنظيم الاحتفال ، فهناك من يجري دائما من مكان لآخر بسرعة البرق وعليك أن تتنحى عن طريقه وإلا اصطدم بك والقاك جانبا، وهناك من يقف ويصرخ طوال الوقت وهو يلهث ويزفر ويتصبب العرق منه حتى ليوشك على الاصابة بذبحة صدرية، وهناك من يسرع ليجلب "شيئا ما" في آخر لحظة وهكذا ، وبالطبع يسري ذلك الجو العصبي المشحون ويصيب الجميع ويجعل مسألة الاستمتاع بالمناسبة والتعامل مع الحدث باسترخاء أمرا صعبا إن لم يكن مستحيلا..

في المقابل فقد حضرت عدة مناسبات وتجمعات مختلفة هنا وكانت السمة الغالبة دائما هي ذلك الهدوء المستفز الذي يتعامل به الجميع حتى لتشعر أن في الأمر خدعة ما! أو كما قال الكوميدي المبدع سمير غانم في إحدى مسرحياته التي يصف بها مطعما دخله في باريس وكان الجلوس جميعا يأكلون بصمت ووقار" أنا قلت في حد مات أكيد!" ..فلا أحد يركض كالمسعور أو يصرخ كالمجانين أو يشهق حتى يصاب بنوبة ما، بل على العكس الجميع سواء كانوا من المُضيفين أو من المدعوين يتعاملون بهدوء واسترخاء وبالتالي يمضون حقا وقتا ممتعا لا شد فيه ولا جذب ولا توتر.. تدخل إلى أي سوبر ماركت هنا في وقت الذروة فتجد الناس وقد اصطفوا طوابير طويلة ومعهم حاجياتهم في انتظار أن يدفعوا ثمنها وعادة ما يأتي أولا موظف واحد كي يجلس خلف طاولة الحساب ويبدأ في تمرير الحاجيات فوق سير متحرك تمهيدا لمحاسبة الزبائن واحدا تلو الآخر، وحين يرى هذا الموظف أن الطابور طويل بالفعل يقوم بالضغط على زر صغير بجواره ويطلب – بكل هدوء- أن يأتي موظف آخر كي يعاونه وبالتالي ينقسم الطابور الطويل إلى طوابير اقصر يتولى كل منها موظف ..

والتفت ببصري إلى الموظف الآخر الذي جاء ملبيا للنداء متوقعا أن أجده يجري ناحيتنا أو يهرول على الاقل وقد رمى بكل ما كان في يديه وجاء كي ينقذ الموقف إلا أنني أجده لدهشتي يمشي بهدوء شديد ناحيتنا كأنه يتمشى على الكورنيش ومن ثم يأخذ مكانه على الناحية المقابلة ويبتسم للجميع ويقوم بادخال كلمة سر في شاشة الكومبيوتر أمامه كي يبدأ بمحاسبة الزبائن، يقوم بكل تلك الخطوات وهدوئه لم يفارقه لحظة، والناس آنذاك واقفة بنفس الهدوء والاسترخاء أيضا وكأن شيئا لم يكن أو كأنهم يملكون كل الوقت "مع أنهم يقدسون الوقت ولا يحبون اهداره".. والغريب أنني لاحظت أن تلك الطريقة الهادئة يقوم بها الموظفون جميعا سواء كانوا من أبناء البلد أو من جنسيات أخرى..ومن الشائع جدا حين تكون واقفا في طابور السوبر ماركت أن يسمح لك من يقفون أمامك بأن تتقدمهم إذا كنت مثلا لا تحمل سوى غرض أو غرضين بينما من أمامك قد ابتاع ورص العديد من المواد الغذائية كي يدفع ثمنها.. وهكذا الحال في المطاعم والمقاهي والمراكز التجارية  وأي مكان يمكن ان يتجمع فيه الناس لغرض ما ولو كان ذلك في أوقات الذورة حيث يحترم الجميع مسألة الوقوف والانتظار ويتصرفون جميعا بهدوء ورزانة سواء كانوا مشترون أم بائعون..

حتى يحين يحصل حادث سير بسيط وتتصادم سيارتان فإن ما يحصل بعد ذلك عبارة عن تصرفات حضارية يغلفها الهدوء حيث يتبادل السائقان أرقام التأمين الخاصة بهما ويتم الاتفاق مبدئيا على تسوية ما ثم يمضي كل في حال سبيله! وحتى لو تطلب الأمر استدعاء الشرطة كي يتم تحديد المخطىء فإن ذلك يتم بهدوء من قبل السائقين وحتى فيما بعد من قبل رجال الشرطة الذين يأتون لمعاينة المكان. فليس هناك لا صراخ ولا شتم ولا عراك بالخناجر والأسلحة الخفيفة – والمتوسطة أحيانا – كما يحصل عندنا حين يكون هناك حادث سير!

 وخلاصة الأمر أن المجتمع الألماني ليس مجتمعا مثاليا مائة بالمائة لكن لا يمكن لأحد أن ينكر أن الهدوء وعدم الانفعال سمتان غالبتان على مختلف جوانب الحياة هنا، أو كما نقول في بلادنا حين نصف شخصا ما بالرزانة والأناة فنقول عنه أنه "مصلي على النبي"، وعليه فيمكنني القول وبلا تردد أن الناس هنا مصليين على النبي بكل معنى الكلمة وعقبالنا يارب..!




January 31, 2018

كابوس الدقة الألمانية



Pic is from Bixapay



رشا المقالح


هناك العديد من المقالات التي تملأ الانترنت و التي تتحدث عن ألمانيا و عن الشعب الألماني: صفاته مميزاته و سلبياته و عن كيفية التأقلم مع الحياة في هذا البلد. بعض تلك المقالات تحمل عناوين مثل : "10 أشياء تحتاج إلى معرفتها إذا كنت تفكر في العيش في ألمانيا"، أو عشرون أمرا يجب أن تعرفه عن الألمان" و هكذا. 

أما إذا كان كاتب المقال منزعجا جدا من الألمان ، و من القراء أيضا، فإن العنوان قد يكون : " خمسون نقطة يجب معرفتها قبل الإنتقال للعيش في ألمانيا". و على الرغم من أن الأشياء التي تحتاج إلى معرفتها عن الألمان لا يمكن  حصرها في بضعة نقاط - حتى لو كانت خمسين نقطة - إلا أنني أرى  و عن تجربة شخصية أن هناك أمرا واحدا فقط  يقع في أعلى القائمة، و أن من يريد العيش في ألمانيا و خاصة في الجزء الشمالي منها فسيهمه كثيرا معرفته و هو : الألماني شخص دقيق جدا لا يحب ترك الأمور مفتوحة للتفسيرات المختلفة و التكهنات، و هذه صفة يمكن ملاحظتها على كافة المستويات.

فعلى سبيل المثال عندما يتعلق الأمر بالتعليمات الخاصة باستخدام أي جهاز، ستجد أنها  تصاغ بدقة بل و في بعض الأحيان باستفاضة مملة بحيث تشعر أنها كتبت لأشخاص يفترض فيهم الغباء. و لكن في واقع الأمر ليس هذا هو القصد و إنما هي تلك الطبيعة الألمانية التي تميل لجعل كل الأمور واضحة لا لبس فيها قدر الإمكان. و ربما كان ذللك مفيدا في كثير من الأحيان، فمثلا جرب أن تشتري فنجانا من القهوة من أحدث طراز من آلات بيع القهوة الأتوماتيكية و التي تحتوي على العديد من الأزرار المعقدة و التي توفر أنواعا مختلفة من القهوة و ستعرف تماما ما أعنيه. فإذا كانت لديك المعرفة الأساسية باللغة الألمانية ، يمكنك الحصول على فنجانك المفضل دون طلب المساعدة فكل التعليمات موضحة بشكل كامل ومفصل. و هذا الأمر ينبطق على جميع الآلات الموجودة على  الأراضي الألمانية  مثل آلة بيع التذاكر في محطة الأنفاق، أو خدمة الدفع الذاتي في أي سوبرماركت، آلة الاستعارة في المكتبة، الخ..

 و على الرغم من أن الدقة صفة إيجابية إلا أنها على الصعيد الإجتماعي قد تتحول إلى كابوس يصعب التأقلم مع تفاصيله مما يجعل الأمر مرهقا للغاية، فهذه الصفة لا تسمح للتفاصيل الصغيرة بأن تمر دون توقف و تدقيق، حتى لو كانت تلك التفاصيل غير مؤثرة و ربما كانت تافهة في بعض المواقف

فمثلا إذا كنت تعمل مع الألمان، و أكرر القول خاصة في شمال ألمانيا، فتذكر أنه من الأفضل دائما أن تودع زملائك في نهاية اليوم بقولك :" إلى اللقاء" (تشوس)  و لا داعي لاستخدام عبارة :"أراكم غدا" (بيس مورجن) كتحية جماعية لزملائك في المكتب، إلا إذا كنت تعلم تمام العلم أن جميعهم سيكونون غدا في المكتب و لن يتغيب أحد منهم، ما عدا ذلك يجب أن تكون مستعدا للتوضيحات "الجادة" التي ستسمعها من زملائك الذين لن يكونون غدا في المكتب، حتى من أولئك الذين لا تجمعك بهم أي مهام و الذين لا يتقاطع عملك مع أعمالهم أبدا.

فستتفاجأ بهم حينها يستوقفونك ويندفعون في شرح موقفهم بدقة و يخبرونك بأسباب تغيبهم في الغد، و سيعلمونك متى سيتواجدون مرة أخرى على مكاتبهم، و بينما هم يشرحون لك تلك التفاصيل ستشعر بشيء من الضياع و ستتسائل : " و لكن ما شأني أنا بكل هذا؟" و لكن تذكر أنك أنت الذي قمت باستفزازهم  باستخدام تحية غير دقيقة! فالألمان يحرصون بشدة على المهنية و على إعطاء معلومات دقيقة خاصة في أماكن العمل حتى لا يحدث أي تعارض أو تضارب أو عرقلة لسير العمل.

و هذا الميل إلى الدقة لن تجده فقط في أماكن العمل، و إنما هو أمر موجود على جميع المستويات وفي جميع جوانب الحياة في هذا البلد. فمثلا لا تقم بتهنئة شخص ألماني بموسم "المجيء" و هي الفترة التي تسبق عشية الميلاد المجيد بثلاثة أسابيع،  إلا إذا كنت متأكدا من أنك لن تلتقي به إلا بعد أعياد الميلاد، أما إذا قمت بتهنئته مثلا في الثالث من ديسمبر بينما يفترض أن تلتقي به مرة أخرى في ال 15 من ديسمبر فسيتبادر إلى ذهنه مباشرة أنك لن تأتي إلى الموعد المرتقب و سيسألك عن ذلك!

مثال آخر على الدقة الألمانية و التي تكون في بعض الأحيان غير ضرورية، إذا كنت منخرطا في حديث عابر مع اثنين من الألمان في حفلة مثلا أو حتى في الشارع، و سألك أحدهما سؤالا خاصا بك مثلا :" متى ستنتهي من دورة اللغة الألمانية؟" فإذا قلت له مثلا :"في شهر يوليو"، وهي اجابة مناسبة و كافية، و لكن إذا كان الشخص الألماني الآخر الذي يقف معكم له معرفة سابقة بموعد انتهاء دورة اللغة الألمانية الخاصة بك بالضبط، فستجده يندفع للتوضيح بأنها ستنتهي تحديدا في "العاشر من يوليو"!  و هذا التوضيح غير ضروري خاصة و أن علاقتك بالشخصين علاقة سطحية و لا تربطك بهما أي مواعيد أو خطط لقضاء الوقت معا.

و هكذا ستجد أنك بحاجة إلى أن تكون دقيقا طوال الوقت مما يجعل الأمر مرهقا للغاية، أما إذا حدث في مرة من المرات و قلت شيئا دقيقا أو فعلت شيئا غير معتادا بالنسبة للألمان فعليك أن تكون مستعدا لردة الفعل و التي هي عبارة عن تعابير معينة تظهر على وجوههم و التي أحب بتسميتها ب "وضع التجميد" حيث يتجمدون للحظة و تتسع عيونهم بعض الشيء و يبدو عليهم التشتت و الحيرة. عادة ما يستغرق هذا الوضع بضع ثوان، ومع مرور الوقت ستصبح قادرا على تمييز تلك التعابير و وسيكون بإمكانك حينها استخدامها كمؤشر على أنك قلت أو فعلت شيئا غير صحيح أو ربما غير دقيق تبعا للمعايير الألمانية.


إذا كنت ترغب في رؤية  شخص ألماني في وضع التجميد، فيمكنك مثلا أن تتمنى له في موسم الكريسماس - إذا كان أطفاله يذهبون إلى المدرسة - عطلة مدرسية سعيدة! و هي العطلات التي تسبق الكريسماس و تستغرق في العادة أسبوعين، حينها سيدخل الشخص في وضع التجميد مباشرة فهو لا يتوقع منك أن توجه له هو تحية من هذا القبيل فالمفترض أن توجهها لأطفاله فقط – و كأنه ليس والدهم و لا يعنيه أن تكون عطلتهم المدرسية سعيدة-  فالتهنئةالتي يتوقعها منك هي أن تقول بالضبط "عطلة سعيدة" بدون كلمة "مدرسية" و ذلك قبل أو أثناء العطل الرسمية لعيد الميلاد، والتي عادة ما تكون في الـ 24 و 25 و 26 من شهر ديسمبر.


ولكن إذا كنت لا تعرف شخصا ألمانيا لديه أطفال في المدرسة، فلا مشكلة! فكل ما عليك القيام به لرؤية ألماني في وضع التجميد هو أن تقوم بدعوته إلى منزلك لشرب الشاي، ثم قم بتقديم الشاي له في الفنجان المخصص للقهوة، و استمتع بعدها بالتعبيرات التي ستظهر على وجهه حينذاك!

هذا الميل إلى الدقة هو ما يجعل من التخطيط أمرا مهما جدا في حياة الألمان بل إنه يتصدر قائمة أولوياتهم.  فهم يحبون التخطيط و التحسب للمستقبل (ربما أكثر من اللازم!)  فمن المهم بالنسبة لهم ان يعرفوا بالضبط ماذا سيفعلون و أين سيكونون في  كل دقيقة من كل ساعة من اليوم  و لمدة خمس سنوات مقبلة على الأقل. وإلا فإنهم سيشعرون أن حياتهم عبارة عن فوضى كاملة!


و في كل الأحوال فإن الشخص الراغب في الانتقال إلى ألمانيا و العيش في أجزاءها الشمالية عليه أن يعلم أن الدقة و الميل لجعل كل شيء واضحا غير قابل للتكهن والجدل هي سمة ألمانية طاغية، وليس من الضرورة أنها سمة إيجابية ففي بعض الأحيان تكون الحياة ببعض العفوية أكثر متعة و أقل إرهاقا. فالحياة ليست عقدا قانونيا يجب أن يكون مكتوبا بعبارات لا لبس فيها، بل إن الأحداث و المواقف العفوية الطريفة تجعلها أكثر متعة و أكثر مرحا من حين لآخر.


January 28, 2018

...ألغاز الماضي و الحاضر




Pic is from Pixabay




أنيس الباشا

يدرك الجميع أننا نعيش في عصر الإنترنت والفضاء المفتوح وشبكات التواصل الاجتماعي حيث يمكن للمرء الوصول للمعلومة بضغطة زر، وإذا ما أراد شخص أن يبحث عن مرجع ما أو يستوثق من معلومة أو خبر فكل ما عليه فعله هو امتلاك جهاز كومبيوتر أو هاتف ذكي أو الذهاب لاقرب مقهى انترنت كي يجد كل ما يريد أن يبحث عنه وبلغات عدة. بالإضافة إلى أن التقدم الكبير في صناعة وتطوير الأجهزة الإليكترونية جعل من تناقل الاخبار وتوثيقها مسألة أكثر سهولة حيث يمكن للمرء أن يقوم في أي لحظة بتصوير أو تسجيل ما يريد بواسطة هاتف صغير لا يتجاوز حجمه راحة اليد.


ومع كل هذا التقدم والتطور في الوسائل والوسائط والأدوات، هل يمكن لأحد الجزم بأن نسبة التيقن والتثبت من المعلومات والأخبار والأحداث في عصرنا هذا يمكن أن تصل إلى 100%؟

نوضح أكثر ونضرب أمثلة، مؤخرا رأينا وسمعنا عبر وسائل الاخبار وشبكات التواصل خبر مقتل رئيس اليمن السابق علي عبدالله صالح، وبغض النظر عن الخلفية السياسية لهذا الموضوع، فإن ما يثير الانتباه في هذه القضية هي أنه وبالرغم من كل الصور والفيديوهات والروايات والتحليلات التي تم تداولها حول هذا الموضوع فإنه ليس بإمكان أحد أن يجيب عن سؤال واحد هو كيف وأين ومتى بالضبط تم قتل الرجل؟ هناك بالطبع تكهنات وأقوال متعددة لكن ليس هناك رواية واحدة يمكن أن يتفق عليها الجميع، مع أن الحوادث التي سبقت ورافقت وتعدت هذه المسألة كان بعضها موثقا بالصوت والصورة وهناك عشرات الناس ممن عايشوها أو عاينوها، ومع ذلك لا زال هناك نوع من الغموض في الموضوع!

نفس الشيء ينطبق على مقتل رئيس ليبيا معمر القذافي.. فلحد الآن لا يُعرف بالضبط كيف تم الايقاع بالرجل وما الذي حصل بالضبط في اللحظات الاخيرة من حياته قبل أن يتم قتله ومن الذي وشى به وكشف مكان وجوده، وكذلك الأمر في قصة قبض القوات الأمريكية في العراق على صدام حسين، فهناك روايات وشهادات واعترافات يمكن لأي شخص قراءتها وسماعها بضغطة زر ومع ذلك ليس هناك رواية محددة يجمع عليها الكل بخصوص هذا الموضوع وتخبرنا بالضبط كيف تم الايقاع بالرجل!

 قبل بضعة أشهر قامت قوات النظام السعودي بمداهمة منطقة تدعى العوامية في شرق البلاد وحصلت معارك واشتباكات وقتل واعتقالات وهدم للبيوت ومع ذلك لا يمكن لأي شخص لو استخدم كل وسائل الاتصالات او حتى تواصل مباشرة مع أشخاص كانوا على علاقة بمسرح الأحداث أن يخرج برواية واحدة محكمة ودقيقة عما حصل هناك بالفعل. من جانب آخر، لا تزال إلى الآن قصة استيلاء تنظيم داعش على مساحات شاسعة في العراق وسوريا قبل ثلاث سنوات واعلان دولة خلافتهم هناك مسألة غامضة لا يمكن لأي باحث أو مدقق معاصر أن يجد لها اجابات واضحة شافية تخبرنا بالضبط ما الذي حصل وكيف تم.؟

فإذا كانت كل وسائل الاتصالات والمواصلات الحديثة وإلى جانبها كل شبكات الإنترنت ومحركات البحث العملاقة مع كل المحتويات المرئية والمسموعة والمقروءة التي اصبحت في متناول الجميع لا تستطيع أن تجيب على تساؤلات بخصوص أحداث قريبة لم يمض عليها بضع سنوات أو بضعة أشهر أو حتى بضعة أسابيع فكيف يمكن أن نعتقد أو نصدق بأن الناس قبل ألف عام كانت لديهم الإمكانية للتثبت من مرويات وحكايات وأقوال سواء تلك التي نسبت للرسول عليه الصلاة والسلام أو لغيره؟

عندما يتم النقاش مع من يؤمنون بصحة وقدسية كتب دينية تراثية وضعها بشر مثل البخاري ومسلم وغيرهما ويُقال لهم أن احتمالات الخطأ واردة جدا وأن طريقة "حدثني فلان عن أبيه عن جده.." لا يمكن الاعتماد عليها بشكل مطلق والتيقن من أن كل ما جاء عبرها صحيح، حينها ينبري لك هؤلاء قائلين بأنك جاهل وأن الناس – قبل ألف عام – كان بإمكانهم نقل الخبر والحكاية وذكر وقائعها وتفاصيلها كما حصلت تماما، ومطلوب منك بعد ذلك أن تصدق وتقتنع بهذا الكلام الذي لا يدعمه عقل ولا منطق ولا يصمد إذا ما قارناه بكل وسائل التكنولوجيا التي نمتلكها حاليا والتي لا يمكنها مع ذلك أن تنقل لنا كل شيء بشكل واضح لا لبس فيه..

ويمكن لأي شخص أن يدرك مدى مشقة هذا الأمر قديما حين يتخيل كم كانت المدة التي يحتاجها المرء ليسافر فقط من مكان لآخر تفصلهما بضع عشرات أو مئات من الكيلومترات باستخدام الدواب كالجمال والخيول، ثم صعوبة التثبت والتيقن من الأحداث كما حصلت خصوصا بعد أن يمر عليها عشرات ومئات السنين وتصبح روايتها مرهونة ومعتمدة فقط على قوة ذاكرة البشر، والأدهى أن هؤلاء البشر قد لا يكونون ممن عاصروا أو شهدوا تلك الأحداث بأنفسهم بل هم بدورهم سمعوها من غيرهم ونقلوها إلى غيرهم وهكذا دواليك..!

لذلك فإن النص الوحيد الذي جاء منذ مئات السنين و يمكن الاعتماد عليه بشكل مطلق وتصديق كل ما جاء فيه بلا أدنى درجة من الشك أو التردد على الإطلاق هو الوحي الإلهي الذي نزل مباشرة من السماء إلى الرسول الكريم الذي اصطفاه الله ليكون خاتم النبيين وهذا الوحي متمثل لدينا في كتاب الله وأسباب عصمة هذا الكتاب وبقاؤه كما هو بلا أي تبديل أو تحريف معروفة ومحسومة ولا يجادل فيها إلا من يبحث عن مخرج واهي ليرفع به كتب التراث إلى مرتبة الوحي، وكل ما عدا ذلك من مرويات وأحاديث وقصص وأخبارهي أمور تخضع للدارسة والتمحيص والغربلة والمقارنة والأخذ والرد ولا  يجب التعامل معها كمسلمات لمجرد أن مدارس الفقه التراثي أضفت قدسية ونوع من العصمة على ناقلي ومؤلفي هذه الكتب والأخبار، فلو أن هؤلاء الناس توافرت لهم آنذاك كل وسائل الاتصال والنقل الحديثة لما استطاعوا التيقن من كثير من الأمور لمجرد أنهم عايشوها فكيف ونحن نتكلم عن أناس عاشوا وماتوا قبل مئات السنين في عصر كان على المرء أن يسافر فيه لأشهر كي يبحث عن خبر أو يتأكد من معلومة سمعها أحدهم من جد جده وهو نفسه لم يعايشها ويعاينها رأي العين؟


من المؤسف أن تعصب البعض وتمترسهم خلف كل ما جاء في كتب التراث وأخبار السابقين يجعلهم يتعامون عن رؤية وإدارك هذه الحقيقة البسيطة، وهكذا أصبح التعامل مع أخبار وروايات الماضي لا يخضع لمنظور علمي أو منطقي بل يتبع العاطفة والمشاعر والانفعالات والتعصب الأعمى ،  ولذلك وقعنا في تخبط وجمود فكري وعقلي وأصبحنا نتعامل مع كثير من الأشياء بدون أن نخضعها للفحص والتحليل بل نعتبرها حقائق ومسلمات من منظور عاطفي بحت برغم أن الكثير منها قد لا يسلم من التحريف والتزوير أحيانا أو من الاختلاق والمبالغة في أحيان أخرى تماما مثل أخبار وقصص الواقع التي يصلنا كثير منها بشكل غامض أو ناقص يصعب علينا سبر غوره برغم كل ما نحيا فيه من تقدم وتكنولوجيا ومع ذلك ظلت وستظل ألغازا يصعب حلها!