![]() |
Pic is from Pixabay |
أنيس الباشا
يدرك الجميع أننا نعيش في عصر الإنترنت
والفضاء المفتوح وشبكات التواصل الاجتماعي حيث يمكن للمرء الوصول للمعلومة بضغطة
زر، وإذا ما أراد شخص أن يبحث عن مرجع ما أو يستوثق من معلومة أو خبر فكل ما عليه
فعله هو امتلاك جهاز كومبيوتر أو هاتف ذكي أو الذهاب لاقرب مقهى انترنت كي يجد كل
ما يريد أن يبحث عنه وبلغات عدة. بالإضافة إلى أن التقدم الكبير في صناعة وتطوير
الأجهزة الإليكترونية جعل من تناقل الاخبار وتوثيقها مسألة أكثر سهولة حيث يمكن
للمرء أن يقوم في أي لحظة بتصوير أو تسجيل ما يريد بواسطة هاتف صغير لا يتجاوز حجمه راحة اليد.
ومع كل هذا التقدم والتطور في الوسائل والوسائط
والأدوات، هل يمكن لأحد الجزم بأن نسبة التيقن والتثبت من المعلومات والأخبار
والأحداث في عصرنا هذا يمكن أن تصل إلى 100%؟
نوضح أكثر ونضرب أمثلة، مؤخرا رأينا وسمعنا
عبر وسائل الاخبار وشبكات التواصل خبر مقتل رئيس اليمن السابق علي عبدالله صالح، وبغض
النظر عن الخلفية السياسية لهذا الموضوع، فإن ما يثير الانتباه في هذه القضية هي
أنه وبالرغم من كل الصور والفيديوهات والروايات والتحليلات التي تم تداولها حول
هذا الموضوع فإنه ليس بإمكان أحد أن يجيب عن سؤال واحد هو كيف وأين ومتى بالضبط تم
قتل الرجل؟ هناك بالطبع تكهنات وأقوال متعددة لكن ليس هناك رواية واحدة يمكن أن
يتفق عليها الجميع، مع أن الحوادث التي سبقت ورافقت وتعدت هذه المسألة كان بعضها موثقا
بالصوت والصورة وهناك عشرات الناس ممن عايشوها أو عاينوها، ومع ذلك لا زال هناك نوع من الغموض في الموضوع!
نفس الشيء ينطبق على مقتل رئيس ليبيا معمر
القذافي.. فلحد الآن لا يُعرف بالضبط كيف تم الايقاع بالرجل وما الذي حصل بالضبط
في اللحظات الاخيرة من حياته قبل أن يتم قتله ومن الذي وشى به وكشف مكان وجوده،
وكذلك الأمر في قصة قبض القوات الأمريكية في العراق على صدام حسين، فهناك روايات
وشهادات واعترافات يمكن لأي شخص قراءتها وسماعها بضغطة زر ومع ذلك ليس هناك رواية
محددة يجمع عليها الكل بخصوص هذا الموضوع وتخبرنا بالضبط كيف تم الايقاع بالرجل!
قبل
بضعة أشهر قامت قوات النظام السعودي بمداهمة منطقة تدعى العوامية في شرق البلاد
وحصلت معارك واشتباكات وقتل واعتقالات وهدم للبيوت ومع ذلك لا يمكن لأي شخص لو
استخدم كل وسائل الاتصالات او حتى تواصل مباشرة مع أشخاص كانوا على علاقة بمسرح
الأحداث أن يخرج برواية واحدة محكمة ودقيقة عما حصل هناك بالفعل. من جانب آخر، لا
تزال إلى الآن قصة استيلاء تنظيم داعش على مساحات شاسعة في العراق وسوريا قبل ثلاث
سنوات واعلان دولة خلافتهم هناك مسألة غامضة لا يمكن لأي باحث أو مدقق معاصر أن
يجد لها اجابات واضحة شافية تخبرنا بالضبط ما الذي حصل وكيف تم.؟
فإذا كانت كل وسائل الاتصالات والمواصلات الحديثة
وإلى جانبها كل شبكات الإنترنت ومحركات البحث العملاقة مع كل المحتويات المرئية
والمسموعة والمقروءة التي اصبحت في متناول الجميع لا تستطيع أن تجيب على تساؤلات
بخصوص أحداث قريبة لم يمض عليها بضع سنوات أو بضعة أشهر أو حتى بضعة أسابيع فكيف يمكن
أن نعتقد أو نصدق بأن الناس قبل ألف عام كانت لديهم الإمكانية للتثبت من مرويات
وحكايات وأقوال سواء تلك التي نسبت للرسول عليه الصلاة والسلام أو لغيره؟
عندما يتم النقاش مع من يؤمنون بصحة وقدسية
كتب دينية تراثية وضعها بشر مثل البخاري ومسلم وغيرهما ويُقال لهم أن احتمالات
الخطأ واردة جدا وأن طريقة "حدثني فلان عن أبيه عن جده.." لا يمكن
الاعتماد عليها بشكل مطلق والتيقن من أن كل ما جاء عبرها صحيح، حينها ينبري لك هؤلاء
قائلين بأنك جاهل وأن الناس – قبل ألف عام – كان بإمكانهم نقل الخبر والحكاية وذكر
وقائعها وتفاصيلها كما حصلت تماما، ومطلوب منك بعد ذلك أن تصدق وتقتنع بهذا الكلام
الذي لا يدعمه عقل ولا منطق ولا يصمد إذا ما قارناه بكل وسائل التكنولوجيا التي
نمتلكها حاليا والتي لا يمكنها مع ذلك أن تنقل لنا كل شيء بشكل واضح لا لبس فيه..
ويمكن لأي شخص أن يدرك مدى مشقة هذا الأمر
قديما حين يتخيل كم كانت المدة التي يحتاجها المرء ليسافر فقط من مكان لآخر تفصلهما بضع عشرات أو مئات من الكيلومترات باستخدام الدواب كالجمال والخيول، ثم
صعوبة التثبت والتيقن من الأحداث كما حصلت خصوصا بعد أن يمر عليها عشرات ومئات السنين
وتصبح روايتها مرهونة ومعتمدة فقط على قوة ذاكرة البشر، والأدهى أن هؤلاء البشر قد
لا يكونون ممن عاصروا أو شهدوا تلك الأحداث بأنفسهم بل هم بدورهم سمعوها من غيرهم
ونقلوها إلى غيرهم وهكذا دواليك..!
لذلك فإن النص الوحيد الذي جاء منذ مئات
السنين و يمكن الاعتماد عليه بشكل مطلق وتصديق كل ما جاء فيه بلا أدنى درجة من
الشك أو التردد على الإطلاق هو الوحي الإلهي الذي نزل مباشرة من السماء إلى الرسول
الكريم الذي اصطفاه الله ليكون خاتم النبيين وهذا الوحي متمثل لدينا في كتاب الله
وأسباب عصمة هذا الكتاب وبقاؤه كما هو بلا أي تبديل أو تحريف معروفة ومحسومة ولا
يجادل فيها إلا من يبحث عن مخرج واهي ليرفع به كتب التراث إلى مرتبة الوحي، وكل ما
عدا ذلك من مرويات وأحاديث وقصص وأخبارهي أمور تخضع للدارسة والتمحيص والغربلة
والمقارنة والأخذ والرد ولا يجب التعامل
معها كمسلمات لمجرد أن مدارس الفقه التراثي أضفت قدسية ونوع من العصمة على ناقلي
ومؤلفي هذه الكتب والأخبار، فلو أن هؤلاء الناس توافرت لهم آنذاك كل وسائل الاتصال
والنقل الحديثة لما استطاعوا التيقن من كثير من الأمور لمجرد أنهم عايشوها فكيف
ونحن نتكلم عن أناس عاشوا وماتوا قبل مئات السنين في عصر كان على المرء أن يسافر
فيه لأشهر كي يبحث عن خبر أو يتأكد من معلومة سمعها أحدهم من جد جده وهو نفسه لم
يعايشها ويعاينها رأي العين؟
من المؤسف أن تعصب البعض وتمترسهم خلف كل ما
جاء في كتب التراث وأخبار السابقين يجعلهم يتعامون عن رؤية وإدارك هذه الحقيقة
البسيطة، وهكذا أصبح التعامل مع أخبار وروايات الماضي لا يخضع لمنظور علمي أو منطقي
بل يتبع العاطفة والمشاعر والانفعالات والتعصب الأعمى ، ولذلك وقعنا في تخبط وجمود فكري وعقلي وأصبحنا
نتعامل مع كثير من الأشياء بدون أن نخضعها للفحص والتحليل بل نعتبرها حقائق
ومسلمات من منظور عاطفي بحت برغم أن الكثير منها قد لا يسلم من التحريف والتزوير أحيانا
أو من الاختلاق والمبالغة في أحيان أخرى تماما مثل أخبار وقصص الواقع التي يصلنا
كثير منها بشكل غامض أو ناقص يصعب علينا سبر غوره برغم كل ما نحيا فيه من تقدم
وتكنولوجيا ومع ذلك ظلت وستظل ألغازا يصعب حلها!
No comments:
Post a Comment