Pages

April 13, 2022

!.... حروبهم و... حروبنا

 

أنيس الباشا

لا صوت يعلو هذه الأيام على صوت الحرب الحاصلة في أوكرانيا، ومن الطبيعي أن يستحوذ هذا الحدث على اهتمام ومتابعة من قبل الجميع لأن الكل – بشكل أو بآخر – سواء على مستوى الأفراد أو الدول تأثر ويتأثر بتداعيات هذه الحرب سواء كنا نتحدث عن دول أومجتمعات في أقصى الشرق أو الغرب..

بداية قبل أن أتحدث في موضوع هذا المقال أود أن أؤكد بوضوح أنني كانسان وكفرد ضد فكرة الحرب بذاتها بغض النظر عمن يشنها وبغض النظر أيضا عن الأسباب والمبررات والدوافع التي قد تجادل وتحاجج بها الأطراف المتحاربة.. أنا شخصيا أنتمي لبلد دمرته – ولا زالت تدمره – حرب تسببت في مقتل ما يقرب من الأربعمائة ألف من ابنائه بينهم عشرات الآلاف من النساء والأطفال وهو رقم مهول للغاية ويجعل الحديث عن أي مبررات أو تبريرات للحروب و النزاعات المسلحة في قمة السخافة و النذالة أيضا!

كان لا بد لي من هذا التوضيح لأن ما يجري في أوكرانيا قسم العالم إلى قسمين: مع وضد! وكل طرف يسوق حججه - و ربما أكاذيبه أيضا، وحتى مع تقدم وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي العابر للحدود والقارات فإن حجم التضليل والتزييف لا يزال كبيرا ويلعب دورا في غسل الأدمغة والتأليب والتوجيه في اتجاهات معينة ولأغراض مختلفة، و كما تقول الحكمة المشهورة " الحقيقة هي أول ضحايا الحرب" لذا فإن ما دفعني لكتابة هذا المقال ليس الرغبة في أن أكون "مع" أو "ضد" ، لكن من خلال متابعتي للأحداث و لمجريات هذه الحرب تولدت عندي ملاحظات و انطباعات معينة ووجدت نفسي لاشعوريا أقارن بين هذه الحرب وبين الحروب التي تشهدها منطقتنا العربية وخصوصا الحرب العبثية التي تدور رحاها في اليمن، وهي ملاحظات بعيدة كل البعد عن محاولة لوم طرف أو تبرير لآخر، فكل شخص بإمكانه أن يتابع مجريات الأحداث و أن يطلع على حقائق التاريخ والجغرافيا و من ثم يستخلص و يكون رأيه الخاص أو حتى يتبنى آراء مسبقة وضعها غيره..!

 

وضوح الأهداف

منذ حتى قبل بدء الهجوم الروسي وإلى ما بعد دخول القوات الروسية إلى أوكرانيا كانت القيادة الروسية واضحة في تحديد أهداف تحركها العسكري ( سواء اختلفنا أو اتفقنا مع هذه الأهداف من ناحية سياسية أو انسانية)..

فروسيا ترى – وهذا الموقف أعلنته بوضوح منذ سنوات - في انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو تهديدا لأمنها القومي و أعلنت انها لن تسمح بذلك وأنها ستقوم أيضا بضمان حماية القوميات الروسية الموجودة في شرق البلاد.. هكذا بوضوح و بدون عبارات انشائية أو عنتريات شعرية.. أقول هذا وأنا أتذكر التصريحات السعودية و الخليجية أثناء وبعد الحرب التي شنوها ضد اليمن! وهي عبارة عن عبارات و شعارات انشائية مطاطة خالية من أي مضمون أو أبعاد أو أهداف إستراتيجية.. فعبارات مثل "كسر يد إيران في المنطقة" أو "إعادة السلطة الشرعية المُنتخبة" أو "تحرير اليمن و اليمنيين من المد المجوسي الفارسي...الخ"، بل أن أسماء العمليات العسكرية لم تخل أيضا من الركاكة اللغوية على غرار "عاصفة الحزم" أو "إعادة الأمل" وغيرها..

و كل هذا كلام فارغ لا معنى له من الناحية العملية وربما كان مناسبا لجلسات شعرية أو مسابقات أدبية من الدرجة الثالثة لكن على أرض الواقع يجب أن تكون الأهداف الإستراتيجية للحرب واضحة و محددة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار المقولة الشهيرة للمفكر كارل كلاوفيتز بأن الحرب هي " إمتداد للسياسة و لكن بطريقة أخرى.." 

 لكن بالنسبة لحرب اليمن فلم يكن هناك "سياسة" واضحة ولا أهداف منطقية لدى أولئك الذين اتخذوا قرار الحرب..! وتكفي مجرد الإشارة إلى التصريحات المبالغ فيها من قبل الدول التي شنت الحرب ضد اليمن وبأن الأمر لن يستغرق سوى أيام أو أسابيع لحسم الأمر و السيطرة على اليمن و ظل إعلامهم يردد هذه السيمفونية ( بطرق شعرية بحتة تضمنت القصائد و النثر المسجوع) حتى دخلت الحرب عامها الثامن و الأهداف التي تحققت هي تدمير اليمن و القضاء على بنيته التحتية المتواضعة وقتل مئات الآلاف من أبنائه وتجويع البقية بينما تتعرض السعودية والامارات للضربات المضادة من الجانب اليمني والتي تطال مدنهم و منشآتهم الحيوية!

 بالتالي يمكن لأي متابع مُطلع على مجريات الأحداث أن يخرج بنتيجة مفادها أن الحرب في اليمن لم يكن لها أي أهداف أو منظور إستراتيجي قريب أو بعيد المدى، وأن ما جرى لم يكن إلا أوهام متغطرسة لمجموعة من الأشخاص امتلكوا مقادير الحكم في بلدانهم و امتلأت أنفسهم بمزيج من عقد النقص و جنون العظمة و الرغبة في التدمير و استعراض العضلات إلى جانب رغبات انتهازية "لصوصية" بحتة تجلت بوضوح حين لم تسلم حتى "الأشجار"اليمنية من النهب و السلب!

 

حجم الدمار

لو سلمنا جدلا بصحة التقارير الغربية و نحينا جانبا ما يصدر في المقابل من الجانب الروسي حول بنك الأهداف و حجم الدمار و الاستهداف و قارنا هذا بأول سنة فقط من حرب اليمن لخرجنا بالحقائق التالية..

 رغم امتلاك روسيا لترسانة حديثة وهائلة من الأسلحة التي كان بإمكانها أن تدك أوكرانيا دكا إلا أن معظم الاستهداف و التدمير كان ضد مقار و أهداف عسكرية يتم الاعلان عنها من قبل الجانب الروسي و لا ينكرها حتى الجانب الغربي -الأوكراني.. فلم يحدث حتى الآن أن تم قصف مستشفيات أو سيارات اسعاف أو مدارس أو دور عبادة أو صالات للمناسبات الاجتماعية بشكل متعمد و متكرر مثلما حصل ويحصل في اليمن و كانت نتيجة ذلك سقوط عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين بينهم نساء وأطفال ..

حتى الأماكن التاريخية و الأثرية في اليمن لم تسلم من القصف الهمجي و التدمير بلا أي مبرر أو مغزى مما يثير التساؤلات عن الجدوى من القيام بذلك إلا لمجرد الرغبة في التدمير و الانتقام حتى من الإرث الحضاري و الإنساني (وهذا يؤكد و يعيدنا مجددا لمسألة عدم وجود أهداف استراتيجية واضحة!)

 

المسئولية

كان من اللافت جدا أن الأطراف المتحاربة في أوكرانيا أبدت رغبة حقيقية في الجلوس و التفاوض منذ الأيام الأولى للحرب وقد عقدت بالفعل عدة جلسات بين الجانبين الروسي و الاوكراني في دول مختلفة.. وكان هناك وضوح في تحديد المسؤلية فلم نسمع أن روسيا مثلا تهربت من التفاوض وطلبت بدلا من ذلك أن يجلس "الفرقاء" الأوكرانيون مع بعض ليتحاوروا بينما ترعى هي الحوار بصفتها "الشقيقة" الكبرى للجميع مثلما تفعل السعودية! و يرى بعض الخبراء أن أحد الأسباب وراء  الانسحاب الروسي من مناطق واسعة في أوكرانيا هو رغبة الجانب الروسي في عدم تحمل المسؤولية القانونية و الإدارية لهذه المناطق حيث تدرك روسيا أنها- لو بقت- فستكون مسئولة عن كل شيء يخص المواطنين هناك بصفتها سلطة احتلال.. قارن هذا مع مواقف السعودية والإمارات اللتين تسيطران على المناطق الجنوبية في اليمن أعلنوا انها "محررة" ومع ذلك لم تقم أيا من هاتين الدولتين بتحمل المسؤلية الإدارية والأمنية و الخدماتية لهذه المناطق التي تشهد فوضى وقلاقل أمنية و انعدام لأبسط مقومات الحياة و الخدمات المعيشية..!

بالإضافة إلى ذلك ترفض السعودية الإقرار وتحمل مسئوليتها وتصر حتى اليوم على أنها ليست طرفا في هذه الحرب..! و كأن جزر المالديف أو كولومبيا هي من يشن الحرب في اليمن وتقصف طائراتها كل شبر في البلد منذ ثمان سنوات! كما ترفض السعودية المشاركة في أي جلسات تفاوضية من أجل الوصول إلى تسوية أو مخرج لإنهاء الحرب.. كما ترفض أيضا بشدة الإقرار بتحمل المسؤلية عن تبعات الحرب أو حتى جزء منها (فيما يتعلق بالتعويضات وإعادة الإعمار)..

 

ختاما.. لا جدال أن الحرب شيء بشع و مُدمر و أنها وبال على رؤوس الجميع.. ولكن حتى في هذه المسألة لا تستوي الحروب فهناك فروق وشتان بين حرب و حرب.. و يكفي النظر إلى الحرب الدائرة في أوروبا الآن والحرب الجارية في بلدان عربية  كاليمن و العراق و سوريا و ليبيا لمعرفة الفرق بين حروبهم و .. حروبنا!

No comments:

Post a Comment