Pages

April 9, 2023

هل العالم على شفا حرب نووية؟ و من سيضغط الزر أولا..؟

 

الصورة من موقع pixapay


أنيس الباشا

 

في قصيدته الشهيرة "نار وجليد"  Fire and Ice تحدث الشاعر الأمريكي الشهير روبرت فروست عن نهاية العالم وهل ستكون بالنار أم بالجليد، وينحاز الشاعر في القصيدة إلى أولئك الذين يعتقدون أن فناء البشرية سيكون بالنار. ويبدو أن الأحداث الأخيرة الملتهبة التي يشهدها العالم تتجه نحو تحقيق ما تنبأ به الشاعر في قصيدته التي نشرها قبل مائة عام تقريبا!

 منذ بداية الحرب التي اشتعلت بين روسيا من جهة وبين أوكرانيا على الناحية الظاهرة وحلف الناتو من خلف الواجهة في فبراير من العام الماضي والأحداث تسير بوتيرة متسارعة ومتصاعدة تجعل الكثير من المتابعين والمحللين يميلون إلى السيناريوهات المتشائمة وعلى رأسها بالطبع السيناريو النووي.

لقد شهدت الأسابيع القليلة الماضية أحداثا متسارعة تمثلت في قيام الولايات المتحدة بتزويد أوكرانيا بأسلحة "نوعية" وإعلان بريطانيا نيتها تسليم أوكرانيا قذائف مزودة باليورانيوم المنضب إلى جانب وصول شحنات من الدبابات الحديثة إلى أوكرانيا وعلى رأسها الدبابات الألمانية الشهيرة ليوبارد، وجاء الرد الروسي سريعا بالإعلان عن نشر أسلحة نووية "تكتيكية" في بيلاروسيا واشتعال لهيب المواجهات العسكرية بين الجيش الروسي ونظيره الأوكراني في باخموت وما سبق هذه الأحداث من "تطويق" أمريكي للصين تمثل في إقامة او استحداث قواعد عسكرية جديدة في الفلبين وتايوان وكوريا الجنوبية، وصولا إلى التوتر المتصاعد بين القوتين في بحر الصين الجنوبي الذي وصل ذروته حين حاولت إحدى المدمرات الأمريكية قبل أيام التوغل في المياه الإقليمية الصينية مما اضطر وزارة الدفاع الصينية إلى ابعادها وإصدار بيان رسمي يندد بهذه الاستفزازات الأمريكية.

في ضوء هذه التطورات لم يعد الحديث عن استخدام الأسلحة النووية مجرد مبالغات أو تخمينات بل أن السؤال الأساسي فيما يتعلق بهذه النقطة تحول من صيغة "هل يمكن؟" إلى "متى؟" وأصبح العالم يلتقط أنفاسه بتوجس مشوب بالهلع خوفا من اللحظة التي يقرر فيها أحد الأطراف المتصارعة الضغط على "الزر" النووي!

ولعل ما صرح به مؤخرا الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب يصب في اتجاه هذا القلق حين قال إن الأمريكيين يحتاجون للصلاة بعد قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نشر أسلحة نووية في بيلاروسيا! وقبل تصريح ترامب بأيام كانت التصريحات التي صدرت عن الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش عقب القرار الذي صدر عن محكمة الجنايات الدولية بحق الرئيس الروسي في قمة التشاؤم حيث حذر الرئيس الصربي من أن العالم يقترب من حرب عالمية ثالثة وأنه ليس هناك نهاية للجنون الذي يحدث والذي يشبه ما كان عليه الحال أبان الحربين العالميتين الأولى والثانية!

وللأسف مع مرور الوقت تتجه الأحداث إلى المزيد من التصعيد، فمنذ بداية المواجهة مع روسيا كانت الولايات المتحدة حريصة دائما على التأكيد أنها لن تزود أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى وذلك حرصا على تجنب المواجهة المباشرة مع روسيا، لكن الموقف الأمريكي تغير في هذه الناحية وها هي التقارير الروسية تؤكد أن أوكرانيا حصلت على الصواريخ النوعية من أمريكا إلى جانب أسلحة متطورة أخرى مثل طائرات إف 16. هذه الخطوات الأخيرة كسرت كل قواعد الاشتباك المُتعارف عليها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وبدء ما عُرف بالحرب الباردة وصولا إلى الصراع الحالي بين روسيا والغرب. فمع مرور الوقت يمضي كل طرف في اتجاه التصعيد ولا تبدو في الأفق بوادر تسويات سلمية أو تنازلات أو سلالم تسمح للأطراف المتصارعة بالنزول من على شجرة الصراع والجلوس على طاولة المفاوضات

أما عن الحرب الأخرى التي تشنها كلا من الصين وورسيا لتقليص هيمنة ونفوذ الدولار الأمريكي فهي قضية مشتعلة للغاية وبالتأكيد لن تقف الولايات المتحدة موقف المتفرج من هذه الحرب ضد أخطر وأقوى أسلحة السيطرة لديها!

 وعلى صعيد الجبهات الداخلية في دول الغرب التي طالما عرفت الهدوء والاستقرار فالأمور ليست أقل توترا، فهناك موجة من الاحتجاجات والتظاهرات تشهدها بعض المدن والعواصم الأوروبية لأسباب مختلفة تتعلق بالغلاء والتضخم وانخفاض القدرة الشرائية ومشاكل في قطاعات التوظيف والصحة والتقاعد، ومعظم هذه القضايا هي انعكاسات وتوابع للحرب والصراع الحالي بين روسيا والغرب.

كل هذه المؤشرات تصب في اتجاه التصعيد وتُنبئ بمزيد من التدهور والاندفاع غير المسئول نحو الحافة. بالتأكيد لا أحد يتمنى فناء العالم، لكن القراءة المدققة للأحداث لا يمكنها استبعاد السيناريوهات المتشائمة، وفي النهاية يجب ألا ننسى أن من يمسكون بدفة وزمام الأمور هم بشر في النهاية تحركهم نوازع وأطماع ومخاوف بشرية بحتة، بالتالي لا يمكن استبعاد قرارات تهورية قد تنجم عن لحظة ضعف أو يأس بشري خصوصا حين يتعلق الأمر بمخاوف "وجودية". ونحن في عصر تكاثرت فيه الأزرار النووية بعد أن كانت حكرا على القوتين العظميين، فهناك زر نووي في الصين وآخر في كوريا الشمالية وزر نووي في إسرائيل وربما تشهد نهاية هذا العام ولادة زر نووي "إيراني"!

لقد أطلقت إسرائيل على مشروعها النووي حين بدأته اسم "ميكرع هاكول" بالعبرية ومعناها "قبل أن يضيع كل شيء" في إشارة إلى أن اسرائيل لن تستخدم هذا السلاح المدمر ضد العرب إلا عندما يُهدد وجودها بالفناء. وبالأمس فقط أعلنت روسيا رسميا أن الولايات المتحدة والغرب يشكلان تهديدا "وجوديا" للبلاد، فهل باتت لحظة الضغط على الزر النووي قريبة؟

في قصيدة فروست التي أشرت إليها في بداية المقال استخدم الشاعر النار كرمز للقوة المدمرة التي قد تُنجم عن النفس البشرية حين تمتلئ بالحقد والكراهية، والجليد كرمز للطبيعة البشرية الباردة الخالية من المشاعر والأحاسيس. لكن البشر تطوروا وطوروا معهم أسلحة الدمار والفناء، وهكذا قد تصدق نبوءة الشاعر ويتحدد مصير العالم بقرار بشري قد ينجم عن مشاعر "نارية" أو "جليدية" لكنه في كل الأحوال سيكون مدمرا بما فيه الكفاية مالم تحصل معجزة ما تتمكن من إذابة بعض طبقات الجليد المشتعل.


No comments:

Post a Comment