Pages

March 16, 2015

لافتة تلخص حال اليمن


أنيس الباشا


تعرفون بالطبع تلك اللافتات المختلفة التي نصادفها في الطرق السريعة أو على مداخل المدن والطرقات والتي تحذرك من وجود منعطف خطير أو تطلب منك عدم التجاوز أو تعلن عن شيء ما..الخ

سواء كُنتُ راكبا أو سائقا، أجد نفسي أتابع تلك اللوحات لا شعوريا، لم تتغير هذه العادة هنا في أوروبا لكن من الأشياء التي تثير الاندهاش لشخص مثلي قادم من بلد عربي هي أنك قد تكون مسافرا بالقطار أو بالسيارة وتمر عليك اللافتات باللغة الإيطالية أو الفرنسية مثلا ثم تجد فجأة أن لغة اللافتات قد تغيرت إلى الألمانية أو الهولندية مما يعني أنك قد عبرت الحدود من دولة لأخرى بسلاسة وببساطة وبدون أن تستوقفك نقطة تفتيش واحدة أو حتى رجل أمن!! نحن اليمنيون نصدم كثيرا من هذا الأمر، فلكي تسافر عندنا من صنعاء إلى الحديدة مثلا يكون عليك أن تمر ب 749 نقطة تفتيش حكومية أو قبلية أو "متنوعة" موزعة على مسافة تقل عن 200 كيلومتر!!

المهم.. اللوحة التي أريد الحديث عنها الآن والتي لا تزال عالقة بذاكرتي إلى اليوم هي لوحة طريفة جدا وقد صادفتها ذات مرة منذ سنين في اليمن وبالتحديد وأنا على مدخل مدينة تعز.. كان الطريق وعرا مليئا بالمطبات والحفر– كالعادة- وهناك لافتة تحذرك من "المطب" وأخرى من "حفريات طريق" وثالثة تأمرك بصرامة أن "قف للتفتيش"..وفجأة استوقفتني لافتة لن تجد لها مثيلا في أي بلد في العالم مكتوب عليها بالحرف الواحد "احترس.. أمامك أخطار متنوعة"!

في الحقيقة شعرت بإعجاب كبير تجاه كاتب هذه اللوحة العبقرية والتي لخصت الموقف بشكل رائع.. لقد فكر كاتب اللوحة أنه من العبث تضييع الوقت في تحذير السائقين من كل شيء على حدة، فخطر بباله أن "يريح" و "يستريح".. ويكمن ذكاء الكاتب في أن العبارة تحتمل كل تفسير قد يخطر ببال من يقرأها وهذا يعتمد بدوره على قوة وسعة خيالك.. أخطار متنوعة ..ياسلام! يعني من الممكن أن تسقط في حفرة تبتلعك أنت وسيارتك بالكامل .. أو من الوارد أن يحدث "انهيار" صخري مفاجئ فوق رأسك أو ربما يهوي عليك نيزك من الفضاء الخارجي أو يهجم عليك من جانب الطريق أسد أو نمر ويفترسك! المهم أن هناك أخطارا متنوعة وأنت عليك أن تختار ما يعجبك وب "الهناء والشفاء"..!

فإذا ما نظرنا للموضوع من منظور أوسع وفكرنا بشكل جدي سنجد للأسف أن لافتة "أاحترس أمامك خطار متنوعة" يمكن أن تكون عنوانا مختصرا لليمن بأكمله وليس لذلك الطريق فقط.. فاليمن مليئة ب "الأخطار المتنوعة" بدءا من مشاكل التلوث وجفاف المياه وانقطاع الكهرباء والبطالة..مرورا برداءة الخدمات الصحية والاجتماعية والقضائية ووصولا إلى الفساد والعنف والاقتتال والاغتيال وغياب الأمن والأمان!


لذا لن يكون غريبا أن يتم وضع لافتة كبيرة جدا على مدخل مطار صنعاء وبقية المدن الرئيسية لا يُكتب عليها عبارات الترحيب التقليدية و إنما : " احترس..أنت في اليمن!"

March 14, 2015

!"يعني أموت و نفسي فيه"

رشــا المقالح





كنت أتوقع ان الحديث مع القادمين من غزة سيكون له طعم المأساة و نكهة الحزن، لكني فوجئت بشيء مغاير تماما لكل توقعاتي!!

أدهشني مرحهم و نكاتهم التي لا تنقطع عن اسرائيل، و استخفافهم بالحرب التي يصفونها بأنها  وسيلة إسرائيلية لتنظيم نسلهم بقتل النساء و الأطفال! و يردون على ذلك بقولهم :" راح نظل نتزوج و نخلف"!

أما بالنسبة للأطفال فتعد الحرب فرصة لعدم الذهاب إلى المدارس، و أثناء القصف يصعدون إلى أسطح المنازل لعد الصواريخ التي يرونها في السماء!

قالت لي صديقتي الفلسطينية القادمة من غزة إلى إيطاليا في رحلة علاج، أنها في الحرب السابقة و أثناء القصف قامت بعجن المعمول!! و عندما قال لها زوجها :" هذا وقت المعمول مش سامعة القصف؟!" ردت عليه :" نفسي في معمول!! يعني أموت و نفسي فيه!"

تشعر بالذهول عندما تسمع كل ذلك، و الأدهى عندما تصف لك طفلة لم يتجاوز عمرها الاثني عشر ربيعا  معاناتهم في غزة بصلابة مثيرة للإعجاب ثم  تقول لك بسخرية :" هي حياة و بدِك تعيشيها بدِك تعيشيها"!

في الحرب الأخيرة أو حرب الـ 51 يوما كما يسمونها، قامت إحدى الأسر بعمل حفل زفاف أثناء الهدنة التي استمرت ليومين، و السبب في ذلك كما أخبروني هو أن : "أم العريس أرادت أن توفر تكاليف الصالة و الغداء"!

و عندما يحل الليل، تقول صديقتي ،أنها تنام هي و جميع أطفالها في سرير واحد حتى إذا سقط صاروخ على منزلهم فإما أن يموتوا جميعا أو يبقوا جميعا!

 يضحكون بمرح و هم يتحدثون عن خراطيم البنزين التي قاموا بمدها تحت الأرض من مصر و حتى غزة عن طريق الأنفاق و كيف أن ذلك أدى إلى توافر البنزين و بأسعار رخيصة، و كيف شعروا بالرخاء و الراحة بينما كانت اسرائيل تتميز من الغيظ و الدهشة! كان ذلك بالطبع قبل هدم جميع الأنفاق وفرض حصار خانق من قبل الجانب المصري في ظل نظام السيسي!

حكوا لي كيف يقومون بتجفيف الخضار الورقية لاستخدامها عند انعدامها في السوق بسبب الحصار أو بسبب الحرب أو حتى عند انقطاع الكهرباء بسبب انعدام الوقود!

يستخدمون الرماد لغسل الصحون و الأواني عند انعدام الصابون....

يقومون بصناعة حفاظات بدائية للأطفال...

يملأون خزانات الوقود في سياراتهم بالزيت عند انعدام البترول!

كل هذا و العالم من حولهم سوق مفتوح متخم بالبضائع الاستهلاكية الضرورية و غير الضرورية! هم يعيشون أوضاعا صعبة للغاية و ظروفا غير انسانية و يعرفون أن العالم يقف متفرجا عليهم و يشعرون بالخذلان و لكن المرح لا يفارقهم...

يسخرون من معاناتهم و يقابلون كل همومهم و متاعبهم بتحدٍ و سخرية لدرجة تشعرك بالضآلة، و بالخجل من كل لحظة ضعف و ألم مررت بها ...

يحبون غزة بشكل جنوني...واسرائيل لا تخيفهم و لا تكسرهم!

تكسرهم قسوة أخوتهم العرب...!

اندهشتُ عندما علمتُ أن غزة مليئة بالبضائع الإسرائيلية و أن العملة المتداولة هي الشيكل! هذه أوضاع مفروضة عليهم ليس بسبب الإحتلال وحده و إنما بسبب تخلي العرب - وعلى رأسهم مصر- عنهم!

عندما حان موعد رجوع هذه الأسرة الفلسطينية  إلى غزة رفضت شركة الطيران السماح لهم بالصعود إلى الطائرة  و مغادرة روما إلى القاهرة و ذلك لأن معبر رفح مغلق تماما ، و مصر ترفض استقبال المزيد من الفلسطينيين العالقين في أنحاء العالم!!!

يومها شعروا بألم شديد، و خيبة أمل لم أرها فيهم حتى و هم  يتحدثون عن إسرائيل و عن الحرب و القصف...!

March 7, 2015

!ايطاليا و الشخبطة على الجدران


 أنيس الباشا






الجرافيتي و الشخبطة على الجدران  ظاهرة مزعجة جدا في إيطاليا ومنتشرة في كل مكان تقريبا، فلا تكاد تقع عيناك على مكان إلا وتجد فيه شكلا من أشكال الجرافيتي!


في وسط المدينة وعلى أبواب المحلات والجدران بل وعلى أسطح ونوافذ ومقاعد القطارات والباصات والأماكن العامة بشكل لا ينم عن ذوق ووعي! وكثيرا ما تكون هذه الرسومات مجرد "شخبطات" لا تنم عن ذوق ولا عن رسالة ولا شيء!





صحيح أن الجرافيتي فن قديم ترجع أصوله إلى عصور عتيقة، وصحيح أنه يستخدم في كثير من الأحيان كنوع من الاحتجاج أو كأسلوب فني لتقديم فكرة ما، لكنه يمكن أن يكون مزعجا للغاية ومؤذيا وهو في كل الأحوال جريمة يعاقب عليها القانون في كثير من دول العالم!




حين تسئل أهل البلد عن هذه الظاهرة يٌقال لك أن الشباب في ايطاليا يعاني من الكبت سواء "نفسيا" أو "اقتصاديا" وأحيانا حتى"عاطفيا"...! وأن هذه طريقتهم في الاحتجاج وتوصيل رسالة ما للغير، وهو تبرير غير مقنع ليس لأنه غير صحيح فالشباب هنا مكبوت بالفعل (بالطبع ليس بالطريقة العربية التي نعرفها) ويعاني من مشاكل وضغوطات نفسية كبيرة، لكن هذا ليس مبررا لتشويه الأماكن بهذه الطريقة المستفزة. 






 ربما كانت هذه الظاهرة دليلا على أن لكل مجتمع مشاكله الخاصة و أن المجتمعات الأوروبية، و على الرغم من تقدمها و تحضرها، إلا أنها ليست بالكمال الذي قد يتخيله البعض.




March 5, 2015

أغنامنا و أغنامهم

رشــا المقالح





 في البلاد الغربية يأكلون الخنزير و الميتة، و قد نبدي تقززا من ذلك بل و قد نفتخر بأننا لا نأكل هذه "القذارة" و بأن ديننا هو أفضل دين و لا يحرم علينا إلا ما يضر بصحتنا. و لكن عندما  نشاهد المراعي التي ترعى فيها حيواناتهم، و نظافة محلات الجزارة لديهم، و طريقة تغليفهم للحوم، ثم نقارن ذلك  بما نشاهده في بلادنا نشعر بتناقض عجيب!


من المشاهد المألوفة في اليمن - و خاصة في المدن - رؤية الأغنام و هي تتجمع حول القمامة مثلها مثل الكلاب و القطط!

فلماذا تتغذى الأغنام في اليمن على القمامة و لماذا تأكل القراطيس بدلا من العشب الأخضر ؟ هل لذلك علاقة بالفقر؟

 رعي الأغنام هي مهنة معروفة منذ القدم بأنها مهنة "الفقراء"، و لم يكن ذلك مبررا أبدا للرعاة لإطلاق أغنامهم على مخلفات الآخرين!

هل يصح أن نتحجج بالأوضاع المتدهورة  في بلادنا لتبرير الأمر؟! و لكننا و منذ الصغر  نشاهد أغنامنا ترعى في الشوارع و تأكل القراطيس، و لم تكن الحالة الإقتصادية و الأمنية في ذلك الوقت  سيئة كما هي عليه الآن!

السبب الحقيقي وراء ذلك هو الثقافة السائدة في المجتمع و التي تتقبل انعدام المعايير الصحية، و تتعامل مع الأمر بتساهل و استخفاف. 

يجب أن نتوقف عن الإستهتار بصحتنا و سلامتنا حتى نصل إلى اللحظة التي نستطيع فيها تقدير حياتنا و الإكتراث لدمائنا، كما فعلت الشعوب المتحضرة.