Pages

March 14, 2015

!"يعني أموت و نفسي فيه"

رشــا المقالح





كنت أتوقع ان الحديث مع القادمين من غزة سيكون له طعم المأساة و نكهة الحزن، لكني فوجئت بشيء مغاير تماما لكل توقعاتي!!

أدهشني مرحهم و نكاتهم التي لا تنقطع عن اسرائيل، و استخفافهم بالحرب التي يصفونها بأنها  وسيلة إسرائيلية لتنظيم نسلهم بقتل النساء و الأطفال! و يردون على ذلك بقولهم :" راح نظل نتزوج و نخلف"!

أما بالنسبة للأطفال فتعد الحرب فرصة لعدم الذهاب إلى المدارس، و أثناء القصف يصعدون إلى أسطح المنازل لعد الصواريخ التي يرونها في السماء!

قالت لي صديقتي الفلسطينية القادمة من غزة إلى إيطاليا في رحلة علاج، أنها في الحرب السابقة و أثناء القصف قامت بعجن المعمول!! و عندما قال لها زوجها :" هذا وقت المعمول مش سامعة القصف؟!" ردت عليه :" نفسي في معمول!! يعني أموت و نفسي فيه!"

تشعر بالذهول عندما تسمع كل ذلك، و الأدهى عندما تصف لك طفلة لم يتجاوز عمرها الاثني عشر ربيعا  معاناتهم في غزة بصلابة مثيرة للإعجاب ثم  تقول لك بسخرية :" هي حياة و بدِك تعيشيها بدِك تعيشيها"!

في الحرب الأخيرة أو حرب الـ 51 يوما كما يسمونها، قامت إحدى الأسر بعمل حفل زفاف أثناء الهدنة التي استمرت ليومين، و السبب في ذلك كما أخبروني هو أن : "أم العريس أرادت أن توفر تكاليف الصالة و الغداء"!

و عندما يحل الليل، تقول صديقتي ،أنها تنام هي و جميع أطفالها في سرير واحد حتى إذا سقط صاروخ على منزلهم فإما أن يموتوا جميعا أو يبقوا جميعا!

 يضحكون بمرح و هم يتحدثون عن خراطيم البنزين التي قاموا بمدها تحت الأرض من مصر و حتى غزة عن طريق الأنفاق و كيف أن ذلك أدى إلى توافر البنزين و بأسعار رخيصة، و كيف شعروا بالرخاء و الراحة بينما كانت اسرائيل تتميز من الغيظ و الدهشة! كان ذلك بالطبع قبل هدم جميع الأنفاق وفرض حصار خانق من قبل الجانب المصري في ظل نظام السيسي!

حكوا لي كيف يقومون بتجفيف الخضار الورقية لاستخدامها عند انعدامها في السوق بسبب الحصار أو بسبب الحرب أو حتى عند انقطاع الكهرباء بسبب انعدام الوقود!

يستخدمون الرماد لغسل الصحون و الأواني عند انعدام الصابون....

يقومون بصناعة حفاظات بدائية للأطفال...

يملأون خزانات الوقود في سياراتهم بالزيت عند انعدام البترول!

كل هذا و العالم من حولهم سوق مفتوح متخم بالبضائع الاستهلاكية الضرورية و غير الضرورية! هم يعيشون أوضاعا صعبة للغاية و ظروفا غير انسانية و يعرفون أن العالم يقف متفرجا عليهم و يشعرون بالخذلان و لكن المرح لا يفارقهم...

يسخرون من معاناتهم و يقابلون كل همومهم و متاعبهم بتحدٍ و سخرية لدرجة تشعرك بالضآلة، و بالخجل من كل لحظة ضعف و ألم مررت بها ...

يحبون غزة بشكل جنوني...واسرائيل لا تخيفهم و لا تكسرهم!

تكسرهم قسوة أخوتهم العرب...!

اندهشتُ عندما علمتُ أن غزة مليئة بالبضائع الإسرائيلية و أن العملة المتداولة هي الشيكل! هذه أوضاع مفروضة عليهم ليس بسبب الإحتلال وحده و إنما بسبب تخلي العرب - وعلى رأسهم مصر- عنهم!

عندما حان موعد رجوع هذه الأسرة الفلسطينية  إلى غزة رفضت شركة الطيران السماح لهم بالصعود إلى الطائرة  و مغادرة روما إلى القاهرة و ذلك لأن معبر رفح مغلق تماما ، و مصر ترفض استقبال المزيد من الفلسطينيين العالقين في أنحاء العالم!!!

يومها شعروا بألم شديد، و خيبة أمل لم أرها فيهم حتى و هم  يتحدثون عن إسرائيل و عن الحرب و القصف...!

No comments:

Post a Comment