أنيس الباشا
توقفت عند حديث منسوب إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم استخدمه أحدهم في التبرير لسقوط قتلى أبرياء في حرب
السعودية على اليمن، و يقول الحديث: عن زينب بنت جحش، قالت: استيقظ رسول الله –
صلى الله عليه وسلم- من نومه محمرا وجهه وهو يقول: لا إله إلا الله، ويل للعرب من
شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، قالت: يا رسول الله، أنهلك
وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث.
ويُروى الحديث أيضا عن أم المؤمنين
عائشة كالتالي: عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله وعليه وسلم:
"يكون في آخر هذه الأمة خسف ومسخ وقذف" قالت: قلت، يا رسول الله أنهلك
وفينا الصالحون؟ قال: "نعم إذا ظهر الخبث"
وهناك حديث ثالث يصب في السياق ذاته ويُنسب إلى أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها يقول: عن الحسن بن محمد قال: حدثتني
إمرأة من الأنصار – هي حية- قالت: دخلت على أم سلمة فدخل عليها رسول الله صلى الله
عليه وسلم كأنه غضبان، فاستترت بكم درعي، فتكلم بكلام لم أفهمه، فقلت: يا أم
المؤمنين كأني رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم- دخل وهو غضبان، فقالت: نعم،
أو ما سمعت ما قال؟ قلت: وما قال؟ قالت: قال "إن السوء إذا فشا في الأرض فلم
يتناه عنه أرسل الله بأسه على أهل الأرض" قالت: قلت: يارسول الله، وفيهم
الصالحون؟ قال "نعم، وفيهم الصالحون يصيبهم ما أصابهم، ثم يقبضهم الله إلى
مغفرته، ورضوانه، أو إلى رضوانه، ومغفرته"
والشاهد أن هذه الأحاديث الني
نسبها من رووها إلى رسول الله تقر قاعدة أنه إذا كانت هناك أمة مفسدة فإن الله
يهلكها بمفسديها ومصلحيها..
وتوقفت عند القرآن الكريم فوجدت
آياته تخالف هذا المنطق بشكل واضح، فالله سبحانه وتعالى أخبرنا أن الإنسان لا
يُحاسب إلا على أفعاله هو ((ولا تزر وازرة وزر أخرى)) وهو عكس ما تؤمن به الديانات
السابقة فالمسيحية مثلا تعتقد أن البشرية كلها ورثت خطيئة آدم ولذا وجب على الله –
سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا- أن يهبط بنفسه ويٌقتل على الصليب كي يكفر عن
البشر وزر هذه الخطيئة! (وعند البروتستانت فقد أرسل ابنه الوحيد كي يُقتل ويُصلب
ليخلص البشرية)
كما أن الله أخبرنا أنه سبحانه لا
يعذب الناس حتى يقيم عليهم الحجة ((وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا)) وأن كل الأمم
بعث الله إليها الرسل كي لا يكون لهم حجة حين يصيبهم عذاب الله عند تكذيبهم وكفرهم
((وإن من أمة إلا خلا فيها نذير))
والآن نأتي لمسألة الأمة التي يكثر
فيها المفسدين ، هل يهلك الله هذه الأمة بكل من فيها حتى لو كانوا صالحين؟ لنقرأ
معا الآيات التالية بتمعن..
قال تعالى " وَلَمَّا جَاءتْ
رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ
الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ"..
هنا أخبرت الملائكة نبي الله إبراهيم
أن عذاب الله سيلحق بالقرية التي يوجد فيها النبي لوط، فأهل هذه القرية ظالمون ارتكبوا
فاحشة عظيمة لم يسبقهم أحد لها أي أن الخبث والفساد كثر وانتشر واستفحل فيهم،
فماذا كانت ردة فعل ابراهيم الذي يعرف جيدا أن الله تعالى عدل لا يمكن أن يُهلك
الصالح مع الطالح؟
لقد قال ابراهيم ((قَالَ إِنَّ
فِيهَا لُوطاً)) وهذا التعجب من ناحيته منطقي إذ كيف يحيق هلاك الله بقرية فيها
عبد صالح مثل لوط حتى لو كان جل أهلها ظالمون؟ فبماذا أجابت الملائكة على تساؤل
ابراهيم ؟ هل قالوا له كلمات على غرار "لا بأس أن يهلك الصالح مع المفسد اذا
كثر الخبث"؟؟ على العكس قالت الملائكة:
((قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن
فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ
الْغَابِرِينَ))
هذه هي سنة الله وعدله، إذ لا يأخذ
الصالح بجريرة الطالح ولا يحل عقاب الله إلا على من يستحقه...
ويمكن لمن يتصفح كتاب الله أن يجد
هذه الحقيقة واضحة في أكثر من موضع:
((وَلَمّا جاءَ أَمرُنا نَجَّينا
هودًا وَالَّذينَ آمَنوا مَعَهُ بِرَحمَةٍ مِنّا وَنَجَّيناهُم مِن عَذابٍ غَليظٍ))
((فَلَمّا جاءَ أَمرُنا نَجَّينا صالِحًا
وَالَّذينَ آمَنوا مَعَهُ بِرَحمَةٍ مِنّا وَمِن خِزيِ يَومِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ
هُوَ القَوِيُّ العزيز))
((وَلَمّا جاءَ أَمرُنا نَجَّينا شُعَيبًا
وَالَّذينَ آمَنوا مَعَهُ بِرَحمَةٍ مِنّا وَأَخَذَتِ الَّذينَ ظَلَمُوا
الصَّيحَةُ فَأَصبَحوا في دِيارِهِم جاثِمينَ))
((حَتّى إِذا جاءَ أَمرُنا وَفارَ التَّنّورُ
قُلنَا احمِل فيها مِن كُلٍّ زَوجَينِ اثنَينِ وَأَهلَكَ إِلّا مَن سَبَقَ عَلَيهِ
القَولُ وَمَن آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلّا قَليلٌ))
حتى القرية التي كانت تتحايل وتصيد
في السبت وهو الفعل الذي حرمه الله عليهم، أخبر سبحانه أنه حين جاء العذاب حل
بأولئك الذين خالفوا أمر الله واصطادوا في السبت أما الذين كانوا ينهون الآخرين عن
فعل ذلك فلم يلحقهم العذاب:
((فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا
الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون))
ويذكر رب العزة هذه الحقيقة –
حقيقة أن الله لا يهلك إلا الظلمة - بوضوح وجلاء في قوله ((وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهلِكَ القُرى
بِظُلمٍ وَأَهلُها مُصلِحونَ))
فكيف يستقيم إذن أن يصح عن النبي عليه الصلاة والسلام قوله
أن الصالحين قد يلحقهم الهلاك بسبب كثرة المفسدين؟؟
والمصيبة الأعظم أن هناك من الناس من يستخدم هذه الأحاديث
ليروج وليبرر قتل الناس الأبرياء أو المدنيين الذين يسقطون في الحروب والاعتداءات
ويحاول شرعنتها، والحجة أن هذا عقاب من الله لكثرة الفساد بين الناس! مع أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين في حروبهم التي خاضوها لم يقتلوا طفلا
ولا إمرأة و لا اقتلعوا شجرة و لا فجعوا راهبا، و لم يستخدموا الحجة التي يستخدمها
من يروج تلك الأحاديث!
كل ما ورد ونُسب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام من أحاديث
يجب إعادة تدقيقها ومطابقتها مع كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا
من خلفه، ولا يكفي أبدا أن يكون الحديث مرويا في صحيح البخاري ومسلم أو مكتوبا إلى
جواره "صححه الألباني" حتى لو لم يتفق مع كتاب الله!