Pages

May 20, 2015

!السعودية....المشكلة التي لن تصنع حلا في اليمن


أنيس الباشا


لأول مرة ربما في التاريخ الانساني يتم الخلط بهذا الشكل الفج بين المرض و العلاج! و يتمثل ذلك في إصرار البعض على تقديم السعودية لليمنيين على أنها الحل بينما يشهد التاريخ و الواقع أنها هي المشكلة، فسياسة السعودية فيما يتعلق باليمن تتلخص في خيارين إثنين لا ثالث لهما : إما أن تخلق مشكلة ما في اليمن، أو أن تستفيد من مشكلة موجودة و تقوم بتوظيفها و تغذية جميع أسبابها و توفير المناخ الملائم لتفاقمها.
و قد يروج البعض – سواء عن سوء نية أو عن جهل - أن المملكة السعودية لا تمثل لليمن إلا الجار الطيب الكريم.. فهي "مملكة الخير" التي تمد أياديها البيضاء دائما لليمن وتقف بجانبه و تقدم له الكثير من الدعم الاقتصادي والتنموي وطبعا لا بد من أن يردد أصحاب هذه النظرية بأن هناك أكثر من 2 مليون يمني يعملون في السعودية!

و إذا كان من الممكن في السابق التغاضي عن هذا الإعتقاد الساذج، إلا أن استمرار البعض في ترويجه تحت قصف طائرات آل سعود لليمن يعد أمرا مثيرا للغثيان و لا يمكن السكوت عليه بعد اليوم!
فإذا قمنا بعمل تحليل واقعي سريع  لعلاقات وتعامل النظام السعودي مع اليمن واليمنيين سيظهر حتما زيف هذا الإعتقاد وبطلانه..ففي مجال المنطق والسياسة والمصالح لا وجود إلا للحقائق وللواقع المُعاش والمُشاهد بغض النظر عن الولاءات أو الرغبات أوالتأويلات والمشاعر الشخصية التي لا تستطيع أن تفصل أو تفرق بين بيت الله الحرام ومسجد رسوله الكريم اللذين يمتد عمر الأول لآلاف السنين والثاني لمئات السنين وبين النظام السعودي الذي يحكم المنطقة التي يقع فيها هذين الحرمين المقدسين و لما يكمل قرنه الأول بعد!
إن نظرة فاحصة ومدققة وحيادية على تاريخ العلاقات بين النظام السعودي واليمن منذ قيام ونشأة هذا النظام، تُظهر بوضوح أن هذا النظام دائما لا يصدر منه إلا الضرر والأذى لجاره اليمني، وسواء كانت الراوية التي تقول أن مؤسس نظام آل سعود عبد العزيز قد حذر أولاده من اليمن وأوصاهم أن عزهم يكمن في ذل هذا البلد صحيحة أم ملفقة، فإن ممارسات وسياسات هذا النظام منذ الثلاثينات إلى يومنا هذا تؤكد وتثبت صدق هذه المقولة!

وقبل الخوض في هذا الجانب، ينبغي القول أولا أن مسألة وجود 2 مليون يمني يعملون في السعودية لا تعني أبدا وجود فضل أو منة من الجانب السعودي، فهؤلاء الأشخاص يعملون ويمتهنون مهن ووظائف مختلفة أي أنهم يساهمون في الإقتصاد السعودي، بالإضافة إلى أن الكثير منهم يعملون في ظروف سيئة معمول بها في السعودية و تتعرض دائما للانتقاد من جانب المنظمات الحقوقية الدولية..

 و لو عدنا بذاكرتنا إلى الثلاثينات بُعيد إنشاء مملكة آل سعود، سنجد أن الملك عبدالعزيز شن حربا على اليمن التي كان يحكمها الإمام يحيى حميد الدين آنذاك وكان هدف عبدالعزيز هو التوسع ومحاولة ابتلاع أكبر قدر من الأراضي اليمنية وضمها لمملكته تماما كما فعل مع جيرانه الآخرين والتاريخ يشهد بأن السعودية هي الدولة الوحيدة في العالم التي لديها مشاكل حدودية مع كل من يحيط بها من الدول!

وانتهت تلك الحرب بضم نجران وعسير وجيزان لمملكة آل سعود وبتوقيع معاهدة الطائف المعروفة، وفي عام 1972 وبتواطؤ بريطاني تمكنت مملكة آل سعود من ضم مناطق حدودية أخرى تابعة لليمن الجنوبي آنذاك في ما يعرف بالربع الخالي وبالتحديد منطقتي الوديعة والشروة.

وطوال الأعوام الممتدة من السبعينات إلى الثمانينات إلى التسعينات لم يقدم النظام السعودي أية تسهيلات للشباب اليمني الذي يهاجر من وطنه ويذهب إلى هناك بحثا عن فرص عمل لا يجدها في بلده الذي يحكمه الفساد الذي ترعاه السعودية وتدعمه وتثبته عبر لجنتها الخاصة وأموالها التي تدفعها لشراء الولاءات والذمم وليس لبناء المصانع والشركات وخلق فرص العمل..وعلى العكس من التسهيلات التي يقدمها النظام السعودي للمهاجرين والعمال القادمين من البنغال والهند وباكستان مثلا، فلماذا يتعامل النظام السعودي بشراسة وصرامة لا مبرر لهما مع المهاجر اليمني الذي لا يقل كفاءة أو قدرة عن غيره من العمال الآسيويين؟ ولعل الجميع يتذكر حادثة حرق حرس الحدود لمجموعة من الشباب اليمني الذين أختبأوا في إحدى الحفر فقام الجنود السعوديون بإشعال النار فيهم!

وإحقاقا للحق ، فإنه خلال حقبة السبعينات والثمانينات كانت المشاريع التنموية التي تقدم لليمن من دول الخليج خصوصا في المجال التعليمي والصحي تأتي بالدرجة الأولى من الكويت التي كانت تساهم حتى في دفع رواتب أساتذة الجامعات، ولم يكن هناك شيء يذكر قدمته السعودية لليمن طوال تلك الفترة سوى الكتب والكتيبات التي تنشر الفكر الوهابي المنغلق والمتشدد.

و لا يخفى عن الجميع المؤامرة التي قام بها النظام السعودي في السبعينات مع أطراف يمنية في الجيش وأقدموا على اغتيال الرئيس الحمدي الذي نجح في فترة قياسية في إخراج اليمن من الهيمنة السعودية واستطاع ارساء قواعد دولة مدنية حديثة لا وجود فيها لنفوذ وسطوة المشائخ والمتنفذين الذين ترعاهم اللجنة الخاصة السعودية، ومع مقتل الحمدي عاد اليمن ليدخل نفقا مظلما كان بصيص النور الوحيد الذي ظهر في آخره هو تحقيق الوحدة اليمنية بين أبناء الشطرين الجنوبي والشمالي.

لكن وفي حرب الخليج الأولى عام 1990 قامت السعودية بطرد أكثر من مليون ونصف يمني من أراضيها وذلك كعقاب على الموقف السياسي الذي اتخذه علي عبدالله صالح في دعم غزو العراق للكويت..ورغم أن أولئك اليمنيين لا ذنب لهم فيما اتخذته قيادتهم السياسية من قرارات حيث والحكم في اليمن مثله مثل باقي دول المنطقة لا يقوم على أسس ديموقراطية ولا يأخذ رأي الناس والمواطنين في قراراته، إلا أن السعودية لم تتردد في معاقبة أولئك اليمنيين الذين عاشوا وعملوا فيها لعشرات السنين وتسببت بقطع أرزاقهم وأرزاق أسرهم التي كانت تعتمد على تحويلات هؤلاء كما سببت لليمن أيضا أزمة انسانية واقتصادية كبيرة تمثلت في محاولة استيعاب هذا العدد الهائل من العائدين مما أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار المساكن والسلع والمواد.

وفي عام 1994 حين أشتعلت حرب الانفصال بين شمال وجنوب اليمن دعمت السعودية – مع باقي دول الخليج وعلى رأسها الكويت- الحرب الأهلية التي قامت في اليمن، وإذا كان ممكنا فهم موقف الكويت التي شعرت أنها طُعنت من اليمن من قبل وهي صاحبة الأيادي البيضاء فيه وأن هذه فرصتها للانتقام، فإنه من الصعب فهم موقف السعودية آنذاك..ويُقال أن السعودية لم تدعم جهود علي عبدالله صالح في مقاتلة دعاة الانفصال إلا حين أخاف هذا الأخير الملك فهد باتصال شخصي حذره فيه من أن أجراس الشيوعية تدق في عدن!

وفي فبراير 2011 حين قام الشباب اليمني بالثورة ضد نظام علي عبدالله صالح الفاسد وخرجوا إلى الشوارع ليطالبوا بحياة أفضل وقفت السعودية بقوة مع النظام ضد الثورة الشعبية وحاولت تثبيته، وحين خرج الوضع عن السيطرة وبدا أن اليمنيين مصممين على التخلص من هذا النظام المستبد، قام النظام السعودي بتقديم وتسويق ما سمي بالمبادرة الخليجية التي وأدت الثورة وأعادت صالح للمشهد ومنحته حصانة شاملة ومكنته من إعادة خلط وترتيب الأوراق.

وبينما كان  اليمنيون يعانون الأمرين ويحاولون لملمة أوضاعهم المتردية عبر ما عرف بالحوار الوطني، وبشهادة المبعوث الأممي لليمن جمال بن عمر والتي أكد فيها أن اليمنيين بمختلف مكوناتهم السياسية كانوا على وشك الوصول إلى اتفاق سياسي، قام النظام السعودي بشن حرب غادرة ومفاجئة على اليمن بحجة استعادة شرعية الرئيس اليمني هادي!

و لمدة شهرين أمطرت السعودية اليمن بقذائف وصواريخ وقنابل من كل الأحجام والأنواع وقامت بأكثر من 3000 غارة جوية قتل خلالها الكثير من المدنيين وهُدمت بيوتهم فوق رؤوسهم ، وتم تدمير القواعد العسكرية والمطارات والمعسكرات والجسور والطرقات والمصانع، ولم يكتف النظام السعودي بذلك بل فرض حصارا بريا وبحريا وجويا على اليمن مانعا حتى وصول الفرق الطبية والمساعدات الإنسانية وكل ذلك بحجة استعادة شرعية هادي ومحاربة إيران وقطع يدها من المنطقة!

وإلى لحظة كتابة هذه السطور لا يزال عدوان النظام السعودي على اليمن قائما ومتواصلا وفي كل يوم وساعة هناك ضحية تسقط هنا أو هناك، وبرغم هذه الحقائق التي يستطيع أي شخص أن يطلع عليها مالم يكن قد عايشها شخصيا، إلا أنه لا يزال هناك من يجد في نفسه الشجاعة والجرأة للمجادلة بأن المملكة السعودية ذات فضل وخير على اليمن واليمنيين!

و تصل الوقاحة بالبعض إلى القول أن الطريق إلى أي حل في اليمن يبدأ من السعودية، بينما يأتي العدوان السعودي الهمجي و "إعلان الرياض" ليؤكدان بما لا يدع  مجالا للشك بأن الطريق إلى كل مشكلة في اليمن يبدأ من السعودية.
   

No comments:

Post a Comment