Pages

June 17, 2015

ما سر شعورنا الدائم – كمسلمين - بالذنب و التقصير و تأنيب الضمير؟

أنيس الباشا


هل فكرنا مرة أننا نستخدم الدين في جعل الحياة أكثر تعقيدا بدلا من العكس؟
من منا يصلي لأنه يشعر براحة ولذة وتمتع أثناء الصلاة ومن الذي يقوم بالصلاة كأنها واجب روتيني وعبء ثقيل لكن يجب الخلاص منه على كل حال؟

ما سر الشعور بتأنيب الضمير إذا شعر المرء في لحظة ما بحب الحياة واستمتع بأحد متعها البريئة؟

السبب الأول لهذا الأمر هو الفهم المغلوط للدين ولغاية خلقنا في هذه الحياة والتفكير الديني التقليدي الذي يصور الحياة أنها لعينة وقذرة وكل شيء فيها ملعون حقير إلا ذكر الله وأداء الشعائر فقط!
هناك للأسف تشبث مستميت بالموروثات الجامدة في تفسير الدين والتي هي في النهاية اجتهادات أشخاص نحترم جدا قيامهم بهذا الاجتهاد بحسب العلوم والمعارف والفهم الذي توفر لديهم آنذاك..لكن لا يجب أن نعطل مسيرة الفكر والاجتهاد لمجرد أن هناك من قام بها قبل بضعة قرون!

السبب الثاني يكمن في الأحاديث الكثيرة التي نسبت للنبي عليه الصلاة والسلام ونقلها لنا أناس ثم رفعناها لمرتبة الوحي والقرآن رافضين حتى مجرد النقاش بشأنها وأصبحت جملة "رواه البخاري ومسلم" تعني حرفيا – لا شعوريا- لدى البعض جملة "صدق الله العظيم"!

والطريف أن هؤلاء المتشبثين بالموروث وبالحديث وبتفسيرهم الشخصي أو تفسير مشايخهم للدين ينسبون لله تعالى بطريقة غير مباشرة ما لا يليق به ثم يتهمون الآخرين بأنهم يسيئون الأدب مع الله!

فمثلا..تتوضأ لتصلي فلا يتركونك وشأنك و تسمع من يقول: تحسب أنك الآن صرت مؤمنا محافظا على الصلاة؟ هل تظن أنك بوضوئك هذا قد "نفذت" من العقوبة وتعتقد أن الله سيرضى عنك و انك بمأمن من عقابه؟ لااااا..! اعلم أنه سيصيبك عذاب كبير في القبر إذا كنت لا تستبرأ من البول جيدا..!! ويأتونك بحديث يؤكد هذا الكلام!! تخيل!! مع أن الله تعالى الغفور الرحيم الذي كتب على نفسه الرحمة يقول :(( ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم)) ..

هذا التعنت الزائد في موضوع الوضوء مثلا والاستبراء من البول جعل الكثيرين يصابون بوسواس قهري وقد تجد الواحد منهم يتوضأ عشرات المرات خوفا من أن لا يكون قد أتقن الوضوء أو استبرأ من البول جيدا، كما أن أولئك المصابون بسلس البول مثلا يشعرون بمشقة نفسية مضاعفة جراء هذا الكلام، ويأتيك البعض بحديث الصحابي أو التابعي الذي كان يمشي ستين خطوة بعد أن يتبول كي يتأكد أنه لم يبق شيء من أثر البول! والمحصلة في الأخير لدى الجميع هي مشاعر مضطربة منزعجة وعبء وضغط نفسي حتى أثناء أداء العبادات التي يفترض أن تريح الإنسان من الهموم الدنيوية وأن تجعله يشعر بالقرب من الله أكثر وبالروحانية البسيطة التي تأتي بيسر وسلاسة.. وكم نحن في غنى عن كل ذلك العبء النفسي الذي لم يأمر به الله سبحانه ولا أراده لعباده وهو الذي قال بوضوح في كتابه العزيز (( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر))...

الواحد من هؤلاء الذين يعتقدون أنهم "حُماة" الله والمدافعين عن دينه في الأرض قد يرى إمرأة طلت أظافرها أو "نمصت" حواجبها أو شاب حلق لحيته أو أسبل ثوبه فيغضب من هذا المشهد ويُخيل له أن الله تعالى قد غضب لغضبه هذا! وكأن الله سبحانه وتعالى الكبير المتعال الخالق لهذا الكون العظيم بمجراته وسماواته ومخلوقاته تهمه هذه السفاسف حتى انه ينزل عقوبات وعذابات عظيمة من أجل هذه الأمور الصغيرة!! وهذا عندهم هو جوهر الامر بالمعروف والنهي عن المنكر! أن تقول لتلك الفتاة لا تخرجي وقد طليت أظافرك أو وأنت غير مرتدية قفازات تغطي يديك أو تقول لذلك الشاب أطلق لحيتك واعف شاربك أو لماذا لا تحمل السواك! مع ضرورة زرع الشعور بالتقصير والذنب لدى الناس مهما فعلوا وتصوير رحمة الله ورضاه كأنها شيء بعيد صعب المنال وأنك هالك لا محالة وإذا لم تعذب في الدنيا ستعذب في القبر وعلى أشياء استهنت بها بينما هي عند الله "عظيمة"!

يصورون الله – جل وتبارك في علاه - كأنه واحد منا – تعالى الله علوا كبيرا - مخلوق ذكوري أو سطحي ينتظر أقل هفوة أو زلة كي ينزل عذابه وسخطه بالناس! وهذا للأسف هو التصور التوراتي لله سبحانه وتعالى الذي يجده كل من يتصفح العهد القديم ويقرأ كيف يعذب الله البشر ويعاقبهم على أتفه الأسباب وكيف يغضب منهم ويحسدهم وينتقم منهم بل وينهزم أمامهم!..وهذه الطريقة في التفكير غير بعيدة أيضا – من ناحية أخرى- عن الفكر المسيحي الذي ينسب لله صفات بشرية مختلفة ويصوره كواحد منا ينسى ويسهو ويتألم ويتعذب، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا..

أما فيما يخص الأحاديث النبوية، فبالتأكيد هناك كثير من الأحاديث التي تتناسق وتتسق مع كتاب الله وكلها رحمة وأخلاق وقيم، ولكن في المقابل هناك أحاديث كثيرة أيضا وُضعت زورا وكذبا كي تمرر رغبات شخصية وأهواء مستبدة وكي تشغل الناس بأمور جانبية وتجعلها شغلهم الشاغل فيعيشون خائفين مرجفين مضطربين شاعرين طوال الوقت بالتقصير والذنب وأن العذاب قد ينزل بهم في أي لحظة سواء أصابوا أم أحسنوا! وهكذا ينشغلوا بأنفسهم ويفسحوا المجال للحكام كي يتسلطوا ويفسدوا ويظلموا وينهلوا من خيرات هذه الدنيا "الملعونة" بينما عامة الناس مشغولون بالآخرة!

 
وهذا النهج لم يخترعه حكام اليوم المستبدين إنما بدأت نشأته ووُضعت قواعده منذ مئات السنين ومنذ أن حول معاوية حكم المسلمين القائم على الشورى إلى وراثة وتأسست على هذا المنهج دولة بني أمية وتبعتها دولة بني العباس وصولا إلى النسخة الحديثة لحكام اليوم المستبدين، ولأن القرآن يستحيل أن يُحرف اتجهوا إلى الحديث ونسبوا للرسول صلى الله عليه وسلم ما يخدم ويتسق مع أهوائهم ورغباتهم في الحكم والسيطرة والاستبداد ورأينا من يقول بطاعة الأمير وإن شرب الخمر في الحج أو زنى! هذا غير عشرات الأحاديث على غرار "تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك" وهذه أمثلة بسيطة على هذا التوجه الذي يتعارض تماما مع جوهر ومنطق الإسلام الذي جاء ليمنح الناس الحرية الكاملة حتى في مسألة الإيمان والكفر لا ليستعبدهم لصالح أشخاص محددين أو فئات معينة.. بل إن هناك أحاديث تأمر المسلمين بعدم كره الحكام أوبغضهم!! والمضحك أن يتم ربط طاعة الله والرسول بطاعة أناس وبشر يخطئون ويصيبون لمجرد أنهم اصبحوا حكاما للمسلمين ولم يمنعوا الناس من الصلاة! وما أحوجنا اليوم ونحن في القرن الحادي والعشرين إلى تحرير عقولنا من هذا المنهج الذي سبب لنا التبلد والسلبية والانغلاق وجعلنا في آخر الأمم بعد أن أكرمنا الله بالرسالة الخاتمة وبدين الإسلام الذي ندعي جميعا أنه رسالة الله لكل البشرية وأنه صالح لكل زمان ومكان ثم نحصره في مفاهيم ضيقة وموروثات جامدة تجاوزها الزمن!

June 5, 2015

الوطنية ...عاطفة مستهلكة أم شعور غريزي؟

رشا المقالح




في اللحظة التي حلقت فيها تسع طائرات حربية في سماء العاصمة روما لترسم بأدخنتها ألوان العلم الإيطالي في احتفالية مبهجة بيوم الجمهورية، شعرت بالألم و الحزن لأن هناك طائرات حربية معادية تحلق في اللحظة ذاتها في سماء العاصمة صنعاء و غيرها من المدن اليمنية لتنشر الدمار و الخراب و تقضي على كل ما تبقى من شبح جمهوريتنا الهزيلة المحتضرة.

و في اللحظة التي مر فيها موكب الرئيس الإيطالي و على مسافة قريبة جدا من الجمهور، و هو يلوح لهم بابتسامة عريضة و هم يهتفون باسمه و يصفقون له، شعرت بمرارة كبيرة تجاه الحكام في بلداننا و الحال الذي أوصلوا إليه شعوبهم.

و بعد أن وضع الرئيس الإيطالي الزهور عند النصب التذكاري للجندي المجهول في ساحة فينيسيا، بدأ الاستعراض العسكري حيث مرت مواكب كثيرة تمثل الشرطة، و الجيش بوحداته المختلفة (الخيالة و االبحرية و القوات الخاصة و القوات البرية  حتى الفرق الموسيقية العسكرية وغيرها )، و كانت هناك مواكب تمثل وحدات الجيش التاريخية، و الراهبات، و المعاقين، و الرياضيين، و سار موكب يحمل علم الأمم المتحدة و موكب آخر يحمل علم الإتحاد الأوروبي...و كأن العرض يشرح ببساطة كل ما تتكون منه الجمهورية و كل ما جعلها ماهي عليه اليوم!و كلما مر موكب تعالى هتاف الناس و تصفيقهم ، و تراهم يسألون بعضهم بعضا عما يمثله هذا الموكب أو ذاك و يتناقشون فيما بينهم و يختلفون على الأسماء و الدلالات.

كان الحضور كثيفا جدا، فقد جاء الناس من كل الأعمار حتى أنهم أحضروا أطفالهم معهم. كان الشعور بالفخر و الاعتزاز طافحا في وجوههم. فقد جاءوا من تلقاء أنفسهم لمشاهدة هذا العرض، حتى أننا سمعنا إحدى السيدات تتحدث مع شرطي بانفعال و تقول له بأنها جاءت من خارج روما لمشاهدة العرض و انها لم تتمكن من المشاهدة كما يجب بسبب وجود بعض سيارات الإسعاف و التلفزيون أمامها مما حجب عنها رؤية المواكب بوضوح!!

و شعرت بحيرة و استغراب كبيرين! و السبب في ذلك أنني لم أقابل إيطالياً واحدا راضيا عن الأوضاع في بلاده! فهم دائما مايشتكون من الأوضاع الإقتصادية و من المافيا و من الضرائب العالية و من الفساد السياسي و المالي و من المحسوبية و الوساطات ، حتى أن كثيرا من الشباب الإيطالي يهاجر خارج بلاده و يذهب للعمل في دول أوروبية أخرى!

من المعروف أن الرئيس الإيطالي هو رئيس شرفي و أن الصلاحيات هي بيد رئيس الوزراء...و لو مر موكب رئيس الوزراء بين الناس لربما قاموا برميه بالبيض الفاسد أو الطماطم أما رئيس الجمهورية فهو رمز للبلد الذي يعتزون به و يشعرون بالانتماء إليه بشكل غريزي . توقفت كثيرا عند هذه النقطة، وتساءلت لماذا لا يزال الناس هنا يشعرون بالوطنية و بالإعتزاز و الفخر على الرغم من أنهم غير راضين أبدا عن حياتهم و لا عن سياسة بلدهم تجاههم؟؟!! كيف يتمكنون من الفصل بين شعورهم بالمرارة و الاستياء من الأوضاع في بلادهم و بين شعورهم بالوطنية و بالانتماء؟ لماذا يوجد لديهم شعور جامع بالوطنية و الهوية على الرغم من أن التلاميذ لا يقومون بتحية العلم كل صباح في الطابور المدرسي و لا يقومون بترديد النشيد الوطني إلا في مبارايات كرة القدم أو في الاحتفالات الوطنية، كما أن الأغاني الوطنية اختفت تماما من برامج التلفزيون سواء الخاصة أو الحكومية و كل ما تشاهده في التلفاز هو برامج المسابقات و الكرتون و الأخبار و المسلسلات و الأفلام و غيرها! فما الذي أحضر الناس هكذا من تلقاء أنفسهم و بهذه الكثافة للإحتفال بالعيد "الوطني"؟

كنت دائما لا أحب كلمة "وطنية" و كل ما يتعلق بها من أغان و شعارات و مناسبات و غيرها، و أرى أنها مشاعر مبتذلة،  في وطن تنعدم فيه أسس الحياة الكريمة و يتعرض فيه المواطن البسيط لشتى أنواع الظلم ، و أن النظام الحاكم يتعمد استثارة مثل هذه المشاعر عن الناس من أجل استهلاك عاطفتهم و صرفهم عن مشاعر الغضب الحقيقية التي يجب أن يشعروا بها نتيجة لتردي أوضاعهم المعيشية... فنحن في بلادنا محرومون من أهم  و أبسط مقومات الحياة الكريمة (مثل الكهرباء و الماء و البنى التحتية و النظام الصحي المقبول) ،كما أن الجيش و الشرطة و كل الأجهزة و المؤسسات في بلادنا هي ملك للحاكم ...مجرد أدوات في يده و مسخرة له هو فقط! نعاني من كل ما سبق ثم نجد من يردد "بلادي و إن جارت علي عزيزة و أهلي و إن ضنوا علي كرام"!!

 فرغم هذا التردي الفاضح في كل مجالات الحياة في بلادنا يجبرنا الحاكم على الغناء "للوطن" كل يوم في الطابور المدرسي و يفرض علينا  كمية كبيرة من الجرعات الوطنية في المناهج التعليمية، هذا بالإضافة إلى الأناشيد الوطنية المختلفة على  القنوات الرسمية من وقت لآخر فمثلا تبدأ مظاهر الاحتفال  "بعيد ثورة 26 سبتمبر" على التلفزيون الرسمي قبل عيد الثورة بعدة أسابيع و تستمر بعده لعدة أسابيع أخرى!

و هكذا أصبحنا نشاهد الأغاني و الاحتفالات الوطنية كما نشاهد إعلانات الصابون و السمن و غيرها من المنتجات الإستهلاكية، و هذا التلاعب الخطير بالمشاعر الوطنية أدى إلى تحويلها إلى  مجرد بضاعة معروضة وسلعة إستهلاكية يقبلها البعض و يرفضها البعض الآخر، و قد ظهر ذلك بشكل مروع عندما انقسمنا على أنفسنا في العدوان الخارجي على بلادنا ما بين مؤيد و معارض! مما يدل على أن جرعات الوطنية التي كان يقوم النظام الفاسد بحقن المواطنين بها قد أدت غرضها الحقيقي و أدت إلى خلط الأمور و أحدثت خللا حقيقيا في علاقة المواطن بالنظام الحاكم و بالأرض التي يحيا عليها، و جعلت الحاكم و الوطن شيئا واحدا...وجهان لنفس العملة ... و لهذا انقسمنا على أنفسنا بشكل مخجل عندما تعرضت بلادنا لعدوان خارجي، و غرق بعض "مثقفينا" في حالة من الصراع ضد الأطراف الداخلية و بدل من تسخير أقلامهم لصد العدوان الخارجي، تحولوا لآلات نشطة لا شغل لها سوى جلد الأطراف الداخلية، متجاوزين طائرات الإف16 و الإف15 التي تقصف وطنهم في كل لحظة معلنة استهداف تلك الأطراف!

و دخلنا رغما عنا في دوامة من الاتهامات لبعضنا البعض، حتى أن أحدهم وصف إحدى الأطراف الداخلية المستهدفة من العدوان الخارجي بأنها أساسا "حركة غير وطنية و لا تفهم معنى كلمة وطن"، متناسيا ذلك أنه بقصد أو بدون قصد يسهم في التبرير للعدوان و أن الكتابة ضد طرف داخلي - مهما كان سيئا- في الوقت الذي تستهدفه طائرات عدو خارجي و تستهدف معه الوطن بأكمله هو عملٌ غير وطني بالمرة!

و لا عجب في ذلك فقد تربينا في ظل نظام فاسد جعل الفصل بين الشعور بالمرارة و الشعور بالوطنية أمرا صعبا إن لم يكن مستحيلا!

لن نعتذر


رشا المقالح

لا غرابة في أن يدافع أحد "مثقفينا" عن منظمة العفو الدولية بحماسة شديدة و يطالبنا بالاعتذار لها فقد وافق "شن طبقة" كما يقول المثل العربي...فالطريقة التي تتناول فيها المنظمة الدولية الأحداث في اليمن تشبه طريقة ذلك المثقف في تناول الغارات الجوية الشرسة على اليمن، مع فرق واحد أن ذلك المثقف في نهاية المطاف لا يمثل إلا نفسه و قناعاته ، و من المفهوم أن يتحامل على طرف داخلي و له أسبابه و لكن ما هو مقبول منه لن يكون مقبولا أبدا من منظمة العفو الدولية و لا من أي منظمة دولية أخرى!

تقارير منظمة العفو الدولية – قسم الشرق الأوسط و شمال أفريقيا عن الحرب في اليمن، هزيلة و "هزلية" في الوقت نفسه و إذا لم يكن السبب هو "شراء ذمم" فربما كان السبب هو أن بعض النشطاء المحليين الذين تعتمد عليهم المنظمة في اليمن لا ينقلون الصورة كما يجب ربما لأسباب سياسية أو  لقناعات شخصية لذا نجدهم يمارسون قناعاتهم السياسية و الشخصية عن طريق إرسال تقارير هزيلة عن الغارات الجوية الوحشية و رصد غير نزيه لبقية الأحداث!!

 فمثلا لو نظرنا إلى تقارير منظمة العفو الدولية – قسم المملكة المتحدة حول الحرب الأخيرة على غزة فسنجدها تقارير متعاطفة إلى حد ما مع الفلسطينيين و تطالب صراحة بإيقاف الغارات الجوية على غزة و قامت بعمل حملة لمطالبة المملكة المتحدة بإيقاف تزويد إسرائيل بأي اسلحة كما قامت برصد  الانتهاكات و أعداد ضحايا الغارات الإسرائيلية و الأضرار في الممتلكات بشكل مفصل، و صرحت في بعض الأحيان و بألفاظ لا تقبل الجدل بأن ما حصل هو عبارة عن جرائم حرب في حق المدنيين و انتهاك صارخ للقوانين! و ذلك يدل على أن نشطاء المنظمة هناك يتعاملون مع الغارات الجوية الإسرائيلية على غزة بشكل يختلف عن تعامل نشطاء المنظمة في اليمن مع الغارات الجوية السعودية على بلادنا!

أما تقارير منظمة العفو الدولية – قسم الشرق الأوسط و شمال أفريقيا  عن الغارات السعودية على اليمن فلا توجد أي مطالبة لإيقاف الحرب على اليمن، و لا توجد حملات لنشطاء المنظمة لجمع توقيعات من أجل ذلك، كما يظهر بوضوح في التقارير أن
هناك جهد كبير جدا في انتقاء الكلمات المناسبة و الألفاظ الفضفاضة خاصة عند الحديث عن الضربات الجوية .

ففي تقرير المنظمة بتاريخ 26 مارس  أي في بداية الحرب يقول
سعيد بومدوحة  نائب مدير قسم الشرق الأوسط و شمال أفريقيا في المنظمة :
" فالمطلوب من السعودية، أو أي قوات مسلحة أخرى، تقوم بتنفيذ هجمات في اليمن، أن تتخذ كافة الاحتياطات الممكنة لتجنب المدنيين. ويشمل هذا التحقق من حقيقة الأهداف العسكرية، وإعطاء المدنيين تحذيرات فعالة مسبقة إلا إذا لم تسمح الظروف بذلك".

لاحظوا ما هو "المطلوب من السعودية.." و ليس مطلوبا منها إيقاف الغارات الجوية!!

و لاحظوا أيضا عبارة "إلا إذا لم تسمح الظروف"!

ثم في تقريرالمنظمة بتاريخ 24 ابريل  أي بعد مرور  شهر كامل على الغارات السعودية على اليمن يقول سعيد بومدوحة  : "إن تصاعد عدد القتلى والجرحى من المدنيين في بعض الحالات التي تناولها بحث المنظمة تثير قلقاً عميقاً. فبعض الضربات التي شُنت بقيادة السعودية لم تتخذ، على ما يبدو، الاحتياطات الضرورية لتقليل الإصابات في صفوف المدنيين والحد من الأضرار للمنشآت المدنية. ومن الضروري إجراء تحقيقات مستقلة ونزيهة للتحقق مما إذا كانت قد وقعت انتهاكات للقانون الإنساني الدولي".
أي أن منظمة العفو الدولية و بعد شهر من الغارات لازالت غير متأكدة من حصول انتهاكات و جرائم حرب من قبل الطيران الحربي السعودي لاحظوا العبارات الهزيلة : "بعض الضربات" ..."على ما يبدو"......."ما إذا كانت قد وقعت انتهااكات"!

و في تقرير 8 مايو و عنوانه "أدلة دامغة على وقوع خسائر كبيرة بين المدنيين من جراء الضربات الجوية للتحالف بقيادة السعودية" يذكر التقرير أن منظمة العفو استمعت إلى شهادات مروعة من السكان حول الضربة الجويةعلى منطقة سكنية في حي باب الشعب بمنطقة سعوان مما أسفر عن مقتل 17 مدنيا، يقول سعيد بومدوحة  معلقا على الشهادات المروعة : "

"هي دليل دامغ على تقاعس القوات العسكرية السعودية وحلفائها عن اتخاذ ما يكفي من الإجراءات لضمان عدم قتل مدنيين دونما ضرورة في حملة الضربات الجوية التي تشنها".
لاحظوا "تقاعس".. و ليس "جرائم حرب" و لاحظوا "لضمان عدم قتل مدنيين دونما ضرورة"

و كأن هناك أصلا ضرورة لقتل مدنيين؟؟!!! هذا هو الضمير العالمي  و قانونه الدولي المليء بالمصطلحات المنمقة!

و يواصل المسئول حديثه في التقرير نفسه : "حتى إذا كان من المعتقد وجود مقاتلين في المنطقة، يتعين على القوات قبل شن هجماتها أن تتيقن من وجود مدنيين وأن تتخذ الإجراءات اللازمة لتجنب وقوع خسائر بين المدنيين، أو للحد من هذه الخسائر على الأقل"

هل يعني ذلك أن سقوط عشرة قتلى مثلا مقبول و لكن مائة لا ! كما يبدو أن هناك تعاطف و رغبة في أن تحقق الغارات الجوية هدفها في القضاء على الحوثيين!

و في بداية نفس التقرير ستلاحظون أن سعيد بومدوحة  يقول بالحرف : "ينبغي على التحالف الذي تقوده السعودية أن يفصح علناً عن معلومات مفصَّلة بشأن جميع الضربات الجوية التي شُنَّت على صنعاء يوم 1 مايو/أيار 2015، بما في ذلك أهداف الضربات،"

و يقول أيضا :". فحتى إذا كان من المعتقد وجود مقاتلين في المنطقة، يتعين على القوات قبل شن هجماتها أن تتيقن من وجود مدنيين"

أي أن سبب الغارة الجوية على حي باب الشعب لم يكن معروفا في بداية التقرير أما في نهايته فستجدون العبارة الآتية:

" وفي حالة الضربة الجوية على حي باب الشعب بمنطقة سعوان، فبالرغم من أن الهدف المقصود هو في الواقع زعيم حوثي من الجائز قانوناً استهدافه، فإن ذلك في حد ذاته لا يبرر الهجوم. "

من الواضح التناقض السافر في التقرير،و محاولة تبريرالضربة قدر المستطاع مما يدل على أن من يقومون بكتابة التقارير تتنازعهم ضغوط شتى و قناعات شخصية و هذا ينعكس على لهجة التقرير. فعند الحديث عن الحوثيين عبارات أكثر حدة مثل :

" وقال نائب مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية، سعيد بومدوحة، إن "الشهادات التي استقتها منظمة العفو الدولية من عدن ترسم صورة قاتمة تدين سلوك القوات الحوثية في عدن ونواحيها إذ يبدو أنهم ارتكبوا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان
".
لاحظوا "صورة قاتمة"..."تدين سلوك"..."انتهاكات جسيمة"!

و  يقول أيضا عن الحوثيين:" فإنهم يستهينون بالقواعد الأساسية لقوانين الحرب
"!

و لن تجدوا عبارات من هذا القبيل في وصف قوات التحالف، حيث لم أجد عبارة واحدة على غرار:"قوات التحالف بقيادة السعودية يستهينون بالقواعد الأساسية لقوانين الحرب" !! أو "ندين سلوك قوات التحالف بقيادة السعودية"!

من الواضح أن منظمة العفو - إذا استبعدنا شراء الذمم - تعتمد على نشطاء محليين متأثرين جدا بعداوتهم لأنصار الله و متسامحين إلى حد ما مع الغارات الجوية و مع ما تحدثه من ضحايا مدنيين، و يحاولون بشكل أو بآخر التقليل من آثارها و عدم التركيز على جرائم الحرب التي تقوم بها السعودية . و التقرير الآخير الخاص بالمقارنة بين ضحايا راجع المضادات و ضحايا الغارات الجوية ما هو إلا دليل آخر يضاف إلى جملة الأدلة السابقة و إن كان أكثر سفورا هذه المرة!

كما أنه من الواضح أيضا أن المنظمات الدولية لم تحصل على ضوء أخضر أمريكي لكي تشجب و تندد و تهدد النظام السعودي بملاحقته في محاكم جرائم الحرب. أغلب تلك المنظمات تمتلك الوسائل و القنوات اللازمة للتأثير و تحصل على الدعم المادي و لها موازاناتها الخاصة، لكنها لا تؤدي واجبها الإنساني و الأخلاقي كما يجب، و أكثر المستفيدين من هذه المنظمات هم العاملين فيها. هذا هو النفاق العالمي عندما يتخذ صورة منظمة إنسانية دولية.

نحن لسنا مطالبين بالاعتذار لمنظمة العفو الدولية و لا لأي منظمة أخرى...الضمير العالمي -إن كان هناك بقايا من ضمير - هو المطالب بالاعتذار للإنسانية عن كل هذا الصمت و "التقاعس"  في حق شعب مظلوم يفتقر إلى أبسط مقومات الحياة...منهك من الصراعات الداخلية ، و آخرما يحتاج إليه هو غارات جوية وحشية تقضي على آخر أمل له في شيء من الحياة