Pages

June 5, 2015

لن نعتذر


رشا المقالح

لا غرابة في أن يدافع أحد "مثقفينا" عن منظمة العفو الدولية بحماسة شديدة و يطالبنا بالاعتذار لها فقد وافق "شن طبقة" كما يقول المثل العربي...فالطريقة التي تتناول فيها المنظمة الدولية الأحداث في اليمن تشبه طريقة ذلك المثقف في تناول الغارات الجوية الشرسة على اليمن، مع فرق واحد أن ذلك المثقف في نهاية المطاف لا يمثل إلا نفسه و قناعاته ، و من المفهوم أن يتحامل على طرف داخلي و له أسبابه و لكن ما هو مقبول منه لن يكون مقبولا أبدا من منظمة العفو الدولية و لا من أي منظمة دولية أخرى!

تقارير منظمة العفو الدولية – قسم الشرق الأوسط و شمال أفريقيا عن الحرب في اليمن، هزيلة و "هزلية" في الوقت نفسه و إذا لم يكن السبب هو "شراء ذمم" فربما كان السبب هو أن بعض النشطاء المحليين الذين تعتمد عليهم المنظمة في اليمن لا ينقلون الصورة كما يجب ربما لأسباب سياسية أو  لقناعات شخصية لذا نجدهم يمارسون قناعاتهم السياسية و الشخصية عن طريق إرسال تقارير هزيلة عن الغارات الجوية الوحشية و رصد غير نزيه لبقية الأحداث!!

 فمثلا لو نظرنا إلى تقارير منظمة العفو الدولية – قسم المملكة المتحدة حول الحرب الأخيرة على غزة فسنجدها تقارير متعاطفة إلى حد ما مع الفلسطينيين و تطالب صراحة بإيقاف الغارات الجوية على غزة و قامت بعمل حملة لمطالبة المملكة المتحدة بإيقاف تزويد إسرائيل بأي اسلحة كما قامت برصد  الانتهاكات و أعداد ضحايا الغارات الإسرائيلية و الأضرار في الممتلكات بشكل مفصل، و صرحت في بعض الأحيان و بألفاظ لا تقبل الجدل بأن ما حصل هو عبارة عن جرائم حرب في حق المدنيين و انتهاك صارخ للقوانين! و ذلك يدل على أن نشطاء المنظمة هناك يتعاملون مع الغارات الجوية الإسرائيلية على غزة بشكل يختلف عن تعامل نشطاء المنظمة في اليمن مع الغارات الجوية السعودية على بلادنا!

أما تقارير منظمة العفو الدولية – قسم الشرق الأوسط و شمال أفريقيا  عن الغارات السعودية على اليمن فلا توجد أي مطالبة لإيقاف الحرب على اليمن، و لا توجد حملات لنشطاء المنظمة لجمع توقيعات من أجل ذلك، كما يظهر بوضوح في التقارير أن
هناك جهد كبير جدا في انتقاء الكلمات المناسبة و الألفاظ الفضفاضة خاصة عند الحديث عن الضربات الجوية .

ففي تقرير المنظمة بتاريخ 26 مارس  أي في بداية الحرب يقول
سعيد بومدوحة  نائب مدير قسم الشرق الأوسط و شمال أفريقيا في المنظمة :
" فالمطلوب من السعودية، أو أي قوات مسلحة أخرى، تقوم بتنفيذ هجمات في اليمن، أن تتخذ كافة الاحتياطات الممكنة لتجنب المدنيين. ويشمل هذا التحقق من حقيقة الأهداف العسكرية، وإعطاء المدنيين تحذيرات فعالة مسبقة إلا إذا لم تسمح الظروف بذلك".

لاحظوا ما هو "المطلوب من السعودية.." و ليس مطلوبا منها إيقاف الغارات الجوية!!

و لاحظوا أيضا عبارة "إلا إذا لم تسمح الظروف"!

ثم في تقريرالمنظمة بتاريخ 24 ابريل  أي بعد مرور  شهر كامل على الغارات السعودية على اليمن يقول سعيد بومدوحة  : "إن تصاعد عدد القتلى والجرحى من المدنيين في بعض الحالات التي تناولها بحث المنظمة تثير قلقاً عميقاً. فبعض الضربات التي شُنت بقيادة السعودية لم تتخذ، على ما يبدو، الاحتياطات الضرورية لتقليل الإصابات في صفوف المدنيين والحد من الأضرار للمنشآت المدنية. ومن الضروري إجراء تحقيقات مستقلة ونزيهة للتحقق مما إذا كانت قد وقعت انتهاكات للقانون الإنساني الدولي".
أي أن منظمة العفو الدولية و بعد شهر من الغارات لازالت غير متأكدة من حصول انتهاكات و جرائم حرب من قبل الطيران الحربي السعودي لاحظوا العبارات الهزيلة : "بعض الضربات" ..."على ما يبدو"......."ما إذا كانت قد وقعت انتهااكات"!

و في تقرير 8 مايو و عنوانه "أدلة دامغة على وقوع خسائر كبيرة بين المدنيين من جراء الضربات الجوية للتحالف بقيادة السعودية" يذكر التقرير أن منظمة العفو استمعت إلى شهادات مروعة من السكان حول الضربة الجويةعلى منطقة سكنية في حي باب الشعب بمنطقة سعوان مما أسفر عن مقتل 17 مدنيا، يقول سعيد بومدوحة  معلقا على الشهادات المروعة : "

"هي دليل دامغ على تقاعس القوات العسكرية السعودية وحلفائها عن اتخاذ ما يكفي من الإجراءات لضمان عدم قتل مدنيين دونما ضرورة في حملة الضربات الجوية التي تشنها".
لاحظوا "تقاعس".. و ليس "جرائم حرب" و لاحظوا "لضمان عدم قتل مدنيين دونما ضرورة"

و كأن هناك أصلا ضرورة لقتل مدنيين؟؟!!! هذا هو الضمير العالمي  و قانونه الدولي المليء بالمصطلحات المنمقة!

و يواصل المسئول حديثه في التقرير نفسه : "حتى إذا كان من المعتقد وجود مقاتلين في المنطقة، يتعين على القوات قبل شن هجماتها أن تتيقن من وجود مدنيين وأن تتخذ الإجراءات اللازمة لتجنب وقوع خسائر بين المدنيين، أو للحد من هذه الخسائر على الأقل"

هل يعني ذلك أن سقوط عشرة قتلى مثلا مقبول و لكن مائة لا ! كما يبدو أن هناك تعاطف و رغبة في أن تحقق الغارات الجوية هدفها في القضاء على الحوثيين!

و في بداية نفس التقرير ستلاحظون أن سعيد بومدوحة  يقول بالحرف : "ينبغي على التحالف الذي تقوده السعودية أن يفصح علناً عن معلومات مفصَّلة بشأن جميع الضربات الجوية التي شُنَّت على صنعاء يوم 1 مايو/أيار 2015، بما في ذلك أهداف الضربات،"

و يقول أيضا :". فحتى إذا كان من المعتقد وجود مقاتلين في المنطقة، يتعين على القوات قبل شن هجماتها أن تتيقن من وجود مدنيين"

أي أن سبب الغارة الجوية على حي باب الشعب لم يكن معروفا في بداية التقرير أما في نهايته فستجدون العبارة الآتية:

" وفي حالة الضربة الجوية على حي باب الشعب بمنطقة سعوان، فبالرغم من أن الهدف المقصود هو في الواقع زعيم حوثي من الجائز قانوناً استهدافه، فإن ذلك في حد ذاته لا يبرر الهجوم. "

من الواضح التناقض السافر في التقرير،و محاولة تبريرالضربة قدر المستطاع مما يدل على أن من يقومون بكتابة التقارير تتنازعهم ضغوط شتى و قناعات شخصية و هذا ينعكس على لهجة التقرير. فعند الحديث عن الحوثيين عبارات أكثر حدة مثل :

" وقال نائب مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية، سعيد بومدوحة، إن "الشهادات التي استقتها منظمة العفو الدولية من عدن ترسم صورة قاتمة تدين سلوك القوات الحوثية في عدن ونواحيها إذ يبدو أنهم ارتكبوا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان
".
لاحظوا "صورة قاتمة"..."تدين سلوك"..."انتهاكات جسيمة"!

و  يقول أيضا عن الحوثيين:" فإنهم يستهينون بالقواعد الأساسية لقوانين الحرب
"!

و لن تجدوا عبارات من هذا القبيل في وصف قوات التحالف، حيث لم أجد عبارة واحدة على غرار:"قوات التحالف بقيادة السعودية يستهينون بالقواعد الأساسية لقوانين الحرب" !! أو "ندين سلوك قوات التحالف بقيادة السعودية"!

من الواضح أن منظمة العفو - إذا استبعدنا شراء الذمم - تعتمد على نشطاء محليين متأثرين جدا بعداوتهم لأنصار الله و متسامحين إلى حد ما مع الغارات الجوية و مع ما تحدثه من ضحايا مدنيين، و يحاولون بشكل أو بآخر التقليل من آثارها و عدم التركيز على جرائم الحرب التي تقوم بها السعودية . و التقرير الآخير الخاص بالمقارنة بين ضحايا راجع المضادات و ضحايا الغارات الجوية ما هو إلا دليل آخر يضاف إلى جملة الأدلة السابقة و إن كان أكثر سفورا هذه المرة!

كما أنه من الواضح أيضا أن المنظمات الدولية لم تحصل على ضوء أخضر أمريكي لكي تشجب و تندد و تهدد النظام السعودي بملاحقته في محاكم جرائم الحرب. أغلب تلك المنظمات تمتلك الوسائل و القنوات اللازمة للتأثير و تحصل على الدعم المادي و لها موازاناتها الخاصة، لكنها لا تؤدي واجبها الإنساني و الأخلاقي كما يجب، و أكثر المستفيدين من هذه المنظمات هم العاملين فيها. هذا هو النفاق العالمي عندما يتخذ صورة منظمة إنسانية دولية.

نحن لسنا مطالبين بالاعتذار لمنظمة العفو الدولية و لا لأي منظمة أخرى...الضمير العالمي -إن كان هناك بقايا من ضمير - هو المطالب بالاعتذار للإنسانية عن كل هذا الصمت و "التقاعس"  في حق شعب مظلوم يفتقر إلى أبسط مقومات الحياة...منهك من الصراعات الداخلية ، و آخرما يحتاج إليه هو غارات جوية وحشية تقضي على آخر أمل له في شيء من الحياة

No comments:

Post a Comment