Pages

December 2, 2015

!أيها المسلمون...يكفي نفاقا







رشا المقالح

قبل فترة قصيرة أرسلت لي صديقتي الإيطالية برسالة صوتية تقول فيها :" أنا أتابع إحدى الصفحات على فيسبوك و تدعى اسلام ايطاليا ، و قد ذكروا في احد المواضيع آية من القرآن و قالوا بأنها تأمر المسلمين بأن لا يكونوا أصدقاء مع غير المسلمين، و يجب أن لا "يحبوهم" لأن هذا سيؤدي للخروج من الدين (حسب تعبيرهم)"! ثم قالت:" أنا لا أعتقد أن هذا صحيح لأنك صديقتي!لكن هل يمكنك أن تشرحي لي لماذا قالوا ذلك؟ أنا أجد ذلك غريبا! "

لا أدري بماذا أجيب صديقتي! هل أقول لها :" و أنا أيضا أجد ذلك غريبا و أحتاج لمن يشرح لي !"
كيف يمكنني أن أفسر لها و لنفسي بأن  هناك من يجرؤ على طرح مثل هذه الفكرة بين المسلمين بل و يروجها و يدلل عليها من القرآن و السنة؟! و هل يمكنني بعد ذلك أن أقول لها أو لغيرها أن الإسلام هو دين الرحمة و دين السلام؟ هل أقول لها أن المسلم يجوز له أن يتزوج المسيحية و اليهودية و لكن لا يجوز له أن يصادق غير المسلمين ناهيك عن أن يحبهم؟؟!  ثم كيف سيتزوجها و يعاشرها بدون مودة و محبة؟؟ و كيف سيتعامل مع أهلها غير المسلمين؟!و الذين سيكونون أهلا لأولاده أيضا؟!

ما هذه الفوضى الفكرية؟! كيف يمكن لرسالة يصفها أتباعها بأنها "عالمية" أن تحتمل مجرد وجود تساؤل عن إمكانية "الصداقة" و "المودة"  مع الآخرين؟هل أخفي على صديقتي أن هناك مئات الفتاوى المنتشرة في الكتب الدينية و مواقع الانترنت و برامج  التلفزيون و التي تروج  لنفس المفهوم و تطلب من المسلم ألا يحمل تجاه غير المسلم أي "مودة قلبية"؟؟! و كأن الحب أو المودة القلبية شيء يمكن التحكم به أصلا؟! هل يمكنك أن تضغط زرا ما فتتوقف عن الشعور بالحب أو المودة تجاه أحدهم؟؟ و أي دين هذا الذي يأمر الناس بألا يحملوا "مودة قلبية" تجاه غيرهم لا لشيء سوى أنهم يختلفون عنهم في العقيدة!

هل أخبرها أن هناك فتاوى "تسمح" للمسلم بمصادقة غير المسلم على شرط واحد فقط و هو أن يقوم بنصحه و محاولة هدايته للإسلام؟؟!!  و لكن إذا أخبرتها بذلك يجب علي أن لا أخبرها أن هذا يتعارض تماما مع كثير من النصوص القرآنية مثلا : (( فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا))  ....!
أو مع الآية التي تقول: (( إنك لا تهدي من أحببت و لكن الله يهدي من يشاء))
أو الآية : (( ليس عليك هداهم و لكن الله يهدي من يشاء))
فإذا كانت هذه الآيات تخاطب النبي محمد و هو المكلف بتبليغ الرسالة فكيف بالمسلم العادي؟!

فوجئت أثناء تصفحي لأحد المواقع الإسلامية بسؤال لفتاة مسلمة تستفسربأن لديها صديقة مسيحية و بأنها تحبها و تحب رفقتها و بأنهما متفاهمتان جدا، و أنها  تحاول دائم جرها للإسلام و أن الفتاة رفضت ذلك و غضبت من صديقتها المسلمة و قالت لها بأنها تحبها كانسانة و لا يجب أن تتحدثا كثيرا في الدين!
فماذا أجاب عليها الموقع الإسلامي؟ طلبوا منها أن تبتعد عن رفقة تلك الفتاة المسيحية و تنهي صداقتها معها!
ألا يتناقض ذلك مع النص القرآني الواضح : (( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا))  أليست تلك الفتوى قطع لما أمر الله به أن يوصل؟! ثم ألم يقل الله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم)) ؟!

متى نسئم نحن المسملون من هذا النفاق الذي تمتليء به صدورنا ؟ ندعي أمام الآخرين بأن ديننا هو دين التعايش و السلام و الرحمة و إذا خلينا إلى أنفسنا تواصينا بكراهية الآخر و عدم صحبته! متى سنتخلص من كل هذه التناقضات الفجة التي لا يسعها عقل و لا يقبلها منطق؟ نتهم الأخرين بالتآمر على الإسلام و محاولة تشويه صورته بينما نقوم نحن بذلك نهارا جهارا!

كيف يمكن للمسلمين في بلاد غير المسلمين أن يتعايشوا مع غيرهم في ظل مثل تلك الفتاوى؟! لماذا كل هذا التعالي و الغرور و الاحساس بالتفوق "الإيماني" على الآخرين؟ من أعطى المسلمين أو غيرهم الحق في محاسبة الآخرين على عقائدهم؟ هذا حق لله وحده...الله الذي منح الانسان حرية الاختيار و العبادة و هو وحده من يحق له محاسبته عليه.


لقد سئمت من هذه الفوضى الفكرية التي تسيطر على العقل المسلم، سئمت من هذا التناقض الفج بين النص و التطبيق... إني –  كمسلمة -  لست مسئولة عن هذه النفايات الفكرية و لا أوافق عليها و لكني أجد نفسي  مضطرة لكنسها غير مرة، و لقد تعبت من ذلك...لذا فإن ردي الوحيد على صديقتي – و أمام هذا الطوفان الهائل من التعصب الديني – هو  حبي لها و مودتي و صداقتي....

No comments:

Post a Comment