أنيس الباشا
"اليمن...الحرب و الهروب"...عندما سمعنا
بوجود ندوة تعريفية عن اليمن و الحرب الحاصلة فيها تحت ذلك
العنوان، شعرنا
بالسعادة لأن هناك من سيتحدث أخيرا عما يحصل في اليمن و عن معاناة اليمنيين.
إذ يبدو أن العالم كله يعرف بما
يجري في سوريا وليبيا والعراق والصومال وميانمار وكولومبيا والفلبين والقطب
الجنوبي وحتى إريتريا التي لا أعرف أنا نفسي إلى الآن ماذا يحصل فيها..لكن هذا
العالم لا يعرف شيئا عن ذلك اليمن المسكين الذي ابتلاه الله بأسوأ وألعن جيران في
تاريخ البشرية والذي يشن عليه هؤلاء الجيران حرب إبادة بأدوات موت غربية، أدت إلى
تدمير البلد فعليا وزادت حياة اليمنيين بؤسا وتعقيدا.
جاء موعد الندوة وذهبنا متحمسين و قمنا بدعوة بعض الأصدقاء الألمان لحضور
المناسبة. أعد الندوة صحفي ألماني حيث بدأ بعرض شرائح تم اعدادها ببرنامج الباور
بوينت، كان الصحفي يعرض الشريحة ويقرأ من الصفحات المطبوعة بين يديه، بدأ الكلام
بمعلومات عامة عن اليمن جغرافية ومناخية وما إلى ذلك..ثم بدأ الجانب الديني والذي جعلني أتململ في مقعدي ..فطبقا لكلام الأخ الصحفي فاليمن مقسمة "دينيا"
إلى ثلاثة مناطق.. سنية في الجنوب وزيدية "شيعية" في الشمال وإسماعيلية
في الوسط!
بذلت جهدا كي أظل هادئا وأواصل الاستماع لبقية المعلومات المذهلة ..وأقول
مذهلة لأنني وأنا اليمني القادم من اليمن التي عشت فيها أكثر من ثلاثين عاما لم
أكن أعرف أبدا بهذا التقسيم العبقري للمذاهب في بلدي!
تواصل العرض و تحدث الصحفي لأكثر من ساعة، و كان الجانب الذي انتظرناه هو
بالطبع ما بعد 26 مارس 2015 حين بدأ العدوان الهمجي على اليمن، لم ننتظر بالطبع أن
نرى صورا للأشلاء والبقايا الممزقة للأطفال والرؤوس المقطوعة، فالغربيون لا يميلون
أبدا لنشر هذه الأمور احتراما لكرامة الإنسان وحفاظا على المشاعر الآدمية من أن
تتبلد بعد هكذا مشاهدات و حتى لا يتحول التبلد إلى تعود فيما بعد، وهم على حق
تماما في هذه وليتنا نحذو حذوهم في هذا الجانب..المهم..انتظرنا أن يتم الحديث عن
بشاعة العدوان بالصورة المتحضرة : بالأرقام والحقائق..!وربما تأملنا – ولنا كل
الحق- أن يكون هناك بعض الكلام الإنساني المنفعل عن عدوان تشنه ثالث دولة تشتري
السلاح على مستوى العالم على بلد يوصف في وسائل الإعلام بأنه "أفقر بلد في
المنطقة"..لكن الكلام جاء عائما..سطحيا.... كأن الموضوع ببساطة هو مجرد
"سوء فهم" و "خلاف" بيننا وبين السعودية والتحالف الذي تقوده وليس
عدوانا وحشيا فاق في عدد غاراته الغارات الجوية التي شهدتها الحربين العالميتين!
ويمكن القول أن تركيز الصحفي كان منصبا على موضوع "شيعي-سني" وهي
– على ما يبدو- التيمة المفضلة في العالم الآن والتي يجب التركيز عليها وجعلها
الشماعة التي يمكن أن نعلق عليها كل شيء!
صحيح أنه تحدث عن الوضع الإنساني المتدهور في اليمن و لكنه كان حديثا
مقتضبا و سريعا، و كأنه جانب غير مهم لا يستحق تسليط الضوء عليه مثل موضوع الشيعة
و السنة!
كان العرض محبطا و غير دقيق إلى حد ما، فمثلا ورد في العرض أن السعودية و
من خلال غاراتها الجوية في اليمن تمكنت من قتل قادة حوثيين!
و أدركت وقتها لماذا اليمن مظلومة
في الإعلام الغربي ولماذا لا يعرف الناس حقيقة ماذا يحدث هناك.
في نهاية حديث الصحفي تم افساح المجال للأسئلة..و سئلناه لماذا لم يذكر
مطلقا أعداد الضحايا المدنيين سواء القتلى أو المصابين، فجاء رد الأخ الصحفي بأنه قد "أشار"
في مجمل الحديث إلى أن هناك غارات جوية ومعارك، و لكن ليست هناك أرقاما دقيقة صدرت
من جهة محايدة موثوقة بحيث يمكن اعتمادها. أخبرناه – كما أخبرنا أصدقاءنا الألمان
الجالسين بالقرب منا - بأن هناك تقارير للأمم المتحدة و منظمة العفو الدولية و
هيومن رايتس ووتش و غيرها. لكن لم يبدو على الصحفي الاقتناع.
في الأخير وجدت نفسي أقول لك الله يا يمن وربما لو أبيد هذا البلد بأكمله
من على وجه الخريطة لظل العالم لا يعرف عنه شيئا...!
تكلمنا بعد العرض مع الأصدقاء الألمان وحاولنا أن نشرح لهم الحقيقة أو على
الأقل جزءا منها..وفي الحقيقة، البعض منهم كان يشعر بأن الموضوع "أكبر"
مما رآه وأن هناك الكثير من الحقائق التي يجهلونها...لكن في النهاية ما الذي يمكن
أن يٌقال؟
هل نقول أن اليمن لم تعرف أبدا مسألة سني شيعي هذه من قبل أو زيدي شافعي
وأن الناس في اليمن ولمئات السنين تعايشوا سنة وشوافع بدون أن يتوقف أحد لحظة عند
هذا التوصيف؟
هل من سبيل لإقناعه بأن الحرب التي شنتها السعودية على بلادنا سببها هورغبتها
المستمرة في فرض هيمنتها على اليمن، و أنها أدت إلى قتل وتشريد الناس وتدمير البلد
بمقدارته البسيطة وبنيته التحتية البائسة وجعلت عشرين مليون يمني مهددين بالمجاعة؟
أن "الأرقام" - التي يصر صديقنا الصحفي على
أنها غير دقيقة - موجودة ، وكل رقم يمثل
حياة إنسان يمني كان له الحق في أن يحيا ويعيش ويحلم بغد أفضل قبل أن تختصر حياته
قنبلة أو صاروخ اشترته السعودية من أوروبا وأمريكا...و لكن يبدو أن اليمني محروم
من أبسط حقوقه....محروم حتى من حقه في أن يصبح مجرد رقم!
No comments:
Post a Comment