رشـا المقالح
"لماذا لا تحملين نفس اللقب الذي يحمله زوجك"؟! دائما ما أتعرض لهذا
السؤال في هذه البلاد، لحظتها أجيب باعتزاز: "نحن النساء في اليمن لا نغير
ألقابنا بعد الزواج! حيث تبقى الواحدة منا محتفظة بلقب عائلتها حتى بعد أن تتزوج"!
و قد لاحظت في الغالب أن المرأة الغربية تشعر بالحرج أمام هذه الإجابة، و أغلب من
أحتككت بهن و تناقشت معهن حول هذا الأمر يحاولن التبرير بقولهن أن هذا الأمر يتغير مع الوقت و أن كثيرات في الوقت الحاضر يفضلن الاحتفاظ بألقابهن!
و عندما أخبرتني إحداهن أن ابنها المراهق يبحث عن شقة لأنه يريد أن يخرج من
بيت عائلته و يعيش منفصلا عنهم، سألتها بشكل عفوي:" أوووه هذا محزن، كيف ستشعرين
بعد خروجه؟" نظرت إلي بعدم فهم و قالت: "أوه هذا أفضل! هكذا سأرتاح
كثيرا من الضوضاء التي يسببها هو أصدقائه عندما يأتون لزيارته و يجلسون معا و
يشربون البيرة!" نظرت إليها باستغراب و أخبرتها أن الأبناء و البنات في
بلادنا شديدوا الإرتباط بعائلاتهم و أنهم لا ينفصلون عن أسرهم إلا بعد أن يتزوجوا.
و حدثتها عن ارتباطي بأهلي، و عن اشتياقي الشديد لهم و عن حنيني الدائم لصوت أمي،
و عن يوم زفافي و كيف بكيتُ كثيرا و أنا أفارق أهلي و كيف بكى والدي، و كيف أننا
في اليمن نأكل جميعا من طبق واحد لأننا شعب يتميز بالألفة و الحميمية. وجدتها تنظر
إلي بابتسامة مرتبكة فيها شيء من "الخجل" ربما لأنهم في هذه البلاد يميلون
بشكل مبالغ فيه إلى "الفردية" و يفتقدون بشدة إلى الحرارة في المشاعر و
الروابط الأسرية القوية. و عندما التقيت بها بعد عدة أيام، سارعت بإخباري كيف أنها
قبل يومين كانت تجلس على الكنبة و أن ابنها المراهق جاء إليها و قبلها في خدها و
نام على حجرها و أن هذا كان شيئا لطيفا للغاية و أنها بالتأكيد ستفتقد ذلك!
أسوق تلك المقدمة لأنه ربما يتبادر إلى أذهان البعض أننا هنا مبهورون بكل نواحي
الحياة الغربية و نريد تقليد النمط الغربي في كل شيء بلا تمييز و أننا فاقدون
للثقة بأنفسنا و بثقافتنا و عندما ننتقد السلبيات الموجودة في مجتمعنا
الشرقي فإننا نتعالى على أهلنا و ناسنا و
هذا ليس صحيحا. نحن هنا نؤثر و نتأثر، لمَ لا و قد أتيحت لنا الفرصة لمعرفة المعنى
الحقيقي للآية : " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا
و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم". لاحظوا كيف أن الخطاب في هذه
الآية هو خطاب "للناس" و ليس "للمؤمنين" فقط.
إن السفر و التنقل و التعرض لثقافات جديدة و مختلفة يجعلك قادرا على تحديد نقاط القوة و نقاط الضعف
في المجتمع الذي جئت منه و المجتمع الذي جئت إليه. فهنا عرفتُ تماما كيف أن المرأة في اليمن لا تعيش وضعا طبيعيا و أن حياتها معقدة
للغاية، و مقيدة بسلسلة طويلة من التقاليد القاهرة و غير المفهومة. و أول تعقيد
"بارز" في حياتها هو فرض النقاب عليها و هذا يحرمها من
مظهر لائق كريم و يجعلها مجرد شبح أسود لا ملامح مميزة له!
عندما تعرفت على صديقة من غزة، و تحدثنا في أمور كثيرة من بينها لبس
المرأة، أخبرتها أن المرأة اليمنية في الغالب يفرض عليها إرتداء النقاب من قبل
أهلها أو زوجها، استغربت بشدة و قالت نحن في غزة لا يفرض علينا إرتداء النقاب، فمن
أرادت تغطية وجهها فلتفعل و من أرادت الإكتفاء بالحجاب فلها ذلك!
أنا آتسائل لماذا لا تترك للمرأة في اليمن حرية الإختيار بين النقاب و الحجاب على الأقل؟! لماذا يفرض علينا آباؤنا أو أخواننا أو أزواجنا تغطية وجوهنا؟! لماذا تحرم المرأة من إظهار وجهها أساسا؟! إذا أجاب أحدهم : "حتى لا تتعرض للأذى فهو يكذب على نفسه قبل أن يكذب على الناس"! المرأة في اليمن و حتى و إن كانت منتقبة – بل و بالذات لو كانت منتقبة! - تتعرض للأذى و الذي يأتي في صورة تحرش بالألفاظ النابية و النظرات الوقحة و أحيانا للأسف الشديد قد يتطور التحرش اللفظي إلى التحرش الجسدي.
أنا آتسائل لماذا لا تترك للمرأة في اليمن حرية الإختيار بين النقاب و الحجاب على الأقل؟! لماذا يفرض علينا آباؤنا أو أخواننا أو أزواجنا تغطية وجوهنا؟! لماذا تحرم المرأة من إظهار وجهها أساسا؟! إذا أجاب أحدهم : "حتى لا تتعرض للأذى فهو يكذب على نفسه قبل أن يكذب على الناس"! المرأة في اليمن و حتى و إن كانت منتقبة – بل و بالذات لو كانت منتقبة! - تتعرض للأذى و الذي يأتي في صورة تحرش بالألفاظ النابية و النظرات الوقحة و أحيانا للأسف الشديد قد يتطور التحرش اللفظي إلى التحرش الجسدي.
لماذا تخرج المرأة هنا في هذه البلاد "بدون محرم" و بدون حجاب و لا نقاب و تصعد القطارأو الباص أو تقود دراجتها دون أن يتعرض لها أحد بالأذى، و لو شعرت بالجوع مثلا فستفتح حقيبتها و تخرج لوح شوكولاتة أو تفاحة و من ثم ستجلس على جانب الطريق لتتناولها و لن ينظر إليها أو يضايقها أحد!
قارن هذه الصورة البسيطة و العفوية بالصورة التي لدينا في اليمن! فبمجرد أن تخرج المرأة من باب بيتها تتحول إلى "فريسة" تحوم حولها الضباع و الحيوانات المفترسة، و لو صعدت إلى الباص أو مشت في الشارع فهناك دائما النظرات المتربصة و المعاكسات القذرة. و لو أرادت أن تأكل شيئا ما و اضطرت لرفع نقابها بعض الشيء لتصل بالطعام إلى فمها فإن الأنفاس ستحبس و العيون ستتسع عن آخرها و الزمن سيتوقف بانتظار اللحظة التاريخية! فهل هذه فطرة سوية؟!
قالت لي زميلتي، ذات الأصول البرازيلية، أنها لاحظت أن الرجال الذين يحدقون في النساء بطريقة غير طبيعية و الذين تصادفهم في الشوارع و الأسواق غالبيتهم من العرب أو أن لهم سحنة شرق أوسطية، و أن هذا أمر مزعج جدا بالنسبة لها و أن الرجل الألماني لا يمكن أن يفعل ذلك فهذه ليست من أخلاقه! شعرت بالحرج و أخبرتها بأننا لدينا تعليم واضح في القرآن بغض البصر و بأن تحديقهم بتلك الطريقة أمر مرفوض و يخالف تعليمات القرآن تماما، استغربت بشدة عندما سمعت عن هذه التعليمات و قالت لي في المرة القادمة عندما أصادف أحدهم سأقول له بأن يتبع التعليمات الموجودة في القرآن و أن يكف عن التحديق!
ما الذي جعل مجتمعاتنا منغلقة بهذه الصورة؟ و من خدعنا و أوهمنا بأن
المجتمع العربي قديما كان على هذه الصورة من الإنغلاق حتى بعد البعثة و انتشار
الإسلام فيه؟! الموروثات الفقهية و التاريخية التي تحكمنا الآن بحاجة إلى غربلة و
تنقيح فكثير مما ورد فيها يتناقض مع بعضه البعض، فمثلا حين أطالع التراث يخيل إلي أحيانا أنني أمام مجتمع منفتح حيث تصلي فيه النساء مع الرجال في نفس المصلى دون أن
يتم الفصل بينهم، بينما في واقعنا الحالي نجد فصلا تاما بين مصلى النساء و الرجال،
أليس هذا ابتداعا و تجاوزا لما فعله النبي؟! لماذا
فصلتم النساء عن الرجال في المسجد ؟
يعتقد البعض أننا عندما نطالب المرأة بترك النقاب فإننا نريد لها الخروج
عارية! و هذا تفكير غير سوي و يدل على نفسية مريضة، و لا أدري لماذا يتطرف الشرقي
في مواقفه تجاه المرأة، فهو إما أن يأخذ من الشرق أسوأ ما فيه، أو أن يأخذ من
الغرب أقبح ما لديه! ألا يوجد حل ثالث "وسط" بينهما؟!