Pages

May 21, 2016

(2) خواطر إمرأة يمنية في المهجر

 رشـا المقالح



"لماذا لا تحملين نفس اللقب الذي يحمله زوجك"؟! دائما ما أتعرض لهذا السؤال في هذه البلاد، لحظتها أجيب باعتزاز: "نحن النساء في اليمن لا نغير ألقابنا بعد الزواج! حيث تبقى الواحدة منا محتفظة بلقب عائلتها حتى بعد أن تتزوج"! و قد لاحظت في الغالب أن المرأة الغربية تشعر بالحرج أمام هذه الإجابة، و أغلب من أحتككت بهن و تناقشت معهن حول هذا الأمر يحاولن التبرير بقولهن أن هذا الأمر يتغير مع الوقت و أن كثيرات  في الوقت الحاضر يفضلن الاحتفاظ بألقابهن!

و عندما أخبرتني إحداهن أن ابنها المراهق يبحث عن شقة لأنه يريد أن يخرج من بيت عائلته و يعيش منفصلا عنهم، سألتها بشكل عفوي:" أوووه هذا محزن، كيف ستشعرين بعد خروجه؟" نظرت إلي بعدم فهم و قالت: "أوه هذا أفضل! هكذا سأرتاح كثيرا من الضوضاء التي يسببها هو أصدقائه عندما يأتون لزيارته و يجلسون معا و يشربون البيرة!" نظرت إليها باستغراب و أخبرتها أن الأبناء و البنات في بلادنا شديدوا الإرتباط بعائلاتهم و أنهم لا ينفصلون عن أسرهم إلا بعد أن يتزوجوا. و حدثتها عن ارتباطي بأهلي، و عن اشتياقي الشديد لهم و عن حنيني الدائم لصوت أمي، و عن يوم زفافي و كيف بكيتُ كثيرا و أنا أفارق أهلي و كيف بكى والدي، و كيف أننا في اليمن نأكل جميعا من طبق واحد لأننا شعب يتميز بالألفة و الحميمية. وجدتها تنظر إلي بابتسامة مرتبكة فيها شيء من "الخجل" ربما لأنهم في هذه البلاد يميلون بشكل مبالغ فيه إلى "الفردية" و يفتقدون بشدة إلى الحرارة في المشاعر و الروابط الأسرية القوية. و عندما التقيت بها بعد عدة أيام، سارعت بإخباري كيف أنها قبل يومين كانت تجلس على الكنبة و أن ابنها المراهق جاء إليها و قبلها في خدها و نام على حجرها و أن هذا كان شيئا لطيفا للغاية و أنها بالتأكيد ستفتقد ذلك!

أسوق تلك المقدمة لأنه ربما يتبادر إلى  أذهان البعض أننا هنا مبهورون بكل نواحي الحياة الغربية و نريد تقليد النمط الغربي في كل شيء بلا تمييز و أننا فاقدون للثقة بأنفسنا و بثقافتنا و عندما ننتقد السلبيات الموجودة في مجتمعنا الشرقي فإننا نتعالى على أهلنا و ناسنا  و هذا ليس صحيحا. نحن هنا نؤثر و نتأثر، لمَ لا و قد أتيحت لنا الفرصة لمعرفة المعنى الحقيقي للآية : " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم". لاحظوا كيف أن الخطاب في هذه الآية هو خطاب "للناس" و ليس "للمؤمنين" فقط.

إن السفر و التنقل و التعرض لثقافات جديدة و مختلفة  يجعلك قادرا على تحديد نقاط القوة و نقاط الضعف في المجتمع الذي جئت منه و المجتمع الذي جئت إليه. فهنا عرفتُ تماما كيف أن المرأة في اليمن لا تعيش وضعا طبيعيا و أن حياتها معقدة للغاية، و مقيدة بسلسلة طويلة من التقاليد القاهرة و غير المفهومة. و أول تعقيد "بارز" في حياتها هو فرض النقاب عليها و هذا يحرمها من مظهر لائق كريم و يجعلها مجرد شبح أسود لا ملامح مميزة له!

عندما تعرفت على صديقة من غزة، و تحدثنا في أمور كثيرة من بينها لبس المرأة، أخبرتها أن المرأة اليمنية في الغالب يفرض عليها إرتداء النقاب من قبل أهلها أو زوجها، استغربت بشدة و قالت نحن في غزة لا يفرض علينا إرتداء النقاب، فمن أرادت تغطية وجهها فلتفعل و من أرادت الإكتفاء بالحجاب فلها ذلك!

 أنا آتسائل لماذا لا تترك للمرأة في اليمن حرية الإختيار بين النقاب و الحجاب على الأقل؟! لماذا يفرض علينا آباؤنا أو أخواننا أو أزواجنا تغطية وجوهنا؟! 
لماذا تحرم المرأة من إظهار وجهها أساسا؟! إذا أجاب أحدهم : "حتى لا تتعرض للأذى فهو يكذب على نفسه قبل أن يكذب على الناس"! المرأة في اليمن و حتى و إن كانت منتقبة – بل و بالذات لو كانت منتقبة! -  تتعرض للأذى و الذي يأتي في صورة تحرش بالألفاظ النابية و النظرات الوقحة و أحيانا للأسف الشديد قد يتطور التحرش اللفظي إلى التحرش الجسدي.

لماذا تخرج المرأة هنا في هذه البلاد "بدون محرم" و بدون حجاب و لا نقاب و تصعد القطارأو الباص أو تقود دراجتها دون أن يتعرض لها أحد بالأذى، و لو شعرت بالجوع مثلا فستفتح حقيبتها و تخرج لوح شوكولاتة أو تفاحة و من ثم ستجلس على جانب الطريق لتتناولها و لن ينظر إليها أو يضايقها أحد!

قارن هذه الصورة البسيطة و العفوية بالصورة التي لدينا في اليمن! فبمجرد أن تخرج المرأة من باب بيتها تتحول إلى "فريسة" تحوم حولها الضباع و الحيوانات المفترسة، و لو صعدت إلى الباص أو مشت في الشارع فهناك دائما النظرات المتربصة و المعاكسات القذرة. و لو أرادت أن تأكل شيئا ما و اضطرت لرفع نقابها بعض الشيء لتصل بالطعام إلى فمها فإن الأنفاس ستحبس و العيون ستتسع عن آخرها و  الزمن سيتوقف بانتظار اللحظة التاريخية! فهل هذه فطرة سوية؟!

قالت لي زميلتي، ذات الأصول البرازيلية، أنها لاحظت أن الرجال الذين يحدقون في النساء بطريقة غير طبيعية و الذين تصادفهم في الشوارع و الأسواق غالبيتهم من العرب أو أن لهم سحنة شرق أوسطية، و أن هذا أمر مزعج جدا بالنسبة لها و أن الرجل الألماني لا يمكن أن يفعل ذلك فهذه ليست من أخلاقه! شعرت بالحرج و أخبرتها بأننا لدينا تعليم واضح في القرآن بغض البصر و بأن تحديقهم بتلك الطريقة أمر مرفوض و يخالف تعليمات القرآن تماما، استغربت بشدة عندما سمعت عن هذه التعليمات و قالت لي في المرة القادمة عندما أصادف أحدهم سأقول له بأن يتبع التعليمات الموجودة في القرآن و أن يكف عن التحديق!

ما الذي جعل مجتمعاتنا منغلقة بهذه الصورة؟ و من خدعنا و أوهمنا بأن المجتمع العربي قديما كان على هذه الصورة من الإنغلاق حتى بعد البعثة و انتشار الإسلام فيه؟! الموروثات الفقهية و التاريخية التي تحكمنا الآن بحاجة إلى غربلة و تنقيح فكثير مما ورد فيها يتناقض مع بعضه البعض، فمثلا حين أطالع التراث يخيل إلي أحيانا أنني أمام مجتمع منفتح حيث تصلي فيه النساء مع الرجال في نفس المصلى دون أن يتم الفصل بينهم، بينما في واقعنا الحالي نجد فصلا تاما بين مصلى النساء و الرجال، أليس هذا ابتداعا و تجاوزا لما فعله النبي؟!  لماذا فصلتم النساء عن الرجال في المسجد ؟


يعتقد البعض أننا عندما نطالب المرأة بترك النقاب فإننا نريد لها الخروج عارية! و هذا تفكير غير سوي و يدل على نفسية مريضة، و لا أدري لماذا يتطرف الشرقي في مواقفه تجاه المرأة، فهو إما أن يأخذ من الشرق أسوأ ما فيه، أو أن يأخذ من الغرب أقبح ما لديه! ألا يوجد حل ثالث "وسط" بينهما؟!

May 20, 2016

(1) خواطر امرأة يمنية في المهجر



رشـا المقالح

صادفت مؤخرا موضوعا منشورا في فيسبوك من قبل أحد اليمنيين يمتدح المرأة و لا يحملها وزر المشاكل و الخلافات التي تقع بين الزوجين و يعترف  "بكل تواضع" بأن المشاكل الزوجية التي تحدث سببها الرجل و أن الرجال هم وحدهم الملومون! إلى هنا و نشكره – نحن النساء - على كل هذا التواضع و الأخلاق العالية، لكننا نفاجأ به يبرر ذلك بقوله: " و ذلك لأن المرأة أصلا خلقت للرجل وأن الرجل هو المسيطر على الأمور و هو المتحكم في مجريات الحياة و لذلك عليه أن يحتوي المرأة"!

و ما صدمني أكثر هو تعليق إحدى الفتيات اليمنيات "المتعلمات" و التي قالت له:"لقد وصفتهن بأكثر مما يستحققن"!

في كثير من الأحيان تكون المرأة في اليمن شريكا أساسيا في الإضطهاد الواقع عليها من قبل المجتمع، فالمجتمع يتكون من شقين: المرأة و الرجل و ليس من قبل الرجل فقط.

عالميا توصف اليمن دائما بأنها من أسوأ البلدان للمرأة، و أن المرأة اليمنية تتعرض للظلم و الإضطهاد من الرجل و أنها مسلوبة الحقوق و الإرادة. فهل المرأة في اليمن مضطهدة؟ الإجابة بالتأكيد هي نعم، لكن المصيبة إنها في أغلب الأحوال لا تعرف بذلك و كنتيجة حتمية فهي لا تعترف بمشكلتها.

بشكل عام نجد المرأة اليمنية مؤمنة بكل قيم مجتمعها الصحيحة و الخاطئة و تحرص على تعليمها لأولادها من الذكور و الإناث، و هكذا تنتقل هذه القوانين المجتمعية من جيل لآخر دون تمييز و تصويب.  و بحكم كوني من اليمن....ولدت و ترعرعت في ظل تلك القوانين الإجتماعية، فقد صادفت الكثير من النساء اللواتي يتمتعن بقوة الشخصية و الذكاء كما أنهن نلن قدرا عاليا من التعليم و الثقافة و مع هذا وجدتهن متمسكات بشدة بتلك التقاليد البالية التي تحط من قدرهن، كما أنهن يؤمن إيمانا مطلقا بتفوق الذكر على الأنثى و بأحقيته في الأمر و النهي بل إنهن ينشئن بناتهن على احترام هذه المفاهيم، و يدربن أبنائهن على اكتساب تلك العادات الخاطئة .

فما السبب وراء ذلك يا ترى؟  المجتمع اليمني، كغيره من المجتمعات العربية، اختلطت فيه العادات و التقاليد بالدين اختلاطا شديدا حتى أنه لم يعد من السهل التفريق بين ما هو من الدين و ما هو من الناس. و هكذا عندما يأتي من يحاول تسليط الضوء على الظلم الواقع على المرأة اليمنية ستفاجأئك هي بدفاعها عن وضعها و رضاها التام بل و ستهاجمك بشدة و تنظر لك بعين الريبة، و ستجدها تشكك في نواياك و ربما صرخت في وجهك بصوت عال : "إنها مؤامرة تحاك ضد الاسلام و المسلمين"!

على المستوى "الجسدي" يتم تعليم الفتاة في اليمن بأن جسدها "خطيئة" و أن صوتها "عورة" و قبل أن تصل الفتاة إلى سن البلوغ يفرض عليها وضع غطاء الشعر، و بعد أن تصل إلى سن البلوغ يطلب منها تغطية وجهها! أما على المستوى الإجتماعي فالمرأة تتربى على تقديس الرجل و الدوران في فلكه طوال الوقت ،فمن العيب ذكر اسمها فهي إما أن تكون أم فلان أو ابنة فلان أو زوجة فلان، فليس لها هوية منفصلة بذاتها بل هي مرتبطة تماما بالذكر. و في المنزل تجد أن الذكور مفضلين عليها، و عندما تتزوج و تحمل تجدها تدعو الله ليلا و نهارا أن يرزقها بطفل ذكر حتى يعلو مقامها في عين زوجها و أعين الناس، و هذه كما ترى تقاليد جاهلية قديمة جدا جدا لكنها لا زالت محفورة في عقلنا الباطن حتى و إن ادعينا عكس ذلك. و تتعلم المرأة في اليمن منذ سن صغيرة بأن وظيفتها الحقيقية هي خدمة الرجل و إسعاده و الامتثال لأوامره مهما كانت متعبة أو مرهقة و مهما كانت حالتها النفسية و العاطفية! و يقدم كل ما سبق للمرأة على أنه الدين بعينه و الحياة كما أرادتها لها "الشريعة". فهل يعتبر مثل هذا الوضع المتردي للمرأة في اليمن وضعا "إسلاميا شرعيا"؟؟


دائما ما يحاول فقهاءنا تصوير البلاد الغربية بأنها فقط  بلاد للكفر و الإنحلال، و أننا يجب ألا نغادر "ديار الإسلام" أبدا إلى ديار الفسق و الفجور!! و عندما جئت إلى هذه البلاد عرفت السبب وراء قولهم ذاك! إنهم لا يريدون لنا أن نكتشف كذبهم و دجلهم، و أن نعرف أن هناك من يحيا في رخاء وتقدم دون الحاجة إلى خزعبلاتهم التي يقدمونها لنا على أنها هي الصراط المستقيم و هي السبيل إلى السعادة في الدنيا و الآخرة.

 صحيح أن بلاد الغرب ليست الفردوس المفقود و ليست جنة الله على الأرض و أن لكل مجتمع مشاكله و مساوئه الخاصة به، لكنهم على الأقل لا "يخنقون" الناس هنا و لا "يكتمون على أنفاسهم" باسم الدين و التدين.
 و بمقارنة سريعة بين حياتي في هذه البلاد و حياتي في اليمن اكتشفت بسهولة كذب و نفاق رجال الدين و من يسمون أنفسهم "فقهاء"! فهنا أستطيع أن أمارس حياتي ببساطة شديدة و دون أي تعقيدات، فمثلا لماذا أستطيع هنا اللعب مع طفلي بالأرجوحة و المزلقة و غيرها من الألعاب دون أن تضايقني نظرات مقتحمة مليئة بالأفكار المريضة؟ّ! و لماذا أستطيع ببساطة ركوب دراجتي و مسابقة طفلي دون أن يتعرض لنا أحد؟!  لماذا أستطيع هنا أن أعيش أمومتي و أن لا أخجل من أنوثتي؟! لماذا تحرم المرأة من هذه المتع البريئة و من الاستمتاع العفوي بالحياة باسم الدين بينما هي متاحة في كل وقت بالنسبة للرجل؟! لماذا في بلاد "الكفر و الانحلال" يغض الناس أبصارهم و لا يتدخلون فيما لا يعنيهم ، و نحن نعرف أن هذا جزء أصيل من تعاليم الإسلام ، بينما لا يطبقه الناس في بلادنا و لا يكتسبونه على الأقل،  رغم أننا –حسب فقهاءنا – مجتمع محافظ بعيد عن الفسق و الفجور و الانحلال و أننا "ديار الإسلام"؟؟! تساؤلات مشروعة!

العلاقة بين الرجل و المرأة كما أفهمها من القرآن، هي علاقة تكامل و ندية و سكن و مودة و رحمة، بينما ما نجده في واقع مجتمعاتنا هي علاقة "تابع و متبوع"، حيث يتم التعامل مع المرأة و كأنها "جارية" لا تملك من أمر نفسها شيئا. و التحدي الحقيقي – في نظري -  لا يكمن في أن نجعل الرجل يعترف بظلمه للمرأة و إنما في أن نجعل المرأة تعترف بظلمها لنفسها أولا و أن تدرك بأنها لا تحيا حياة طبيعية عفوية رغم أنها تستحق ذلك و أن الإسلام ليس حائلا بينها و بين تلك الحياة و إنما أولئك الفقهاء و المشايخ هم من يسرقون منها جمال الحياة و بساطتها.

عندما يكون المواطن أولوية


أنيس الباشا

 من الممكن بسهولة أن تدرك قيمة المواطن في أي دولة بمجرد النظر إلى الطريقة التي يُعامل بها في بلده.. في ألمانيا مثلا لا تدلل الدولة مواطنيها بالطريقة الساذجة التي قد يتخيلها البعض نتيجة الفهم الخاطىء لمفاهيم الرفاهية والتقدم والإهتمام بالمواطن..

لكن الدولة في ألمانيا بمؤسساتها المختلفة تحرص على سلامة وكرامة ورفاهية مواطنيها بطرق عديدة لم نرها نحن بالطبع في بلداننا العربية التي عودتنا أنظمتها الحاكمة على أن الأولوية القصوى للدولة بكل مقدراتها هي للحاكم وبطانته وحاشيته، أما المواطن فهو مجرد "زيادة" ووجوده ضروري فقط ليكون للحاكم شعب يحكمه!
فعلى المدى المعقد والطويل هناك أنظمة التأمين الصحي والإجتماعي التي ترعى المواطن طوال حياته وحتى بعد أن يصبح عاجزا عن العمل والإنتاج، هذا غير الخدمات الأساسية المستقرة والمتطورة من طاقة ومياه ووسائل مواصلات وإنترنت وغيرها..

و هناك الاهتمام المتواصل بالفعاليات الثقافية والفنية والمسارح والفنون والهوايات والأندية الرياضية وتشجيع الجميع من كل الأعمار على ممارسة أنشطة مختلفة، كما أن المكتبات العامة منتشرة في كل مكان وتقدم خدمات مختلفة ومتميزة مقابل أسعار زهيدة للغاية وتساهم في رفع مستوى الثقافة لدى المواطنين..



ومن الملفت للنظر أن هذا الإهتمام بالمواطن يمتد ليشمل نواحي بسيطة قد لا يتوقف عندها أو يلاحظها المواطنون أنفسهم لأنهم ببساطة تعودوا على هذا الأمر فليس في الموضوع "منية" ولا "تفضل" ولا لزوم التسبيح بحمد الحاكم ولي النعمة لمجرد أن سيادته أمر بشق طريق أو بناء جسر.. فالمواطن هنا يدرك أن ما يحصل عليه هو حق له وأنه في المقابل عليه واجب يؤديه كما يفعل الجميع والعلاقة تبادلية نفعية قائمة على الاحترام والمصداقية ومبنية على قوانين واضحة ومحايدة لا تحابي أحد أو تتحيز لفئة..


في هذه الصورة مثلا دليل بسيط على النواحي التي يمتد اهتمام الدولة لها ببساطة و بشكل روتيني.. تأمل كم الاشارات التي تحدد أماكن المشاة والدراجات وتوضح للراجل والراكب من أين يسير أو يغير اتجاهه بأمان..والأولوية هنا للماشي قبل الراكب وهي قاعدة يدركها ويحترمها ويتعامل بها الجميع.. الممرات الترابية التي تخترق بعض الغابات تنتشر فيها اللوحات الارشادية والتحذيرية في حال هطول الأمطار أو تساقط الثلوج..وهناك أيضا خرائط توضيحية على مداخل ومخارج هذه الممرات..



المنتجات الغذائية في جميع المحلات التجارية مدون عليها بدقة كل التفاصيل الخاصة بها والمكونات وقيمة السعرات الحرارية..وقبل أيام نشر أحد هذه المحلات التجارية الشهيرة إعلانا يطلب فيه من الزبائن الذين اشتروا منتجات معينة لم يدون عليها أنها قد تحتوي على آثار من أطعمة معينة قد تسبب الحساسية للبعض أن يقوموا بارجاعها وأن يستردوا المبالغ التي دفعوها.. 


نعم..يحتاج المواطن في أي دولة إلى أن يشعر بقيمته وأن يحصل على كافة حقوقه بدون أن يضطر إلى القتال والكفاح في سبيل الحصول على أبسط هذه الحقوق.. وحين يصبح المواطن هو القيمة الأهم في المعادلة يمكن للمرء حينها أن يسمي دولة هذا المواطن بالدولة المتقدمة والمتحضرة.