Pages

May 20, 2016

(1) خواطر امرأة يمنية في المهجر



رشـا المقالح

صادفت مؤخرا موضوعا منشورا في فيسبوك من قبل أحد اليمنيين يمتدح المرأة و لا يحملها وزر المشاكل و الخلافات التي تقع بين الزوجين و يعترف  "بكل تواضع" بأن المشاكل الزوجية التي تحدث سببها الرجل و أن الرجال هم وحدهم الملومون! إلى هنا و نشكره – نحن النساء - على كل هذا التواضع و الأخلاق العالية، لكننا نفاجأ به يبرر ذلك بقوله: " و ذلك لأن المرأة أصلا خلقت للرجل وأن الرجل هو المسيطر على الأمور و هو المتحكم في مجريات الحياة و لذلك عليه أن يحتوي المرأة"!

و ما صدمني أكثر هو تعليق إحدى الفتيات اليمنيات "المتعلمات" و التي قالت له:"لقد وصفتهن بأكثر مما يستحققن"!

في كثير من الأحيان تكون المرأة في اليمن شريكا أساسيا في الإضطهاد الواقع عليها من قبل المجتمع، فالمجتمع يتكون من شقين: المرأة و الرجل و ليس من قبل الرجل فقط.

عالميا توصف اليمن دائما بأنها من أسوأ البلدان للمرأة، و أن المرأة اليمنية تتعرض للظلم و الإضطهاد من الرجل و أنها مسلوبة الحقوق و الإرادة. فهل المرأة في اليمن مضطهدة؟ الإجابة بالتأكيد هي نعم، لكن المصيبة إنها في أغلب الأحوال لا تعرف بذلك و كنتيجة حتمية فهي لا تعترف بمشكلتها.

بشكل عام نجد المرأة اليمنية مؤمنة بكل قيم مجتمعها الصحيحة و الخاطئة و تحرص على تعليمها لأولادها من الذكور و الإناث، و هكذا تنتقل هذه القوانين المجتمعية من جيل لآخر دون تمييز و تصويب.  و بحكم كوني من اليمن....ولدت و ترعرعت في ظل تلك القوانين الإجتماعية، فقد صادفت الكثير من النساء اللواتي يتمتعن بقوة الشخصية و الذكاء كما أنهن نلن قدرا عاليا من التعليم و الثقافة و مع هذا وجدتهن متمسكات بشدة بتلك التقاليد البالية التي تحط من قدرهن، كما أنهن يؤمن إيمانا مطلقا بتفوق الذكر على الأنثى و بأحقيته في الأمر و النهي بل إنهن ينشئن بناتهن على احترام هذه المفاهيم، و يدربن أبنائهن على اكتساب تلك العادات الخاطئة .

فما السبب وراء ذلك يا ترى؟  المجتمع اليمني، كغيره من المجتمعات العربية، اختلطت فيه العادات و التقاليد بالدين اختلاطا شديدا حتى أنه لم يعد من السهل التفريق بين ما هو من الدين و ما هو من الناس. و هكذا عندما يأتي من يحاول تسليط الضوء على الظلم الواقع على المرأة اليمنية ستفاجأئك هي بدفاعها عن وضعها و رضاها التام بل و ستهاجمك بشدة و تنظر لك بعين الريبة، و ستجدها تشكك في نواياك و ربما صرخت في وجهك بصوت عال : "إنها مؤامرة تحاك ضد الاسلام و المسلمين"!

على المستوى "الجسدي" يتم تعليم الفتاة في اليمن بأن جسدها "خطيئة" و أن صوتها "عورة" و قبل أن تصل الفتاة إلى سن البلوغ يفرض عليها وضع غطاء الشعر، و بعد أن تصل إلى سن البلوغ يطلب منها تغطية وجهها! أما على المستوى الإجتماعي فالمرأة تتربى على تقديس الرجل و الدوران في فلكه طوال الوقت ،فمن العيب ذكر اسمها فهي إما أن تكون أم فلان أو ابنة فلان أو زوجة فلان، فليس لها هوية منفصلة بذاتها بل هي مرتبطة تماما بالذكر. و في المنزل تجد أن الذكور مفضلين عليها، و عندما تتزوج و تحمل تجدها تدعو الله ليلا و نهارا أن يرزقها بطفل ذكر حتى يعلو مقامها في عين زوجها و أعين الناس، و هذه كما ترى تقاليد جاهلية قديمة جدا جدا لكنها لا زالت محفورة في عقلنا الباطن حتى و إن ادعينا عكس ذلك. و تتعلم المرأة في اليمن منذ سن صغيرة بأن وظيفتها الحقيقية هي خدمة الرجل و إسعاده و الامتثال لأوامره مهما كانت متعبة أو مرهقة و مهما كانت حالتها النفسية و العاطفية! و يقدم كل ما سبق للمرأة على أنه الدين بعينه و الحياة كما أرادتها لها "الشريعة". فهل يعتبر مثل هذا الوضع المتردي للمرأة في اليمن وضعا "إسلاميا شرعيا"؟؟


دائما ما يحاول فقهاءنا تصوير البلاد الغربية بأنها فقط  بلاد للكفر و الإنحلال، و أننا يجب ألا نغادر "ديار الإسلام" أبدا إلى ديار الفسق و الفجور!! و عندما جئت إلى هذه البلاد عرفت السبب وراء قولهم ذاك! إنهم لا يريدون لنا أن نكتشف كذبهم و دجلهم، و أن نعرف أن هناك من يحيا في رخاء وتقدم دون الحاجة إلى خزعبلاتهم التي يقدمونها لنا على أنها هي الصراط المستقيم و هي السبيل إلى السعادة في الدنيا و الآخرة.

 صحيح أن بلاد الغرب ليست الفردوس المفقود و ليست جنة الله على الأرض و أن لكل مجتمع مشاكله و مساوئه الخاصة به، لكنهم على الأقل لا "يخنقون" الناس هنا و لا "يكتمون على أنفاسهم" باسم الدين و التدين.
 و بمقارنة سريعة بين حياتي في هذه البلاد و حياتي في اليمن اكتشفت بسهولة كذب و نفاق رجال الدين و من يسمون أنفسهم "فقهاء"! فهنا أستطيع أن أمارس حياتي ببساطة شديدة و دون أي تعقيدات، فمثلا لماذا أستطيع هنا اللعب مع طفلي بالأرجوحة و المزلقة و غيرها من الألعاب دون أن تضايقني نظرات مقتحمة مليئة بالأفكار المريضة؟ّ! و لماذا أستطيع ببساطة ركوب دراجتي و مسابقة طفلي دون أن يتعرض لنا أحد؟!  لماذا أستطيع هنا أن أعيش أمومتي و أن لا أخجل من أنوثتي؟! لماذا تحرم المرأة من هذه المتع البريئة و من الاستمتاع العفوي بالحياة باسم الدين بينما هي متاحة في كل وقت بالنسبة للرجل؟! لماذا في بلاد "الكفر و الانحلال" يغض الناس أبصارهم و لا يتدخلون فيما لا يعنيهم ، و نحن نعرف أن هذا جزء أصيل من تعاليم الإسلام ، بينما لا يطبقه الناس في بلادنا و لا يكتسبونه على الأقل،  رغم أننا –حسب فقهاءنا – مجتمع محافظ بعيد عن الفسق و الفجور و الانحلال و أننا "ديار الإسلام"؟؟! تساؤلات مشروعة!

العلاقة بين الرجل و المرأة كما أفهمها من القرآن، هي علاقة تكامل و ندية و سكن و مودة و رحمة، بينما ما نجده في واقع مجتمعاتنا هي علاقة "تابع و متبوع"، حيث يتم التعامل مع المرأة و كأنها "جارية" لا تملك من أمر نفسها شيئا. و التحدي الحقيقي – في نظري -  لا يكمن في أن نجعل الرجل يعترف بظلمه للمرأة و إنما في أن نجعل المرأة تعترف بظلمها لنفسها أولا و أن تدرك بأنها لا تحيا حياة طبيعية عفوية رغم أنها تستحق ذلك و أن الإسلام ليس حائلا بينها و بين تلك الحياة و إنما أولئك الفقهاء و المشايخ هم من يسرقون منها جمال الحياة و بساطتها.

No comments:

Post a Comment