أنيس الباشا
من الممكن بسهولة أن تدرك قيمة المواطن في أي دولة بمجرد النظر إلى الطريقة التي
يُعامل بها في بلده.. في ألمانيا مثلا لا تدلل الدولة مواطنيها بالطريقة الساذجة
التي قد يتخيلها البعض نتيجة الفهم الخاطىء لمفاهيم الرفاهية والتقدم والإهتمام بالمواطن..
لكن الدولة في ألمانيا بمؤسساتها المختلفة تحرص على سلامة وكرامة ورفاهية
مواطنيها بطرق عديدة لم نرها نحن بالطبع في بلداننا العربية التي عودتنا أنظمتها
الحاكمة على أن الأولوية القصوى للدولة بكل مقدراتها هي للحاكم وبطانته وحاشيته،
أما المواطن فهو مجرد "زيادة" ووجوده ضروري فقط ليكون للحاكم شعب يحكمه!
فعلى المدى المعقد والطويل هناك أنظمة التأمين الصحي والإجتماعي التي ترعى
المواطن طوال حياته وحتى بعد أن يصبح عاجزا عن العمل والإنتاج، هذا غير الخدمات
الأساسية المستقرة والمتطورة من طاقة ومياه ووسائل مواصلات وإنترنت وغيرها..
و هناك الاهتمام المتواصل بالفعاليات الثقافية والفنية والمسارح والفنون
والهوايات والأندية الرياضية وتشجيع الجميع من كل الأعمار على ممارسة أنشطة
مختلفة، كما أن المكتبات العامة منتشرة في كل مكان وتقدم خدمات مختلفة ومتميزة
مقابل أسعار زهيدة للغاية وتساهم في رفع مستوى الثقافة لدى المواطنين..
ومن الملفت للنظر أن هذا الإهتمام بالمواطن يمتد ليشمل نواحي بسيطة قد لا
يتوقف عندها أو يلاحظها المواطنون أنفسهم لأنهم ببساطة تعودوا على هذا الأمر فليس
في الموضوع "منية" ولا "تفضل" ولا لزوم التسبيح بحمد الحاكم
ولي النعمة لمجرد أن سيادته أمر بشق طريق أو بناء جسر.. فالمواطن هنا يدرك أن ما
يحصل عليه هو حق له وأنه في المقابل عليه واجب يؤديه كما يفعل الجميع والعلاقة
تبادلية نفعية قائمة على الاحترام والمصداقية ومبنية على قوانين واضحة ومحايدة لا
تحابي أحد أو تتحيز لفئة..

المنتجات الغذائية في جميع المحلات التجارية مدون عليها بدقة كل التفاصيل الخاصة بها والمكونات وقيمة السعرات الحرارية..وقبل أيام نشر أحد هذه المحلات التجارية الشهيرة إعلانا يطلب فيه من الزبائن الذين اشتروا منتجات معينة لم يدون عليها أنها قد تحتوي على آثار من أطعمة معينة قد تسبب الحساسية للبعض أن يقوموا بارجاعها وأن يستردوا المبالغ التي دفعوها..
نعم..يحتاج المواطن في أي دولة إلى أن يشعر بقيمته وأن يحصل على كافة حقوقه
بدون أن يضطر إلى القتال والكفاح في سبيل الحصول على أبسط هذه الحقوق.. وحين يصبح
المواطن هو القيمة الأهم في المعادلة يمكن للمرء حينها أن يسمي دولة هذا المواطن
بالدولة المتقدمة والمتحضرة.
No comments:
Post a Comment