أنيس الباشا
من أشهر الأحاديث التي يحلو للذكور في المجتمعات العربية والمسلمة أن
يستشهدوا بها حين يريدون أن ينتقصوا من مكانة المرأة هو الحديث المنسوب للنبي صلى
الله عليه وسلم "لن يفلح قوم ولوا أمورهم إمرأة" أوالحديث الذي يصف
النساء بأنهن "ناقصات عقل و دين" ، ومن الشائع جدا في مجتمعاتنا أن تجد
المسلم الذي لا يحفظ أحاديث الشعائر مثل الحج أو الصيام أو أحاديث المعاملات
والأخلاق لكنه يحفظ عن ظهر قلب كل الأحاديث التي تنتقص من قدر ومكانة المرأة وعلى
رأسها هذين الحديثين الذين يرددهما الكثيرون وهم يبتسمون تلك الابتسامة المستخفة
الساخرة على أساس أنهم يقررون حقيقة كونية راسخة!
وتجد أصحاب هذا المنطق يدافعون عنه بتعصب رغم أن نظرة بسيطة للواقع تناقض
قولهم، فالعالم من حولهم فيه نساء نجحن بامتياز في إدارة وتولي شئون أقوامهن، بل
وحتى في التاريخ القديم لدينا في القرآن الكريم نموذج ملكة سبأ الأنثى التي
استطاعت بحكمة بالغة وذكاء أن تجنب قومها – وهم كما يظهر من السياق مجموعة من
الأوباش لا يجيدون سوى لغة القوة - حربا لا قبل لهم بها وأن تقودهم من ظلمة
الوثنية وعبادة الشمس إلى نور الإسلام وعبادة الله الواحد، بينما على الناحية
المقابلة لدينا أيضا في القرآن مثل على ملك "ذكر" هو فرعون الذي عاث في
الأرض فسادا واستكبارا وطغيانا حتى أودى بنفسه وبقومه إلى الهلاك!
ومع ذلك لا يزال أصحاب ذلك المنطق مصرون على رأيهم بأنه لن يفلح قوم ولوا
أمورهم إمرأة، يقولونها بينما كثير منهم يستشير زوجته في كثير من الأمور ويأخذ
برأيها ومشورتها ويتضح أنها على حق في كثير من الأحيان إلا أن كل هذا لا يفلح في
زعزعة إيمانهم المطلق بأن النساء ناقصات عقل ودين!
ونسمع ونقرأ ونرى كثيرا نموذج ذلك الرجل كبير السن الذي تأتي فتاة صغيرة في
عمر ابنته أو حفيدته فتسيطر عليه وتجعله كالخاتم في اصبعها و"تلهف" كل
ثروته التي جمعها طوال عقود من الكد والتعب ثم تتركه وتهجره وهو يردد ويقسم في كل
مناسبة أن النساء ناقصات عقل عكس الرجال "مكتملي" العقل أمثاله!
وعلى مستوى الجاسوسية وألعاب المخابرات فإن النساء "ناقصات العقل
والدين" لعبن أدوارا قمة في الخطورة في هذا المجال وتمكن من انتزاع سيل من
المعلومات من أفواه الرجال "كاملي العقل والدين" وكان لهذه المعلومات
أثر بالغ في تغيير مسار التاريخ وانهيار دول وقيام أخرى ونشوب حروب وانهيار دول
ومنظمات وكيانات..
إن مسألة النظر إلى المرأة بدونية واستصغار في مجتمعاتنا المسلمة لها أسباب
وأبعاد كبيرة متجذرة في الوعي الجمعي لدى المسلمين خصوصا في المجتمعات المنغلقة
والمتحفظة..وفي نفس الوقت يعيش هؤلاء تناقضا وانفصاما كبيرين حين يرددون دائما أن
الإسلام هو الدين الذي كرم المرأة وفي نفس الوقت يؤمنون تماما بالأحاديث التي
تنتقص من قدرها وتسيء لها لا لشيء إلا لكونها جاءت إلى الدنيا أنثى!
والأحاديث كثيرة مثل أنها ناقصة
عقل ودين وأن النساء هن أكثر أهل النار وأن المرأة - هي والحمار والكلب الأسود-
يقطعون الصلاة وغيرها من المرويات التي أفرزتها وتناقلتها وأطرت لها عقول ذكورية
عنصرية تؤمن بأن الكون كله خُلق من أجل الذكر وأن الأنثى مجرد متاع وتابع يدور في
فلك الرجل والغرض منه فقط هو متعة وراحة الرجل..
وكما أن الأنثى ُوجدت في الحياة الدنيا لمتعة الذكر، هناك أيضا الحوريات من
أجل امتاع الذكر في الحياة الآخرة، فكل شيء هو من أجل الذكر أولا وأخيرا بصفته المخلوق
المدلل والمفضل، أما هي – أي الأنثى- فيكفيها شرفا وفخرا وانعاما أن تكون في
الآخرة زوجة لمن كان زوجها في الدنيا والذي لديه أيضا إلى جوارها في الآخرة سبعون
أو ثمانون أو مائة حورية .. ولا يهم إن كان ذلك الزوج قد أذاقها صنوف الويل
والمرارة أو كان سيء المعشر في الحياة
الدنيا، فالمهم أنها ستجد في الآخرة رجل يسترها وكما يقول المثل ظل رجل ولا ظل
حيطة.. وفي لمسة انسانية كريمة لم ينس واضعوا الأحاديث أن يضيفوا حديثا يعطي
المرأة التي تزوجت بأكثر من رجل في الدنيا الحق أن تختار في الآخرة من بين هؤلاء
الرجال من تريد أن تكون "زوجته"، فياله من كرم لا يقدر بثمن على المرأة
المسلمة أن تقبل أقدام الرجال لكرمهم وتفضلهم هذا..!
وليس النظر إلى المرأة بدونية مقصورا على فئة المتدينين بل هو عامل مشترك
تجتمع عليه فئات وفرق كثيرة، فالسنة والشيعة مثلا تجدهم يختلفون في أشياء كثيرة
لكن حين يتعلق الأمر بالمرأة فإنهم على قلب رجل واحد! و سبحان من فرق و جمع!
وليست المسألة محصورة ضمن المسلمين فقط بل انها موجودة أيضا في نصوص الأديان السماوية
السابقة مثل اليهودية والمسيحية، والفرق فقط الآن بيننا وبينهم انهم عطلوا العمل
بنصوص كتبهم المقدسة – خصوصا ما يتعلق بالمرأة- وحصروها ضمن جدران الكنائس
والمعابد، بينما في حياتهم اليومية وضعوا قوانين تضمن المساواة بين الذكر والأنثى
ولا تعطي للذكر أي أفضلية بل على العكس تراعي بعض هذه القوانين المرأة أكثر من
الرجل!
فعلى سبيل المثال هنا في ألمانيا يحق للمرأة التي أنجبت أن تأخذ أجازة من
عملها مدفوعة الراتب لمدة ثلاث سنوات ولها الحق بالعودة إلى عملها متى شاءت قبل
انقضاء هذه المدة، ولم يكتف هؤلاء بوضع القوانين فقط بل طبقوها واحترموها، أما نحن
فقد عطلنا كتاب الله العزيز وحصرناه بين جدران المساجد فيما يتعلق بأمور و شئون
الحياة والعلم وفي نفس الوقت قمنا بتفعيل كل النصوص الوضعية الأخرى التي تنتقص من
كرامة وقدر المرأة وجعلناها بمثابة نصوص مقدسة نافذة لا يمكن رفضها أو حتى
مراجعتها..
والحقيقة أن الإسلام بالفعل كرم المرأة لكن ليس ذلك الإسلام الذي يروج له هؤلاء،
والله سبحانه وتعالى ساوى تماما بين الذكر والأنثى ولم يعط الأفضلية لجنس على
الآخر، والرسول الكريم كان مدركا لهذه الحقيقة وطبقها عمليا في حياته لكن الخلل جاء
من العقليات والموروثات التي ظهرت أو طغت فيما بعد وكرست النظرة الذكورية المتعصبة
والضيقة وألبستها لباس الدين، وبالطبع حاز هذا المنهج على رضى الذكور واستماتوا في
الدفاع عنه جيلا بعد جيل، فمن يقبل أن يعترف بالمساواة مع المرأة ويضحي بكل
الامتيازات التي منحها إياه السادة الفقهاء؟
فمن هذه الإمتيازات العجيبة أن له الحق المطلق بأن يتزوج بأربع نساء هكذا
كما يشاء وله أن يطلق متى ماشاء ويمسك بمن يشاء! و له الحق في "تأديب" زوجته
التي "لا تطيعه" أو لا يروق له أحد تصرفاتها بل و له ضربها! و له إذا
دعى زوجته للفراش وامتنعت فإن الملائكة ستقوم بترك كل ما لديها وتنشغل بلعن تلك
الزوجة الظالمة طوال الليل؟!
و بينما يتمتع الذكور بحق اللباس و التطيب كما يشاءون فإن على المرأة أن تتغطى بشكل كامل و ألا
تتطيب و إلا صارت في حكم الزانية!! وفي
كرم حاتمي أجاز لها البعض بأن تظهر عين واحدة فقط كي ترى بها الطريق فإن كانت
تستطيع المشي بدون اظهار هذه العين فلا داعي لذلك وستر تلك العين أولى!
أما بالنسبة للميراث فللذكور نصيب الأسد من كل شيء دون فهم رياضي صحيح
لآيات المواريث و للعم أو الخال حق في ميراث الانثى الوحيدة!
وغيرها من الامتيازات والتفضيلات التي لا يتسع المجال لذكرها هنا لانها
تحتاج إلى مجلدات، حتى الرواية المشهورة التي يطيبون بها خاطر الأمهات "الجنة
تحت أقدام الأمهات" هي في واقع الأمر هدية للأبناء وليس للأمهات لأن الابن الذي
يطيع أمه سيدخل الجنة أما هي فاحتمال دخولها النار قد يتجاوز ال 80% لأن
"أكثر أهل النار من النساء"..
ولا يقبل انصار هذا الفكر أن يأتي أحدهم ليجادل بأن المرأة مساوية للرجل بل
وربما تتفوق عليه في بعض المجالات، وأنه لا فضل ولا ميزة لذكر على أنثى بالخلق
وإنما التمايز والتميز يكون بالعلم والعمل والأخلاق، ولا يعترفون أن المرأة تمكنت
من قيادة دول عظمى مثل ألمانيا وبريطانيا وأمريكا باقتدار وكفاءة، وفي المقابل
هناك الكثير من القادة والزعماء
"الذكور" تسببوا في كوارث وحروب ونكبات لأقوامهم ولغيرهم ، ومع
هذا كله فهم مصرون كل الإصرار على أن الرجل أفضل وأعقل وأكمل وأنه لن يفلح قوم
ولوا أمورهم إمرأة.. مما يجعلهم جديرون بالفعل بأن يحملوا هم صفة "ناقصون عقل
ودين"!