رشا المقالح
لبست عبائتها السوداء و مقرمتها السوداء و نقابها الأسود و خرجت لتزور إحدى قريباتها، سيدة في الخمسينات من العمر تقريبا، و ما لبثت أن قطعت مسافة قصيرة حتى بدأ أحد الشباب بملاحقتها و بالتحديق في جسدها المختفي خلف السواد قائلا لها كلاما غير لائق أقل ما يقال عنه أنه خارج عن الأدب و الحياء، و كان من بين ما قاله لها : "ما احلى عيونك الخضر!" وقفت السيدة بغضب و نظرت إليه بغيظ قائلة له: " استحي على نفسك يا ابني أنا في عمر امك!"
هذا الموقف
حكته لنا إحدى قريبات جارتي في اليمن و نحن مجتمعات عندها ذات مرة حيث أخذنا
الحديث إلى هذا الأمر الذي يقض مضجع كل امرأة يمنية عند خروجها من المنزل، و بدأت
كل منا في سرد بعض من المواقف و المضايقات التي تعرضت لها سواء في الشارع أو
المواصلات العامة أو الأسواق و غيرها من الأماكن العامة ، من قبل أولئك الذئاب
المسعورة التي تهيم في شوارع بلادنا دون ردع أو عقاب.
دارت في رأسي هذه الخواطر اليوم و أنا في طريقي إلى البيت عندما شاهدت أماً شابة جميلة ترتدي الملابس الرياضية الضيقة و تدفع عربة طفلها أمامها و تمارس رياضة الجري، و عندما مر بجوارها رجل يتمشى مع كلبه بسلام دون أن يسمعها كلمة نابية و دون أن يحدق فيها بطريقة وقحة، ذهبت مخيلتي إلى شوارع اليمن و ما تعانيه المرأة هناك .
دارت في رأسي هذه الخواطر اليوم و أنا في طريقي إلى البيت عندما شاهدت أماً شابة جميلة ترتدي الملابس الرياضية الضيقة و تدفع عربة طفلها أمامها و تمارس رياضة الجري، و عندما مر بجوارها رجل يتمشى مع كلبه بسلام دون أن يسمعها كلمة نابية و دون أن يحدق فيها بطريقة وقحة، ذهبت مخيلتي إلى شوارع اليمن و ما تعانيه المرأة هناك .
قبل يومين شاهدت إعلانا على قناة الـ LBC اللبنانية عن حملة ضد التحرش تحت عنوان "مش بسيطة"، و
هذا العنوان على بساطته إلا أنه معبر للغاية. فالتحرشات تترك ندوبا في روح المرأة
يصعب التعافي منها. ظل ذلك الإعلان عالقا في ذهني طوال اليوم ، و قلّبَ علي مواجع مختزنة في ذاكرتي عن شوارع اليمن...
كل ذنب المرأة في اليمن أنها خلقت أنثى و أنها تعيش في اليمن، هذه هي خطيئتها و عليها أن تدفع الثمن، ثمنا باهضا تدفعه من كرامتها و انسانيتها و هي تتعرض لتلك النظرات المخترق و الكلمات النابية و الابتسامات الصفراء و غيرها من الأفعال الوضيعة التي تمارسها الذئاب المسعورة ضد النساء في الأماكن العامة في مجتمعنا.
كل ذنب المرأة في اليمن أنها خلقت أنثى و أنها تعيش في اليمن، هذه هي خطيئتها و عليها أن تدفع الثمن، ثمنا باهضا تدفعه من كرامتها و انسانيتها و هي تتعرض لتلك النظرات المخترق و الكلمات النابية و الابتسامات الصفراء و غيرها من الأفعال الوضيعة التي تمارسها الذئاب المسعورة ضد النساء في الأماكن العامة في مجتمعنا.
و
مما يثير الغثيان أن بعضا من الرجال ذوي الخلفية الشرقية تراهم يبحلقون
هنا في النساء بنفس الطريقة التي اعتادوا عليها في بلدانهم و بعضهم يلقي بتعليقات
سخيفة، معتقدا أنه لا زال يعيش في أزقة و حواري أي بلد عربي. فبعض من
هؤلاء الشباب يهاجر و حاملا معه، إلى جانب حقيبة سفره، تلك العقلية المريضة و الخلفية الثقافية المأزومة التي تربى عليها
و التي تقلل من شأن الأنثى و تحتقرها و تعدها ناقصة عقل و دين و تعدها مجرد
كائن تابع للرجل لا كيان مستقل لها و ليست سوى آلة للجنس و الإنجاب و لا وجود
للجانب الانساني فيها. هذه هي الثقافة السائدة في مجتمعاتنا و التي شكلت الوعي
الجمعي للمجتمع بأكمله، ذكورا و إناثا.
لا
توجد امرأة في اليمن - و ربما في المنطقة العربية بأكملها - لم تعانِ من التحرشات
و المضايقات عند خروجها من منزلها سواء في الشارع أو في السوق أو في الحديقة أو أي
مكان آخر من الأماكن العامة. المفزع في الأمر أن هذه الظاهرة لا
يتم نقاشها و تجريمها في بلادنا لا من الناحية الإجتماعية و لا من الناحية
القانونية لذا فإن كثيرا منا نحن النساء في اليمن عندما نتعرض للمضايقات نشعر
بالحرج و الخوف و لا نخبر أحدا بذلك خشية التعرض للتوبيخ أو اللوم فالمجمتع لا
ينظر إلينا كضحايا لهذا الفعل اللا أخلاقي و إنما كمتسببات أساسا في حدوثه!
و عندما نتطرق للحديث عن ظاهرة التحرش دائما ما يبرز صوت نشاز هنا أو
هناك قائلا أن ملابس المرأة هي السبب في تعرضها للتحرش، و على الرغم من أن هذا
التبرير سمج أساسا إلا أننا يجب أن نرفع أصواتنا فوق تلك الأصوات السمجة قائلين بكل
ثقة أن الملابس لا علاقة لها بالتحرش لا من قريب و لا من بعيد.
هذه حقيقة واضحة وضوح
الشمس رأيتها في اليمن و أراها اليوم في أوروبا ماثلة أمام عيني كل
يوم. غالبية النساء في اليمن يتشحن بالسواد فلا مجال هنا للومهن على طريقة
لباسهن "الفاضحة" و لكن مجرد خروجهن من المنزل – و ربما وجودهن في
الحياة أساسا! - يعد بنظر أصحاب مثل تلك المبررات سببا كافيا لحصول التحرش، و أن
المرأة التي تخرج بدون محرم فهي بذلك تستحق ما يحصل لها فالأفضل
أن تبقى في بيتها! هذا و للعلم أن هناك حالات تحرش تحصل في الشارع و في المواصلات
العامة في وجود المحرم! و لكن هذه هي الثقافة التي نشأنا في ظلها، ثقافة تلوم
الضحية و تترك الجاني ينجو بفعلته.
و يلعب التراث الديني دورا كبيرا في
رفد هذه الثقافة الإنهزامية حيث يحمل المرأة وزر تعرضها للتحرش فقط لمجرد كونها
امرأة و اقرأوا معي نص الحديث: ((إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة
شيطان، فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله؛ فإن ذلك يرد ما في نفسه)) و حديث آخر
نصه :(( المرأة عورة ، فإذا خرجت استشرفها الشيطان)) لاحظوا هنا أن مجرد
كونها امرأة يجعلها في صورة شيطان، و أنها كأنثى عورة و إذا خرجت يستشرفها الشيطان و لا
ذكر هنا للبسها و لا لهيئتها!
أما التفسيرات الواردة لهذا
الحديث ففيها من العجب العجاب فمثلا تفسير المناوي و الذي يقول في كتابه فيض
القدير : ((النساء أعظم حبائل الشيطان وأوثق مصائده فإذا خرجن نصبهن شبكة يصيد بها
الرجال فيغريهم ليوقعهم في الزنا، فأمرن بعدم الخروج حسماً لمادة إغوائه
وإفساده.)) أو ما قاله المباركفوري: ((المعنى أن المرأة يستقبح بروزها وظهورها،
فإذا خرجت أمعن النظر إليها ليغويها بغيرها ويغوي غيرها بها ليوقعهما أو أحدهما في
الفتنة. ))
و
هذا غيض من فيض تراثنا الديني الذي لا يرى في المرأة سوى كائن شرير شيطاني يستحق
كل ما يحصل له، و هكذا فهو لا يحفظ لها حقها في الشعور بالأمان لذا لا
عجب أن نجد "شيطان التحرش" بانتظارها في الطرقات و الأماكن العامة فهذا
قدرها و ليس أمامها سوى أن تصبر على الإهانة و أن تتحمل هذه السلوكيات الوضيعة في
صمت و هي تشعر بالغيظ و الإهانة و القهر و عليها أن تشعر بالخزي من نفسها في كل
حال، فهي ناقصة عقل و دين و صوتها عورة و وجهها عورة و هي فتنة و هي سبب كل بلاء!
و بسبب
هذه العقلية السائدة فإن المرأة في بلادنا غالبا ما تفسر شعورها بالخوف من
المضايقات عند خروجها من المنزل بأنه شعور طبيعي، بينما في حقيقة الأمر هو شعور
غير طبيعي بالمرة و عليها أن تعرف أن من حقها على المجتمع و على القانون أن تخرج
من بيتها و هي تشعر بالأمان و من حقها ألا يتعرض لها أحد بكلمة بذيئة أو نظرة
مقتحمة أو لمسة قذرة.
يقع
على عاتق المرأة اليمنية، خاصة الأم التي تنتمي لهذا الجيل أن تقوم بدور إيجابي من
خلال تنشئة أبنائها و بناتها على حد سواء على رفض هذه السلوكيات و أن تغرس في عقول
بناتها بشكل خاص الثقة بالنفس و عدم الاستسلام للموروثات المسيئة لهن و لإنسانيتهن
أولا و لأنوثتهن ثانيا.
من
حق المرأة في اليمن أن تعرف أن هناك نساء في أجزاء واسعة من العالم يخرجن من بيوتهن دون
أدنى شعور بالخوف و أنهن يلبسن ما يردنه دون أن يتدخل أحد في اختيارهن لملابسهن و
أنهن يمشين في الشارع و يتجولن في الحدائق و الغابات و يستخدمن المواصلات العامة و
يركبن الدراجات و يقدن السيارات دون أن ينظر إليهن أحد نظرات مقتحمة تخترق الجسد
ناهيك عن أن يسمعن كلمة نابية واحدة! و هن لا يشعرن بعد ذلك بالامتنان بتاتا فهذا
حق لهن على المجتمع و على القانون!
يجب أن نصرخ في وجوههم متسائلين عن سبب وجود حيوانات مسعورة
طليقة تسرح و تمرح في شوارعنا؟؟!! لماذا يتم تركها حرة طليقة ترتكب تلك السلوكيات
المشينة دون أي عقاب؟ ثم من قال أن " الذئاب المسعورة" التي لا يمكن لها
إلا أن ترى المرأة مجرد كتلة من اللحم بدلا من أن تراها انسانا يستحق
الاحترام ستكون قادرة أصلا على رؤية السواد الذي تتشح به المرأة كملابس
ساترة للجسد بل هي بالنسبة لهم مجرد "كيس أسود" تفوح من
داخله رائحة اللحم! هذه هي الطريقة التي ينظرون بها للمرأة و لا علاقة لملابسها و
الألوان التي ترتديها بالأمر.
التحرش هو عمل لا أخلاقي ضد كينونة المرأة و ضد وجودها، و لقد حان الوقت لتستعيد المرأة اليمنية ثقتها بنفسها، و أولى بوادر استعادة الثقة بالنفس هي معرفتها التامة أنها ليست المسئولة عن فعل التحرش، ليس خطئها و ليست ملابسها و لا هيئتها ما يتسبب في تلك الممارسات ، ذلك أن التحرش هو سلوك وضيع لا يصدر سوى عن مسعور فقد جزءا كبيرا من آدميته، فمثل هذا "الآدمي المسعور" لا يعرف ما الذي تعنيه مفردات مثل الاحترام و الأخلاق و الكرامة الإنسانية و الحق في الشعور بالأمان و غيرها من المعان الإنسانية...و كيف للحيوان أن يفهم ذلك؟!
التحرش هو عمل لا أخلاقي ضد كينونة المرأة و ضد وجودها، و لقد حان الوقت لتستعيد المرأة اليمنية ثقتها بنفسها، و أولى بوادر استعادة الثقة بالنفس هي معرفتها التامة أنها ليست المسئولة عن فعل التحرش، ليس خطئها و ليست ملابسها و لا هيئتها ما يتسبب في تلك الممارسات ، ذلك أن التحرش هو سلوك وضيع لا يصدر سوى عن مسعور فقد جزءا كبيرا من آدميته، فمثل هذا "الآدمي المسعور" لا يعرف ما الذي تعنيه مفردات مثل الاحترام و الأخلاق و الكرامة الإنسانية و الحق في الشعور بالأمان و غيرها من المعان الإنسانية...و كيف للحيوان أن يفهم ذلك؟!