شاكي مان ينقذ الكعبة
(( فانتازيا كوميدية من سبعة مشاهد))
مقدمة
مقدمة
منذ مدة قرأت خبرا يقول أن نجم الأكشن الأسيوي الشهير يعتزم تصوير
فيلما عن حرب اليمن..ورغم أن الأمر لا يخرج عن مجرد خبر "فني" قد يتحقق
أو لا، إلا أنني لم استطع منع نفسي من التفكير مرارا في هذا الموضوع.. في الحقيقة
لم اتمكن من هضم الفكرة نفسها ولم افهم سر اهتمام النجم الشهير بما يجري في اليمن
و هل هذا الاهتمام يأتي من ناحية فنية أم انسانية ، ثم الأدهى من هذا كله أن
الفيلم – بحسب الخبر- سيتم تصويره في المغرب أي أنه سيحظى بموافقة وتعاون الدول
التي تشارك في الحرب على اليمن مما يجعل مصداقيته على المحك.. بحثت عن رابط يجمع
هذه المعطيات في سياق منطقي فلم أجد، لكن الحقيقة الوحيدة المؤسفة في الموضوع هي
أن أطرافا عديدة حصلت على مصالح مادية كبيرة من وراء هذه الحرب القذرة وذلك على حساب دماء وأشلاء اليمنيين بداء من
الدول الكبرى المصدرة للسلاح ووصولا إلى المرتزقة الاقليميين و المحليين سواء من
يقبض منهم باليومية أوبالشهرية.. فهل قررت السينما العالمية أن تنضم لطابور
الاثراء هذا؟ ثم تذكرت المقولة العميقة للكاتب والصحفي البريطاني روبرت فيسك التي
يقول فيها أن الحرب في اليمن تجمع بشكل فريد بين المأساة والنفاق والمهزلة ..وعندها
وجدت نفسي أكتب هذا السيناريو التخيلي للفيلم المزمع تصويره وهو مقسم إلى سبع مشاهد
في إطار ساخر لا يخلو من بعض الحقيقة، ولربما استطاعت السخرية المستخدمة هنا أن
تعطي لمحة عن المشهد القاتم جدا الذي يعيشه بلد لا يعبأ به أحد ويعاني من الخلافات
والانقسامات بين أبنائه وابتلي في نفس الوقت بألعن أنواع الجيران .. إنها
فانتازيا مضحكة لكنه ضحك كالبكاء كما يقول المتنبي رحمه الله..
ملحوظة
(( أي تشابه بين شخصيات في
هذا السيناريو وبين شخصيات من عالم الواقع هو من قبيل المصادفة البحتة والبحتة فقط
!))
ملحوظة أخرى:
(( تم الانتهاء من
كتابة هذا السيناريو قبل أن يتم تعيين ولي ولي العهد السعودي السابق إلى ولي عهد حالي))
*****************************
المشهد الأول
يبدأ الفيلم
بمنظر بانورامي لمدينة الرياض في السعودية..يتوسط المشهد مبنى برج المملكة التابع
للمياردير السعودي الوليد بن طلال والذي يفخر به صناع ومنتجي المسلسلات السعودية
ويقومون بحشره – البرج لا الملياردير- في كل مشهد تلفزيوني وكأنه برج إيفل أو مبنى
الامباير ستيت ، أعرف ان البعض قد يتساءل بما أن الفيلم عن حرب اليمن فكيف يبدأ في
الرياض؟ صبرا وواصلوا القراءة كي لا نحرق الفيلم في بدايته .. على يسار الكادر الذي
يتم تقريبه تظهر لوحة عملاقة للغاية عليها صورة الملك وولي عهده وولي ولي عهده
وسائق سيارته والطباخ الخاص بفخامته والكل يبتسم في بلاهة وتحت الصورة مكتوب بخط
عريض “عزنا دائم في ظل عزكم .. ليت واحنا نطول ونكون مداس لكم” وعلى منتج الفيلم
الاستعانة بخبراء ترجمة صينيون وانجليزيون
يجيدون العربية إجادة تامة لكي يتم ترجمة معنى هذه الجملة للمشاهد الغربي لأنه من
الصعوبة جدا شرح معناها لغير المواطنين السعوديين المحبين لملكهم وأولياء عهده وخدمهم
وسائقيهم..
يتم تقريب المشهد أكثر لنرى الشوارع والمباني والمارة
والسيارات، وتحرص الكاميرا على أن ترينا
كيف أن الناس هناك يمارسون حياتهم اليومية بسعادة وهناء وأمان منقطع النظير في ظل
رعاية الملك وأولاده الطيبين المخلصين..فالابتسامات تعلو الوجوه طوال الوقت
والكل يرتدون ملابس جديدة غاية في النظافة والأناقة والأطفال الممتلئين بالصحة
والعافية يجرون ويلهون في سعادة بين البيوت أو في طريقهم إلى المدارس بينما رجال
المرور ينظمون حركة السير بأريحية وهم مبتسمون بدورهم..هناك موسيقى حالمة تملأ
الخلفية وتبعث على الاسترخاء.. تقترب الكاميرا من أحد الشوارع لتظهر رجلا مسنا
يعبر الطريق بتؤدة وفجأة يوشك على التعثر فيهرع على الفور رجل شرطة كان واقفا
بالجوار ليمسك بذراع العجوز قبل أن يقع ويسنده بسرعة، يبتسم المسن في امتنان بينما
يصر رجل الشرطة على أن يقدم للعجوز بعض العصير وباقة من الورود ويقوم شرطي آخر
بإحضار كرسي كي يجلس عليه الرجل العجوز ويلتقط أنفاسه قبل أن يتم توصيله إلى منزله
بسيارة الشرطة التي تحمل على زجاجها الخلفي صورة للملك ولأولياء عهده..ولا ينس
مصور الفيلم أن يظهر الصورة العملاقة للملك وأولياء عهده في خلفية كل طريق جانبي
تعبره سيارة الشرطة حتى تصل إلى بيت ذلك العجوز..
وقد قام طاقم الفيلم بعمل جبار من أجل اظهار شوارع المدينة في أبهى صورة حيث قاموا باستئجار فرق
كاملة من أكبر الشركات العالمية المتخصصة في الديكورات والتنظيف والعناية بالطرقات
وذلك من أجل تجميل وترتيب وإعداد الشوارع التي سيتم تصوير
المشاهد
فيها، والحقيقة أن تلك الفرق قامت بعملها على أكمل وجه حيث بدت الشوارع والأماكن جميلة
ومرتبة لكن الغبار والأتربة ظلت تكسو كل شيء وهي مشكلة جغرافية أكبر من قدرات أي
فريق تنظيف محترف..
تتركز الكاميرا على شارع مزدحم بعض الشيء تنتشر على جانبيه المحلات
التجارية، وقد تم اختيار الكومبارس بعناية فائقة بحيث تبدو على ملامح جميع من في
الكادر إمارات الدعة والنعمة والعافية، على رصيف الشارع نرى حقيبة صغيرة سوداء
ملقاة في اهمال ومع ذلك لم تستدع انتباه أحد، من طرف الكادر الأيمن يظهر شابان سعوديان
يرتديان الجلاليب البيضاء ويمشيان بتراخ على الرصيف وأحدهما يقول لرفيقه في جذل:
- يا لهذه السعادة والنعمة التي نعيش فيها يا صديقي!
يبتسم الآخر وهو يقول بنغمة حالمة:
- لا بد أن شعوب دول مثل السويد وكندا ونيوزلندا تحسدنا على ما نحن فيه!
يومىء الآخر برأسه وهو يقول بحماس:
- وكل هذا بفضل ملكنا وولي عهده وولي ولي عهده طالت أعمارهم جميعا..
يستمر الاثنان في المشي وتبادل الحديث الذي يتمحور كله حول مدح الملك
وأولياء العهود حتى يقتربان من الحقيبة الملقاة على الرصيف، يركلها أحدهما بقدمه بلامبالاة
فتنفتح لتبرز منها رزم عديدة من النقود فئة خمسمائة ريال سعودي، يشهق أحدهما بينما
ينحني الآخر ليلتقط الحقيبة، يتلفت الشابان حولهما بحثا عن صاحب الحقيبة، يسألان
بعض المارة عن الحقيبة فيجيب الجميع بالنفي وبأنها لا تخصهم برغم رؤيتهم لرزم
النقود بداخلها، من ثم يحمل الشابان الحقيبة ويتجهان بها إلى قسم الشرطة وهناك
يقوم رجال الشرطة بتسلم الحقيبة ويتم توجيه الشكر للشابين على أمانتهما، ما أن
يغادر الاثنان قسم الشرطة حتى تتوقف قربهما سيارة سوداء فاخرة نوافذها مغطاة بزجاج
عاكس، يخرج من السيارة رجل بدين يرتدي الجلباب ويضع نظارة شمسية كبيرة على وجهه
ويقترب من الشابين قائلا بابتسامة كبيرة:
- سمو
الأمير عرف بما فعلتماه وهو يهنئكماعلى أمانتكما..!
ابتسم الشابان في خجل وتواضع بينما تابع البدين:
- وقد
قرر سموه مكافئتكما على تصرفكما النبيل ..
قالها ومد يده اليهما بحقيبة كبيرة فتحها الاثنان ليجدا انها مليئة عن
آخرها برزم من النقود من فئة المائة دولار.. شهق احدهما وأغمى على الاخر بينما قال
البدين:
- هذا مبلغ مليون دولار مقدم من سموه بالاضافة إلى رحلة مدفوعة التكاليف
لمدة شهر في كوالامبور..
ثم استدار بسرعة ليركب السيارة التي انطلقت على الفور بينما وقف الشابان
يلوحان بأيديهما للسيارة بقوة وحماس حتى اختفت..
يتغير الكادر بنعومة وسرعة لنرى شارع آخر ينتهي بحديقة صغيرة يجلس بداخلها رجل
في أواخر الثلاثينات بدا عليه الهم والحزن، هناك موسيقى تصويرية حزينة تنبعث من
مكان ما بينما أسند الرجل رأسه على راحتي يديه وبدا منفصلا تماما عن العالم
الخارجي حوله..فجأة تتوقف بالقرب منه عربة فان كبيرة وفور توقف العربة تنقطع تلك الموسيقى
التصويرية الحزينة، على جانب العربة ملصق كبير يحمل اسم "هيئة السعادة – القسم
المتحرك" وهناك بالطبع ملصق آخر عليه صورة الملك وأولياء عهده ، ينزل من
العربة العديد من الأشخاص وهم يرتدون أزياءا ملونة ومزركشة مثل الملابس التي
يرتديها العاملون في السيرك ومسارح الأطفال، بعضهم كان يحمل آلات موسيقية مختلفة
مثل الكمان والجيتار والأورج والطبلة، وقف الجميع أمام الرجل المهموم وأشار قائد
المجموعة بيده فبدأ أصحاب الآلات الموسيقية بالعزف بينما تقافز الرجل الذي يرتدي
قناع المهرج وهو يأتي بحركات ضاحكة بيديه ورجليه وشاركه الرقص مجموعة الأشخاص
الذين يرتدون الثياب الملونة..
كان الجميع يرقصون على أنغام أغنية قديمة للأطفال اشتهرت في
الستينات من القرن الماضي، رفع الرجل المهموم رأسه ينظر إليهم بلا اكتراث، وهنا
أشار قائد المجموعة بيده مرة أخرى فعزفت الفرقة أغنية ثانية بينما خرج من العربة
مجموعة من الأشخاص يرتدون ثيابا وأقنعة تمثل حيوانات مختلفة وبدأوا بعمل حركات أكروباتيكية
مضحكة..كان أحدهم مثلا يقع ثم يحاول النهوض لكن
شخصا آخر ييأتي من الخلف ويصطدم به فيقع الاثنان وهكذا .. بدأت أسارير الرجل الحزين تنفرج وافتر
ثغره عن ابتسامة ما لبثت ان اتسعت حتى شملت وجهه كله وتحولت الابتسامة الى ضحكات
وقهقات عالية وهو يشاهد تلك الحركات المضحكة ويصفق بيديه مشجعا.. انضم المهرج
للعرض وبدأ بعمل بعض الحركات المضحكة بينما ضحكات الرجل الذي كان حزينا قبل دقائق
تتصاعد وتتصاعد حتى سقط عن الكرسي الذي يجلس عليه وهو يتقلب على الارض ويمسك بطنه
من شدة الضحك!
وهنا أشار قائد المجموعة بيده فتوقف العزف ونهض جميع الاشخاص ووقفوا صفا
واحدا..اقترب قائدهم من الرجل ومد يده إليه يساعده على النهوض فنهض هذا والدموع
تملأ عينيه من كثرة الضحك، قال قائد المجموعة بلهجة ودية مرحة:
- نتمنى أن يكون عرضنا قد راق لك أيها المواطن العزيز..و لا تنس، مع هيئة السعادة
..دع عنك الحزن والبلادة!
صافحه الرجل في حرارة وهو يقول:
- أشكركم كثيرا، لقد كانت الهموم متكالبة على رأسي بالفعل.. أمي ماتت وابني
مريض يحتاج لإجراء عملية جراحية وزوجتي تطلب الطلاق وأنا عاطل عن العمل منذ عشر
سنوات ولم استطع دفع ايجار البيت، لكني الآن أشعر بسعادة بالغة وراحة عظيمة..بارك
الله فيكم وحفظ الله الملك وأولياء العهود طالت أعمارهم جميعا ولو على حساب
أعمارنا نحن..
أشار قائد المجموعة بيده محييا الرجل ثم أستدار يواجه الفرقة وأشار لهم
بيده اشارة خاصة فتراجع الجميع إلى داخل العربة الفان الكبيرة وهم يعزفون النشيد الملكي
ويلوحون بأيديهم بينما اغرورقت عينا الرجل الذي كان حزينا قبل قليل بالدموع وهو
يقف في ثبات ويرفع يده بالتحية العسكرية حتى غادرت العربة..
تنتقل الكاميرا مجددا لأحد الشوارع التي تم تنظيفها خمس مرات على الاقل
ونرى في
طرف الشارع إمرأة مسربلة بالسواد
من قمة رأسها حتى أخمص قدميها وهي تمشي ممسكة بيد طفلة صغيرة تحتضن دمية من نوع
باربي بينما تمسك الأم بيدها الاخرى بطوق جلدي يتصل بأنشوطة ملتفة حول عنق كلب أبيض
من نوع السامويد يسير بجوار الأم وطفلتها.. فجأة يفلت الكلب من يد الأم الممسكة
بالطوق ويجري ليعبر الشارع حيث وقفت قطة صغيرة على الطرف الآخر منه..تجفل المرأة
وتحاول أن تلحق بالكلب لكن العباءة التي ترتديها تعيق حركتها وتكاد أن تتعثر بينما
تتمكن الطفلة من الجري بشكل أسرع لتمسك برقبة الكلب قبل أن يعبر الشارع المليء
بالسيارات، لكن دمية الطفلة تنزلق من يدها وتتدحرج لتسقط في وسط الطريق، هناك
سيارة مسرعة قادمة مباشرة في اتجاه الدمية..تشهق الطفلة في هلع وهي تغطي عينيها بينما
تضع الأم يدها على صدرها ويصرخ بعض المارة وهم يحدقون في السيارة التي توشك على
دهس الدمية، وفجأة يقفز من طرف الكادر شرطي المرور ليحتضن الدمية ويتدحرج بسرعة
وهو ممسك بها بعيدا عن عجلات السيارة..
يقف الشرطي ويتقدم من المرأة وابنتها
ويبتسم وهو يمد يده بالدمية للطفلة التي تأخذها منه في سعادة بينما يصفق المارة
ويتجمعون حول الشرطي الذي وقف مبتسما في تواضع..على الفور تظهر السيارة السوداء الفخمة
ذات النوافذ العاكسة وتتوقف جوار الشرطي والناس المتجمعون حوله ويهبط منها ذلك البدين
الذي يضع نظارات شمسية، يشق طريقه وسط الناس ويقترب من شرطي المرور ثم يضع يده على
كتفه وهو يقول بصوت جهوري:
- سمو
الأمير يحييك على شجاعتك وانقاذك لدمية هذه الطفلة البريئة، لذا قرر سموه أن تتم
ترقيتك إلى رتبة عقيد ركن وأن تحصل على مكافأة مليون ريال بالاضافة إلى رحلة
مدفوعة التكاليف إلى كوالامبور لمدة شهر!
يهلل الناس ويصفقون ويهتفون باسم الأمير وهم يلتفون حول الشرطي الذي بدت
السعادة على وجهه و الجميع يصافحه ويهنئه بينما صعد البدين الى السيارة السوداء
مجددا ومن نافذة السيارة الخلفية امتدت يد مكتنزة
تحيط الخواتم بأصابعها الخمس وقامت اليد بالتلويح للناس الذين ازداد هتافهم
وهياجهم وهم يتقافزون ويتدافعون محاولين لمس جسم السيارة بأيديهم بينما السيارة
تستعد للانطلاق مجددا و..
“ستووووووووووووووب”
دوت الصيحة من فم المخرج الأمريكي الجنسية الآسيوي الأصل الذي نهض من مقعده
واتجه في عصبية نحو كادر التصوير بينما لحق به مساعده الأول بخطوات سريعة وهو يجفف
العرق الغزير الذي يسيل على جبهته، اتجه المخرج بانفعال نحو رجل بدين له كرش ضخم و
بشرة سمراء يرتدي الجلباب ويضع عقالا على رأسه وهو يقف جوار مدير التصوير يراقب
المشهد في سعادة ، هتف المخرج في عصبية موجها كلامه لصاحب الكرش:
- هل
لي أن أفهم لماذا تم تغيير السيناريو في هذا المشهد؟ من المفترض أن تنتهي اللقطة
بانقاذ الشرطي للدمية!
ابتسم صاحب الكرش في هدوء وهو يقول:
- لقد
رأى طاقم الفريق السعودي الذي يشارك في الاخراج أن يتم اضافة فقرة المكافئة لنضفي
بعض المصداقية على المشهد!
صاح المخرج بغضب:
- وأنا
بصفتي مخرج الفيلم أصر على أن هذه اللقطة لا فائدة منها ويجب حذفها هي وجميع لقطات
المكافئات المالية هذه.!
ظهر الغضب على وجه البدين وهو يقول:
- هل
جننت؟ أتريد أن نقوم بحذف لقطة تظهر فيها يد من يمثل أنه سمو الأمير طال عمره؟!
عقد المخرج حاجبيه في عناد وهم بقول شيء ما إلا أن مساعده جذبه من كمه
بسرعة وهو يغمغم بخفوت:
- سيدي..أرجو
أن تدع هذه اللقطة تمر كي لا يتوتر الوضع ونخسر نحن وقتا أطول في التصوير..
همس المخرج بعصبية:
- هل
تريد مني أن أذعن لهم بهذه السهولة؟؟ ألا ترى سخافة كل هذه المشاهد التي أصر فريق
العمل السعودي على اضافتها للفيلم؟؟ كل من يقوم بعمل بسيط يتم مكافئته بمليون ريال
ورحلة إلى ماليزيا؟ بينما الرجل الذي ليس لديه القدرة على دفع الإيجار يحصل على
استعراض غنائي سخيف؟ ما هذه الحماقة وكيف تخدم هذه المشاهد قصة الفيلم؟؟ بل كيف
يمكن أن يحدث شيء كهذا في عالم الواقع وكيف سيتقبل المشاهد هذه الحبكات؟؟؟ حتى
شاكي لن يروق له هذا..!
أمسك المساعد بيده وهو يقول بخفوت:
- سيدي..لا
تنس أن جزءا ضخما من ميزانية الفيلم تم تمويله من قبل المملكة بما فيها أجورنا وأجور
الممثلين ، كما أننا حصلنا على تصاريح التصوير هنا بصعوبة بالغة ودفعنا أموالا
طائلة لفرق التنظيف و لا يزال أمامنا العديد من المشاهد التي يجب أن ننتهي منها
هنا قبل أن ننتقل إلى المغرب لتصوير بقية الفيلم ، ثم أن الأمر لا يستحق.. فلنقم
بتصوير هذه المشاهد التي يصرون عليها ثم يمكننا لاحقا أن نحذف ما نريد عند عمل المونتاج
وليذهبوا حينها إلى الجحيم ! المهم أن ننتهي من التصوير بسرعة قبل أن يشوينا هذا
الحر اللعين!
هم المخرج بالاعتراض إلا أن الحر الشديد الذي يحيط بهم والغبار المنتشر في
كل مكان جعلاه يعيد التفكير في الأمر فزفر في عصبية وهو يقول:
- هذه
مشكلة الأفلام ذات الانتاج المشترك.. أقسم أن تكون هذه هي المرة الأخيرة التي أقبل
فيها العمل مع طاقم عربي وخصوصا من هذا البلد!
وعاد إلى مقعده بخطوات سريعة غاضبة بينما تنهد المساعد في ارتياح وهو يشير
بيده لفريق التصوير كي يستعد ويواصل العمل.. انتهى تصوير المشهد بسلام وانتقل فريق
العمل إلى مكان آخر واستمرت حركة الكاميرا وتنقلاتها في شوارع وأحياء المدينة
الهادئة الوادعة التي تقوم فرق التنظيف بتمشيطها وتحويلها إلى شكل آخر غير ما ألفه
الناس وعرفوه..قام فريق العمل بتصوير أكثر من مشهد ينتهي كل منها بمكافئة المليون
ريال أو دولار والرحلة مدفوعة التكاليف إلى ماليزيا.. إلى أن تتركز الصورة أخيرا على
نافذة في أحد المباني الكبيرة والتي تطل بدورها على شارع رئيسي، وخلف تلك النافذة
وقف العميد تركي بن تركي وهو يراقب المارة والشارع في صمت وشرود وقد حفر القلق
خطوطا عميقة على وجهه..لقد توقفت الموسيقى الحالمة التي صاحبت بداية الفيلم وهناك
الآن موسيقى قلقة تنبعث في الخلفية، وبأسلوب
المونولوج الفردي نسمع صوت العميد تركي وهو يحدث نفسه :
“ كل هذا الجمال والهناء
والسعادة والأمان في ظل رعاية خادم الحرمين وأولاده الطيبين الحنونين مهددة من قبل
أولئك الأشرار الذين لا يدرك مكرهم وخطورتهم هؤلاء الناس البسطاء السعداء.. لست
أدري كيف ي..."
وهنا يقطع
افكاره صوت فتح باب مكتبه حيث يدخل مساعده الأول المقدم سعود بن سعود ممسكا بأوراق
كثيرة في يده ووجهه محتقن للغاية.. يرفع يده بالتحية العسكرية وهو يصيح بصوت جهوري:
- تقارير جبهة اليمن طال
عمرك!
(( وجملة “ طال عمرك” هذه
ستتكرر طوال مدة الفيلم لذا اعتقد أن على مدير المونتاج ان يخفف منها في بعض
المشاهد كي لا يشعر المتفرجون بالملل))
وهنا - على
طريقة المسلسلات الخليجية والمصرية- يسأل العميد تركي مساعده في مرارة وهو لا يزال
موليا ظهره له بدون ان يلتفت اليه:
- هل هناك جديد هذه المرة
غير تدمير الحوثيين والمجوسيين لمواقعنا وقواعدنا العسكرية واحتلال أجزاء من اراضينا
واسقاط طائراتنا وقتل جنودنا الشجعان المجاهدين المرابطين على الحدود ؟
قال المساعد
بصوت قلق:
- أخشى – طال عمرك – أن
الأخبار هذه المرة – طال عمرك – لا تسر البال ولا الخاطر طال عمرك!
التفت العميد تركي
اليه وقال في دهشة:
- ثلاث مرات “طال عمري” في
جملة واحدة؟ هذا معناه ان الامور خطيرة بالفعل!
وتناول التقرير
ليقرأه قبل أن ينعقد حاجباه بشدة وهو يرفع عينيه إلى مساعده ويصيح بذهول:
- غير معقول..! لايمكن أن
يصل الامر إلى هذا الحد..لا يمكن !!
وتسقط الاوراق
من يده في مشهد درامي بطيء وهي تدور في الهواء قبل أن تهوى على الأرض وتتراجع
الكاميرا لتظهرالنافذة ووراءها المدينة بينما سحابة كبيرة تمر لتحجب ضوء الشمس
القوي فتخيم الظلال فجأة على المدينة الوادعة السعيدة والناس السعداء والشوارع
النظيفة..!
(( نهاية المشهد الأول))
No comments:
Post a Comment