كان ذلك القط – أو ربما القطة- ذو الجسد
المكتنز واللون الأسود المتداخل مع الأبيض يمشي جواري بهدوء شديد أقرب إلى الكسل
في ذلك الشارع الصغير..كنت أنا أنظر إليه بتركيز بينما لم يعرني هو انتباها وهو
يسير بجواري ثم يتجاوزني بنفس الهدوء إلى أن وصل إلى البيت الذي يقيم فيه في طرف
الشارع، ورغما عني ابتسمت وأنا اتخيل لو أنني الآن أمشي في أي شارع أو حي من أحياء
اليمن أو أي بلد عربي..هل كنت سأرى قطا يمشي بهذه الطريقة الواثقة المطمئنة
والآمنة على طريقة "واثق الخطوة يمشي ملكا"؟ فالقطط المسكينة في بلادنا
تجري طوال الوقت والذعر والهلع لا يفارق عيونها وحركاتها فهي تدرك بغريزتها أنه من
الممكن في أي لحظة أن يمسك بها الأطفال ليسوموها ألوان العذاب أو - لو لم يتمكنوا من الإمساك بها- يتسلون بقذف الحجارة عليها بسادية حتى تموت أو تصاب بعاهة مستديمة!
أما في المجتمعات الغربية فإن معاملة
الحيوانات برحمة ورفق هو أمر يمارسه معظم الناس بشكل تلقائي وينشئون عليه منذ
الصغر، كما أنه لا يوجد لديهم شيء اسمه حيوانات متشردة أو ضآلة تسرح وتجول في
الشوارع لتأكل من صناديق القمامة أو علها تظفر بلقمة رماها أحدهم هنا أو هناك،
فهناك ملاجىء للحيوانات وجمعيات تعني بهم، وهناك عيادات مخصصة لعلاج هذه الحيوانات،
وحينما يريد شخص ما اقتناء حيوان أليف مثل قط أو كلب فبإمكانه أن يذهب إلى أحد هذه
الملاجىء كي يحصل على ضآلته من هناك.. ومع ذلك فليست المسألة بهذه السهولة إذ يجب
على من يريد اقتناء حيوان أليف أن يقوم بملء استمارات معينة وأن يجيب عن بعض
الاسئلة وأن يلتزم أيضا بأمور تتعلق برعاية واطعام وعلاج هذا الحيوان..! وفي
ألمانيا مثلا إذا اقتنيت كلبا فإنه يتوجب عليك أن تدفع ضريبة عنه!..ومن المألوف
جدا إذا عشت في دولة أوروبية أن تصادف بشكل شبه يومي وأنت مار في طريقك أشخاصا
يتمشون مع كلابهم الأليفة حيث يخبرك الجميع أن إخراج الكلاب في نزهة قصيرة بشكل
يومي أمر مهم حيث لا يجب أن تتُرك حبيسة المنزل طوال اليوم..
اعلان عن قط مفقود ومكافأة 50 يورو لمن يجده |
ولا يقتصر الأمر عند هؤلاء الناس على العناية
بحيواناتهم وإنما يتعداه لما هو أبعد.. فكم من مرة صادفني اعلان معلق في الاماكن
العامة أو في وسائل المواصلات يتحدث عن معاناة حيوان ما في بلد ما أو يدعو لوقف
العنف ضد فصيل معين من الحيوانات، وفي إحدى المرات رأيت اعلانات تملأ شوارع المدينة
عن ندوة موضوعها عن الكلاب وكل ما يتعلق بها من معلومات كحيوانات أليفة يقتنيها الإنسان..
اعلان في محطة لقطار الأنفاق يدعو للتبرع لانقاذ الفيلة التي يقتل منها الآلاف سنويا من أجل الحصول على أنيابها |
طبعا بالنسبة لمجتمعاتنا العربية فإن الحديث
عن هذه الأمور التي تتعلق ب "الرفق بالحيوان" يقابل عادة بنوع من
السخرية ..ومن المعتاد أن يسمع المرء عبارات على غرار "أليس الأولى أن نرحم
بعضنا كبشر قبل أن نفكر في الرحمة بالحيوان؟" لكن الذي يغفل عنه الكثيرون هو
أن استهتارنا وتعاملنا بقسوة وظلم مع الحيوان عامل يضاف إلى عوامل أخرى ساهمت في
انتشار القسوة وانعدام الرحمة من قلوب الكثيرين تجاه بني جلدتهم من البشر..
وقد يبدو لنا الأمر فيه نوع من المبالغة
ولسان حال البعض يقول "كفوا عن المبالغة..إنها مجرد حيوانات!" لكن الإنسانية
والشعور بالرحمة حيال مخلوقات الله لا تتوقف حصرا على بني البشر ومن لا يرحم
الحيوان لن يرحم أيضا أخوه الإنسان، ورغم أن دين الإسلام الحنيف يولي هذه النقطة
أهمية بالغة حيث أرسل الله نبيه محمد "رحمة للعالمين" وهو القائل سبحانه
"وما من دآبة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم" أي أن
جميع مخلوقات الارض التي تدب على هذه الارض "أمم" مثلنا.. ولنا في رسول
الله أسوة حسنة وهو الذي تخبرنا سيرته أنه كان رفيقا بالحيوانات وهو الذي قال عليه
الصلاة والسلام أن "في كل ذات كبد رطبة أجر" وأخبر أيضا عن إمرأة دخلت
النار بسبب "هِرة" حبستها فلا هي أطعمتها ولا هي أطلقتها بينما كان جزاء
إمرأة "بغي" الجنة لأنها سقت كلبا بعض الماء..بل ورد عن النبي عليه
الصلاة والسلام أنه لعن من يُمثل بالحيوان ..ومع ذلك أين هي هذه الرحمة تجاه
الحيوان بين المسلمين الذين يدعون أنهم أتباع نبي الرحمة والانسانية؟ ولماذا ينقلب
الأمر عند كثير من هؤلاء إلى سخرية واستخفاف بالأمر حين يكون الحديث عن الرفق
بالحيوان وضرورة معاملة هذه المخلوقات برحمة؟
لا زلت أتذكر المشاهد المؤسفة التي كانت تحصل
عند كل عيد أضحى حين نقوم بشراء الأضاحي ونذهب بها إلى محلات الجزارة وأماكن الذبح
صبيحة يوم العيد، فالجزارون يتعاملون بلامبالاة محزنة في هذه المناسبات حيث يقومون
برص وتكديس الحيوانات جوار بعضها البعض ويتم ذبحها واحدا تلو الآخر بسرعة بينما
بقية الحيوانات واقفة تشاهد ما يحصل حتى يجيء الدور على كل منها! مع أن الفقة الإسلامي
يخبرنا أن من آداب ذبح البهائم إلا تذبح بهيمة أمام أختها، لكن من يُفهم أولئك
القوم غلاظ القلوب الذين لا يهتمون إلا بكم سيجنون جراء ذبح أكبر عدد من الأضاحي في
ذلك اليوم بأن طريقتهم المستعجلة تلك فيها قسوة وتخلو من الرحمة؟ رأيت مرة بأم
عيني شاة صغيرة تجري مذعورة بعد أن قام الجزارين بذبح مجموعة من الخراف الأخرى
أمامها وكانت تدوس في جريها المذعور على جثث الحيوانات التي ذُبحت وكان المشهد محزنا للغاية وما هي إلا ثوان
وأمسك بها أحدهم ليلقيها ارضا ويجهز عليها بدون حتى أن يكبر أو يذكر اسم الله!
و للأسف لا يوجد في مجتمعاتنا
"المسلمة" تربية سلوكية مجتمعية تحض على الرفق بالحيوان وتغرسه في نفوس
الناس منذ الصغر، ولا توجد لدينا أي قوانين لحماية الحيوان أو معاقبة من يسيء
إليه، وكثير منا يتذكر كيف يتسلى كثير من الأطفال بتعذيب الحيوانات كلما أتيحت لهم
الفرصة، وثقافة انتشار تلك "النبال" التي يستخدمها الأطفال والمراهقون لضرب
العصافير والطيور كانت ولا تزال منتشرة.. وربما يجادل البعض بسخرية حين يقرأون هذا
الكلام بأن مجتمعاتنا لا يوجد فيها أصلا قوانين لحماية الانسان، وأعود لأقول أن
هذا يقود إلى ذاك وأن من يعامل الحيوان الضعيف بقسوة ويتلذذ بتعذيبه دون أدنى
تأنيب ضمير لن يعامل أخوه الانسان برحمة فيما بعد.. أخبرتني مرة قريبة لي أن أحد أولاد إخوتها كان في صغره يتسلى بالامساك بالقطط الصغيرة ثم يقوم بفصل عنق القط بيديه
المجردتين وهو يقهقه بسادية بينما الدماء تسيل من جثة الحيوان المسكين!! وأذكر
أنني قلت لقريبتي هذه يومها أن هذا التصرف الوحشي لذلك الولد حيال هذه الحيوانات
ينبىء بمستقبل سايكوباثي إجرامي حين يكبر وبالفعل كان توقعي صحيحا!
نعم نحن بحاجة مآسة إلى قوانين تراعي الإنسان
وتحميه وترفق به حيث ليس لدينا حاليا حتى مثل تلك القوانين التي تراعي "الحيوان" في بلاد الغرب ، لكن هذا ليس حجة تبيح لنا معاملة الحيوان بشراسة وقسوة، فنحن بحاجة
أيضا إلى نتحلى بالرفق والرحمة وأن نقدر قيمة كل حياة خلقها الله على وجه الأرض
ونرفق بها، وأن نغرس هذا الأمر في نفوس أطفالنا ونحثهم عليه، وكما ورد عن نبي
الرحمة عليه الصلاة والسلام "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض
يرحمكم من في السماء"