رشا المقالح
لا يخفى على المتابع ما تمر به اليمن من حرب عبثية ضاعفت من المعاناة التي
يعيشها سكان هذا البلد المنهك أساسا قبل الحرب، حيث كان الفساد
و سوء إدراة الموارد
و تعطيل طاقات الشباب كلها أمور متفشية ومنتشرة . كما لا يخفى أيضا على من يتابع الشأن اليمني أن الأوضاع في
اليمن لا تحظى بالتغطية الإعلامية التي تستحقها، و التي تتناسب مع حجم المعاناة
اليومية للسكان، سواء كانت تلك المعاناة ناتجة عن الصواريخ التي تنهال من السماء،أو
القذائف القادمة من الأرض، أو الحصار الخانق على منافذ البلاد البرية و البحرية و
الجوية أو تدهور البنى التحتية و انعدام الخدمات الأساسية و الارتفاع الجنوني
للأسعار و غيرها الكثير و الكثير.
التجاهل الإعلامي – و خاصة الغربي – لقضية اليمن جعل
اليمنيين يعانون في صمت، لذا عندما سمعت أن المسلسل التلفزيوني الأمريكي الشهير بريزون
بريك ستدور أحداث موسمه الخامس في اليمن كمنطقة حرب، شعرت بالتفاؤل، و قلت في
نفسي ربما قامت صناعة الترفيه بما تقاعست عنه وسائل الإعلام، خاصة و أن مسلسل بريزون
بريك يحضى بشعبية واسعة، فهو من المسلسلات التي تشد انتباهك من أول حلقة، بل و
ربما من أول مشهد. حيث تتوالى فيه الأحداث بشكل متسارع و شيق لا تشعر معه بالملل أبدا.
فكرة المسلسل
نفسها مثيرة للإهتمام و غير تقليدية، فالمسلسل يحكي قصة شاب شديد الذكاء يعيش في
شيكاغو و يدعى "مايكل سكوفيلد" و هو مهندس مدني يقوم باقتحام بنك و
إطلاق النار في الهواء. و هو بسطوه على البنك لم يكن راغبا في سرقة النقود و إنما
فقط في دخول السجن. و مع مرور الأحداث في المسلسل يتضح السبب وراء ذلك، فأخوه
الوحيد لينك بوروز مسجون ظلما في سجن فوكس ريفير الشهير و الذي يمتاز بحماية أمنية مشددة. لينك بوروز متهم بالقتل و قد صدر ضده حكم
بالإعدام، و عندما لم يتبق على تنفيذ حكم الإعدام سوى مدة قصيرة، يقرر سكوفيلد
إنقاذ أخيه من حبل المشنقة، أو بالأصح من كرسي الإعدام حيث أن الإعدام في الولاية التي تقع فيها أحداث المسلسل كان يتم عن طريق الكرسي الكهربائي.
و عن طريق خطة معقدة للغاية، و بسبب معرفته التامة
بمداخل و مخارج السجن كونه شارك في السابق في تصميم مخطط مبنى السجن، ينجح سكوفيلد في إخراج
أخيه من السجن في الحلقة الأخيرة من الموسم الأول من المسلسل. و تتوالى بقية
المواسم بحيث تصبح مهمة سكوفيلد في كل جزء الهروب من سجن جديد، و إيجاد خطة محكمة
للهروب.
في الموسم الخامس من المسلسل نجد أن سكوفيلد محتجز في
سجن في مدينة صنعاء، في ظل الحرب القائمة و الأوضاع الأمنية المنهارة. و لكن للأسف
- و كعادة المسلسلات و الأفلام الأمريكية عند تقديم شعوب و ثقافات أخرى – فقد تم
تناول الحرب الدائرة في اليمن بسطحية شديدة، كما أن الصراع في اليمن تم تقديمه
بشكل بعيد جدا عن الواقع، بالإضافة إلى أخطاء كثيرة فادحة للغاية أفسدت علي متعة
المشاهدة.
أفهم أن يتم التركيز في مسلسل كهذا على "
الأكشن" بشكل أساسي و لكن عندما ينقل أصحاب العمل عملهم إلى بلاد أخرى تصبح
التفاصيل الصغيرة مهمة للغاية حتى يبدو العمل أكثر إقناعا و أقرب للتصديق. تلك
الأخطاء جعلتني أتسائل: لماذا لا يوجد خبراء عرب لتصحيح الأخطاء و جعل القصة أكثر
إحكاما و تقبلا؟
المشاهد الخارجية في المسلسل تم تصويرها في المغرب،
ففي ظل الظروف الراهنة التي تمر بها اليمن يصبح من المستحيل تصوير أي مشهد فيها، و
هذا أمر مفهوم و لم يكن من المتوقع أن يكون التشابه متماثلا للغاية بين مواقع
التصوير و بين اليمن في الواقع، و لكن
الأخطاء التي ارتكبت كانت على درجة عالية من الغباء. و فيما يلي أسرد لكم "بعضا" من تلك
الأخطاء بل و "الشطحات" التي تم تمريرها في المسلسل.
التصوير الساذج
للحرب في اليمن
تصوير الحرب في
اليمن كان تصويرا مسطحا ذا بعدين : صراع بين ما سمي ب" القوات الحكومية"
و قوات "داعش"! فلا ذكر للسعودية، ذلك البلد المجاور الذي يعد طرفا رئيسيا
في الحرب، كما أن الأطراف اليمنية المتصارعة فعليا في اليمن لم يتم الإشارة إليها لا من قريب ولا من بعيد. ربما قال أحدهم لا بأس ليس من
الضرورة أن يكون المسلسل واقعيا سياسيا، صحيح و كنت سأتفق مع ذلك بحكم أن المسلسل
خيالي في الأساس و لكن المشكلة في أن ما تم تقديمه في المسلسل عن اليمن يمثل
بالنسبة لأصحاب العمل ما يحصل فعلا في اليمن!
عندما تابعت تعليق لبطل المسلسل الذي يلعب دور "مايكل سكوفيلد" وهو الممثل الأمريكي وينت ورث ميلر في مقابلة له تحدث فيها عن الجزء الخامس من السلسلة، وجدته يقول: " الفرق بين الموسم الخامس للمسلسل و
المواسم السابقة أن أحداث هذا الموسم تنتمي لعالم اليوم و تدور فيه!"
فعن أي عالم يتحدث بالضبط و أي أحداث يقصد؟
سجن "أوجيجا" في صنعاء و جزيرة "فاييشا" في المكلا!
تم اقتباس فكرة الموسم الخامس لمسلسل بريزن بريك من ملحمة الأوديسة لهوميروس، حيث
قضى أوديسيوس ملك إيثاكا سبع سنوات محتجزا في جزيرة أوجيجا من قبل ملكة الجزيرة كاليبسو،
في الوقت الذي اعتقد فيه أهله في إيثاكا أنه قد مات. لكنه يقرر الهرب من الجزيرة و العودة إلى موطنه
في إيثاكا. و هكذا يمر برحلة طويلة يقطع فيها الصحراء و البحر حتى يصل إلى هدفه، و
كانت رحلة مايكل سكوفيلد في الجزء الخامس
شبيهة برحلة أوديسيوس.
اقتباس فكرة المسلسل من قصة الأوديسة ليس أمرا سيئا بالضرورة و لكن اسقاط
ذلك الاقتباس حتى على الأسماء و الأماكن لم يكن ضروريا! ففي الوقت الذي توجد فيه
مدينة حقيقية في نيويورك تدعى ايثاكا و قد كانت هي الهدف الذي يسعى إليه سكوفيلد
حيث تقيم فيها زوجته و طفله، لا يوجد مكان في اليمن يسمى أوجيجا! و مع ذلك فقد تم تسمية
السجن الذي اُحتجز فيه سكوفيلد في العاصمة صنعاء بسجن أوجيجا، و قد بدت تلك التسمية
في بلد مثل اليمن غريبة و لا معنى لها و منفصلة تماما عن واقع البلد و
ثقافته الفعلية.
لغة عربية ماسخة و لهجة يمنية غائبة
اللغة العربية المستخدمة في المسلسل ركيكة للغاية و
ربما كان ذلك مقبولا من شخصيات المسلسل الرئيسية كونها لا تتقن اللغة العربية أما
أن تكون الشخصيات التي من المفترض أنها عربية "يمنية" غير قادرة أصلا
على التحدث باللهجة اليمنية فضلا عن لغة عربية سليمة فهذا أمر غير مقبول.
فمثلا الممثلة التي لعبت دور الفتاة اليمنية
"سبأ" التي ساعدت لينك بوروز في خطة إخراج أخيه سكوفيلد من السجن
اسرائيلية الجنسية! صحيح أن جدتها لأمها ذات أصول يهودية مغربية و لكن الفتاة لا
تجيد حتى الحد الأدنى من اللغة العربية فضلا عن معرفتها باللهجة اليمنية.
|
الممثلة الإسرائيلية التي قامت بدور الفتاة اليمنية "سبأ" |
ففي أحد المشاهد عندما غضبت سبأ من لينك قالت له عبارة غريبة لا نقولها في اليمن و هي : "سم بدنك"! هذه العبارة ربما كانت أكثر انتشارا في البلاد الخليجية ، و لو كان هناك
الحد الادنى من التدقيق لوجد كاتب السيناريو نفسه أمام مجموعة كبيرة متنوعة من
الشتائم اليمنية بامتياز مثل :جعلك مكسر.... شلو هذي الصورة ...الله يلعنك و غيرها
الكثير، و لم يكن ليجد من بينها عبارة :
سم بدنك!
|
"حلينا ندحل"! |
و في أحد المشاهد عندما أوقفت "سبأ"
السيارة عند الحاجز الفاصل ما بين الجزء
الذي تسيطر عليه جماعة داعش و ما بين الجزء الذي تسيطر عليه القوات الحكومية، طلبت
سبأ من بوروز و سكوفيلد أن يصمتا و أنها هي من ستقوم بالكلام مع الجندي، و عندما
تكلمت لم أتمالك نفسي من الضحك!!!! أرادت أن تقول للجندي: " خلينا ندخل، و
لكنها بدلا من ذلك قالت له: " حلينا ندحل!!" خطأ سخيف كهذا لا يوجد ما
يبرره ، سوى أن يكون المشرف على النصوص العربية في المسلسل طفل عربي لم يتجاوز
الثالثة من العمر.
على كل حال، ربما كان أصدق مشهد في المسلسل هو رشوة الجندي
الواقف على الحاجز. فهذه تعد من الأمور الشائعة جدا في اليمن، و لكن حتى في أداء
هذا المشهد الصادق و الواقعي للغاية حدث خطأ لغوي سخيف آخر، فعندما أعطت الأخت سبأ الرشوة للجندي، و بدلا من أن تقول له : "خذ"، مدت يدها إليه بالنقود قائلة:
"هات"....!
|
"هات" بدلا من "خذ"...! |
قاضي فيدرالي في اليمن!
استطاع لينك بوروز عن طريق أحد المواطنين اليمنيين الوصول
إلى "قاضي فيدرالي" من أجل
إصدار عفو عام عن أخيه سكوفيلد. و إذا غضضنا الطرف عن ركاكة النص في العفو العام و الذي بدا واضحا أنه تم نسخه من مترجم جوجل دون أي تعديل أو تنقيح، و بغض النظر أيضا عن الشعار الذي ختم به العفو العام و الذي لا يمت لليمن بصلة وكذلك مسألة أن الورقة بها توقيع واحد فقط - والذي يبدو أنه توقيع المخرج - وبدون ختم، فإننا لا نستطيع تجاهل حقيقة أن النظام في اليمن غير فيدرالي و بالتالي يصبح وجود قاضي
فيدرالي يمني في المسلسل الأمريكي مجرد مقاربة أمريكية غير موفقة.
|
القاضي الفيدرالي اليمني |
|
ورقة العفو العام |
خطة لقطع التيار الكهربائي في بلاد غارقة في الظلام!
من أكثر الأمور طرافة هي أن خطة سكوفيلد للهروب من
ذلك السجن في اليمن اعتمدت بشكل رئيسي على قطع التيار الكهربائي!! حيث أرسل سكوفيلد مع
طفل صغير رسالة مشفرة ليوصلها إلى أخيه و قد كتب فيها " اعثر على شيخ النور و
سأكون حرا!"..
و عندما قامت سبأ مع لينك و زميل لهم يدعى بنجامين بفك الشفرة اتضح أن شيخ
النور يقصد به ما سمي بـ" مدير الأعمال الكهربائية في صنعاء" أي أن
النور المقصود به في الرسالة هو التيار الكهربائي، و كانت الخطة تعتمد على أن يقوم
هذا الموظف في قطاع الكهرباء بقطع الكهرباء عن العاصمة صنعاء من محطة توليد الكهرباء على أن يعطيهم إشارة قبل
قطع التيار الكهربائي بأربعة و عشرين ساعة و تلك الإشارة عبارة عن ومضتين في شبكة الطاقة
الكهربائية في المدينة.
|
لينك و بنجامين و سبأ في طريقهم إلى شركة الكهرباء |
|
مدير الأعمال الكهربائية "محمد التونس" |
ربما كان
الخيال الأمريكي دائما جامحا ولكنه لم يسعف المؤلفين هنا بأن يتصوروا أن
التيار الكهربائي في صنعاء بل و في اليمن بأكملها منقطع أصلا منذ عدة سنوات حيث يقوم كل مواطن بتوفير الكهرباء لنفسه بنفسه مما يجعل خطة سكوفيلد في الهرب تتوقف على مسألة "قطع" الكهرباء أشبه بالنكتة! فشبكة الكهرباء الرئيسية متوقفة عن العمل . و لو كان القائمون
على العمل قد قاموا ببعض التدقيق و التحري لكانت خطة سكوفيلد في الهروب من السجن ستعتمد
على إعادة التيار الكهربائي و ليس على قطعه!
أما لو سلمنا جدلا أن التيار الكهربائي موجود و
متوافر فإن قطعه في بلد مثل اليمن لا يحتاج إلى مدير في قطاع الكهرباء و إنما
يحتاج إلى أبسط من ذلك، يحتاج إلى "كلفوت"...! و كلفوت هو أي شخص غير متعلم و ليس لديه معرفة فنية بأمور الكهرباء، حيث كل ما يحتاج إليه هي "خبطة" أو قطعة من الحديد يعرف
جيدا أين يرميها ويقوم برميها على الأسلاك الكهربائية الممتدة في الخلاء و هكذا
ينقطع التيار الكهربائي بكل بساطة دون الحاجة إلى مهندس كهرباء أو مشايخ "نور"!
الطريف في الأمر أنه بعد أن قام "مدير الأعمال
الكهربائية" و رفاق سكوفيلد بقطع التيار الكهربائي عن العاصمة صنعاء، تم
تشغيل المولدات الاحتياطية خلال فترة قياسية و هكذا عادت الأضواء إلى المدينة في
لحظات! سيناريو حالم للغاية و لذيذ في حقيقة الأمر ومؤلم في نفس الوقت، فليت الأمور كانت على هذه
الصورة بالفعل!
و ياللمفارقة! ففي الوقت الذي تعاني فيه المستشفيات في اليمن في واقع الأمر من الانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي حتى إنها مهددة بالإغلاق، نشاهد في المسلسل الأمريكي أن سجنا في صنعاء مضاء بالكامل: بدهاليزه و زنزاناته و أقبيته!
|
سجن أوجيجا مضاء ليلا |
|
دهاليز السجن |
محطة قطار في صنعاء!
لم أصدق أذني عندما قال سكوفيلد لأخيه لينك أن عليهم
مغادرة صنعاء شمالا عن طريق القطار! أما عندما رد عليه لينك معترضا على الخطة قائلا أن خطته بغير فائدة و لا معنى
لها، توقعت أنه سيعلل ذلك بقوله : "و
ذلك لأنه لا توجد محطات قطار في اليمن أصلا!" و لكني فوجئت به يقول أن محطات
القطار في شمال صنعاء تسيطر عليها قوات داعش!!!
و الطريف أيضا أنه تم تصوير مشاهد في محطة قطار
بالفعل! فهل كانت محطة القطار في صنعاء جزء من الخيال الأمريكي أم أن السبب
الحقيقي هو أن الخيال الأمريكي لم يستطع أن يتصور أن هناك بلادا بلا محطة قطار؟
|
سكوفيلد و بوروز أمام مدخل محطة القطار المزعومة |
|
قوات داعش التي تسيطر على محطة القطار في شمال صنعاء |
|
قطار يمر بالمحطة |
أيا كانت إجابة ذلك السؤال، فإنني أعترف بإن شعورا جميلا
اجتاحني و أنا أسمعهم يتحدثون عن محطة قطار في صنعاء، و سرحت بخيالي في خط سكة
حديدية ممتد عبر صنعاء، لتربط بين المدن اليمنية المختلفة، ألن يكون ذلك أمرا رائعا؟! فعلا إن الخيال الجامح في المسلسلات يداعب العقول والقلوب ويذهب بها إلى بعيد!
مطار صنعاء الدولي...مفتوح!
عندما فشلت خطة هروب سكوفيلد و رفاقه عن طريق القطار، اتجهوا إلى مطار صنعاء، و
بالطبع كان المطار مفتوحا و الحركة الجوية مستمرة! صالات
المغادرة كانت ممتلئة بالمسافرين، و الجميع يحاول الخروج من اليمن بسبب الحرب و لا
وجود للحصار على الإطلاق. و لكن بسبب حظ سكوفيلد المتعثر لم يتمكن من الهروب عن
طريق الجو فقد داهمت قوات داعش المطار بحثا عنه لذا لجأ إلى طريقة أخرى!
لا توجد أزمة وقود في اليمن!
و هكذا و بعد أن فشلت خطة الهرب عن طريق المطار أيضا مثلما فشلت خطة
القطار، قرر سكوفيلد و رفاقه الهرب من صنعاء عبر طريق صنعاء - المكلا بالسيارة . و
في منتصف الطريق شارف الوقود على النفاد، فما كان من لينك إلا أن قام بإيقاف
السيارة عند أقرب محطة وقود صادفته، بل إنه قام
بملأ خزان سيارته بنفسه تماما كما كان سيفعل لو كان في الولايات المتحدة و
ليس في اليمن التي تعاني منذ عدة سنوات من أزمة حادة خانقة في المشتقات النفطية، يضطر معها الناس لشراء
الوقود إما من السوق السوداء أو الوقوف في طوابير طويلة في محطات الوقود لساعات
عديدة و ربما لأيام. كما أن الناس في اليمن في أحسن الأحوال لا يقومون بملأ خزان
الوقود بأنفسهم حيث أننا لم نستغني بعد عن عامل محطة الوقود ولا توجد لدينا آليات تتيح للناس دفع النقود إلى الآلات مباشرة.
|
لينك بوروز يملأ خزان الوقود بنفسه |
الهروب من اليمن
إلى اليونان.. عبر البحر!
عندما لم يتمكن
سكوفيلد و رفاقه من الخروج من اليمن عن طريق المطار و كذلك عن طريق محطات القطار
المزعومة، ارتفع الإدرينالين عندي إلى أعلى مستوى، فهذا معناه أنهم عالقون في
اليمن تماما كما هو حال أكثر من خمسة و عشرين مليون يمني. محاصرون لا سبيل لهم في
الخروج. لذا انتظرت على أحر من الجمر الطريقة التي سيخرجون بها من اليمن، عل
سكوفيلد يجد طريقة هذه المرة يمكن استخدامها لإخراج خمسة و عشرين مليون شخص من سجن كبير اسمه
اليمن.
و حتى تكتمل الأسطورة الإغريقية، كان لا بد أن يركب سكوفيلد البحر، حيث وصل هو و رفاقه إلى منطقة في المكلا سميت ب "فاييشا" و ذلك حتى تتلائم مع ملحمة الأوديسة. و هناك -لحسن حظهم - وجدوا مهربا يعمل على تهريب البشر من اليمن إلى كريت في اليونان!
طريق طويل مزدحم بالبوارج والسفن الحربية الأمريكية والبريطانية والفرنسية والروسية والإيرانية وربما الموزمبيقية لو كان لدى هؤلاء بوارج حربية! و هو في أحسن الأحوال يمر بكثير من نقاط المراقبة في
البحر الأحمر وصولا إلى قناة السويس، و لكن كل ذلك لم يتم ذكره، بل إن الرحلة استغرقت 12 ساعة فقط! و بالطبع دون أن تستوقفهم دورية واحدة أو يعترضهم أي طاريء.
فإذا أراد اليمنيون الخروج من اليمن فما عليهم إلا أن يجدوا هذا المهرب العبقري، من
يدري ربما وجدوا أنفسهم على سواحل اليونان في فترة لا تتجاوز نصف يوم!
|
المهرب الذي يجب على الشعب اليمني العثور عليه بأي ثمن!! |
و هكذا فإن اليمن حسب التصور الأمريكي – رغم كونها منطقة حرب – فإن أهلها ينعمون
بالكهرباء، و لديهم محطات قطار و الوقود متوافر حتى في المحطات الموجود في المناطق
المقفرة خارج المدن، و حركة الملاحة الجوية لم تنقطع البتة، و لا وجود لأي حصار على مداخل و
مخارج البلاد، و إذا رغب أحد اليمنيين في ترك كل ذلك النعيم و الهروب إلى أوروبا
فكل ما عليه فعله هو ركوب البحر لعدة ساعات فقط!
هل الخيال الأمريكي بهذه السذاجة بحيث أنه غير قادر على تصوير المعاناة
الحقيقية التي يمر بها أي بلد تدور فيه حربا طاحنة؟ من الواضح أن الخيال الأمريكي
الجامح لم يستطع هنا أن يتوقع أن تلك الخدمات - المفروغ منها في بلاد مثل الولايات المتحدة –
يمكن أن تتأثر بالحروب و النزاعات.
و لكن من قال أن إدراك حجم المأساة الحاصلة في اليمن
يحتاج إلى شيء من الخيال؟ على العكس من ذلك تماما، فهو بحاجة إلى شيء من الواقعية و بعض من المصداقية.
الإصرار على تصوير الثقافات و الشعوب الأخرى بطريقة
سطحية في الدراما الأمريكية يكشف الكثير عن المشاهد الأمريكي و عن تقبله دون تساؤل
و اعتراض لما يعرض عن الثقافات الأخرى دون أن يتوقف للحظة ليسأل نفسه هل ما يُعرض عليه صحيح أم لا؟ هذا جائز للغاية و إلا لكان
أصحاب العمل قد بذلوا جهدا أكبر في التدقيق و التحري عند الإقدام على أعمال تتضمن
ثقافات أخرى. و هذا يحدث كثيرا لدى الشعوب التي تشعر بتفوق ثقافتها و قوة انتشارها
لدرجة لا تكلف معها نفسها عناء فهم بقية الثقافات، حتى عندما تقوم بتضمين هذه الثقافات في انتاجها
السينمائي أو التلفزيوني.
و على الرغم من أن المسلسل الأمريكي كان متفائلا بشدة في تصوره للأوضاع الإنسانية التي يعيشها الناس في اليمن من حيث مستوى الخدمات و شكل الدولة، إلا أنه كان متشائما بشدة فيما يتعلق بالمستقبل! حيث يتنبأ لنا المسلسل بسيطرة داعش على صنعاء! و هذا سيناريو مخيف للغاية، خاصة و نحن نتابع أخبار اندحار داعش في العراق و سوريا، فهل تصبح اليمن هي الملاذ الجديد لهؤلاء؟ أم أن هذا هو بالفعل ما تريده أمريكا ومن تدعمهم في المنطقة؟
|
زعيم داعش في اليمن "أبو رمال" |
|
قوات داعش في صنعاء |
و بغض النظر عن السيناريو المتوقع حدوثه فعليا في اليمن و بغض النظر أيضا عن السيناريو الذي تم اعتماده في المسلسل، فإن الموسم الخامس من مسلسل بريزون بريك أثبت بما لا يدع مجالا
للشك أن معاناة اليمنيين اليومية في بلادهم التي أنهكتها الصراعات ومزقتها النزاعات ودمرتها الحرب تُعد عصية على التصديق، و متجاوزة حتى لحدود الخيال الجامح!