Pages

December 27, 2017

...! مريم الشقراء ويوسف الكاوبوي





أنيس الباشا

لا شك بأن أعياد الميلاد هي أهم مناسبة احتفالية في أوروبا حتى بالنسبة لغير المتدينين، وفي الحقيقة فإن مظاهر الاحتفال بهذه المناسبة يطغى عليها الطابع التجاري والاجتماعي أكثر من الديني حيث يقوم الناس بشراء وتبادل الهدايا وتتجمع العائلات والأصدقاء للاحتفال بهذه المناسبة، وبمجرد خروج المرء للشارع يلمس ويرى مظاهر الاحتفال في الشوارع والمراكز التجارية وحتى في البيوت حيث تعلق الزينات والأضواء وأشجار الميلاد المزينة والمزخرفة في كل ركن وفي كل مكان. بالنسبة لنا كمسلمين، فإننا لا نحتفل بهذه المناسبة، وحتى عندما نهنىء أصدقاءنا ومعارفنا بهذه المناسبة فإننا نتمنى لهم "عيد ميلاد سعيد" ويردون هم بتمنياتهم لنا بقضاء "إجازة طيبة". لكن هذا لا يمنعنا من الاستمتاع بتلك الأجواء الحميمية التي تسبق وترافق هذه المناسبة.  


منذ بداية شهر ديسمبر أعلمتنا المدرسة التي يدرس فيها ابننا بأنه سيكون هناك احتفال صغير في المدرسة بمناسبة أعياد الميلاد حيث سيتم عرض مسرحية يمثل فيها أطفال الصف الذي يدرس فيه ابني. وقد قامت مربية الفصل بتوزيع أدوار وحوارات المسرحية على الأطفال. وقد عاد ابني من المدرسة وهو يحمل ورقة كبيرة كُتب عليها الحوار بالكامل وجوار كل فقرة اسم الطفل أو الطفلة الذي سيلقي هذا الجزء من الحوار أو ذاك. كان دور ابننا في تلك المسرحية هو شخصية القديس يوسف النجار وهو – بحسب المعتقدات المسيحية- كان خطيبا للسيدة العذراء مريم. كان ابني متحمسا للغاية للمسرحية ولدوره فيها إلى درجة أنه لم يكتف بحفظ الحوار الخاص بالشخصية التي  سيقوم بأداءها وإنما قام بحفظ الحوارات الخاصة ببقية الشخصيات أيضا!

نصوص الحوار الخاصة بالمسرحية

كان علينا من أجل الاستعداد للدور أن نقوم بشراء زي مناسب لشخصية القديس يوسف، بحثنا في الانترنت ووجدنا أزياء بأسعار مرتفعة قياسا لدور في مسرحية صغيرة لن تتعدى نصف ساعة وجمهورها محصور في آباء وأمهات أطفال الصف، لذلك قررنا أن نتبع الطريقة الألمانية التي تتميز بالعملية والتوفير. أخبرتنا أحد الأمهات الألمانيات أن كل ما علينا فعله هو شراء شوال من الخيش ثم نقوم بعمل فتحات فيه من أجل إدخال الرأس والذراعين وهكذا يصبح الشوال زيا مناسبا للدور! وكما علقت لاحقا أحد الجدات ممن حضروا الحفل : "إن جوزيف كان فقيرا وليس بمقدوره شراء ملابس غالية الثمن"! 

راقت لنا الفكرة فذهبت مع ابني إلى السوق لشراء شوال فارغ، لكن ابني الذي كان يتوقع زيا خاصا أصيب بالدهشة حين رآني أتفحص أحجام الشوالات في أحد محلات مواد البناء لكني شرحت له الأمر وقمت بشراء الشوال الذي كلفني ستة يوروهات وقامت زوجتي بعمل فتحات فيه للرأس والذراعين، وطلبت من ابني تجربته ورغم أنه كان غير مقتنعا تماما بالفكرة ألا أن الشوال البسيط بدا مناسبا للدور. كانت معلمة الصف قد أخبرت الأطفال بأنها ستقوم بتوفير أغطية رأس مناسبة للممثلين. وحين جاء يوم الاحتفال أخذنا الزي "الشوال" وجهزنا طبق من أجل البوفيه المفتوح الذي سيقام هناك وتوجهنا إلى المدرسة.

الشوال الذي بدا مناسبا ليكون زي القديس جوزيف


وهناك رحبت بنا مربية الفصل وأخبرتنا أن نصعد إلى الصف لنرتاح قليلا إلى أن يتم اعداد المكان من أجل المسرحية، وهكذا جلسنا مع بقية الآباء والأمهات بينما بقى الأطفال مع معلمتهم في الدور الأرضي حتى جاءت إحدى المعلمات لتخبرنا أن المسرحية سوف تُعرض الآن فنزلنا جميعا واتخذنا أماكننا والجميع متحمس لرؤية أداء الأطفال. وعندما بدأ العرض لم يسعنا إلا أن نشعر بالإعجاب للطريقة التي قام بها الأطفال بأداء ادوارهم. كان العرض جميلا بكل أجزائه، المقدمة الموسيقية التي سبقت المسرحية، الشخصيات، الحوارات، ورغم أنها المرة الأولى لطلاب هذا الصف التي يؤدون فيها مسرحية أمام الجمهور ألا أنه لم يكن هناك أخطاء وقد قدموا العرض المسرحي بطريقة جميلة وعفوية استحقوا عليها ذلك التصفيق الكبير الذي قوبلوا به عند الانتهاء.


كان المشهد الخاص بابني عبارة عن حوار ثنائي بين "يوسف" و "مريم" يخبرها فيه جوزيف بأن الله سيكون معهم ولن يتخلى عنهم، والطريف أن ابني أثناء تمثيله للدور كان يختلس النظرات باتجاه أمه التي تشاهده! لكن ما لفت انتباهنا هو أن غطاء الرأس الخاص بيوسف والذي أعطته المعلمة لابني كان عبارة عن قبعة غربية على طراز قبعات رعاة البقر الأمريكيون وهو ما تناقض بشدة مع شوال الخيش الذي كان يرتديه، وفي الحقيقة كان بقية الأولاد أيضا يرتدون قبعات عصرية بينما الملابس والأدوار التي يؤدونها تعود لحقب قديمة وهو الأمر الذي ذكرنا بطريقة الغربيين المتحيزة والمخطئة في نفس الوقت في تصوير عيسى عليه السلام كشخص أوروبي أبيض البشرة له شعر أشقر وعيون زرقاء و أمه أيضا السيدة مريم بشعر أشقر وعيون زرقاء!  





كان الأطفال سعداء للغاية حين انتهى العرض وبدا أنه راق للحضور، صعدنا بعدها مجددا لغرفة الصف وبدأنا في الأكل وتجاذب أطراف الحديث مع بقية الآباء والأمهات بينما انهمك الأطفال في اللعب والمرح، بعد انتهاء الأكل قام الجميع بترديد بعض الأغاني المشهورة الخاصة بهذه الاحتفالات، وقد قامت مربية الفصل بتوزيع كتيبات صغيرة بها كلمات الأغاني حتى يتمكن الجميع من الغناء، وقد سألت الأب الجالس بجواري ما اذا كان يحفظ هذه الاغاني عن ظهر قلب ألا أنه أخبرني أنه هو الآخر يقرأ من الكتيب لأنه لا يحفظ معظمها.


أطباق مختلفة قام الأهل بإعدادها من أجل الاحتفال


بشكل عام كان الاحتفال بسيطا وجميلا في نفس الوقت كما أن المسرحية التي أداها الأطفال أضافت لمسة أخرى جميلة للأمسية حيث كان أداء الأطفال عفويا ومنسجما، وقد احتفظنا ب "الزي" الذي ارتداه ابني عند أدائه للدور لكن بدون تلك القبعة العصرية بالطبع التي صحيح أنها لم تنسجم مع الملابس الرثة لشخصية القديس يوسف وإن كانت لم تقلل من جمال وبساطة المسرحية في نفس الوقت. 

No comments:

Post a Comment