رشـا المقالح
أنت "الشمالي
الدحباشي"... المواطن المسكين المطحون....لمجرد أن سيارتك تحمل الرقم واحد،
أو لمجرد أنك ترتدي "زنة" أو "جمبية" أو لمجرد أنك تضيف حرف
الشين لكلماتك بدلا من حرف الكاف، و أنك
تنطق الجيم الثقيلة و لا تقلقل القاف مثلا....فإنك تصبح رمزا من رموز الفساد
بالنسبة لأهالي عدن الكرام. هكذا ببساطة! و الدليل "قالوله" كما يقول
الزعيم – عادل إمام و ليس عفاش حتى لا نتهم "بالتعفيش" – في مسرحيته
الخالدة "شاهد ما شافش حاجة"!
في السابق و قبل أن تدمر هذه الحرب
اللعينة ما تبقى من التناغم الاجتماعي المهتريء أصلا، فإنك إذا زرت عدن بسيارة
تحمل الرقم واحد تستطيع بسهولة أن تستشعر العداء و التوتر في نظرات الأهالي
المتحفزة، و ترى بوضوح أنهم قد نصبوا لك على الفور محاكمة وهمية في رؤسهم! و دون منحك أي فرصة للدفاع عن نفسك تجدهم قد
اصدروا حكما عليك..."مذنب...مذنب...مذنب"!
فنحن بالنسبة لهم مجرد "شماليين
دحباشيين" مسئولين عن كل الإحباط و التدهور الذي يعانون منه. اذا كنت جنوبيا
فربما ستقول لي : "نعم هذا صحيح أنتم دحابشة و انتم المسئولين عن كل
مشاكلنا" ! أما لو كنت شماليا فربما تتساءل : "و لكن عدن ليست وحدها
المدينة اليمنية التي تعاني من الإحباط و التدهور؟! اليمن بأكملها تعاني من
الإحباط و التدهور"! سأقول لك أن ذلك لا يهم! لأن أهالي عدن الكرام لا يرون
سوى أنفسهم و مشاكلهم و احباطاتهم...و هناك شعور قوي "بالانفصال" في
داخلهم...و لا أقصد هنا الانفصال عن "الوحدة اليمنية" التي لم تعد أكبر
همومنا في الوقت الحاضر، و إنما أقصد انفصالهم عن محيطهم الطبيعي ، و عن إجادتهم
المدهشة للعب دور الضحية بمهارة و اقتدار يحسدون عليهما.
هكذا كانت النغمة السابقة المفضلة
لدى أهالي عدن الكرام...نغمة "الدحابشة"...و الآن صارت لديهم نغمة أخرى
جديدة.."الحوافيش و العفافيش"! هم هكذا "أصحاب عدن"...مولعون
بالنغمات و الإسطوانات المشروخة للإسف.
أتذكر في إحدى المرات قبل عدة
سنوات عندما تمكنا و بعد الكثير من التخطيط و التوفير و التفكير و التدبير و تقليص
بعض النفقات و الاستغناء عن بعض الاحتياجات ، تمكنا من توفير مبلغ من المال يمكننا
من قضاء إجازة متواضعة في مدينة عدن. انطلقنا و الحماس يملؤنا، فهاقد حانت لحظة
قطف الثمرة التي سعينا جاهدين للوصول إليها. و ما إن وصلنا إلى مدينة عدن حتى
تنفسنا الصعداء و شعرنا أن الحلم أصبح حقيقة و هانحن الآن نستنشق هواءها الساحر.
و لما كان الوقود في خزان سيارتنا
مشارفا على النفاد اضطررنا للوقوف في إحدى المحطات للتزود به. قام عامل المحطة
بملأ الخزان، و عندما فرغ من عمله لاحظنا أن المؤشر لم يتحرك. فسألناه بكل أدب أن
المؤشر لم يتحرك فهل هذا طبيعي؟ فوجئنا به يرسم "تكشيرة" مرعبة على وجهه
و يقول:" انتم أصحاب صنعاء تحبوا المشاكل!"
تلفتنا حولنا لنتأكد من أنه يتحدث
إلينا نحن و ليس لغيرنا، فلم نجد أحدا سوانا! فنحن أولا لسنا "أصحاب
صنعاء" لأننا أصلا من محافظة إب، ثانيا: لم نقل شيئا يستدعي ردة الفعل تلك و
لم نفهم لماذا اتخذ عامل المحطة ذلك الموقف الهجومي أمام تساؤلنا المؤدب و العابر!
ثم تذكرنا أن لوحة سيارتنا تحمل
الرقم واحد و هذا يجعلنا بالنسبة لعامل المحطة ذاك و ربما لقطاع كبير من أهالي عدن
الكرام من "أصحاب صنعاء"...أي أننا - على ما يبدو- ننتمي إلى "شلة الفاسدين"، و أننا
السبب في خراب البلاد، و أننا المسئولين بشكل أو بآخر عن الوحدة و نتائجها و أن كل
مشاكل عدن هي من "تحت راسنا" نحن....!
ليس مهما بالنسبة لصديقنا العدني
عامل المحطة أننا لسنا من صنعاء (و كأن الانتماء لصنعاء جريمة!) و أن مسقط رأسنا
ليس صنعاء و أننا لم نكبر و لم نترعرع في صنعاء، و ليس مهما بالنسبة له أننا
"شاقيين نطلب الله" في صنعاء و أننا نعاني في صنعاء من شلة الفساد التي
يعاني منها هو في عدن و أن حياتنا صعبة بما فيه الكفاية، كل ذلك ليس مهمابالنسبة
إليه... يكفيه أن سيارتنا تحمل الرقم واحد و هذا يجعله يصدر حكمه علينا و هو
مستريح الضمير هانيء البال! سطحية في التفكير و الحكم على الآخرين كنت أتمنى لو
كانت خاصة بذلك العامل و لكن الأحداث أثبتت انها تشمل شريحة واسعة من أهالي عدن الكرام.
و إلى جانب ولع أهالي عدن الكرام
بتمثيل دور الضحية طوال الوقت و إلى جانب ولعهم بالتعابير المناطقية و بالمحاكمات
الوهمية السطحية، فهم أيضا مولعون بالاحتلال الأجنبي...! إنه هوية و هواية بالنسبة
إليهم...يحبون الاحتلال البريطاني و يتحسرون عليه...يطردون "الاحتلال الحوثي
العفاشي " ليستبدلوه بالاحتلال الإماراتي السعودي...! و يشعرون بعدها بالرضا
عن النفس بل إني سمعت بعضهم يدعوا للإمارات بالخير و التقدم و الإزدهار!
طبعا ليس بوسعنا تعميم كل ما سبق
على جميع أهالي عدن الكرام فهناك استثناءات بالتأكيد... هناك أصوات عاقلة خالية من
المناطقية و تسطيح الأمور و لكنها غير مؤثرة و قليلة للأسف...على غرار ((إلا ما
رحم ربي و قليل ما هم)) ....!
فعلى سبيل المثال لدي صديقة عدنية
تعيش في صنعاء، قالت لي :" هناك خصلة لا أحبها في أهالي عدن فكل ما حصل شيء
طالبوا بإخراج الدحابشة من عدن و هذا عيب كبير!
نحن نعيش في صنعاء و لم نسمع أحد يطالب بإخراجنا منها و إعادتنا إلى
عدن"...!
كما ان هناك بالتأكيد جهات سياسية
قذرة تصب الزيت على النار، و تحاول دائما الصيد في الماء العكر بين أبناء البلد
الواحد ...عفوا...أقصد بين أبناء الشمال و الجنوب حتى لا "يزعل" احد و
يعتقد أننا وحدويون لا سمح الله و العياذ بالله.
و في الأخير و مهما كنا في نظر
أهالي عدن الكرام "دحابشة"... أو "حوافيش"... أو "عفافيش" ...ستظل التسمية الوحيدة
التي سنسميهم بها هي "أهالي عدن الكرام"...و السلام ختام