Pages

March 29, 2016

....كل عام و نحن معاً

رشـا المقالح

ها قد حلت الذكرى يا رفيق عمري  و ها نحن نكبر و تكبر الآلام معنا، و تكبر الأحلام....و تكبر الدروس يوما بعد يوم، و تكبر معها الأسئلة....و لكننا هذه المرة ربما صرنا أقل حيرة، كيف لا و قد تعلمنا معاً أن نبحث عن الأجوبة في ثنايا الأسئلة، و تعلمنا أننا في بعض الأحيان يجدر بنا ألا نبالغ في النظر، فكلما فتحنا أعيننا بأقصى درجة ممكنة أصبحنا غير قادرين على الرؤية جيدا.... تعلمنا معاً كيف نقف على عتبة الحاضر، مستشرفين المستقبل و مبتسمين للماضي...فلا أمل يرجى حين يكون الأمس أقرب إلينا من الغد...

تعلمنا كيف نتناغم مع عالمين متناقضين تماما..عالم يحيط بنا و آخر يضطرب في دواخلنا... و في هذه الرحلة المستمرة لاكتشاف ذواتنا، فوجئنا بأننا نكتشف الآخرين أيضا...فتعلمنا أن نرد على الابتسامة بابتسامة مماثلة، و على الوجه الجامد بابتسامة أكبر! لم لا و نحن قد تعلمنا ألا نتسرع في الحكم؟! فالوجه الجامد ربما كان دليل خجل و ارتباك ليس أكثر... التقينا بأكثر الناس حبا و نقاء و صفاء، و مررنا أيضا بأناس لم يسعفهم أيمانهم بالله حين كفروا بالإنسانية....و فهمنا تماما أن ما بيننا و بين الله، يبقى بيننا و بين الله...
و عرفنا أننا نحتاج بشدة لإيماننا ببعضنا البعض...و أن الإنسان حين يكفر بأخيه الإنسان ،تصبح الحياة ضربا من الجنون.

 قرأنا الكثير من الكتب سويا يا رفيق عمري، و شعرنا بأننا نتورط أكثر مع كل كتاب نقرأه... إن المعرفة تؤرق صاحبها، و التخلص منها مستحيل، فهل بالإمكان أن نستعيد سذاجتنا و ضحالتنا حتى لو مزقنا كل صفحات الكتب التي قرأناها؟!

هانحن اليوم يا رفيق العمر نقف مذهولين أمام وحشية هذا العالم.... نبكي غربتنا في صمت...و نبكي وطننا في حرقة و نحن نرى الأوغاد يحولون كل ما هو جميل إلى قبيح، و كل ماهو قبيح إلى أقبح....هاقد انتزعت جذورنا من تربتها لكن لا زلنا نمسك بها بأيدينا، واقفين على أرض جرداء....

لكننا نقف معاً....

كل عام و نحن معاً...
27 مارس 2015


March 28, 2016

لماذا لا يشعر المواطن اليمني بالملل؟


رشـا المقالح




يقوم المواطن اليمني بـ "ملاحقة الشمس" من لحظة الشروق إلى لحظة الغروب لتوليد الكهرباء "بالطاقة الشمسية" في مشهد يذكرنا  بعدنان و لينا و بالتقدم التكنولوجي الذي وصل إليه سكان القلعة و استماتة "علام" في الحصول على الطاقة الشمسية من أجل استمرار الحياة....و هذا ما يفعله اليمني بالضبط. و بينما يشعر  المواطن اليمني بالتقدير العميق لكل فولت و كل أمبير يستطيع الحصول عليه بشق الأنفس، تجد المواطن الألماني  قد فقد احساسه بقيمة الكهرباء و لم يعد يشعر بأي تقدير و احترام تجاهها، و هذه نتيجة طبيعية لتواجد الكهرباء طوال الوقت بلا حساب و لا تعب و ما عليه إلا أن يضغط زر الإنارة فيضاء المكان، و بضغطة زر يقوم بتشغيل التلفزيون، و الفرن و الغسالة و الخلاطة ، و آلة صنع القهوة و غيرها، بسهولة جدا و بلا أدنى تفكير في هذا التيار الكهربائي المقدس الذي يسري في عروق الأجهزة الكهربائية و يمنحها الحياة.
و اذا أراد المواطن اليمني الذهاب إلى عمله – في حالة أنه لا زال محتفظا بعمله أصلا – فإنه يبدأ قصة كفاح جديدة من أجل تحقيق هذا الهدف النبيل، فيجب أن تكون سيارته – اذا كان لا يزال محتفظا بسيارته و لم يضطر لبيعها - ممتلئة بالوقود، و في حالة فراغها من الوقود فيجب عليه أن "يسارب" ساعات أو أيام في المحطات التي يوجد فيها وقود، أما إذا أراد أن يوفر كل ذلك الوقت و الشقاء و أن يعمل بمبدأ "تعب جيبي و لا تعب قلبي" فما عليه إلا التوجه إلى السوق السوداء و شراء الوقود بأسعار خيالية، كل ذلك ليحصل على بضعة لترات من وقود مغشوش اساسا. أما المواطن الألماني فلديه بدل الوسيلة الواحدة ألف وسيلة للذهاب إلى مكان عمله، فيستطيع الذهاب بسيارته الممتلئة دائما بالوقود، و حتى اذا فرغ الخزان بإمكانه الوقوف بأي محطة و إعادة ملأ خزان سيارته بدون أن يستشعر بالنعمة التي تنتشر في أوردة المحرك. و إذا كان مكان عمله قريبا بعض الشيء من محل إقامته فما عليه إلا أن يستخدم دراجته الهوائية و يقودها بسلام و أمان في الخط المخصص لراكبي الدراجات، أما إذا أراد ركوب الباص – أو الترام أو القطار أو قطار الأنفاق -  فيجب عليه أن يمشي بعض الشيء حتى يصل إلى أقرب موقف باص إلى سكنه و يقرأ لافتة مواعيد الباص، و بعدها سيقف بكل "سماجة"  حتى يصل الباص في موعده ، و سيتأفف صديقنا الالماني إذا وصل الباص متأخرا دقيقتين أو ثلاثة عن موعده الأصلي. و عندما يصعد إلى الباص سيستقبله السائق بابتسامة عريضة و سيجلس على كرسي مريح و في هدوء تام فكل راكب في الباص يجلس بهدوء أيضا أو كما قال سمير غانم:  "أنا قلت في حد مات" ! 




أما المواطن اليمني إذا قرر ركوب المواصلات العامة فهو يتفوق على نظيره الألماني بأنه يمكنه الوقوف في أي مكان في الشارع منتظرا مرور الباص، و عندما يقترب الباص يجب عليه أن يقفز و أن يلوح بيديه و رجليه لكي يراه صاحب الباص و يتوقف من اجله.. وهذا شيء جيد كما ترى من أجل تحريك الدورة الدموية في الجسم! و عندما يصعد المواطن اليمني إلى الباص "المهكع" سيستقبله صاحب الباص بتكشيرة تنذر بالشر و ب "صميل" عريض موضوع عند قدميه لاستخدامه في حالة الضرورة، و عندما يجلس المواطن اليمني على مقعد ذا قماش ممزق ، فإنه - و على عكس نظيره الألماني الذي يشعر بالملل أثناء جلوسه في الباص- فإن المواطن اليمني لا يجد لحظة واحدة للشعور بالملل فهناك صوت الراديو المرتفع أو جهاز التسجيل الذي يبث الأغاني المفضلة لدى سائق الباص و بصوت عال، هذا بالإضافة إلى "الملاعنة و المشاتمة" بين الركاب أنفسهم و بين الركاب و "المحاسب" بسبب و بدون سبب....و هذه الضجة – كما ترى - صحية جدا، لأنها تحمي المواطن اليمني من لحظات الهدوء الضرورية للتفكير و التأمل اللذان يقودان إلى إدراك فداحة وضعه و  كم أن حياته تعيسة و ينقصها الكثير و ربما كان ذلك أحد أسباب الصمود الأسطوري للمواطن اليمني الغلبان.


في ألمانيا ترى المساحات الخضراء منتشرة في كل مكان و الحدائق العامة، و الغابات التي تتخلل المدينة، و لكن هذا ليس دائما شيئا مبهجا! فالمواطن الألماني فقد أحساسه بوجود الأشجار و جمال اللون الأخضر و صار هذا منظرا مملا، فهو يراه كل يوم بل و يتذمر في بعض الأحيان من جيرانه الذين ينتقدونه لعدم تهذيبه حديقة منزله بالشكل المطلوب! أما المواطن اليمني فهو يفتقد بشدة اللون الأخضر، و إذا فكر في الخروج في نزهة مع عائلته فإنه سيخيم عند أول بقعة عشبية أو شجرة يصادفها في طريقه المتصحر دائما. 



حتى قيادة السيارات في ألمانيا مملة للغاية. فمعظمهم هنا إن لم يكن جميعهم ملتزمون بقواعد و آداب المرور، المشاة و سائقوا السيارات و الدراجات. كما أن الإشارات منتشرة في كل مكان بحيث من المستحيل ألا تعرف ما الذي يجب عليك فعله بالضبط! و لن تحتاج أبدا لأن تخرج رأسك و تشتم السائق الذي خرج بسيارته من الطريق الجانبي بشكل مسرع و فجائي ليضطرك لكبح فرامل سيارتك بقوة لدرجة أن رائحة المطاط المحترق في إطارات سيارتك سيتصاعد و ينتشر في المكان. هذا لا يحدث هنا عادة و هو أمر مثير للملل، حتى أن أحد الألمان أخبرنا بأنه لا يستمتع بقيادة سيارته هنا لأن – حسب تعبيره- "التواصل مفقود تماما بين سائقي السيارات"! أما في اليمن فالتواصل بين السائقين يصل إلى مرحلة عالية حيث تشتبك فيها الأيدي والأرجل و تتخللها أحاديث "حميمية" تتعلق بالأب والأم والأصل والفصل. قيادة السيارات في اليمن تحدي و إثارة و مغامرة محفوفة بالمخاطر المتنوعة ابتداء من الشوارع الممتلئة بالحفر و المطبات المقصودة و غير المقصودة، و مرورا بسائقي السيارات المتهورين و المستهترين بأرواحهم و أرواح الآخرين، و انتهاء برجال المرور المتربصين و الباحثين عن "حق القات".





المواطن الألماني كل التزاماته و ارتباطاته العائلية و الاجتماعية مكتوبة في "الكالندر" ربما لشهرين قادمين، فإذا أردت أن تدعوه للعشاء مثلا  فيجب عليه أن يعود إلى جدول مواعيده و التزاماته و ربما يخبرك أنه غير قادر على تناول العشاء معك إلا بعد أربعة أو خمسة أسابيع! و هذا ممل للغاية ، أما المواطن اليمني الذي يعد أكثر حظا من نظيره الألماني، فهو يتمتع بحياة اجتماعية عفوية و مبهجة، فإذا أراد تناول الغداء مع أحد أصدقاءه أو معارفه فما عليه إلا أن يلتقي به صدفة في الشارع و أن يحلف عليه يمين مغلظة أن يصحبه إلى بيته و يتناول معه طعام الغداء و "ارحب على الحاصل" و "ما كفى واحد كفى اثنين" ....بلا تعقيدات و لا جداول و لا مواعيد.


و هكذا فإن حياة المواطن الألماني مملة، و خالية من المفاجآت و تسير على وتيرة واحدة بحيث يمكنك أن تتنبأ بما يمكن أن يحدث له بعد عام أو عامين أو حتى عشرة، أما المواطن اليمني فهو يعيش حياة مثيرة للغاية و يواجه كل يوم مصيبة مختلفة حتى أنك لا يمكنك أن تتنبأ بما سيحدث له بعد خمس دقائق فقط،  لذا فالمواطن اليمني لا يعاني من الملل أبدا. فهناك الكثير من المفاجآت بانتظاره دائما إما على هيئة قصف طيران أو مدفعية أو اشتباكات مسلحة أو تفجيرات انتحارية و هذا من الناحية العسكرية و الحربية، أما من الناحية المعيشية فالمواطن اليمني مشغول من قمة رأسه حتى أصبع رجله الصغير، فحاله يختلف عن حال المواطن الألماني "المدلل" الكسول الذي لا يبذل أدنى جهد من أجل الحصول على الماء و الكهرباء و الوقود و غيرها من مستلزمات الحياة، أما من الناحية الاجتماعية فالمواطن اليمني لا يجد وقتا يختلي فيه بنفسه فهناك مجالس القات و حفلات الأعراس و جلسات العزاء و غيرها من الزيارات العائلية و اللقاءات العفوية "على الحاصل" . و لهذا يجب على المواطن الألماني أن يشعر بالغيرة تجاه نظيره اليمني، الذي لا يعاني من الملل أبدا، فالملل هو شعور ينتاب المترفين و المرفهين، و المواطن اليمني يعيش حياة مليئة بالكفاح و الشقاء الممزوجين بالإثارة و المفاجآت و هذه هي الخلطة السحرية للقضاء على الملل، فما الداع لمكافحة رتابة الحياة عندما لا تكون هناك رتابة و لا حياة؟!

March 23, 2016

بلاد العجائب على الطريقة الألمانية



رشـا المقالح










بلاد العجائب المصغرة ...من أكثر الأماكن السياحية شهرة في هامبورج ، ما إن تدخلها حتى يمكنك أن تتخيل ما شعرت به "أليس في بلاد العجائب"!









بلاد العجائب في هامبورج هي في الأساس عبارة عن نموذج مصغر للسكك الحديدية يبلغ طوله 15,400 متر، و تحتوي المدينة على عدة أقسام منها: ألمانيا، النمسا، اسكندنافيا، أمريكا، سويسرا، مدينة هامبورج، مطار كنوفينجن و هو من أقدم المطارات في العالم.















عندما تتجول في بلاد العجائب فإن أكثر ما سيبهرك هو العناية الفائقة بالتفاصيل! محاكاة قريبة جدا من الواقع، فمثلا تجد حركة المرور مشابهة جدا لما نراه في الحقيقة ، حيث تجد السيارات تتوقف من  تلقاء نفسها عندما تكون الإشارة حمراء و تنطلق عندما تصبح الإشارة خضراء اللون و كأن هناك من يقودها بالفعل. هناك أيضا حوادث سير، و سيارات إسعاف و سيارات إطفاء تنطلق عند الضرورة. هناك آلالاف النماذج المصغرة لأشخاص يمارسون الحياة اليومية بدقة مبهرة، حتى تعاقب الليل و النهار يمكنك مشاهدته  أثناء تجوالك ، فكل ذلك يتم التحكم به بواسطة شبكة عملاقة من الكمبيوترات و عن طريق مجموعة من المهندسين المتخصصين.





















و عندما تنتقل إلى قسم "أمريكا" ستجد في الصحراء أشخاصا مهووسين بمراقبة الأطباق الطائرم، و مخلوقات فضائية خضراء اللون في إشارة للصورة النمطية لمخلوقات الفضاء في الأفلام الأمريكية. 












 و عند دخولك إلى القسم الإسكندنافي ستجد محاكاة مبهرة للثلوج و النشاطات المرتبطة بها، و ستجد السفن تبحر في مياه حقيقية في صورة غاية في الإتقان. ستشعر بإنك عملاق يقف في ميناء حقيقي صغير للغاية.











هناك لوحة إلكترونية عند مدخل المدينة تظهر أعداد الزائرين للمدينة من مختلف دول العالم ، وجدنا عدد الزوار من اليمن 55 زائرا فقط. نتمنى أن يرتفع العدد في المستقبل و يتمكن اليمنيون من التنقل بحرية في مختلف أنحاء العالم.






March 19, 2016

تعددت الأنواع... و الإرتزاق واحد


أنيس الباشا 


صحيح أن هدف المرتزقة دائما واحد وهو المال.. لكنهم في سبيل الحصول عليه ينقسمون إلى أنواع عديدة، ونحن هنا نتكلم بالطبع عن المرتزقة المثقفون أو المحسوبون هكذا.. مرتزقة الكلمة والقلم.. أما مرتزقة السلاح فهؤلاء أمرهم بسيط ومعروف ولا يحتاج لشرح أو تفصيل ويمكن لمن يبحث عن خدماتهم أن يتواصل معهم بشكل مباشر أو عبر وسطاء أو حتى عبر شركات عملاقة متخصصة لهذا الغرض مثل بلاك ووتر وغيرها!

مرتزق الكلمة هو شخص قد يتبوأ مناصب عالية وقد تسلط عليه الأضواء وقد يتمتع بملكات أدبية أو فنية أو حتى علمية، فقد يكون أستاذا في جامعة أو كاتبا بارعا أو سياسيا مفوها أو مذيعا لامعا، لكنه في النهاية مرتزق يقدم خدماته لمن يدفع أكثر وهو في هذا لا يختلف عن الصورة النمطية التي نعرفها أو نتخيلها للمرتزق الفظ الخشن الذي يعلق المسدسات والمدافع في حزامه والسكاكين في جواربه وتلتمع عيناه في وحشية لمرأى الدم!  بل ربما كان مرتزق المدفع هذا أكثر احتراما لذاته من مرتزق الفكر و الكلمة الذي يسعى طوال الوقت للتأثير في الآخرين وإقناعهم بحسن نواياه وأنه لا يقول ما يقول ولا يفعل ما يفعل من أجل مصالحه المادية والذاتية البحتة أو رغبته في الظهور والشهرة!!

في فيما يلي شرح بسيط لبعض أنواع مرتزقة الكلمة..

1- المرتزق المتعصب
هذا النوع لا يرتزق إلا للجهة التي يتعصب لها بمعنى أن جهة الارتزاق مهمة جدا بالنسبة له و لا بد أن تتوافق مع "مبادئه" و أرائه..! و في حالات كثيرة فأن هذا المرتزق  يخفي إلى جانب رغبته في الإرتزاق دوافع شخصية بحتة ضد شخص ما أو جهة ما أو حتى فكر معين..فقد يحمل في أعماقه حقدا أو كرها تجاه شخص معين أو فئة أو جماعة ما.. وحين تأتيه الفرصة لا يتردد في تسليط قلمه ولسانه ضد تلك الفئة أو الشخص أو الفكر، وهو بفعلته تلك يحقق غرضين.. أولهما إشباع عقدة داخلية لديه تتمثل في كراهية وحقد دفينين يعبر عنهما بكلامه وكلماته.. بمناسبة وبدون مناسبة، والغرض الثاني هو الحصول على مقابل جراء الهجوم الذي يشنه ضد تلك الجهة لصالح خصومها! وأحيانا يكون إشباع التعصب الشخصي لدى هذا النوع من المرتزقة مقدم على المنفعة المادية التي قد يجنيها! والعلاقة هنا طردية تناسبية فكلما زاد كرهه وتعصبه تجاه مجموعة ما زادت رغبته في مهاجمتها وفاقت في نفس الوقت رغبته في الحصول على مقابل مادي لما يفعله والعكس صحيح!

2- المرتزق الحرباء:
رغم سهولة رصده إلا أنه قد يخدع الكثيرين حيث يلعب عادة على عامل بشري مهم وهو ضعف الذاكرة الإنسانية.. هذا المرتزق لا يجد غضاضة في تغيير مواقفه ومبادئه من النقيض للنقيض ويميل حيث مالت الريح وحيث تتحقق له منفعته ومصلحته المباشرة وبدون أن يبذل أدنى جهد في التغطية على ما يفعله! فقد يكون اشتراكيا متعصبا يمدح الاشتراكية ويمجدها ويكتب قصائد ومرثيات فيها وفي ورموزها ثم ينقلب بين عشية وضحاها ليصبح رأسماليا بحتا يلعن ويشتم كل ما هو اشتراكي..! ورهانه دائما أن الناس تنسى ولن تتذكر ما كان
عليه بالأمس وما أصبح عليه اليوم!
هذا النوع هو أرخص أنواع المرتزقة ولأنه يدرك هذه الحقيقة فهو يسعى بشتى الطرق لإظهار تفانيه وإخلاصه لمن يدفع له حتى يتمكن من رفع سعره..ويمكنك حينها أن تميزه بسهولة.. فإذا رأيته على شاشة التلفزيون ستلاحظ أنه الطرف صاحب الصوت الأعلى والأكثر ضجيجا وصراخا وشتما واستخداما ليديه وربما رجليه أيضا!..وحين يكتب يستخدم أيضا لغة صاخبة ملئية بالسباب والشتائم، وكلها محاولات منه لتغطية ماضيه وإظهار تفانيه وفي نفس الوقت نيل رضا مستأجريه..

3- المرتزق الكامن:
وهو يشبه الجاسوس النائم في عالم المخابرات، فمن المتعارف عليه في عالم الجاسوسية أن يسعى جهاز مخابرات إحدى الدول إلى زرع عميل أو جاسوس له في مجتمع ما.. ولمدة سنوات طويلة لا يقوم هذا الجاسوس بأي مهمة حتى لا يثير حوله الشبهات – لذا اصطلح على تسميته بالجاسوس النائم- ثم بعد مدة وحين تأتي اللحظة المناسبة يتم "إيقاظه" ليؤدي مهامه بعد أن يكون قد زرع نفسه جيدا في المجتمع المحيط به واكتسب ثقة من حوله..
المرتزق "الكامن" يشبه إلى حد ما الجاسوس النائم..فهو يظل كامنا لمدة..مراقبا ومتفرجا أو حتى مشاركا وأحيانا قد يُظهر انتماؤه لجهة ما أو لحزب ما لكنه لا يقوم بأي خطوات انفعالية أو حماسية بل يمضي في حياته بهدوء وصبر ويترك الناس يعتقدون فيه ما يريدون ثم وحين تأتي اللحظة...هوب! فجأة يخلع القناع الذي عرفه الناس به ويظهر انتمائه الحقيقي ويبدأ في تقديم خدماته وفكره وقلمه لمن يدفع أكثر..وعادة ما يكون الأمر بمثابة الصدمة للناس..وربما ترددت حينها عبارات على غرار "فلان...؟؟ كنا نظن أنه من أخلص رجال الفكر الفلاني أو الحزب العلاني!"

4- المرتزق الطموح
وهو شخص يقدم خدماته مقابل المال وقد يجني الكثير من بيع قلمه لكنه في نفس الوقت يعاني من رغبة شديدة في الظهور والنجاح و حب الأضواء والشهرة، لذا يقوم بالإستعانة بكل ما لديه من ملكات ومواهب في سبيل تحقيق هذا الأمر أيضا – إلى جانب الارتزاق- أي أنه يسعى أيضا لأن يصبح شخصية مشهورة يشار لها بالبنان ويثار حولها الجدل ويكون لها معجبيها ومريديها...
طريقة الارتزاق التي يتبعها هذا النوع تتعبه كثيرا لأنه يحاول دائما التوفيق بين شيئين..بين العمل كمرتزق لشخص ما أو جهة ما وبين تحقيق طموحه ومجده الشخصي ومحاولة تصوير نفسه كأنه صاحب فكر وقلم حر لا يعمل بالأجرة..


في النهاية.. مخطىء من يظن أن مهنة المثقف المرتزق صعبة ...انها مهنة ليست بحاجة إلى شهادات عالية أو كفاءات خارقة...إنها تحتاج فقط إلى أن يتجرد الشخص من ضميره ومن احترامه لذاته ثم يبحث عن مشتر لبضاعته..والبضاعة المباعة هنا تجد دائما سوقا رائجا وكل حبة فول فاسدة تجد لها بدل الكيال الأعمى عشرة..