أنيس الباشا
صحيح أن هدف المرتزقة دائما واحد وهو المال..
لكنهم في سبيل الحصول عليه ينقسمون إلى أنواع عديدة، ونحن هنا نتكلم بالطبع عن
المرتزقة المثقفون أو المحسوبون هكذا.. مرتزقة الكلمة والقلم.. أما مرتزقة السلاح فهؤلاء
أمرهم بسيط ومعروف ولا يحتاج لشرح أو تفصيل ويمكن لمن يبحث عن خدماتهم أن يتواصل
معهم بشكل مباشر أو عبر وسطاء أو حتى عبر شركات عملاقة متخصصة لهذا الغرض مثل بلاك
ووتر وغيرها!
مرتزق الكلمة هو شخص قد يتبوأ مناصب عالية
وقد تسلط عليه الأضواء وقد يتمتع بملكات أدبية أو فنية أو حتى علمية، فقد يكون
أستاذا في جامعة أو كاتبا بارعا أو سياسيا مفوها أو مذيعا لامعا، لكنه في النهاية
مرتزق يقدم خدماته لمن يدفع أكثر وهو في هذا لا يختلف عن الصورة النمطية التي
نعرفها أو نتخيلها للمرتزق الفظ الخشن الذي يعلق المسدسات والمدافع في حزامه والسكاكين
في جواربه وتلتمع عيناه في وحشية لمرأى الدم!
بل ربما كان مرتزق المدفع هذا أكثر احتراما لذاته من مرتزق الفكر و الكلمة
الذي يسعى طوال الوقت للتأثير في الآخرين وإقناعهم بحسن نواياه وأنه لا يقول ما
يقول ولا يفعل ما يفعل من أجل مصالحه المادية والذاتية البحتة أو رغبته في الظهور
والشهرة!!
في فيما يلي شرح بسيط لبعض أنواع مرتزقة
الكلمة..
1- المرتزق المتعصب
هذا النوع لا يرتزق إلا للجهة التي يتعصب لها
بمعنى أن جهة الارتزاق مهمة جدا بالنسبة له و لا بد أن تتوافق مع
"مبادئه" و أرائه..! و في حالات كثيرة فأن هذا المرتزق يخفي إلى جانب رغبته في الإرتزاق دوافع شخصية
بحتة ضد شخص ما أو جهة ما أو حتى فكر معين..فقد يحمل في أعماقه حقدا أو كرها تجاه شخص
معين أو فئة أو جماعة ما.. وحين تأتيه الفرصة لا يتردد في تسليط قلمه ولسانه ضد
تلك الفئة أو الشخص أو الفكر، وهو بفعلته تلك يحقق غرضين.. أولهما إشباع عقدة
داخلية لديه تتمثل في كراهية وحقد دفينين يعبر عنهما بكلامه وكلماته.. بمناسبة
وبدون مناسبة، والغرض الثاني هو الحصول على مقابل جراء الهجوم الذي يشنه ضد تلك
الجهة لصالح خصومها! وأحيانا يكون إشباع التعصب الشخصي لدى هذا النوع من المرتزقة
مقدم على المنفعة المادية التي قد يجنيها! والعلاقة هنا طردية تناسبية فكلما زاد
كرهه وتعصبه تجاه مجموعة ما زادت رغبته في مهاجمتها وفاقت في نفس الوقت رغبته في
الحصول على مقابل مادي لما يفعله والعكس صحيح!
2- المرتزق الحرباء:
رغم سهولة رصده إلا أنه قد يخدع الكثيرين حيث
يلعب عادة على عامل بشري مهم وهو ضعف الذاكرة الإنسانية.. هذا المرتزق لا يجد
غضاضة في تغيير مواقفه ومبادئه من النقيض للنقيض ويميل حيث مالت الريح وحيث تتحقق
له منفعته ومصلحته المباشرة وبدون أن يبذل أدنى جهد في التغطية على ما يفعله! فقد
يكون اشتراكيا متعصبا يمدح الاشتراكية ويمجدها ويكتب قصائد ومرثيات فيها وفي ورموزها
ثم ينقلب بين عشية وضحاها ليصبح رأسماليا بحتا يلعن ويشتم كل ما هو اشتراكي..! ورهانه
دائما أن الناس تنسى ولن تتذكر ما كان
عليه بالأمس وما أصبح عليه اليوم!
عليه بالأمس وما أصبح عليه اليوم!
هذا النوع هو أرخص أنواع المرتزقة ولأنه يدرك
هذه الحقيقة فهو يسعى بشتى الطرق لإظهار تفانيه وإخلاصه لمن يدفع له حتى يتمكن من
رفع سعره..ويمكنك حينها أن تميزه بسهولة.. فإذا رأيته على شاشة التلفزيون ستلاحظ
أنه الطرف صاحب الصوت الأعلى والأكثر ضجيجا وصراخا وشتما واستخداما ليديه وربما
رجليه أيضا!..وحين يكتب يستخدم أيضا لغة صاخبة ملئية بالسباب والشتائم، وكلها محاولات
منه لتغطية ماضيه وإظهار تفانيه وفي نفس الوقت نيل رضا مستأجريه..
3- المرتزق الكامن:
وهو يشبه الجاسوس النائم في عالم المخابرات،
فمن المتعارف عليه في عالم الجاسوسية أن يسعى جهاز مخابرات إحدى الدول إلى زرع
عميل أو جاسوس له في مجتمع ما.. ولمدة سنوات طويلة لا يقوم هذا الجاسوس بأي مهمة
حتى لا يثير حوله الشبهات – لذا اصطلح على تسميته بالجاسوس النائم- ثم بعد مدة
وحين تأتي اللحظة المناسبة يتم "إيقاظه" ليؤدي مهامه بعد أن يكون قد زرع
نفسه جيدا في المجتمع المحيط به واكتسب ثقة من حوله..
المرتزق "الكامن" يشبه إلى حد ما
الجاسوس النائم..فهو يظل كامنا لمدة..مراقبا ومتفرجا أو حتى مشاركا وأحيانا قد
يُظهر انتماؤه لجهة ما أو لحزب ما لكنه لا يقوم بأي خطوات انفعالية أو حماسية بل يمضي
في حياته بهدوء وصبر ويترك الناس يعتقدون فيه ما يريدون ثم وحين تأتي
اللحظة...هوب! فجأة يخلع القناع الذي عرفه الناس به ويظهر انتمائه الحقيقي ويبدأ
في تقديم خدماته وفكره وقلمه لمن يدفع أكثر..وعادة ما يكون الأمر بمثابة الصدمة
للناس..وربما ترددت حينها عبارات على غرار "فلان...؟؟ كنا نظن أنه من أخلص
رجال الفكر الفلاني أو الحزب العلاني!"
4- المرتزق الطموح
وهو شخص يقدم خدماته مقابل المال وقد يجني
الكثير من بيع قلمه لكنه في نفس الوقت يعاني من رغبة شديدة في الظهور والنجاح و حب
الأضواء والشهرة، لذا يقوم بالإستعانة بكل ما لديه من ملكات ومواهب في سبيل تحقيق
هذا الأمر أيضا – إلى جانب الارتزاق- أي أنه يسعى أيضا لأن يصبح شخصية مشهورة يشار
لها بالبنان ويثار حولها الجدل ويكون لها معجبيها ومريديها...
طريقة الارتزاق التي يتبعها هذا النوع تتعبه
كثيرا لأنه يحاول دائما التوفيق بين شيئين..بين العمل كمرتزق لشخص ما أو جهة ما
وبين تحقيق طموحه ومجده الشخصي ومحاولة تصوير نفسه كأنه صاحب فكر وقلم حر لا يعمل
بالأجرة..
في النهاية.. مخطىء من يظن أن مهنة المثقف
المرتزق صعبة ...انها مهنة ليست بحاجة إلى شهادات عالية أو كفاءات خارقة...إنها
تحتاج فقط إلى أن يتجرد الشخص من ضميره ومن احترامه لذاته ثم يبحث عن مشتر لبضاعته..والبضاعة
المباعة هنا تجد دائما سوقا رائجا وكل حبة فول فاسدة تجد لها بدل الكيال الأعمى
عشرة..
No comments:
Post a Comment