Pages

August 28, 2016

!الصلاة.... من شعيرة مقدسة إلى مبرر للتدليس و الافتراء

أدهم في الثانية و النصف من عمره
رشـا المقالح

في الثانية و النصف من عمره فوجئت به في إحدى المرات يقوم بوضع سجادة الصلاة على الأرض و يقوم بتقليد حركات الصلاة و يحاول أن يؤديها كما رآنا نؤديها. و في الثالثة من عمره تقريبا بدأ يركز أكثر على تفاصيل الصلاة الدقيقة مثل رفع الاصبع في التشهد وطريقة التسليم و على الاقوال التي نرددها، و عندما بلغ الرابعة من عمره، صار يحفظ الفاتحة من كثرة تكرارها في الصلاة و من كثرة قراءتنا لها و بدأ يميز أن الصلوات تتكرر عدة مرات في اليوم و الليلة و أن لها مواقيت معينة. و في إحدى المرات عندما كان في الخامسة من عمره فوجئت به يسمي الصلوات بعدد الركعات دون أن يعرف ان اسمها ركعة! فيقول هل ستصلي اثنين أم اربعة؟؟ و في السادسة من عمره بدأ يعي أن هناك صلاة في الصبح و في الظهر و في العصر و المغرب و قبل النوم. و صار يقلد حركات الصلاة بسلاسة و عفوية.

أدهم في الثالثة و النصف من عمره


فإذا كان هذا الطفل ذو السنوات الصغيرة في العمر قد تعلم كيفية الصلاة فقط من مشاهدته لوالديه،  فكيف بمئات بل آلاف المسلمين البالغين رجالا و نساء و الذين عاش رسول الله صلى الله عليه و سلم بينهم ثلاثة و عشرين عاما و هو يؤدي الصلاة يوميا خمس مرات في اليوم و الليلة و هم يشاهدونه و هو يكبر و يركع و يسجد و يسلم، ثم يأتي بعد ذلك من يتذاكى على المسلمين ليقول لهم لن تتعلموا الصلاة إلا أذا سمعتم " حدثنا فلان عن فلان عن فلان أن فلانا قال: رأيت رسول الله  إذا دخل في الصلاة كبر و رفع يديه"؟؟؟!!! ماهذا الاستخفاف بالناس؟؟!!



عندما نتتبع آيات القرآن الخاصة بالصلاة نجد أن الله عز و جل قد ذكر لنا بوضوح أهمية إقامة الصلاة و كيفية الوضوء لها و مواقيتها، و حتى أركانها "ركوع و سجود"أما التفصيل العملي لها فهو عبارة عن حركات معينة لا يتعلمها المرء بالقول و إنما بالفعل و لهذا كانت الصلاة سنة عملية و لا تحتاج لأقوال متواترة لأدائها. فالصلاة يتعلمها الناس بشكل عملي بمجرد مشاهدتها، و لهذا ذكر الله في القرآن الكريم دعاء ابراهيم و اسماعيل: ((رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)) فالمناسك يتعلمها الإنسان بالرؤية.

 و أغلب تفصيلات الصلاة الواردة في كتب التراث تأتي على هيئة أن فلان "رأى" رسول الله يفعل كذا و كذا! فهل فلان وحده هو من رأى رسول الله يصلي و يكبر و يركع و يسجد؟ 
و لا أدري لماذا أفردت كل تلك المساحات الهائلة للحديث عن أركان شعيرة الصلاة بينما كان المسلمون يصلون ببساطة كما صلى الرسول، و دون الحاجة لفقهاء و محدثين و دون الحاجة الى جمع أحاديث بعد مائتي عام من وفاة الرسول! فهل انقطع الناس عن الصلاة قبل أن تظهر مثل تلك المؤلفات و قبل أن يستغرق المسلمون في ذلك الجدل البيزنطي عن الضم و السربلة؟؟

و هل عندما نتعلم من الرسول الكريم الكيفية التي نؤدي فيها الصلاة فهل يعني هذا أن نقبل كل ما نسب إليه من أقوال حتى لو خالفت القرآن الكريم؟!  لذا فإن قولهم أن "عدم ذكر كيفية الصلاة" في القرآن ما هي إلا حجة فاسدة يراد بها التدليس على المسلمين و جعلهم يتقبلون كل ما نسب إلى رسول الله من "اقوال" و تمريرها حتى لو خالفت كتاب الله العزيز!


فتراهم يقولون : " آمنوا بخرافة عذاب القبر و بأن هناك حساب قبل يوم الحساب "...فنقول لهم أن هذا مناقض لكتاب الله ، فيردون: "و لكن كيفية الصلاة غير مذكورة في القرآن"....!

يقولون : " المرتد يقتل" فنقول لهم و لكن حد الردة مخالف للقرآن الكريم، فيردون: "و لكن كيفية الصلاة لم تذكر في القرآن!!"

يقولون: "الزاني يرجم بالحجارة حتى الموت" فنقول لهم: و لكن هذا مخالف لما جاء في التنزيل الحكيم  فيردون: و لكن كيفية الصلاة لم تذكر في القرآن!"

يقولون: " آمنوا بالصبر على فسق الحاكم و ظلمه حتى لو ضرب ظهوركم و أخذ أموالكم " فنقول: و لكن هذا مخالف لنصوص القرآن و لرسالة الاسلام التي تسمو بالناس و ترفض استعبادهم، فيردون بنفس الرد السامج: "و لكن كيفية الصلاة غير مذكورة في القرآن!"

و هكذا تراهم يسوقون حجتهم الواهية كلما رأوا الناس راغبين في العودة إلى كتاب الله و تدبره و فهمه و رافضين لكل الشوائب التي علقت  برسالة محمد عليه الصلاةو السلام و التي وصفت بأنها "رحمة للعالمين"، و لكنهم يأبون إلا أن يصدوا الناس عن كتاب الله! و لا حول و لا قوة الابالله. 

و هكذا تحولت الصلاة من شعيرة مقدسة إلى  مبرر لتمرير كل الخرافات و الأحكام المناقضة لكتاب الله،  و رأينا أنفسنا أمام دين جديد تماما، خرج عن كونه دين الفطرة لأنه يحوي الخرافات و الأباطيل و الكثير من التناقضات، و لا يشبه الدين الذي جاء به محمد عليه الصلاة و السلام و الذي لن يستنكف بكل تأكيد عن طاعة الله فيما أوحاه إليه.

 و كلما طالبنا بالعودة إلى كتاب الله و التدبر و التفكر فيه، و وضعه في المكانة التي يستحقها كمعجزة خالدة للرسول عليه الصلاة و السلام  و كختام للرسالات و آخر ما أوحي من الله لبشر على الأرض، و الذي يحوي حقائق الكون و التاريخ الانساني، قفز المقلدون و أتباع المذاهب التراثية الجامدة - و الذين أفقدهم التقليد القدرة على التفكير النقدي -  ليصدوا عن الذكر و يرددوا على أسماع الناس الحجة الوحيدة التي حفظوها و هي "لا يوجد في القرآن تفصيل لكيفية الصلاة"  و لن يقتنعوا حتى لو كانت الإجابة واضحة و بسيطة يجليها أمامهم أطفال صغار بفطرتهم النقية...








August 17, 2016

(1) سايكو- يمني




أنيس الباشا

لطالما استوقفتني حكاية رجل الأعمال الأمريكي المشهور هنري فورد مع اليمنيين والتي تعود إلى العشرينيات من القرن الماضي وملخصها أن مصانع السيارات الشهيرة التي يملكها فورد شهدت حركة متواصلة من الاحتجاجات والمطالبات من قبل العمال مما جعل مستشاري هذا الأخير يدرسون امكانية جلب عمالة خارجية لا تثير المشاكل ووقع الاختيار على العمالة اليمنية باعتبار أن اليمنيين – حسب القصة- من أكثر العمال ميلا لعدم 
التنظيم النقابي وبالتالي فلن يكون هناك المزيد من المطالبات والاحتجاجات!

في الحقيقة لم يتسنى لي التأكد من مصداقية القصة، رغم أن الشيء الأكيد في الموضوع هو أن مئات اليمنيين يعملون بالفعل في مصانع فورد في مدينة ديترويت الأمريكية منذ عقود، وقد قمت بالتواصل مع شركة فورد لاستفسر عن مصداقية هذه القصة ولم يصلني أي رد إلى الآن.. وإن كنت في الحقيقة أميل إلى تصديق هذه الحكاية لأن طباع اليمنيين تتوافق مع ما ذُكر فيها! فالمواطن اليمني الأصيل لا يوجد في قاموسه شيء اسمه "مصلحة عامة" ولا يميل لتبني أو اتخاذ مواقف موحدة وهي المواقف التي تحتاج إلى توافق الأغلبية واختيارهم لمن يمثلهم ومن ثم وقوفهم صفا واحدا خلف من اختاروه من أجل الوصول في النهاية إلى هدف معين أو مصلحة جماعية، وهذا ما نفتقر إليه في اليمن للأسف.

و على الرغم من أن اليمنيين يتحلون بكثير من الصفات الجميلة التي تميزهم عن غيرهم، فهم شديدو الاعتزاز بالنفس و طيبون للغاية، و كرماء جدا مع بعضهم البعض و أيضا مع الغرباء و الضيوف، كما  أنهم - كمغتربين - يحترمون بشدة البلد المضيف، و يقدرون أهله كثيرا، و غالبا ما يشعرون أنهم سفراء بلدهم اليمن و بأنهم مسئولون عن تقديمه في أفضل صورة.

 لكن على الرغم مما سبق هناك بعض الصفات السلبية و التي نحتاج دائما كيمنيين لمراجعتها و التخلص منها و من بينها هذه الصفة التي نجدها في اليمني - كموظف أو كطالب أو كشخص منتمي إلى جهة معينة - و هذه الصفة أسميها : "نفسي يا نفسي"!


ففي المجتمعات الأخرى – حتى في بعض المجتمعات العربية - تتجمع الناس في العادة حول جهة تمثلهم سواء كانت نقابة أو اتحاد أو هيئة منتخبة ويكون على عاتق هذه الجهات أن تتبنى مطالب معينة فيها مصلحة الجميع وتكافح كي تحقق هذه المطالب ويقف الكل معها في سبيل تحقيق هذه الغاية..

لكن في اليمن هذا المشهد يعد غير مألوف. فتجد أن اليمنيين - كموظفين أو كطلاب - دائما ما يكون حالهم مثل حال الغنم القاصية وكل غنمة لها حدودها ومرعاها الخاص ولا تفكر إلا في نفسها ولذا يسهل على الذئاب أن تستفرد بالقطيع كله وتهاجمه وتتحكم فيه، ومن المستحيل تقريبا أن يتمكن شخص مهما كان لديه من الحكمة و المقومات والمؤهلات من أن يجعل مجموعة من اليمنيين تتبنى موقفا واحدا فيه مصلحة جماعية، فكل يمني رأسه "ناشفة" ويحتاج أولا إلى أن "يقتنع" واذا اقتنع فعلى مضض ويمكن أن يغير رأيه بعد نصف ساعة لأن "الموضوع ما دخلش رأسه" ومافيش منه فائدة..!

وقد عايشت بنفسي الكثير من المواقف والأحداث التي أثبتت لي بما لا يدع مجالا للشك أن اليمنيين لا يمكن أن يجتمعوا على هدف مشترك أو مصلحة جماعية أو رأي موحد تجاه مسألة تخصهم، ومن المواقف التي لا أنساها موقف مر بي أثناء دراستي في الجامعة، ففي أحد الأيام كان لدينا امتحان في إحدى المواد وكان موعد الإمتحان في الساعة الثامنة صباحا، وفي الليلة السابقة لذلك اليوم سهرت كالعادة من أجل الاستذكار وجاء الصباح وذهبت للكلية وجاءت الساعة الثامنة ومعيد المادة لم يصل وانتظر الطلاب نصف ساعة ثم ساعة وحضرة المعيد لم يأت ولم يبلغ الإدارة بشيء، وصارت الساعة العاشرة والحال على ما هو عليه والطلاب متململون ومرهقون لكنهم منتظرون في صبر وصمت، ومر بنا أحد الأساتذة الهنود وسألني عما يحصل فشرحت له الموضوع فأخبرني أنه اذا حصل أمر كهذا في الهند فإن الطلاب يمنحون مدرس المادة نصف ساعة فقط ثم يكون من حقهم أن ينصرفوا وأن يتم جدولة يوم آخر للإمتحان، راق لي كلام البرفيسور ووجدته منطقيا وقابل للتنفيذ فذهبت للطلاب أعرض عليهم الموضوع وكان اقتراحي بما أن السيد المعيد تأخر ثلاث ساعات ولم يكلف نفسه حتى عناء الاعتذار وبما أننا جميعا مرهقون جراء السهر فلماذا لا ننصرف جميعا ويكون هذا رد عملي على المعيد حين يصل ومن ثم تضطر الإدارة إلى تحديد موعد آخر للإمتحان؟ بالتأكيد حين يأتي المعيد ولا يجد أحدا فإنه سيضطر رغما عنه إلى تأجيل الإمتحان وفي النهاية الخطأ خطأوه هو وليس نحن..

استحسن البعض الفكرة وتشكك الأغلبية بالطبع واستغرق الأمر حوالي ساعة أخرى كي "يقتنع" الكل بأن هذه الخطوة منطقية ويجب القيام بها من أجل الجميع، وكنت وقتها حسن الظن فلم يساورني الشك في أن الجميع سينفذ ما اتفقنا عليه لأن المصلحة العامة تقتضي هذا، وهكذا غادرت الكلية وكلي رضى عن ما قررناه بشكل جماعي وعدت للبيت وأنا أتخيل في نشوة وجه المعيد حين يصل بسلامته ولا يجد أحد من دفعتنا هناك ويدرك أن "رطعته" لنا بتلك الطريقة أمر غير مقبول وغير مسئول..ولم أكد استلق على السرير لأنال قسطا من النوم حتى رن جرس هاتفي وإذا بأحد أصدقائي من دفعتنا يتصل بي ويطلب مني أن أعود إلى الكلية بسرعة لأن المعيد وصل وهو يتحدث إلى الطلاب الآن وقد يمتحنهم في أي لحظة!

نهضت بسرعة وعدت للكلية وأنا مستغرب من هذا الذي حصل وكيف عاد المعيد ليجد الطلاب جميعا هناك بينما يفترض أنهم قد غادروا الكلية كما اتفقنا وحين وصلت تحول استغرابي الى شعلة من الغضب حين اكتشفت أن جميع الطلاب الذين وافقوا على مقترح المغادرة بقوا في الكلية بينما كنت المغفل الوحيد الذي تحمس وغادر المكان تنفيذا للإتفاق الجماعي! والأدهى والأمر أنني عرفت أن حضرة المعيد الذي جعل الطلاب ينتظرون أربع ساعات كاملة لم يكلف نفسه عناء الاعتذار حين التقى بهم بل وبخهم لمجرد أنهم فكروا في المغادرة! وكلما سألت أحدهم لم فعلت هذا أجابني بحسرة أنه كان يود أن ينفذ ما اتفقنا عليه لكنه لا يضمن مواقف البقية فمن يدريه أن الجميع سيغادرون ولن يبقى أحد وهكذا يُحرم هو وحده من الامتحان إذا جاء المعيد. وكانت النتيجة أن الكل بقى – لأنه لا أحد يثق في أحد - وتحول الأمر إلى موقف فردي بيني وبين المعيد الذي عرف بالطبع أنني صاحب المقترح وأنني كنت الوحيد الذي غادر الكلية وحرض الطلاب على العصيان والتمرد..

يومها تبين لي أن اليمني لا يمكن أن يضع يده في يد أخيه من أجل مصلحة مشتركة، وأن الشك وعدم الثقة بالآخرين هو السمة المشتركة لدى الجميع، وهذا الأمر صادفته لاحقا أثناء عملي في أماكن مختلفة ومرت بي مواقف عديدة تؤكد لي في كل مرة أنني محق ، أحيانا كنت أؤمل نفسي أن هذه المرة أو تلك ستكون مختلفة وأن التفكير الجماعي سيطغى على التفكير الفردي الضيق ولكن هيهات، وفي النهاية تيقنت أن هذه الصفة ربما هي نوع من الموروث الجمعي لدى الانسان اليمني عموما إلا بالطبع من رحم ربي وقليل ماهم..

ولهذا دائما نجد اليمني مظلوم و محروم من أدنى حقوقه و أبسطها  في الشارع أو في المدرسة أو في الجامعة أو في مكان عمله وفي كل جوانب حياته هناك دائما من يظلمه أو يهضمه حقوقه، وهذا لأنه للأسف لا يدرك أهمية العمل الجماعي والموقف الجماعي ولا يغلب أبدا المصلحة العامة على مصلحته الفردية والذاتية، ولا يبحث عن حلول جماعية بل يفضل عليها المواقف الفردية والحلول السريعة الجاهزة، ويعتقد أنه باتباعه لهذا النهج وهذا الأسلوب فإنه يتصرف بذكاء وحذر يجنبه وجع الرأس والوقوع في المشاكل!

وقد عرف الرئيس السابق صالح هذه الحقيقة واستغلها جيدا ولذلك تمكن من حكم اليمن لثلث قرن، وحتى حينما قامت ثورة ضده انقسم اليمنيون بين مؤيد ومعارض ومحايد ومتشكك وما لبثت بذور طبيعة "نفسي يا نفسي" أن ترعرعت ونمت و أفشلت الثورة التي حلم الناس انها ستنهي عقود من الاستبداد والفساد..

وحتى اثناء العدوان السعودي والخليجي السافر على بلادهم  انقسم اليمنيون ما بين مؤيد و مرحب و معارض و محايد و مقاوم و لم يتخذوا موقفا موحدا ضد هذا الاعتداء..

لذلك حتى لو لم يصلني أي توضيح من شركة فورد بخصوص تاريخ العمالة اليمنية لديهم فأنا مستعد أن أصادق على قصة اليمنيين معهم بل وأبصم عليها أيضا لأن العمال اليمنيين – في أي مكان- سيعملون ويعملون ويعملون في صمت وصبر ولن يشتكوا أو يعترضوا على أي انتقاص لحقوقهم ولن يساهموا في تأسيس عمل نقابي ناجح وحتى لو وُجدت نقابة تمثلهم فلن تكون مؤثرة وفاعلة لأنهم لن يتفقوا أبدا على رأي أو موقف ولو اتفقوا شكليا فلن يمضوا في موقفهم واتفاقهم إلى النهاية بسبب عقدة نفسي يا نفسي وماليش دعوة بحد..

في المقالة القادمة إن شاء الله نتحدث عن صفة أخرى من صفات المجتمع اليمني وهي الشعور بالنقص والدونية أمام الأجنبي والغريب أو ما يعرف ب "عقدة الخواجة"..

August 12, 2016

...ما بين الرحيل و العودة






رشا المقالح


اليوم يا صديقي ، و ككل يوم ، عليك أن تبحث عن نفسك بين الآخرين، و أن تمسك بها إذا ما وجدتها . حاول أن تتمسك بها جيدا لإنك إذا تركتها تفلت منك فربما لن تستطيع الإمساك بها مرة أخرى...ابحث عنها ليس فقط في أعماقك و إنما في كل ما يحيط بك..في كل ما تلمحه عيناك من نور و ما يغرق به قلبك من ظلام،  و تأكد أن الحياة لن تمنحك تلك الفرصة ! لذاعليك أن تنتزع منها طريقا للسير و مكانا للوقوف و زمانا للتأمل...

هل ستبقى هنا يا صديقي؟ و لكن حتى لو اخترت أن تعزل نفسك عما حولك و أن تحبس نفسك في هذه الغرفة الضيقة، فتذكر دائما أن لها زوايا أربع، و أن المنظر  حتما سيختلف باختلاف الزاوية التي تجلس فيها، لذا فإن نصيحتي لك إذا ما قررت أن تبقى هنا :على الأقل.... لا تقبع في زاوية واحدة.

هل تسمع ما أسمعه يا صديقي؟ هذا الصمت المزعج و تلك الضوضاء الهادئة! نعم... عليك أن تتعلم  انتزاع بعض المنطق من كل هذا العبث المحيط بك :الصمت من وسط الضوضاء، و الأمل من قلب اليأس، و النور من ذلك الظلام...عليك أن تتعلم كيف يمكنك الاستمرار عندما تتوقف الحياة،  و كيف تتوقف عندما تستمر الحياة بلا رحمة...عليك ألا تخشى الظلام، اشعل الشمعة الوحيدة المتبقية و دعها تضيء لك ما أخفاه الظلام من تفاصيل حياتك التي تتحاشى رؤيتها، عليك أن ترى نفسك،  لأن لا أحد سيراك.

دعك الآن من كل تلك الفوضى ، و انصت إلي جيدا فما أريد قوله لك اليوم لن أتمكن من قوله غدا، دعني أقول لك سرا: لا أحد يهتم يا صديقي! لا أحد يكترث إذا ما بقيت في هذه الحجرة الصغيرة أو إذا ما قررت الرحيل...لا أحد يهتم إذا ما بكيت أو انهرت أو تألمت أو فرحت أو ضحكت، عليك أنت فقط أن تهتم ..و أن تنهض مهما كلفك الأمر.فإذا كنت مستلقيا عليك أن تجلس و إذا جلست فعليك أن تقف و إذا ما وقفت فعليك أن تمشي و إذا مشيت فعليك بعدها أن تركض....و بأقصى سرعة! لا أحد سيمد يده لينتشلك مما أنت فيه...سواك.

هلا سمحت لي أن أتركك للحظة حتى أفتح نافذتي ليدخل بعض الهواء؟ انظر ! إنها تمطر يا صديقي و هذه الشجرة التي تقف أمام نافذتي يجب أن تورق متى ما نزل المطر...هكذا هو الأمر ببساطة بالنسبة إليها ، فهي لا تتحكم  بنزول المطر و لا بسطوع الشمس...عليها أن تحيا و أن تنمو فقط متى ما سنحت لها الظروف، و  أن تنحني عندما تشتد الرياح ، كل ذلك و هي واقفة في مكانها...فمن الأقوى؟ أنت أم تلك الشجرة؟! أنت أقوى يا صديقي...فأنت يمكنك الذهاب إلى حيث تهطل الأمطار، و يمكنك الرحيل إلى حيث تسطع الشمس...و يمكنك أن تختبيء بعيدا عن الرياح أو أن تذهب بإتجاه الرياح.  هذه الشجرة لا تفارق مكانها، لذا فهي تحيا و  تنمو و تموت واقفة هنا...لكنك لن تنمو مثلها ...ستحيا و ستموت - فقط – دون أن تنمو إن بقيت واقفا في مكانك يا صديقي.
هلا نظرت إلى نفسك في المرآة؟ إنها التجاعيد..! إنك تكبر و لكنك لا تنمو...لن تنمو و أنت لم ترى أبعد من شارعك؟ أو ربما رأيت أبعد من ذلك قليلا؟  حيث الهواء النقي و البيوت القديمة و الأناس الطيبون الذين لم يروا أبعد من قريتهم.

قبل أن أرحل كنت ممتلئا بالأمل و بعد أن رحلت صرت أتأرجح بين اليأس و الأمل و تعلمت أنني لن أبلغ الأمل أبدا. يا صديقي  الأمل ليس مكانا نصل إليه، و لا هو بالشيء الذي يمكننا امتلاكه، إنه ذلك الوهم اللذيذ الذي يبقينا راغبين في الاستمرار. لذا فإننا لن نصل بل و يجب علينا ألا نصل و أن نستمر في البحث . لأننا نصاب بالشلل تماما في كلتا الحالتين: عندما نقع في شباك اليأس و عندما نسقط في فخ الأمل.

عندما نفكر في الرحيل يا صديقي فإن آخر ما نهتم به هو العودة، يسيطر علينا "شيطان الرحيل" و يتملكنا و يغطي على حواسنا كلها،  و لكن ما أن نرحل حتى تتلبسنا جنية العودة فلا نعد نفكر سوى بالرجوع..و ما بين "شيطان الرحيل" و "جنية العودة"  ستفاجأ يا صديقي بأن كثيرا مما غاب عنك يتكشف جليا أمام عينيك،  و سترى لأول مرة ذاتك من خلال الآخرين و سترى الآخرين من خلال ذاتك ...فهناك في مكان ما - ما بين الرحيل و العودة – تنمو الرؤية...و سيتكشف لك أمام عينيك كل ما رغبت يوما في رؤيته، و كل ما تهربت من رؤيته و  كل ما لم تتوقع أن تراه...إنك تكبر و تنمو معا...إنك ترى الآن يا صديقي.



August 4, 2016

ما بين ماض مشمس و حاضر غائم

 رشـا المقالح

صورة نشرت في فيسبوك
هطلت أمطار غزيرة في صنعاء في الفترة الماضية و انتشرت الكثير من الصور في "فيسبوك" و "واتس اب" و التي قام أصحابها بالتقاطها أثناء هطول المطر، كما انتشرت أيضا المواضيع التي تتحدث عن "روعة الجو" و "جمال المنظر"،  حيث صادفتُ عبارات مثل : "أمطار تغسل القلوب" .. و "تهدأ النفوس"...و "عند المساءات انهمر و حبه الناس غمر"....و "يا صباح الأجواء الممطرة"...و عبارات أخرى من هذا القبيل. فهطول الأمطار في اليمن يشعر الناس عادة بالراحة و يجلب التفاؤل و البهجة، و على الرغم من الحرب و الحصار لم يفقد الناس الأمل و القدرة على الاستمتاع حتى بأبسط الأشياء، و هذا أمر يبعث على الكثير من الإعجاب!






صوة مأخوذة من جوجل 



هذه الصورة مثلا وصلتني بالواتس و هي عبارة عن صورة للأجواء الغائمة و الممطرة و في نفس الوقت تم وضع  تهنئة يوم الجمعة عليها. و هو أمر جميل للغاية و يدل بوضوح على نظرة الناس الإيجابية في اليمن للأجواء الماطرة.








يشعر الناس في بلادنا بالسعادة عندما تهطل الأمطار و عندما تكون الأجواء غائمة، و يخرج بعضهم للعب تحت المطر  و السبب في ذلك أن اليمن بلد مشمس طوال العام، لذا فإن الأجواء الماطرة تستدعي الاحتفال و البهجة و التفاؤل. أما الأجواء المشمسة في اليمن فهي أجواء اعتيادية للغاية بل و ليست مستحبة و لا ملائمة للنزهة و الخروج من المنزل. و لقد قرأت تعليقا في فيسبوك لإحدى الشخصيات السياسية في اليمن حيث تساءل بدهشة: "هل هناك من لا يحب الغيم و المطر؟؟؟"


جو غائم كالمعتاد في هامبورج

و الحقيقة أن الجواب هو نعم...! فهذه الأجواء الماطرة في بلد مثل ألمانيا هي أجواء يومية اعتيادية و الناس هنا يشعرون بالملل منها، و عندما تختفي الغيوم و تظهر الشمس فهذا يستدعي الاحتفال و البهجة و التفاؤل تماما مثلما يستدعي المطر تلك المشاعر عند اليمنيين! و ترى الناس هنا يخرجون إلى الحدائق و المتنزهات العامة و الشواطيء ليتعرضوا لأشعة الشمس الدافئة. من الملاحظات الطريفة أننا عندما نخرج هنا في يوم مشمس فإننا نبحث بتلقائية عن الظل  تماما كما اعتدنا على ذلك في اليمن، بينما نرى الألمان يبتعدون عن الأماكن المظللة ليتعرضوا لأشعة الشمس المباشرة.

الجو هنا غالبا ما يكون غائما و في كثير من الأحيان ممطرا، و يأتي المطر في صور مختلفة، فهو إما أن يكون
مجرد رذاذ خفيف أو أمطارا ثقيلة تنهمر فجأة دون سابق إنذار. لذا فالألمان مستعدون تماما للأجواء الماطرة، فلديهم المظلات و أحذية المطر و سترات المطر و سراويل المطر، كما أن لديهما أغطية غير نافذة للماء لكل شيء تقريبا، فهناك أغطية واقية لحقائب الظهر و حقائب اليد و عربات الأطفال و غيرها من العربات. أما بيوتهم فكثير منها تمتاز بأسقف شديدة الإنحدار مما يدل على كمية المياه المتوقعة سواء على هيئة ثلوج أو أمطار.








سقوف منحدرة


و بينما يعتبر الألمان الأجواء الماطرة مجرد أجواء رديئة، يقدس الناس في اليمن الجو الماطر بل و يعتبرون أن وقت هطول المطر هو وقت مبارك و هو علامة رحمة و بركة من السماء للأرض، و هناك اعتقاد سائد لدى اليمنيين بأن الدعاء أثناء نزول المطر مستجاب. لذا تجد كثيرا منهم يتوجهون إلى الله بالدعاء بالرحمة و المغفرة و طلب العون و غيرها. حتى أن هناك نكتة عن المطر و النساء في مجتمعنا و تقول هذه النكتة أن المطر إذا هطل في أمريكا مثلا فإن المرأة الأمريكية ستعد لنفسها كوبا من القهوة  و تجلس باسترخاء و تقرأ كتابا، بينما المرأة اليمنية عند هطول المطر فإنها تستغل ذلك الوقت بالدعاء على كل من ظلمها و خذلها و تتمنى أن ينتقم الله لها و "يأخذ لها بحقها منهم"!




بالنسبة لي أشعر أنني قد حصلت على كفايتي من أشعة الشمس خلال حياتي في اليمن، كما حصلت هنا على كفايتي من الأجواء الممطرة، و للأسف لم تعد الأجواء الممطرة تشعرني بالبهجة كما هو الحال عندما كنت في اليمن، و ما بين أمس مشمس للغاية و حاضر غائم للغاية أشعر ببعض الحيرة عند مشاهدتي للألمان يحتفلون بالشمس بينما يحتفل اليمنيون بالمطر، و لكن على الرغم من ذلك أشعر بمتعة حقيقية عندما أرى مشاعر الناس المتباينة و ردود أفعالهم المختلفة تجاه الشمس و المطر.