Pages

August 4, 2016

ما بين ماض مشمس و حاضر غائم

 رشـا المقالح

صورة نشرت في فيسبوك
هطلت أمطار غزيرة في صنعاء في الفترة الماضية و انتشرت الكثير من الصور في "فيسبوك" و "واتس اب" و التي قام أصحابها بالتقاطها أثناء هطول المطر، كما انتشرت أيضا المواضيع التي تتحدث عن "روعة الجو" و "جمال المنظر"،  حيث صادفتُ عبارات مثل : "أمطار تغسل القلوب" .. و "تهدأ النفوس"...و "عند المساءات انهمر و حبه الناس غمر"....و "يا صباح الأجواء الممطرة"...و عبارات أخرى من هذا القبيل. فهطول الأمطار في اليمن يشعر الناس عادة بالراحة و يجلب التفاؤل و البهجة، و على الرغم من الحرب و الحصار لم يفقد الناس الأمل و القدرة على الاستمتاع حتى بأبسط الأشياء، و هذا أمر يبعث على الكثير من الإعجاب!






صوة مأخوذة من جوجل 



هذه الصورة مثلا وصلتني بالواتس و هي عبارة عن صورة للأجواء الغائمة و الممطرة و في نفس الوقت تم وضع  تهنئة يوم الجمعة عليها. و هو أمر جميل للغاية و يدل بوضوح على نظرة الناس الإيجابية في اليمن للأجواء الماطرة.








يشعر الناس في بلادنا بالسعادة عندما تهطل الأمطار و عندما تكون الأجواء غائمة، و يخرج بعضهم للعب تحت المطر  و السبب في ذلك أن اليمن بلد مشمس طوال العام، لذا فإن الأجواء الماطرة تستدعي الاحتفال و البهجة و التفاؤل. أما الأجواء المشمسة في اليمن فهي أجواء اعتيادية للغاية بل و ليست مستحبة و لا ملائمة للنزهة و الخروج من المنزل. و لقد قرأت تعليقا في فيسبوك لإحدى الشخصيات السياسية في اليمن حيث تساءل بدهشة: "هل هناك من لا يحب الغيم و المطر؟؟؟"


جو غائم كالمعتاد في هامبورج

و الحقيقة أن الجواب هو نعم...! فهذه الأجواء الماطرة في بلد مثل ألمانيا هي أجواء يومية اعتيادية و الناس هنا يشعرون بالملل منها، و عندما تختفي الغيوم و تظهر الشمس فهذا يستدعي الاحتفال و البهجة و التفاؤل تماما مثلما يستدعي المطر تلك المشاعر عند اليمنيين! و ترى الناس هنا يخرجون إلى الحدائق و المتنزهات العامة و الشواطيء ليتعرضوا لأشعة الشمس الدافئة. من الملاحظات الطريفة أننا عندما نخرج هنا في يوم مشمس فإننا نبحث بتلقائية عن الظل  تماما كما اعتدنا على ذلك في اليمن، بينما نرى الألمان يبتعدون عن الأماكن المظللة ليتعرضوا لأشعة الشمس المباشرة.

الجو هنا غالبا ما يكون غائما و في كثير من الأحيان ممطرا، و يأتي المطر في صور مختلفة، فهو إما أن يكون
مجرد رذاذ خفيف أو أمطارا ثقيلة تنهمر فجأة دون سابق إنذار. لذا فالألمان مستعدون تماما للأجواء الماطرة، فلديهم المظلات و أحذية المطر و سترات المطر و سراويل المطر، كما أن لديهما أغطية غير نافذة للماء لكل شيء تقريبا، فهناك أغطية واقية لحقائب الظهر و حقائب اليد و عربات الأطفال و غيرها من العربات. أما بيوتهم فكثير منها تمتاز بأسقف شديدة الإنحدار مما يدل على كمية المياه المتوقعة سواء على هيئة ثلوج أو أمطار.








سقوف منحدرة


و بينما يعتبر الألمان الأجواء الماطرة مجرد أجواء رديئة، يقدس الناس في اليمن الجو الماطر بل و يعتبرون أن وقت هطول المطر هو وقت مبارك و هو علامة رحمة و بركة من السماء للأرض، و هناك اعتقاد سائد لدى اليمنيين بأن الدعاء أثناء نزول المطر مستجاب. لذا تجد كثيرا منهم يتوجهون إلى الله بالدعاء بالرحمة و المغفرة و طلب العون و غيرها. حتى أن هناك نكتة عن المطر و النساء في مجتمعنا و تقول هذه النكتة أن المطر إذا هطل في أمريكا مثلا فإن المرأة الأمريكية ستعد لنفسها كوبا من القهوة  و تجلس باسترخاء و تقرأ كتابا، بينما المرأة اليمنية عند هطول المطر فإنها تستغل ذلك الوقت بالدعاء على كل من ظلمها و خذلها و تتمنى أن ينتقم الله لها و "يأخذ لها بحقها منهم"!




بالنسبة لي أشعر أنني قد حصلت على كفايتي من أشعة الشمس خلال حياتي في اليمن، كما حصلت هنا على كفايتي من الأجواء الممطرة، و للأسف لم تعد الأجواء الممطرة تشعرني بالبهجة كما هو الحال عندما كنت في اليمن، و ما بين أمس مشمس للغاية و حاضر غائم للغاية أشعر ببعض الحيرة عند مشاهدتي للألمان يحتفلون بالشمس بينما يحتفل اليمنيون بالمطر، و لكن على الرغم من ذلك أشعر بمتعة حقيقية عندما أرى مشاعر الناس المتباينة و ردود أفعالهم المختلفة تجاه الشمس و المطر.

                  


No comments:

Post a Comment