رشا المقالح
مشاهدة الأفلام و المسلسلات الأمريكية من أكثر الأمور الممتعة التي أقوم
بها في وقت فراغي، لكن الأكثر إمتاعا هو عندما أصادف في تلك المسلسلات أو الأفلام مشاهد
تتعلق بالعرب و بالثقافة العربية. حيث يبدو واضحا في تلك المشاهد أن فكرة
الأمريكان عن الحياة اليومية للعرب بحاجة
لبعض التحديث.
لنأخذ الحلقة الثالثة في الموسم السابع و الأخير للمسلسل الأمريكي الناجح "ذا منتاليست" كمثال على تلك النظرة الغربية السطحية للثقافة
العربية. والمسلسل تدور أحداثه حول باتريك جين الذي كان يعمل كوسيط روحي ويمتلك مهارات فائقة في قراءة ما يدور في أذهان الآخرين وتحليل شخصياتهم والذي فقد زوجته وابنته في حادث اجرامي بشع ومن ثم يعمل كمستشار لدى دائرة التحقيقات الجنائية في كاليفورنيا CBI، والهدف الأساسي الذي يسعى له باتريك من خلال مساعدته للأجهزة الأمنية هو الوصول إلى القاتل المتسلسل الذي قتل عائلته. وعلى الرغم من إعجابي بشخصية باتريك جين و بذكائه الشديد و اهتمامه
بالتفاصيل إلا أنه بدا في تلك الحلقة مغفلا للغاية.
ففي تلك الحلقة يذهب باتريك جين مع صديقته الضابطة الفيدرالية تيريزا ليزبون إلى بيروت لجمع معلومات عن مهرب أسلحة
سلوفاكي يدعى يان نيميك، تشتبه المخابرات الأمريكية بإضطلاعه في عملية إرهابية
وشيكة في الولايات المتحدة. و على الرغم من أن معظم أحداث تلك الحلقة تدور في
بيروت إلا أن تصوير المشاهد تم في استوديوهات في كاليفورنيا و تم الاستعانة بلقطات
من بيروت قام بها أحد المصورين المستقلين لحساب المسلسل.
و تبدأ الأحداث في بيروت بوصول جين و ليزبون إلى الفندق في وسط مدينة
بيروت، و الطريف أنه في كل المشاهد الدائرة في بيروت يتم تشغيل موسيقى في الخلفية على
افتراض أنها موسيقى ذات طابع عربي، و على الرغم من أنني عربية و أذناي معتادة جدا
على الموسيقى العربية إلا أن تلك الموسيقى كانت غريبة على مسامعي و لم تذكرني على
الإطلاق بالثقافة العربية التي أنتمي إليها. تلك الموسيقى كانت مزعجة شديدة
الافتعال و كأنها تريد أن توحي للمشاهد أن هناك راقصة نصف عارية ستقفز لوسط المشهد
في أي لحظة لتؤدي رقصة شرقية بينما البخور يتصاعد من كل مكان.
و بالإضافة إلى تلك الموسيقى الغريبة، تأتي الديكورات الداخلية للفندق الذي
يفترض أنه في وسط بيروت، كان القصد من تلك الديكورات على ما يبدو أن تعكس
"طابعا عربيا" إلا أنها جاءت مبالغة للغاية و كأن المكان المقصود هو قصر
الخليفة في القرن السابع و ليس فندقا في وسط بيروت في القرن الواحد و العشرين!
فعلى سبيل المثال تنتشر الزخارف العربية على كل جدران الفندق، و تمتد السجاجيد
الشرقية على السلالم، و هناك مصابيح قديمة و نقوش عتيقة في صالة الفندق!
أما عندما استلقى جين على السرير في غرفته في الفندق و هو محاط بكل تلك الزخارف و النقوش فقد بدا و كأنه الخليفة بذاته، فقط لو أن الخليفة كان يرتدي البدلة الغربية و يستخدم الموبايل.
و عندما قامت إيريكا - وهي المرأة الأمريكية التي تتعاون مع الشرطة الفيدرالية- بتقديم الشاي لجين و ليزبون، فقد قدمته بالطريقة
العربية القديمة: الدلة و الفناجين الصغيرة، و كأنهم يجلسون في خيمة لإحدى قبائل
البدوالرحل في الصحراء و ليس في فندق في وسط بيروت.
أما أكثر المشاهد طرافة هو عندما سألت ليزبون ايريكا : "هل تتحدثين
اللبنانية"! ألم يقم معدو الحلقة بالبحث الكافي ليعرفوا أنه لا يوجد في
العالم العربي شيء اسمه "اللغة اللبنانية"؟! فعلى الرغم من وجود العديد من اللهجات المحلية
العربية المختلفة إلا انها لا ترقى إلى مستوى لغة مستقلة بذاتها. و كان حريا
بليزبون أن تسأل ببساطة : "هل تتحدثين العربية"؟!
و من الأشياء غير الواقعية أيضا في الحلقة، الشقة التي يعيش فيها المهرب
السلوفاكي في لبنان. فهي شقة قديمة تحتوي على أثاث عتيق من الطراز الذي تشعر معه أنك تتجول
في متحف و ليس في شقة سكنية!
و من أكثر المشاهد التي تدل على عدم وجود "خبير عربي" في تلك الحلقة التي يفترض أن أحداثها تدور في بلد عربي، مشهد القبض على المجرم يان نيميك، حيث تدور أحداث ذلك المشهد في بداية الأمر بصورة اعتيادية إلى أن يقرر أحدهم أن يقول و بدون أي مناسبة : "يا حبيبي"....! و كأن الأمر هو مجرد حشر لكل الأمور "النمطية" العالقة بذهن المشاهد الأمريكي عن العالم العربي ومن بينها بالطبع تلك الكلمة الشهيرة التي تجدها في أكثر البلدان العربية.
و لإنهاء اللمسة العربية في تلك الحلقة، كان لا بد أن يتضمن المشهد الأخير
الاحتفال بنهاية شهر رمضان، و كاد أن يكون ذلك أمرا رائعا ومؤثرا لولا أن الحلقة من
بدايتها إلى نهايتها تضمنت نساء ورجال محليين والكل يأكل و يشرب الشاي و يدخن السجائر في وضح النهار،
فكيف يحتفلون بنهاية شهر رمضان إذا لم يكن أهل البلد صائمين أصلا؟!
و على كل حال نتفهم شغف الغربي بالثقافة العربية و انبهاره
"بغرابتها" و تفردها، و نقدر بحثه الدؤوب عن الأصالة و العراقة في تلك
الثقافة . و على الرغم من وجود فروق جوهرية بين الشرق و الغرب إلا أننا نحب أن
نلفت إنتباهه إلى أن الحياة اليومية للعرب تغيرت كثيرا بفضل العولمة، و خصوصا
تأثير الثقافة الأمريكية في الأجيال الشابة، و هكذا فالعرب ليسوا بالضرورة أناسا
يعيشون في خيام و يشربون الشاي من الدلة و
يستخدمون الجمال في التنقل...!
No comments:
Post a Comment