Pages

February 25, 2017

!..."التسوق العلمي"

أنيس الباشا




لم يخطر ببالي عندما ذهبت في ذلك اليوم إلى المركز التجاري الكبير مع ابني لشراء حذاء جديد له أننا سنقضي أيضا وقتا علميا ممتعا..!  كنت أعرف المقولة التي تقول أن "العلم يبدأ في البيت" لكني أدركت يومها أن أطفالنا بإمكانهم تعلم الأمور العلمية خارج البيت وفي أماكن مثل الأسواق والمراكز التجارية.

في ذلك اليوم البارد من أيام شهر فبراير خرجنا مبكرا من البيت من أجل البحث عن زوج من الأحذية  الخاصة و التي تستخدم فقط بداخل المنزل و  تُسمى بالألمانية Hausschue”   “ أي "الأحذية المنزلية"، و التي يرتديها الاطفال عادة داخل دور الحضانة. كنت أعلم مسبقا بأن البحث عن حذاء مناسب لمقاس ابني لن يكون عملية سهلة وذلك لأن الفئة العمرية التي ينتمي لها توجد بها نسبة كبيرة من الأطفال لذا فالكميات المعروضة لهذه الفئة تُباع على الفور ولا يبقى منها إلا القليل، ونتيجة لذلك فقد غادرنا البيت في وقت مبكر وقمت بأخذ كتاب وبعض الوجبات الخفيفة على سبيل الاحتياط ليوم على الأرجح أنه سيكون شاقا وطويلا.


ما أن وصلنا إلى المول ودلفنا إلى الدور الأول فيه حتى شاهدنا بعض الأماكن في البهو العريض الممتد على طول المركز وقد امتلئت بمجموعات مختلفة من الصناديق والأدوات مختلفة الأشكال والأحجام. في الواقع كان من المعتاد رؤية أنواع مختلفة من المعارض الصغيرة تقام داخل أروقة المركز سواء في الدور الأول أو الثاني، فمثلا في فصل الخريف يكون هناك مجموعة متنوعة من المحاصيل الزراعية والحبوب موضوعة فيما يشبه المزارع المصغرة، وحين يأتي وقت أعياد الميلاد تكون الصالة مليئة بزينة وأشجار أعياد الميلاد. لكن في ذلك اليوم لم تكن الفكرة من تلك الأشكال الخشبية والمعدنية المتناثرة هنا وهناك واضحة لذلك اقترحت على ابني أن نذهب ونرى بأنفسنا ماهي الفكرة التي يتم عرضها اليوم، وكانت تلك هي البداية لوقت علمي مليء بالمرح قضيناه سويا.








اكتشفت أن الفكرة الرئيسية للمعرض هي "الحواس" والغرض من كل تلك الأدوات والتركيبات الموزعة على طول الممر هي اعطاء الأطفال – والكبار- فكرة عن ذلك الموضوع وتحفيز الاطفال على ان يتعرفوا على كيفية عمل الحواس عن طريق بعض الألعاب والخدع العلمية الممتعة، وبجوار كل لعبة أو صندوق تعليمات كتبت باللغتين الالمانية والانجليزية تشرح فكرة اللعبة وكيفية عملها. في أول معرض في مدخل الممر كانت هناك لوحة كبيرة معلق عليها صورة  النجار والفنان التربوي هوجو كوكيلهاوس وبجوار صورته نبذة تعريفية عنه. وفقا للويكيبيديا فإن كوكيلهاوس (1900-1984) يُعد سباقا في تصميم ألعاب الأطفال التي تلبي متطلبات النمو النفسي لديهم،  وقد حصل كوكيلهاوس على تقدير دولي خاص لتصميمه ثلاثين منصة خبرة في الجناح الألماني في معرض إكسبو الذي استضافته مدينة مونتريال الكندية عام 1967، وتُعد أفكاره ذات صلة وثيقة بالنظريات المعاصرة في مجال الذكاء والتعليم التكنولوجي و كذلك تصميم بيئات علمية. 




وهكذا بدأنا أنا و طفلي بتفقد تلك المنصات واحدة بعد الأخرى. في إحدى المساحات كانت هناك مجموعة من المواد الطبيعية المختلفة (أحجار-  خشب- صوف) وعلى الأطفال أن يقوموا بلمس هذه المواد بأيديهم لكي يتعرفوا على كل مادة عن طريق حاسة اللمس.




 مساحة أخرى كان بها اسطوانة معدنية كبيرة لحلقات البخار تتيح للأطفال مراقبة حلقات البخار وهي تتحرك وملاحظة المسافة التي تقطعها في مسارها. 






كان ابني مستمتعا للغاية بكل تلك الالعاب والخدع ويريد تجربة كل شيء، قرأت ذات مرة أن الأطفال الصغار يكونون أكثر تفاعلا مع الأشياء التي بإمكانهم رؤيتها أو لمسها أو اللعب بها، وقد تذكرت هذا الكلام وأنا أراقب ولدي وهو ينتقل من لعبة لأخرى ومن مكان لاخر محاولا أن يفهم وأن يتفاعل مع الاشياء التي يراها. لكن اللعبة التي جذبت انتباهه أكثر من أي شيء آخر كانت الخدعة البصرية للجسم المختفي أو ما يعرف أحيانا ب "الرأس في الطبق" وهي عبارة عن كابينة صغيرة يقوم الشخص بالدخول تحت طاولة زجاجية من أحد جوانب الكابينة وحينها يمكن لمن يقف خارجها أن يرى رأسه فقط وقد برز من وسط فتحة في تلك الطاولة على شكل طبق بينما يكون بقية الجسم غير مرئي.





دُهش ابني كثيرا لهذه الخدعة ورغم أنه قام بتجربة كل الالعاب والنشاطات أكثر من مرة إلا أنه دائما ما يعود إلى تلك الكابينة ليجرب هذه الخدعة مجددا. طلب مني أن أدخل أنا تحت تلك الطاولة وفعلت رغم صغر المكان وحاول ابني ان يلتقط لي صورة آنذاك إلا انها كانت مشوشة بسبب اهتزاز يده اثناء ضحكه وهو يرى رأسي فقط يظهر من وسط المائدة.




أثناء اللعب مع طفلي وتجربة تلك الألعاب شعرت باعجاب كبير تجاه تلك الجهود التي بُذلت من اجل انجاز ذلك العرض العلمي و الذي و ان كان بسيطا إلا أنه جذاب جدا و قد استطاع ان يشد انتباه الاطفال. يقول الخبراء أن الأطفال يجب أن تتوافر لهم بيئات علمية ثرية مليئة بالتحديات بينما يتساءل آخرون كيف يمكن خلق بيئات علمية جذابة بحيث تتمكن من تحفيز الأطفال وتشجيعهم على تجربة اشياء جديدة ومحاولة الاكتشاف بأنفسهم. أي أن المحك هنا هو كيف يمكن مزج التعليم باللعب والعلم مع المرح بطريقة تساعد الأطفال على الشعور بأهمية العلم في سن مبكرة. وفي الحقيقة فإن ما رأيته يومها في المركز التجاري كان عبارة عن تجسيد عملي لتلك المعادلة الصعبة.








بعد مضي بعض الوقت اكتشفت اننا لم نشتر بعد الغرض الذي جئنا خصيصا من أجله ألا وهو الخُف المنزلي، وكان من الطريف أن ابني الذي كان متحمسا للغاية هذا الصباح لشراء الحذاء قد نسى تماما هذا الموضوع وانغمس في اللعب والاستكشاف. وهكذا تمكنت من اخراجه من هناك بصعوبة لكي نصعد الى الدور العلوي ونبدأ عملية البحث عن الحذاء، ولحسن الحظ حين عدنا الى البيت لاحقا كان معنا الحذاء الجديد وايضا كنا قد قضينا وقتا ممتعا في ذلك المكان.



إننا كآباء وأمهات نلعب دورا محوريا في تقديم العلم لأطفالنا و تفسيره لهم حسب استطاعتنا و خلفيتنا المعرفية، و ربما كان ذلك صعبا في كثير من الأحيان لذا علينا أن نستغل كل فرصة ممكنة يمكن أن تساعد في تحقيق ذلك الغرض . لذا فقد أشعرت بامتنان كبير لتلك الفكرة الذكية التي صادفناها في مركز تجاري حيث تم دمج التسوق مع التعلم و المرح مع العلم بطريقة بسيطة ومبتكرة وفعالة.


No comments:

Post a Comment