رشــا المقالح
من المؤسف أن ينتهي العام الحالي بحدث أليم مثل وفاة الدكتور محمد شحرور...المفكر الإسلامي العبقري الذي غير حياة الكثيرين بأفكاره النيرة و منطقه القوي.... محمد شحرور لعب دورا بارزا في تغيير كثير من الأفكار التقليدية السائدة...و هو أول من قدم منهجا متكاملا لفهم القرآن و لمراجعة الموروثات الإسلامية....
على المستوى الشخصي كان للدكتور شحرور أثرا كبيرا في تغيير نظرتي لله و للحياة و الناس...فقبل عدة سنوات تعرفت على فكرهذا الرجل عن طريق مشاهدتي لمقطع فيديو لبرنامج حواري بين الدكتور شحرور و سعاد صالح أستاذة في جامعة الأزهر...هذا المقطع أرسله لنا أحد الأصدقاء بعد أن حاول مرارا و تكرارا - دون فائدة - لفت انتباهنا لفكرالدكتور شحرور. بعد مشاهدتي لهذا المقطع خرجت بانطباعين: الأول أن الدكتورة سعاد صالح و التي تمثل التيار التقليدي بدت أمام منطق الدكتور شحرور - القوي و المتماسك - بدت هزيلة للغاية...عصبية...منفعلة...غير منطقية...حججها واهية....و على الرغم من دراستها و تخصصها في الفقه المقارن إلا أنها لم تستطع الصمود أمامه! كما إنها قالت في بداية الحلقة أنها قرأت كتابه "الكتاب و القرآن" و لكن اتضح فيما بعد مع تطور النقاش أنها لم تفهم أبدا موقف الدكتور شحرور و لا مصطلحاته. و لم أدري وقتها هل هي قرأت الكتاب فعلا و لم تفهمه أم إنها لم تقرأه أساسا و إنما مرت عليه بشكل عابر دون قراءة متفحصة؟ و في كلتا الحالتين : لماذا؟!
الانطباع الثاني شعرت باحترام كبير تجاه الدكتور شحرور و ذلك لعدة أسباب منها منطقه و فكره الفلسفي و كذلك طريقته في الحوار و هدوءه...شعرت أنني أمام مفكر حقيقي لا يردد ما سمع و إنما يتحدث عن نتائج وصل إليها بعد طول بحث و دراسة و تفكر.
و لكنني في الوقت نفسه لم أفهم كثيرا من العبارات التي استخدمها لأنها كانت جديدة علي تماما مثل "القرآن كلام الله و الواقع كلماته"..الفرق بين "الكتاب و القرآن"...كثير من العبارات و المفاهيم التي كان يتحدث عنها الدكتور في تلك المقابلة بدا لي غير مفهوم و غريب جدا...لما لا و هي لا تشبه كل ماتربينا عليه و سمعناه من قبل؟!
ذلك الحوار شكل بالنسبة لي علامة فارقة..هشاشة منطق سعاد صالح لامسني بشكل مباشر لأنه أظهر لي و بشكل واضح هشاشة الموقف الفكري و الديني الذي كنت أتبناه وقتها، و قد سآءني هذا الأمر إلى أبعد حد..!
و لما لم يكن من المعقول أن أكون موقفا واضحا من فكر الدكتور شحرور من مجرد مشاهدة برنامج واحد فقط لذا قررت أنني بحاجة لقراءة المزيد و أن أتعرف أكثر على فكر هذا الرجل. لذا بحثت عن أول و أهم كتبه و هو كتاب "الكتاب و القرآن" و قرأته بتأني و صبرحتى نهايته و هو كتاب كبير تزيد عدد صفحاته عن الثمانمائة صفحة. و قد شدني الكتاب بمنهجه و حججه و منطقه و مصطلحاته...من الصفحة الأولى و حتى الصفحة الأخيرة..
و لكنني في الوقت نفسه لم أفهم كثيرا من العبارات التي استخدمها لأنها كانت جديدة علي تماما مثل "القرآن كلام الله و الواقع كلماته"..الفرق بين "الكتاب و القرآن"...كثير من العبارات و المفاهيم التي كان يتحدث عنها الدكتور في تلك المقابلة بدا لي غير مفهوم و غريب جدا...لما لا و هي لا تشبه كل ماتربينا عليه و سمعناه من قبل؟!
ذلك الحوار شكل بالنسبة لي علامة فارقة..هشاشة منطق سعاد صالح لامسني بشكل مباشر لأنه أظهر لي و بشكل واضح هشاشة الموقف الفكري و الديني الذي كنت أتبناه وقتها، و قد سآءني هذا الأمر إلى أبعد حد..!
و لما لم يكن من المعقول أن أكون موقفا واضحا من فكر الدكتور شحرور من مجرد مشاهدة برنامج واحد فقط لذا قررت أنني بحاجة لقراءة المزيد و أن أتعرف أكثر على فكر هذا الرجل. لذا بحثت عن أول و أهم كتبه و هو كتاب "الكتاب و القرآن" و قرأته بتأني و صبرحتى نهايته و هو كتاب كبير تزيد عدد صفحاته عن الثمانمائة صفحة. و قد شدني الكتاب بمنهجه و حججه و منطقه و مصطلحاته...من الصفحة الأولى و حتى الصفحة الأخيرة..
أكثر ما أعجبني في الكتاب هو اعتماده لمنهج واضح في فهم القرآن انطلاقا من فهم اللغة العربية، و كان أكثر ما صدمني هو جزئية أن "لا ترادف في القرآن"..! هذه النقطة كانت محورية جدا في تغيير نظرتي للقرآن و تغيير فهمي له....فعلى سبيل المثال كانت الفروق المنطقية التي ساقها المؤلف بين الكلمات المتشابهة مثل: "جاء و أتى"..."نزل و أنزل"...مدهشة للغاية !
أذكر أنني عندما كنت في المرحلة الإعدادية خطر في بالي سؤال عن الفرق بين النبي و الرسول و سألت والدي رحمه الله و لكنه لم يستطع الإجابة فاتفقنا أن أسأل أستاذة التربية الإسلامية. و بالفعل في اليوم التالي و عندما ذهبت إلى المدرسة سألت أستاذة الإسلامية فقالت لي أن النبي هو الذي يوحى إليه و لكنه لا يؤمر بالتبليغ أما الرسول فيوحى إليه و يكلف بتليغ الرسالة..فقلت لها : " و لكن الله يقول عن النبي محمد إنه "رسول الله و خاتم النبيين" أي أنه نبي و رسول...! فحارت في أمرها ثم طلبت مني أن أمهلها بعض الوقت و انها ستجيبني في الغد.. و لكنها ظلت تماطل عدة أيام و عندما كنت أسألها كانت تقول:" أي سؤال تقصدين؟"..." أها! نعم نعم ذكرت غدا ان شاء الله..."، و عندما أخبرت والدي رحمه الله عن تصرفها نهرني بشدة و طلب مني ألا أحرجها مرة أخرى..! و هكذا اضطررت لبلع سؤالي و لم أسأل مرة أخرى.... و بعد تلك السنين الطويلة وجدت الإجابة المقنعة في كتاب الدكتور محمد شحرور " الكتاب و القرآن"...حيث أفردا فصلا لتوضيح الفرق بين النبوة و الرسالة و عرفت معه الفرق بين "الموضوعي" و " الذاتي"...
بعدها شعرت برغبة شديدة في قراءة بقية كتبه فقرأت كتابه " الإيمان و الإسلام" ثم قرأت كتاب " الدولة و المجتمع" و كتاب "تجفيف منابع الإرهاب" و كتاب " نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي" و غيرها ...بعد أن فهمت فكره و مصطلحاته و منطقه، توصلت الى حقيقة مخيفة: لقد تعرضنا لخداع فكري كبير... ربما كانت أكبر عملية خداع في التاريخ البشري المعاصر...صرت أتساءل عن كل شيء و لا أقبل بأي إجابة كما صرت أرفض ابتلاع أي سؤال..! من حقي أن أسأل و أتساءل و أن أبحث و أقبل و أرفض...و كان هذا هو أجمل ما تعلمته من فكر الدكتور محمد شحرور رحمه الله...
ثم بدأت أرى موروثاتنا الدينية على حقيقتها و ليس كما أريد لنا أن نراها و نقدسها :
أذكر أنني عندما كنت في المرحلة الإعدادية خطر في بالي سؤال عن الفرق بين النبي و الرسول و سألت والدي رحمه الله و لكنه لم يستطع الإجابة فاتفقنا أن أسأل أستاذة التربية الإسلامية. و بالفعل في اليوم التالي و عندما ذهبت إلى المدرسة سألت أستاذة الإسلامية فقالت لي أن النبي هو الذي يوحى إليه و لكنه لا يؤمر بالتبليغ أما الرسول فيوحى إليه و يكلف بتليغ الرسالة..فقلت لها : " و لكن الله يقول عن النبي محمد إنه "رسول الله و خاتم النبيين" أي أنه نبي و رسول...! فحارت في أمرها ثم طلبت مني أن أمهلها بعض الوقت و انها ستجيبني في الغد.. و لكنها ظلت تماطل عدة أيام و عندما كنت أسألها كانت تقول:" أي سؤال تقصدين؟"..." أها! نعم نعم ذكرت غدا ان شاء الله..."، و عندما أخبرت والدي رحمه الله عن تصرفها نهرني بشدة و طلب مني ألا أحرجها مرة أخرى..! و هكذا اضطررت لبلع سؤالي و لم أسأل مرة أخرى.... و بعد تلك السنين الطويلة وجدت الإجابة المقنعة في كتاب الدكتور محمد شحرور " الكتاب و القرآن"...حيث أفردا فصلا لتوضيح الفرق بين النبوة و الرسالة و عرفت معه الفرق بين "الموضوعي" و " الذاتي"...
بعدها شعرت برغبة شديدة في قراءة بقية كتبه فقرأت كتابه " الإيمان و الإسلام" ثم قرأت كتاب " الدولة و المجتمع" و كتاب "تجفيف منابع الإرهاب" و كتاب " نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي" و غيرها ...بعد أن فهمت فكره و مصطلحاته و منطقه، توصلت الى حقيقة مخيفة: لقد تعرضنا لخداع فكري كبير... ربما كانت أكبر عملية خداع في التاريخ البشري المعاصر...صرت أتساءل عن كل شيء و لا أقبل بأي إجابة كما صرت أرفض ابتلاع أي سؤال..! من حقي أن أسأل و أتساءل و أن أبحث و أقبل و أرفض...و كان هذا هو أجمل ما تعلمته من فكر الدكتور محمد شحرور رحمه الله...
ثم بدأت أرى موروثاتنا الدينية على حقيقتها و ليس كما أريد لنا أن نراها و نقدسها :
إله المسلمين غاضب...ساخط..يعاقبنا على أبسط الأمور...حياتنا اليومية معقدة و مليئة بالأغلال و القيود التي لا نفع منها....نظرتنا للكون سطحية و ساذجة...المفاهيم لدينا مختلطة بشكل سافر فالشعائر هي الأخلاق و الصلاة أهم من العمل و الدنيا حقيرة و المرأة شيطانة يجب طمس هويتها و عزلها و السيطرة عليها بكل الطرق... و غيرها من الأمور التي نشأنا على تقبلها و تقديسها و الإيمان بها دون تفكير و تدقيق...و لكن من ذا الذي يجرؤ على التفكير والتساؤل و هو يخشى من بطش اله غاضب غير متسامح؟
و هكذا تغيرت نظرتي لله و للحياة و الدين...أصبحت أكثر تصالحا مع نفسي و مع العالم من حولي...جعلني فكر الدكتور شحرور أستعيد انسانيتي المفقودة و أنقي فطرتي من التشوه الحاد الذي أصابها جراء سنوات طويلة من الغرس الديني المتحجر...كما جعلني أكثر تسامحا مع الآخر و أكثر مرونة في فهم الأفكار و تقبلها أو رفضها...صرت أحترم عقلي و لا أسمح لأحد بالتقليل من شأنه و لم أعد أرى في نفسي "عورة و لا فتنة و لا عار و لا شيطان و لا أكثر أهل النار"...باختصار لقد وضعني فكر الدكتور محمد شحرور على الطريق الصحيح لحياة انسانية هادئة متصالحة، و شكل فكره مرحلة هامة من مراحل حياتي...
و اليوم وعلى الرغم من الغصة و الألم للخسارة العظيمة برحيله إلا أن النور الذي تركه خلفه سيضيء حياة الكثيرين و سيمد جسورا كبيرة - هدمها الآخرون -بين الإنسان المسلم و العالم من حوله . و سيبدد هذا النور ذلك الظلام الدامس الذي أريد لنا أن نغرق فيه....و هذا هو عزائي الوحيد....!
No comments:
Post a Comment