Pages

December 9, 2015

ما يجري في اليمن...بعيون صحفي ألماني

أنيس الباشا


"اليمن...الحرب و الهروب"...عندما سمعنا بوجود ندوة تعريفية عن اليمن و الحرب الحاصلة فيها تحت ذلك
 العنوان، شعرنا بالسعادة لأن هناك من سيتحدث أخيرا عما يحصل في اليمن و عن معاناة اليمنيين.
 إذ يبدو أن العالم كله يعرف بما يجري في سوريا وليبيا والعراق والصومال وميانمار وكولومبيا والفلبين والقطب الجنوبي وحتى إريتريا التي لا أعرف أنا نفسي إلى الآن ماذا يحصل فيها..لكن هذا العالم لا يعرف شيئا عن ذلك اليمن المسكين الذي ابتلاه الله بأسوأ وألعن جيران في تاريخ البشرية والذي يشن عليه هؤلاء الجيران حرب إبادة بأدوات موت غربية، أدت إلى تدمير البلد فعليا وزادت حياة اليمنيين بؤسا وتعقيدا.

جاء موعد الندوة وذهبنا متحمسين و قمنا بدعوة بعض الأصدقاء الألمان لحضور المناسبة. أعد الندوة صحفي ألماني حيث بدأ بعرض شرائح تم اعدادها ببرنامج الباور بوينت، كان الصحفي يعرض الشريحة ويقرأ من الصفحات المطبوعة بين يديه، بدأ الكلام بمعلومات عامة عن اليمن جغرافية ومناخية وما إلى ذلك..ثم بدأ الجانب الديني والذي جعلني أتململ في مقعدي ..فطبقا لكلام الأخ الصحفي فاليمن مقسمة "دينيا" إلى ثلاثة مناطق.. سنية في الجنوب وزيدية "شيعية" في الشمال وإسماعيلية في الوسط!



بذلت جهدا كي أظل هادئا وأواصل الاستماع لبقية المعلومات المذهلة ..وأقول مذهلة لأنني وأنا اليمني القادم من اليمن التي عشت فيها أكثر من ثلاثين عاما لم أكن أعرف أبدا بهذا التقسيم العبقري للمذاهب في بلدي!
تواصل العرض و تحدث الصحفي لأكثر من ساعة، و كان الجانب الذي انتظرناه هو بالطبع ما بعد 26 مارس 2015 حين بدأ العدوان الهمجي على اليمن، لم ننتظر بالطبع أن نرى صورا للأشلاء والبقايا الممزقة للأطفال والرؤوس المقطوعة، فالغربيون لا يميلون أبدا لنشر هذه الأمور احتراما لكرامة الإنسان وحفاظا على المشاعر الآدمية من أن تتبلد بعد هكذا مشاهدات و حتى لا يتحول التبلد إلى تعود فيما بعد، وهم على حق تماما في هذه وليتنا نحذو حذوهم في هذا الجانب..المهم..انتظرنا أن يتم الحديث عن بشاعة العدوان بالصورة المتحضرة : بالأرقام والحقائق..!وربما تأملنا – ولنا كل الحق- أن يكون هناك بعض الكلام الإنساني المنفعل عن عدوان تشنه ثالث دولة تشتري السلاح على مستوى العالم على بلد يوصف في وسائل الإعلام بأنه "أفقر بلد في المنطقة"..لكن الكلام جاء عائما..سطحيا.... كأن الموضوع ببساطة هو مجرد "سوء فهم" و "خلاف" بيننا وبين السعودية والتحالف الذي تقوده وليس عدوانا وحشيا فاق في عدد غاراته الغارات الجوية التي شهدتها الحربين العالميتين!
ويمكن القول أن تركيز الصحفي كان منصبا على موضوع "شيعي-سني" وهي – على ما يبدو- التيمة المفضلة في العالم الآن والتي يجب التركيز عليها وجعلها الشماعة التي يمكن أن نعلق عليها كل شيء!

صحيح أنه تحدث عن الوضع الإنساني المتدهور في اليمن و لكنه كان حديثا مقتضبا و سريعا، و كأنه جانب غير مهم لا يستحق تسليط الضوء عليه مثل موضوع الشيعة و السنة!


كان العرض محبطا و غير دقيق إلى حد ما، فمثلا ورد في العرض أن السعودية و من خلال غاراتها الجوية في اليمن تمكنت من قتل قادة حوثيين!


 و أدركت وقتها لماذا اليمن مظلومة في الإعلام الغربي ولماذا لا يعرف الناس حقيقة ماذا يحدث هناك.
في نهاية حديث الصحفي تم افساح المجال للأسئلة..و سئلناه لماذا لم يذكر مطلقا أعداد الضحايا المدنيين سواء القتلى أو المصابين،  فجاء رد الأخ الصحفي بأنه قد "أشار" في مجمل الحديث إلى أن هناك غارات جوية ومعارك، و لكن ليست هناك أرقاما دقيقة صدرت من جهة محايدة موثوقة بحيث يمكن اعتمادها. أخبرناه – كما أخبرنا أصدقاءنا الألمان الجالسين بالقرب منا - بأن هناك تقارير للأمم المتحدة و منظمة العفو الدولية و هيومن رايتس ووتش و غيرها. لكن لم يبدو على الصحفي الاقتناع.

في الأخير وجدت نفسي أقول لك الله يا يمن وربما لو أبيد هذا البلد بأكمله من على وجه الخريطة لظل العالم لا يعرف عنه شيئا...!

تكلمنا بعد العرض مع الأصدقاء الألمان وحاولنا أن نشرح لهم الحقيقة أو على الأقل جزءا منها..وفي الحقيقة، البعض منهم كان يشعر بأن الموضوع "أكبر" مما رآه وأن هناك الكثير من الحقائق التي يجهلونها...لكن في النهاية ما الذي يمكن أن يٌقال؟

هل نقول أن اليمن لم تعرف أبدا مسألة سني شيعي هذه من قبل أو زيدي شافعي وأن الناس في اليمن ولمئات السنين تعايشوا سنة وشوافع بدون أن يتوقف أحد لحظة عند هذا التوصيف؟

هل من سبيل لإقناعه بأن الحرب التي شنتها السعودية على بلادنا سببها هورغبتها المستمرة في فرض هيمنتها على اليمن، و أنها أدت إلى قتل وتشريد الناس وتدمير البلد بمقدارته البسيطة وبنيته التحتية البائسة وجعلت عشرين مليون يمني مهددين بالمجاعة؟


أن "الأرقام" - التي يصر صديقنا الصحفي على أنها غير دقيقة -  موجودة ، وكل رقم يمثل حياة إنسان يمني كان له الحق في أن يحيا ويعيش ويحلم بغد أفضل قبل أن تختصر حياته قنبلة أو صاروخ اشترته السعودية من أوروبا وأمريكا...و لكن يبدو أن اليمني محروم من أبسط حقوقه....محروم حتى من حقه في أن يصبح مجرد رقم!

December 5, 2015

حكاية عم حمود


أنيس الباشا
قصة قصيرة


جميع سكان الحي بلا استثناء يعرفون عم حمود، هناك في دكانه الصغير الذي اكتظت رفوفه الخشبية المتهالكة بأنواع مختلفة من الزيوت والصابون والمعلبات والحلويات....يجلس عم حمود على كرسي خشبي متداعي بوجهه البشوش وسنوات عمره التي تجاوزت الخمسين.. لا يغادر مكانه إلا حين ينطلق آذان الجامع القريب ينادي على الصلوات المختلفة، عندها ينهض عم حمود ويغلق الدكان ويسير بخطى متئدة إلى الجامع ليصلي ثم يعود إلى دكانه الذي يغادره في وقت متأخر ليلا إلى داره التي يعيش فيها مع زوجته والدار نفسها قريبة لا تبعد إلا بضعة أمتار عن الدكان..وبعد أداء صلاة الفجر مباشرة في الجامع يفتح عم حمود دكانه الذي يقضي فيه أضعاف الوقت الذي يقضيه في منزله الصغير..

يعرف الجميع أن دكان عم حمود المتواضع هو المكان الذي يمكن أن تجده مفتوحا في وقت متأخر من الليل لو كنت تبحث عن بعض الشاي أو قرص رغيف أو لفافة تبغ..بالطبع في ذلك الوقت يغلب أن يجد الزبون عم حمود وقد غلبه النعاس والنوم لكنه يستيقظ فورا حين يشعر بقدوم أحد..لماذا لا يقفل باكرا ويعود لبيته؟ كذا سأله الكثيرون لكنه كان يضحك ويقول أنه يحب السهر في الدكان ولا يميل للجلوس في البيت ومشاهدة مسلسلات المساء التي تتابعها زوجته بشغف وإهتمام!

عم حمود شخص بسيط ومرح..وهو أيضا صاحب فضول قوي، لذا لا يمكن أن يأتي زبون ليشتري شيئا ما من دكانه إلا ويدخل معه في حوار مرتجل عن الأحوال الإجتماعية والشخصية لذلك الزبون أو عن السياسة أو حال البلد والناس، وهي حوارات لا بد منها مهما كانت نوعية الزبون..رجل، كهل، طفل، وإن كان عم حمود يتحفظ قليلا ويخفف من حماسته وفضوله عندما يكون الزبون إمرأة ، بإستثناء العجائز اللواتي يتكلم معهن في بساطة وبدون تكلف وهن بدورهن يبادلنه الحديث بأريحية وبدون تحفظ..
عم حمود- كمعظم اليمنيين- يؤمن أن كل شيء مقدر ومكتوب ولا سبيل أبدا إلى تغيير هذا القدر، لذلك حين أصيبت زوجته بآلام شديدة في جنبها ولم يفلح مغلي ورق النعناع في تخفيف الآلام التي ألمت بها، اضطر عم حمود في النهاية لأخذها إلى المستشفى، وهناك أخبروه أنها تعاني من الزائدة الدودية وأن عليهم أن يجروا لها جراحة عاجلة لإستئصالها، وبسبب الإهمال الطبي المعتاد وغباء التشخيص ولامبالاة الكادر الطبي توفيت زوجة عم حمود وكان من الممكن أن تعيش أكثر لو أنها فقط تلقت العناية المناسبة وأجريت لها تلك الجراحة الروتينية التي تُجرى لكثير من الناس في كل مكان في هذا العالم، لكن عم حمود لم يلق اللوم على أحد بل اكتفى بهز كتفيه في أسى مرددا أن هذا هو قدرها وأجلها المحتوم الذي لم يكن ليفلح أي شيء في تغييره!

من الممتع – إذا لم تكن على عجلة من أمرك- أن تستمع إلى عم حمود وهو يتكلم في شئون الحياة والبلد والناس..بلغته الريفية البسيطة وطبيعته المنطلقة التي لا تخلو من حكمة..ولا بد أن تسمعه يردد مرارا أن الأمور كانت أفضل وأجمل في الماضي، وبالنظر إلى أنه يردد هذه الجملة منذ عقود فلا شك أن الرجل يتحدث عن عصر من عصور ما قبل التاريخ حين كانت حياة الناس قمة في الروعة والجمال ولا توجد مشاكل من أي نوع!
أما عن رؤيته الاقتصادية فيؤمن عم حمود أن "الزلط" أي النقود هي أساس كل المشاكل وأنها يجب أن تكون في متناول الجميع كي يعيشوا حياتهم بهناء..وهو بهذه الكلمات العادية يلخص –ببساطة- العديد من النظريات الاقتصادية المعقدة التي تنادي بعدالة التوزيع ورفع مستوى المعيشة للناس..

الشيء الذي كان يكرهه وينتقده عم حمود بشدة هو المناطقية والطائفية، ورغم ولعه بالنكات وسؤال الزبائن دائما عن آخر نكتة والتي يقهقه بشدة حين يسمعها حتى أن كل من يتواجد في الشارع يمكنه سماع ضحكه وقهقهته، إلا أنه كان يغضب من النكات المناطقية التي تسخر من أبناء منطقة ما أو تنتقد فئة ما وكان يصرخ في وجه من يقول مثل هذه النكات بل ويرفض حتى أن يبيع له شيئا من دكانه بينما يضحك الواقفون حول الدكان وهم يتابعون غضبة عم حمود الذي يردد دائما أن والده من الشمال ووالدته من الجنوب وهو متزوج من المناطق الوسطى لذا فلا يؤمن بشيء اسمه المناطقية في اليمن، ولا بد حين تمر جوار دكان عم حمود في العصر أن تسمع أغنية أيوب طارش "أنا يمني" تتصاعد من جهاز كاسيت قديم معلق على باب الدكان كما لو كانت هذه الأغنية بمثابة الرد من عم حمود على مروجي النكات والأقاويل التي لا تروق له..

على المستوى الوطني كان عم حمود من الجيل الذي شهد في شبابه فترة ثورات الدول العربية في الخمسينات والستينات واستمع هو وغيره من الشباب إلى خطب عبدالناصر الملتهبة عبر الراديو وعاش مع غيره حلم "الوطن العربي الكبير" وترنموا بأغنية "وطني حبيبي الوطن الأكبر"..وبرغم أن هذا كله كان من الماضي إلا أن عم حمود ظل يؤمن بشدة بأن العرب سيتحدون يوما ما ويستعيدوا المسجد الأقصى من قبضة الصهانية بعد أن يهزموهم شر هزيمة، و كنت ترى دموع الرجل تلتمع في عينيه حين يتابع نشرات الأخبار ويشاهد المجازر التي تحصل في فلسطين..وهي البلد الوحيد الذي تجد علمه ملصقا على ضلفة باب دكان عم حمود جوار العلم اليمني..لذا فقد سبب غزو العراق لعم حمود صدمة شديدة وزعزع إيمانه الراسخ بموضوع "الوحدة العربية" وهو الذي رأى على شاشة التلفزيون تلك الدول العربية وهي تمهد وتذلل وتساعد على غزو العراق! 

المرة الوحيدة التي رأي فيها الناس عم حمود يفقد ابتسامته البشوشة ويعبس وجهه، كانت حين عاد ابنه الأصغر من الحدود السعودية مصابا بحروق خطيرة في جسده جراء قيام بعض الجنود هناك باشعال النار في أجساد فتية طحنتهم ظروف الحياة وانعدام فرص العمل ففروا إلى الحدود القريبة علهم يجدون عملا ما، لكنهم وجدوا أنفسهم وقد تحولوا إلى مُطاردين كأنهم ارتكبوا جرما ما..

يومها كان وجه عم حمود طوال اليوم متجهما حزينا لكنه لم يتذمر أو يشكو أو يشتم.. وحين سئله البعض عن الذي حصل لولده اكتفى بهز كتفيه والقول بأسى أن ما حصل هو "قضاء وقدر" وأن "طلبة الله تشتي صبر وتعب"..
ويومها أيضا عرف سكان الحي أن لعم حمود عددا من الأبناء الذين تغربوا جميعا في أماكن مختلفة داخل البلد وخارجها بينما بقى هو وزوجته لوحدهما في بيتهما الصغير، وهو رغم تمسكه الشديد بالبقاء في بلده إلا أنه لم يكن يعارض سفر أبنائه وهجرتهم.. "يطلبوا الله" كذا كان يردد دائما بابتسامة واسعة كلما سئله أحد عن أبنائه..
و عندما تقدمت السنون بعم حمود، لم يلحظ أحد أن مشيته صارت أكثر بطئا وأن كتفيه صارا أكثر إنحناءا، ولم يهتم أحد بكثرة التجاعيد في وجهه والهموم التي حفرت خطوطها في ملامحه وكيف صار أقل مرحا واندفاعا ولم يعد يسأل في لهفة عن آخر نكتة أو يتكلم في السياسة والاقتصاد وأحوال الناس، بل صار جل حديثه عن الموت والزهد في الحياة، وقد سمعه الكثيرون يردد أنه يتمنى أن يموت بهدوء وبدون "دخلة مستشفيات وبهذلة" ..
فوجىء عم حمود كما فوجىء كثيرون بالحرب البشعة التي شنتها السعودية على البلد، ومع تطور الأوضاع وطول الحرب أغلقت المحلات أبوابها وفر كثير من سكان الحي هربا من الموت والدمار الذي لا يفرق بين أحد، لكن عم حمود بقى في دكانه الصغير يفتحه ويغلقه في نفس المواعيد، لكنه كان مستاءا كونه مضطر لزيادة أسعار السلع الغذائية، وكان دائما ما يكرر للزبائن أن جشع التجار- قاتلهم الله – و بشاعة الحرب لا يرحمان أحد. وقد حاول عم حمود أن يجاري الوضع لمدة، إلا أنه عجز عن الاستمرار في شراء البضائع بتلك الأسعار المرتفعة واستمر ببيع ما لديه حتى نفد كل شيء، ومع ذلك استمر عم حمود بفتح دكانه الصغير مكتفيا بالبقاء فيه لساعات وسط الأرفف الخشبية الفارغة وكأنه يتحدى الوضع القائم من حوله ويؤكد صموده وبقائه.. كان يحاول دائما أن يرفع من معنويات الآخرين مؤكدا أن الله سيرفع البلاء وينتقم من الظلمة..وظلت أغنية "أنا يمني" تنبعث من المذياع بين الحين والآخر كأنها رسالة عم حمود للعالم بأسره..لكن تلك الأيام القليلة حفرت مزيدا من الخطوط والتجاعيد والمرارة على وجهه المسن الطيب الذي فقد بشاشته تماما...

في يوم الجمعة ذاك لم يكن باستطاعته أن يغتسل كما كان يفعل دوما لأن المياه مقطوعة منذ أسابيع، لذا اكتفى بالوضوء بالقليل من الماء الذي قدمه له بعض الجيران واتجه بخطوات بطيئة متثاقلة نحو المسجد..لم يعد يوم الجمعة مميزا في حياته كما كان فيما مضى حين كانت زوجته على قيد الحياة حيث يعبق المنزل برائحة البخور منذ الصباح وتنبعث ايات القرآن من المذياع وتنهمك زوجته في إعداد أصناف مختلفة من الطعام..الجمعة كان اليوم الوحيد الذي لا يتناول فيه عم حمود طعام الغداء في الدكان حيث يغلقه قبل صلاة الجمعة ثم يذهب مباشرة بعد الصلاة إلى بيته ليتناول طعامه مع زوجته وبعدها "يحبس" بكوب من الشاي قبل أن يغادر إلى الدكان وفي يده كيس بداخله أعواد القات والماكينة اليدوية التي يطحن بها الأوراق توطئة لوضعها في فمه ومضغها حيث لم تعد أسنانه قادرة على ذلك كما كانت في السابق، أما بعد وفاة زوجته فلم يعد يوم الجمعة يحمل أي بصمة سوى اغلاقه للدكان فقط أثناء فترة الخطبة والصلاة ثم قيامه بفتحه  مباشرة عند خروجه من الجامع وإكتفائه بتناول قدر بسيط من الطعام هناك..
يومها جلس عم حمود مسندا ظهره إلى أحد أعمدة المسجد الباردة، وبعينين متعبتين تابع الخطيب وهو يصعد إلى المنبر ويبدأ بإلقاء الخطبة، كان الجامع مكتظا والوقت صيفا إلا أن عم حمود شعر ببرودة جعلته يضم ركبتيه إلى صدره ويضع الشال الكبير على ساقيه ليدفئهما قليلا، في تلك اللحظات غمرته مشاعر مبهمة لم يعرف كنهها بالضبط لكنه وجد نفسه يتذكر زوجته الراحلة وأولاده الذين سافروا إلى خارج البلد طلبا للرزق، كان يشعر بالراحة لأنهم بعيدين عن هذه المعاناة التي تشهدها البلد لكنه وجد نفسه يتساءل..ترى هل سيجدهم حوله جميعا حين يشتد عليه المرض ويكون قاب قوسين أو أدنى من ملاقاة ربه؟ هل سيتمكنون من المجيء حينها؟ صحيح أن المرء لا يعرف متى يموت لكن أيامه بالتأكيد قد شارفت على النهاية، فقط يسأل الله أن يموت بهدوء وأن يدفن بهدوء وأن يجد اولاده حوله حين يأتيه أجله وبالطبع أن يجد الوقت لينطق الشهادتين..من حسن الحظ أنه قد حج واعتمر قبل سنين طويلة حين كان الأمر بمقدور الجميع.. شعر عم حمود بالذنب لاستغراقه في التفكير في هذه الأمور "الدنيوية" بينما الخطيب يتحدث فحاول أن يعتدل في جلسته ويصغي للخطبة وهو يستغفر في سره..

قام الناس للصلاة ثم بدأوا بالخروج من المسجد والوجوم والتوجس يملأ الوجوه..وجر عم حمود نفسه إلى الخارج بتثاقل، كان يتمنى أن يبقى أكثر..وللمرة الأولى شعر أنه لا يريد الذهاب لأي مكان وأنه ليس لديه أيضا أي مكان ليذهب إليه، منظر الدكان وهو خال تماما كان يؤلمه ويشعره بأن حياته لم يعد فيها أي هدف..كان هناك سوق صغير مرتجل أقيم جوار الجامع مشى إليه بخطوات مثتاقلة وهو يتأمل أنواع الخضروات والفاكهة القليلة التي يعرضها بعض الباعة الذين تمكنوا بطريقة ما من جلب بعضها ..وبينما يمشي في السوق بخطى بطيئة مستندا على عصاته وينظر للناس من حوله بشرود..حدثت الكارثة وانهالت القذائف والصواريخ..

تم كل شيء بسرعة.. وتحول المكان في لحظة إلى قطعة من الجحيم..انتشرت سحب الدخان ورائحة الشواء الممتزجة بالصراخ والنحيب في مشهد درامي مروع، وتناثرت الأشلاء التي ربما لم يعرف أصحابها ما الذي حدث بالضبط قبل أن تفارق أرواحهم أجسادهم..

فيما بعد سيعلم الجميع أن المكان تعرض لغارة جوية قام بها العدوان وأوقعت عددا كبيرا من القتلى والجرحى، وسيبكي الناس ضحاياهم الذين اختطفهم الموت على حين غرة بهذه الطريقة الغادرة، و ستتكلم نشرات الأخبار عن الحادثة التي سينتقدها البعض ويصفها بالبشعة بينما سيصمت البعض وسيحاول آخرون تبرير هذا العمل الشنيع..كأن قتل الناس بالصواريخ في سوق عام أمر يمكن تبريره! المهم أن كل طرف سيلقي اللوم على أطراف أخرى ويضيع الفاعل والمجرم الحقيقي وتضيع أيضا دماء الناس وسط كل هذه المعمعة...كل هذا سيحدث لاحقا خصوصا بعد أن تنقشع سحب الدخان ويلملم الناس الأشلاء والأجزاء المحترقة و المبتورة وينتهوا من البكاء على من فقدوهم في ذلك اليوم المشئوم..

لكن للأسف لن يتحدث أحد أو يهتم بعم حمود الذي قتل في نفس اليوم، وربما لا يمكن لأحد أن يلوم أولاده الذين لم يتمكنوا من المجيء.. من الصعب في مصيبة كهذه أن يطالب أحد بمجموعة من الأشلاء كي يدفنها بشكل لائق.. ولعل أولاده رأوا أن نسيان ما حصل لوالدهم العجوز أرحم..ربما كان من الأفضل التفكير انه مات بسكتة قلبية مفاجئة وأن الجيران دفنوه بسرعة فلم يتسن لأحد منهم أن يحضر الدفن..إن هذا التفكير أرحم من أن يصدق أحدهم ماحدث فعلا لوالدهم العجوز البشوش المليء بحب الناس والذي تمنى أن يموت بهدوء فقتل بصاروخ جوي من أحدث طراز!

هناك الكثير مثل "عم حمود" في كل مكان في اليمن، بعضهم مات وبعضهم قُتل بدم بارد، والبعض الآخر يموت كل يوم وهو يكافح ويشقى لكي يظفر بحياة كريمة أو شيخوخة هادئة في هذا البلد التعيس الذي استكثر عليه جيرانه المترفين حياة الشقاء والضنك التي يعيشها أبنائه منذ عقود فجاؤا بعتادهم وسلاحهم الذي اشتروه من الغرب ليزيدوا حياة اليمنيين بؤسا وتعقيدا..!


عم حمود الذي نعرفه نحن قد مات و دكانه الصغير قد أُغلق للأبد.. لم يمرض عم حمود بشدة أو يدخل المستشفى قبل أن يموت كما كان يخشى ..ولربما لو دار بخلده أنه سيفارق الحياة بتلك الطريقة البشعة لاختار دخول "المشافي" التي كان يخاف منها..لكنه في النهاية رحل عن هذه الدنيا واستراح من أعبائها ومتاعبها.. ولم يعد أهل الحي يسمعون صراخه على من يلقي عليه نكتة مناطقية أو طائفية ولم تعد تنبعث في الحي مجددا أغنية "أنا يمني"...

December 2, 2015

!أيها المسلمون...يكفي نفاقا







رشا المقالح

قبل فترة قصيرة أرسلت لي صديقتي الإيطالية برسالة صوتية تقول فيها :" أنا أتابع إحدى الصفحات على فيسبوك و تدعى اسلام ايطاليا ، و قد ذكروا في احد المواضيع آية من القرآن و قالوا بأنها تأمر المسلمين بأن لا يكونوا أصدقاء مع غير المسلمين، و يجب أن لا "يحبوهم" لأن هذا سيؤدي للخروج من الدين (حسب تعبيرهم)"! ثم قالت:" أنا لا أعتقد أن هذا صحيح لأنك صديقتي!لكن هل يمكنك أن تشرحي لي لماذا قالوا ذلك؟ أنا أجد ذلك غريبا! "

لا أدري بماذا أجيب صديقتي! هل أقول لها :" و أنا أيضا أجد ذلك غريبا و أحتاج لمن يشرح لي !"
كيف يمكنني أن أفسر لها و لنفسي بأن  هناك من يجرؤ على طرح مثل هذه الفكرة بين المسلمين بل و يروجها و يدلل عليها من القرآن و السنة؟! و هل يمكنني بعد ذلك أن أقول لها أو لغيرها أن الإسلام هو دين الرحمة و دين السلام؟ هل أقول لها أن المسلم يجوز له أن يتزوج المسيحية و اليهودية و لكن لا يجوز له أن يصادق غير المسلمين ناهيك عن أن يحبهم؟؟!  ثم كيف سيتزوجها و يعاشرها بدون مودة و محبة؟؟ و كيف سيتعامل مع أهلها غير المسلمين؟!و الذين سيكونون أهلا لأولاده أيضا؟!

ما هذه الفوضى الفكرية؟! كيف يمكن لرسالة يصفها أتباعها بأنها "عالمية" أن تحتمل مجرد وجود تساؤل عن إمكانية "الصداقة" و "المودة"  مع الآخرين؟هل أخفي على صديقتي أن هناك مئات الفتاوى المنتشرة في الكتب الدينية و مواقع الانترنت و برامج  التلفزيون و التي تروج  لنفس المفهوم و تطلب من المسلم ألا يحمل تجاه غير المسلم أي "مودة قلبية"؟؟! و كأن الحب أو المودة القلبية شيء يمكن التحكم به أصلا؟! هل يمكنك أن تضغط زرا ما فتتوقف عن الشعور بالحب أو المودة تجاه أحدهم؟؟ و أي دين هذا الذي يأمر الناس بألا يحملوا "مودة قلبية" تجاه غيرهم لا لشيء سوى أنهم يختلفون عنهم في العقيدة!

هل أخبرها أن هناك فتاوى "تسمح" للمسلم بمصادقة غير المسلم على شرط واحد فقط و هو أن يقوم بنصحه و محاولة هدايته للإسلام؟؟!!  و لكن إذا أخبرتها بذلك يجب علي أن لا أخبرها أن هذا يتعارض تماما مع كثير من النصوص القرآنية مثلا : (( فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا))  ....!
أو مع الآية التي تقول: (( إنك لا تهدي من أحببت و لكن الله يهدي من يشاء))
أو الآية : (( ليس عليك هداهم و لكن الله يهدي من يشاء))
فإذا كانت هذه الآيات تخاطب النبي محمد و هو المكلف بتبليغ الرسالة فكيف بالمسلم العادي؟!

فوجئت أثناء تصفحي لأحد المواقع الإسلامية بسؤال لفتاة مسلمة تستفسربأن لديها صديقة مسيحية و بأنها تحبها و تحب رفقتها و بأنهما متفاهمتان جدا، و أنها  تحاول دائم جرها للإسلام و أن الفتاة رفضت ذلك و غضبت من صديقتها المسلمة و قالت لها بأنها تحبها كانسانة و لا يجب أن تتحدثا كثيرا في الدين!
فماذا أجاب عليها الموقع الإسلامي؟ طلبوا منها أن تبتعد عن رفقة تلك الفتاة المسيحية و تنهي صداقتها معها!
ألا يتناقض ذلك مع النص القرآني الواضح : (( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا))  أليست تلك الفتوى قطع لما أمر الله به أن يوصل؟! ثم ألم يقل الله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم)) ؟!

متى نسئم نحن المسملون من هذا النفاق الذي تمتليء به صدورنا ؟ ندعي أمام الآخرين بأن ديننا هو دين التعايش و السلام و الرحمة و إذا خلينا إلى أنفسنا تواصينا بكراهية الآخر و عدم صحبته! متى سنتخلص من كل هذه التناقضات الفجة التي لا يسعها عقل و لا يقبلها منطق؟ نتهم الأخرين بالتآمر على الإسلام و محاولة تشويه صورته بينما نقوم نحن بذلك نهارا جهارا!

كيف يمكن للمسلمين في بلاد غير المسلمين أن يتعايشوا مع غيرهم في ظل مثل تلك الفتاوى؟! لماذا كل هذا التعالي و الغرور و الاحساس بالتفوق "الإيماني" على الآخرين؟ من أعطى المسلمين أو غيرهم الحق في محاسبة الآخرين على عقائدهم؟ هذا حق لله وحده...الله الذي منح الانسان حرية الاختيار و العبادة و هو وحده من يحق له محاسبته عليه.


لقد سئمت من هذه الفوضى الفكرية التي تسيطر على العقل المسلم، سئمت من هذا التناقض الفج بين النص و التطبيق... إني –  كمسلمة -  لست مسئولة عن هذه النفايات الفكرية و لا أوافق عليها و لكني أجد نفسي  مضطرة لكنسها غير مرة، و لقد تعبت من ذلك...لذا فإن ردي الوحيد على صديقتي – و أمام هذا الطوفان الهائل من التعصب الديني – هو  حبي لها و مودتي و صداقتي....

June 17, 2015

ما سر شعورنا الدائم – كمسلمين - بالذنب و التقصير و تأنيب الضمير؟

أنيس الباشا


هل فكرنا مرة أننا نستخدم الدين في جعل الحياة أكثر تعقيدا بدلا من العكس؟
من منا يصلي لأنه يشعر براحة ولذة وتمتع أثناء الصلاة ومن الذي يقوم بالصلاة كأنها واجب روتيني وعبء ثقيل لكن يجب الخلاص منه على كل حال؟

ما سر الشعور بتأنيب الضمير إذا شعر المرء في لحظة ما بحب الحياة واستمتع بأحد متعها البريئة؟

السبب الأول لهذا الأمر هو الفهم المغلوط للدين ولغاية خلقنا في هذه الحياة والتفكير الديني التقليدي الذي يصور الحياة أنها لعينة وقذرة وكل شيء فيها ملعون حقير إلا ذكر الله وأداء الشعائر فقط!
هناك للأسف تشبث مستميت بالموروثات الجامدة في تفسير الدين والتي هي في النهاية اجتهادات أشخاص نحترم جدا قيامهم بهذا الاجتهاد بحسب العلوم والمعارف والفهم الذي توفر لديهم آنذاك..لكن لا يجب أن نعطل مسيرة الفكر والاجتهاد لمجرد أن هناك من قام بها قبل بضعة قرون!

السبب الثاني يكمن في الأحاديث الكثيرة التي نسبت للنبي عليه الصلاة والسلام ونقلها لنا أناس ثم رفعناها لمرتبة الوحي والقرآن رافضين حتى مجرد النقاش بشأنها وأصبحت جملة "رواه البخاري ومسلم" تعني حرفيا – لا شعوريا- لدى البعض جملة "صدق الله العظيم"!

والطريف أن هؤلاء المتشبثين بالموروث وبالحديث وبتفسيرهم الشخصي أو تفسير مشايخهم للدين ينسبون لله تعالى بطريقة غير مباشرة ما لا يليق به ثم يتهمون الآخرين بأنهم يسيئون الأدب مع الله!

فمثلا..تتوضأ لتصلي فلا يتركونك وشأنك و تسمع من يقول: تحسب أنك الآن صرت مؤمنا محافظا على الصلاة؟ هل تظن أنك بوضوئك هذا قد "نفذت" من العقوبة وتعتقد أن الله سيرضى عنك و انك بمأمن من عقابه؟ لااااا..! اعلم أنه سيصيبك عذاب كبير في القبر إذا كنت لا تستبرأ من البول جيدا..!! ويأتونك بحديث يؤكد هذا الكلام!! تخيل!! مع أن الله تعالى الغفور الرحيم الذي كتب على نفسه الرحمة يقول :(( ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم)) ..

هذا التعنت الزائد في موضوع الوضوء مثلا والاستبراء من البول جعل الكثيرين يصابون بوسواس قهري وقد تجد الواحد منهم يتوضأ عشرات المرات خوفا من أن لا يكون قد أتقن الوضوء أو استبرأ من البول جيدا، كما أن أولئك المصابون بسلس البول مثلا يشعرون بمشقة نفسية مضاعفة جراء هذا الكلام، ويأتيك البعض بحديث الصحابي أو التابعي الذي كان يمشي ستين خطوة بعد أن يتبول كي يتأكد أنه لم يبق شيء من أثر البول! والمحصلة في الأخير لدى الجميع هي مشاعر مضطربة منزعجة وعبء وضغط نفسي حتى أثناء أداء العبادات التي يفترض أن تريح الإنسان من الهموم الدنيوية وأن تجعله يشعر بالقرب من الله أكثر وبالروحانية البسيطة التي تأتي بيسر وسلاسة.. وكم نحن في غنى عن كل ذلك العبء النفسي الذي لم يأمر به الله سبحانه ولا أراده لعباده وهو الذي قال بوضوح في كتابه العزيز (( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر))...

الواحد من هؤلاء الذين يعتقدون أنهم "حُماة" الله والمدافعين عن دينه في الأرض قد يرى إمرأة طلت أظافرها أو "نمصت" حواجبها أو شاب حلق لحيته أو أسبل ثوبه فيغضب من هذا المشهد ويُخيل له أن الله تعالى قد غضب لغضبه هذا! وكأن الله سبحانه وتعالى الكبير المتعال الخالق لهذا الكون العظيم بمجراته وسماواته ومخلوقاته تهمه هذه السفاسف حتى انه ينزل عقوبات وعذابات عظيمة من أجل هذه الأمور الصغيرة!! وهذا عندهم هو جوهر الامر بالمعروف والنهي عن المنكر! أن تقول لتلك الفتاة لا تخرجي وقد طليت أظافرك أو وأنت غير مرتدية قفازات تغطي يديك أو تقول لذلك الشاب أطلق لحيتك واعف شاربك أو لماذا لا تحمل السواك! مع ضرورة زرع الشعور بالتقصير والذنب لدى الناس مهما فعلوا وتصوير رحمة الله ورضاه كأنها شيء بعيد صعب المنال وأنك هالك لا محالة وإذا لم تعذب في الدنيا ستعذب في القبر وعلى أشياء استهنت بها بينما هي عند الله "عظيمة"!

يصورون الله – جل وتبارك في علاه - كأنه واحد منا – تعالى الله علوا كبيرا - مخلوق ذكوري أو سطحي ينتظر أقل هفوة أو زلة كي ينزل عذابه وسخطه بالناس! وهذا للأسف هو التصور التوراتي لله سبحانه وتعالى الذي يجده كل من يتصفح العهد القديم ويقرأ كيف يعذب الله البشر ويعاقبهم على أتفه الأسباب وكيف يغضب منهم ويحسدهم وينتقم منهم بل وينهزم أمامهم!..وهذه الطريقة في التفكير غير بعيدة أيضا – من ناحية أخرى- عن الفكر المسيحي الذي ينسب لله صفات بشرية مختلفة ويصوره كواحد منا ينسى ويسهو ويتألم ويتعذب، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا..

أما فيما يخص الأحاديث النبوية، فبالتأكيد هناك كثير من الأحاديث التي تتناسق وتتسق مع كتاب الله وكلها رحمة وأخلاق وقيم، ولكن في المقابل هناك أحاديث كثيرة أيضا وُضعت زورا وكذبا كي تمرر رغبات شخصية وأهواء مستبدة وكي تشغل الناس بأمور جانبية وتجعلها شغلهم الشاغل فيعيشون خائفين مرجفين مضطربين شاعرين طوال الوقت بالتقصير والذنب وأن العذاب قد ينزل بهم في أي لحظة سواء أصابوا أم أحسنوا! وهكذا ينشغلوا بأنفسهم ويفسحوا المجال للحكام كي يتسلطوا ويفسدوا ويظلموا وينهلوا من خيرات هذه الدنيا "الملعونة" بينما عامة الناس مشغولون بالآخرة!

 
وهذا النهج لم يخترعه حكام اليوم المستبدين إنما بدأت نشأته ووُضعت قواعده منذ مئات السنين ومنذ أن حول معاوية حكم المسلمين القائم على الشورى إلى وراثة وتأسست على هذا المنهج دولة بني أمية وتبعتها دولة بني العباس وصولا إلى النسخة الحديثة لحكام اليوم المستبدين، ولأن القرآن يستحيل أن يُحرف اتجهوا إلى الحديث ونسبوا للرسول صلى الله عليه وسلم ما يخدم ويتسق مع أهوائهم ورغباتهم في الحكم والسيطرة والاستبداد ورأينا من يقول بطاعة الأمير وإن شرب الخمر في الحج أو زنى! هذا غير عشرات الأحاديث على غرار "تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك" وهذه أمثلة بسيطة على هذا التوجه الذي يتعارض تماما مع جوهر ومنطق الإسلام الذي جاء ليمنح الناس الحرية الكاملة حتى في مسألة الإيمان والكفر لا ليستعبدهم لصالح أشخاص محددين أو فئات معينة.. بل إن هناك أحاديث تأمر المسلمين بعدم كره الحكام أوبغضهم!! والمضحك أن يتم ربط طاعة الله والرسول بطاعة أناس وبشر يخطئون ويصيبون لمجرد أنهم اصبحوا حكاما للمسلمين ولم يمنعوا الناس من الصلاة! وما أحوجنا اليوم ونحن في القرن الحادي والعشرين إلى تحرير عقولنا من هذا المنهج الذي سبب لنا التبلد والسلبية والانغلاق وجعلنا في آخر الأمم بعد أن أكرمنا الله بالرسالة الخاتمة وبدين الإسلام الذي ندعي جميعا أنه رسالة الله لكل البشرية وأنه صالح لكل زمان ومكان ثم نحصره في مفاهيم ضيقة وموروثات جامدة تجاوزها الزمن!

June 5, 2015

الوطنية ...عاطفة مستهلكة أم شعور غريزي؟

رشا المقالح




في اللحظة التي حلقت فيها تسع طائرات حربية في سماء العاصمة روما لترسم بأدخنتها ألوان العلم الإيطالي في احتفالية مبهجة بيوم الجمهورية، شعرت بالألم و الحزن لأن هناك طائرات حربية معادية تحلق في اللحظة ذاتها في سماء العاصمة صنعاء و غيرها من المدن اليمنية لتنشر الدمار و الخراب و تقضي على كل ما تبقى من شبح جمهوريتنا الهزيلة المحتضرة.

و في اللحظة التي مر فيها موكب الرئيس الإيطالي و على مسافة قريبة جدا من الجمهور، و هو يلوح لهم بابتسامة عريضة و هم يهتفون باسمه و يصفقون له، شعرت بمرارة كبيرة تجاه الحكام في بلداننا و الحال الذي أوصلوا إليه شعوبهم.

و بعد أن وضع الرئيس الإيطالي الزهور عند النصب التذكاري للجندي المجهول في ساحة فينيسيا، بدأ الاستعراض العسكري حيث مرت مواكب كثيرة تمثل الشرطة، و الجيش بوحداته المختلفة (الخيالة و االبحرية و القوات الخاصة و القوات البرية  حتى الفرق الموسيقية العسكرية وغيرها )، و كانت هناك مواكب تمثل وحدات الجيش التاريخية، و الراهبات، و المعاقين، و الرياضيين، و سار موكب يحمل علم الأمم المتحدة و موكب آخر يحمل علم الإتحاد الأوروبي...و كأن العرض يشرح ببساطة كل ما تتكون منه الجمهورية و كل ما جعلها ماهي عليه اليوم!و كلما مر موكب تعالى هتاف الناس و تصفيقهم ، و تراهم يسألون بعضهم بعضا عما يمثله هذا الموكب أو ذاك و يتناقشون فيما بينهم و يختلفون على الأسماء و الدلالات.

كان الحضور كثيفا جدا، فقد جاء الناس من كل الأعمار حتى أنهم أحضروا أطفالهم معهم. كان الشعور بالفخر و الاعتزاز طافحا في وجوههم. فقد جاءوا من تلقاء أنفسهم لمشاهدة هذا العرض، حتى أننا سمعنا إحدى السيدات تتحدث مع شرطي بانفعال و تقول له بأنها جاءت من خارج روما لمشاهدة العرض و انها لم تتمكن من المشاهدة كما يجب بسبب وجود بعض سيارات الإسعاف و التلفزيون أمامها مما حجب عنها رؤية المواكب بوضوح!!

و شعرت بحيرة و استغراب كبيرين! و السبب في ذلك أنني لم أقابل إيطالياً واحدا راضيا عن الأوضاع في بلاده! فهم دائما مايشتكون من الأوضاع الإقتصادية و من المافيا و من الضرائب العالية و من الفساد السياسي و المالي و من المحسوبية و الوساطات ، حتى أن كثيرا من الشباب الإيطالي يهاجر خارج بلاده و يذهب للعمل في دول أوروبية أخرى!

من المعروف أن الرئيس الإيطالي هو رئيس شرفي و أن الصلاحيات هي بيد رئيس الوزراء...و لو مر موكب رئيس الوزراء بين الناس لربما قاموا برميه بالبيض الفاسد أو الطماطم أما رئيس الجمهورية فهو رمز للبلد الذي يعتزون به و يشعرون بالانتماء إليه بشكل غريزي . توقفت كثيرا عند هذه النقطة، وتساءلت لماذا لا يزال الناس هنا يشعرون بالوطنية و بالإعتزاز و الفخر على الرغم من أنهم غير راضين أبدا عن حياتهم و لا عن سياسة بلدهم تجاههم؟؟!! كيف يتمكنون من الفصل بين شعورهم بالمرارة و الاستياء من الأوضاع في بلادهم و بين شعورهم بالوطنية و بالانتماء؟ لماذا يوجد لديهم شعور جامع بالوطنية و الهوية على الرغم من أن التلاميذ لا يقومون بتحية العلم كل صباح في الطابور المدرسي و لا يقومون بترديد النشيد الوطني إلا في مبارايات كرة القدم أو في الاحتفالات الوطنية، كما أن الأغاني الوطنية اختفت تماما من برامج التلفزيون سواء الخاصة أو الحكومية و كل ما تشاهده في التلفاز هو برامج المسابقات و الكرتون و الأخبار و المسلسلات و الأفلام و غيرها! فما الذي أحضر الناس هكذا من تلقاء أنفسهم و بهذه الكثافة للإحتفال بالعيد "الوطني"؟

كنت دائما لا أحب كلمة "وطنية" و كل ما يتعلق بها من أغان و شعارات و مناسبات و غيرها، و أرى أنها مشاعر مبتذلة،  في وطن تنعدم فيه أسس الحياة الكريمة و يتعرض فيه المواطن البسيط لشتى أنواع الظلم ، و أن النظام الحاكم يتعمد استثارة مثل هذه المشاعر عن الناس من أجل استهلاك عاطفتهم و صرفهم عن مشاعر الغضب الحقيقية التي يجب أن يشعروا بها نتيجة لتردي أوضاعهم المعيشية... فنحن في بلادنا محرومون من أهم  و أبسط مقومات الحياة الكريمة (مثل الكهرباء و الماء و البنى التحتية و النظام الصحي المقبول) ،كما أن الجيش و الشرطة و كل الأجهزة و المؤسسات في بلادنا هي ملك للحاكم ...مجرد أدوات في يده و مسخرة له هو فقط! نعاني من كل ما سبق ثم نجد من يردد "بلادي و إن جارت علي عزيزة و أهلي و إن ضنوا علي كرام"!!

 فرغم هذا التردي الفاضح في كل مجالات الحياة في بلادنا يجبرنا الحاكم على الغناء "للوطن" كل يوم في الطابور المدرسي و يفرض علينا  كمية كبيرة من الجرعات الوطنية في المناهج التعليمية، هذا بالإضافة إلى الأناشيد الوطنية المختلفة على  القنوات الرسمية من وقت لآخر فمثلا تبدأ مظاهر الاحتفال  "بعيد ثورة 26 سبتمبر" على التلفزيون الرسمي قبل عيد الثورة بعدة أسابيع و تستمر بعده لعدة أسابيع أخرى!

و هكذا أصبحنا نشاهد الأغاني و الاحتفالات الوطنية كما نشاهد إعلانات الصابون و السمن و غيرها من المنتجات الإستهلاكية، و هذا التلاعب الخطير بالمشاعر الوطنية أدى إلى تحويلها إلى  مجرد بضاعة معروضة وسلعة إستهلاكية يقبلها البعض و يرفضها البعض الآخر، و قد ظهر ذلك بشكل مروع عندما انقسمنا على أنفسنا في العدوان الخارجي على بلادنا ما بين مؤيد و معارض! مما يدل على أن جرعات الوطنية التي كان يقوم النظام الفاسد بحقن المواطنين بها قد أدت غرضها الحقيقي و أدت إلى خلط الأمور و أحدثت خللا حقيقيا في علاقة المواطن بالنظام الحاكم و بالأرض التي يحيا عليها، و جعلت الحاكم و الوطن شيئا واحدا...وجهان لنفس العملة ... و لهذا انقسمنا على أنفسنا بشكل مخجل عندما تعرضت بلادنا لعدوان خارجي، و غرق بعض "مثقفينا" في حالة من الصراع ضد الأطراف الداخلية و بدل من تسخير أقلامهم لصد العدوان الخارجي، تحولوا لآلات نشطة لا شغل لها سوى جلد الأطراف الداخلية، متجاوزين طائرات الإف16 و الإف15 التي تقصف وطنهم في كل لحظة معلنة استهداف تلك الأطراف!

و دخلنا رغما عنا في دوامة من الاتهامات لبعضنا البعض، حتى أن أحدهم وصف إحدى الأطراف الداخلية المستهدفة من العدوان الخارجي بأنها أساسا "حركة غير وطنية و لا تفهم معنى كلمة وطن"، متناسيا ذلك أنه بقصد أو بدون قصد يسهم في التبرير للعدوان و أن الكتابة ضد طرف داخلي - مهما كان سيئا- في الوقت الذي تستهدفه طائرات عدو خارجي و تستهدف معه الوطن بأكمله هو عملٌ غير وطني بالمرة!

و لا عجب في ذلك فقد تربينا في ظل نظام فاسد جعل الفصل بين الشعور بالمرارة و الشعور بالوطنية أمرا صعبا إن لم يكن مستحيلا!

لن نعتذر


رشا المقالح

لا غرابة في أن يدافع أحد "مثقفينا" عن منظمة العفو الدولية بحماسة شديدة و يطالبنا بالاعتذار لها فقد وافق "شن طبقة" كما يقول المثل العربي...فالطريقة التي تتناول فيها المنظمة الدولية الأحداث في اليمن تشبه طريقة ذلك المثقف في تناول الغارات الجوية الشرسة على اليمن، مع فرق واحد أن ذلك المثقف في نهاية المطاف لا يمثل إلا نفسه و قناعاته ، و من المفهوم أن يتحامل على طرف داخلي و له أسبابه و لكن ما هو مقبول منه لن يكون مقبولا أبدا من منظمة العفو الدولية و لا من أي منظمة دولية أخرى!

تقارير منظمة العفو الدولية – قسم الشرق الأوسط و شمال أفريقيا عن الحرب في اليمن، هزيلة و "هزلية" في الوقت نفسه و إذا لم يكن السبب هو "شراء ذمم" فربما كان السبب هو أن بعض النشطاء المحليين الذين تعتمد عليهم المنظمة في اليمن لا ينقلون الصورة كما يجب ربما لأسباب سياسية أو  لقناعات شخصية لذا نجدهم يمارسون قناعاتهم السياسية و الشخصية عن طريق إرسال تقارير هزيلة عن الغارات الجوية الوحشية و رصد غير نزيه لبقية الأحداث!!

 فمثلا لو نظرنا إلى تقارير منظمة العفو الدولية – قسم المملكة المتحدة حول الحرب الأخيرة على غزة فسنجدها تقارير متعاطفة إلى حد ما مع الفلسطينيين و تطالب صراحة بإيقاف الغارات الجوية على غزة و قامت بعمل حملة لمطالبة المملكة المتحدة بإيقاف تزويد إسرائيل بأي اسلحة كما قامت برصد  الانتهاكات و أعداد ضحايا الغارات الإسرائيلية و الأضرار في الممتلكات بشكل مفصل، و صرحت في بعض الأحيان و بألفاظ لا تقبل الجدل بأن ما حصل هو عبارة عن جرائم حرب في حق المدنيين و انتهاك صارخ للقوانين! و ذلك يدل على أن نشطاء المنظمة هناك يتعاملون مع الغارات الجوية الإسرائيلية على غزة بشكل يختلف عن تعامل نشطاء المنظمة في اليمن مع الغارات الجوية السعودية على بلادنا!

أما تقارير منظمة العفو الدولية – قسم الشرق الأوسط و شمال أفريقيا  عن الغارات السعودية على اليمن فلا توجد أي مطالبة لإيقاف الحرب على اليمن، و لا توجد حملات لنشطاء المنظمة لجمع توقيعات من أجل ذلك، كما يظهر بوضوح في التقارير أن
هناك جهد كبير جدا في انتقاء الكلمات المناسبة و الألفاظ الفضفاضة خاصة عند الحديث عن الضربات الجوية .

ففي تقرير المنظمة بتاريخ 26 مارس  أي في بداية الحرب يقول
سعيد بومدوحة  نائب مدير قسم الشرق الأوسط و شمال أفريقيا في المنظمة :
" فالمطلوب من السعودية، أو أي قوات مسلحة أخرى، تقوم بتنفيذ هجمات في اليمن، أن تتخذ كافة الاحتياطات الممكنة لتجنب المدنيين. ويشمل هذا التحقق من حقيقة الأهداف العسكرية، وإعطاء المدنيين تحذيرات فعالة مسبقة إلا إذا لم تسمح الظروف بذلك".

لاحظوا ما هو "المطلوب من السعودية.." و ليس مطلوبا منها إيقاف الغارات الجوية!!

و لاحظوا أيضا عبارة "إلا إذا لم تسمح الظروف"!

ثم في تقريرالمنظمة بتاريخ 24 ابريل  أي بعد مرور  شهر كامل على الغارات السعودية على اليمن يقول سعيد بومدوحة  : "إن تصاعد عدد القتلى والجرحى من المدنيين في بعض الحالات التي تناولها بحث المنظمة تثير قلقاً عميقاً. فبعض الضربات التي شُنت بقيادة السعودية لم تتخذ، على ما يبدو، الاحتياطات الضرورية لتقليل الإصابات في صفوف المدنيين والحد من الأضرار للمنشآت المدنية. ومن الضروري إجراء تحقيقات مستقلة ونزيهة للتحقق مما إذا كانت قد وقعت انتهاكات للقانون الإنساني الدولي".
أي أن منظمة العفو الدولية و بعد شهر من الغارات لازالت غير متأكدة من حصول انتهاكات و جرائم حرب من قبل الطيران الحربي السعودي لاحظوا العبارات الهزيلة : "بعض الضربات" ..."على ما يبدو"......."ما إذا كانت قد وقعت انتهااكات"!

و في تقرير 8 مايو و عنوانه "أدلة دامغة على وقوع خسائر كبيرة بين المدنيين من جراء الضربات الجوية للتحالف بقيادة السعودية" يذكر التقرير أن منظمة العفو استمعت إلى شهادات مروعة من السكان حول الضربة الجويةعلى منطقة سكنية في حي باب الشعب بمنطقة سعوان مما أسفر عن مقتل 17 مدنيا، يقول سعيد بومدوحة  معلقا على الشهادات المروعة : "

"هي دليل دامغ على تقاعس القوات العسكرية السعودية وحلفائها عن اتخاذ ما يكفي من الإجراءات لضمان عدم قتل مدنيين دونما ضرورة في حملة الضربات الجوية التي تشنها".
لاحظوا "تقاعس".. و ليس "جرائم حرب" و لاحظوا "لضمان عدم قتل مدنيين دونما ضرورة"

و كأن هناك أصلا ضرورة لقتل مدنيين؟؟!!! هذا هو الضمير العالمي  و قانونه الدولي المليء بالمصطلحات المنمقة!

و يواصل المسئول حديثه في التقرير نفسه : "حتى إذا كان من المعتقد وجود مقاتلين في المنطقة، يتعين على القوات قبل شن هجماتها أن تتيقن من وجود مدنيين وأن تتخذ الإجراءات اللازمة لتجنب وقوع خسائر بين المدنيين، أو للحد من هذه الخسائر على الأقل"

هل يعني ذلك أن سقوط عشرة قتلى مثلا مقبول و لكن مائة لا ! كما يبدو أن هناك تعاطف و رغبة في أن تحقق الغارات الجوية هدفها في القضاء على الحوثيين!

و في بداية نفس التقرير ستلاحظون أن سعيد بومدوحة  يقول بالحرف : "ينبغي على التحالف الذي تقوده السعودية أن يفصح علناً عن معلومات مفصَّلة بشأن جميع الضربات الجوية التي شُنَّت على صنعاء يوم 1 مايو/أيار 2015، بما في ذلك أهداف الضربات،"

و يقول أيضا :". فحتى إذا كان من المعتقد وجود مقاتلين في المنطقة، يتعين على القوات قبل شن هجماتها أن تتيقن من وجود مدنيين"

أي أن سبب الغارة الجوية على حي باب الشعب لم يكن معروفا في بداية التقرير أما في نهايته فستجدون العبارة الآتية:

" وفي حالة الضربة الجوية على حي باب الشعب بمنطقة سعوان، فبالرغم من أن الهدف المقصود هو في الواقع زعيم حوثي من الجائز قانوناً استهدافه، فإن ذلك في حد ذاته لا يبرر الهجوم. "

من الواضح التناقض السافر في التقرير،و محاولة تبريرالضربة قدر المستطاع مما يدل على أن من يقومون بكتابة التقارير تتنازعهم ضغوط شتى و قناعات شخصية و هذا ينعكس على لهجة التقرير. فعند الحديث عن الحوثيين عبارات أكثر حدة مثل :

" وقال نائب مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية، سعيد بومدوحة، إن "الشهادات التي استقتها منظمة العفو الدولية من عدن ترسم صورة قاتمة تدين سلوك القوات الحوثية في عدن ونواحيها إذ يبدو أنهم ارتكبوا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان
".
لاحظوا "صورة قاتمة"..."تدين سلوك"..."انتهاكات جسيمة"!

و  يقول أيضا عن الحوثيين:" فإنهم يستهينون بالقواعد الأساسية لقوانين الحرب
"!

و لن تجدوا عبارات من هذا القبيل في وصف قوات التحالف، حيث لم أجد عبارة واحدة على غرار:"قوات التحالف بقيادة السعودية يستهينون بالقواعد الأساسية لقوانين الحرب" !! أو "ندين سلوك قوات التحالف بقيادة السعودية"!

من الواضح أن منظمة العفو - إذا استبعدنا شراء الذمم - تعتمد على نشطاء محليين متأثرين جدا بعداوتهم لأنصار الله و متسامحين إلى حد ما مع الغارات الجوية و مع ما تحدثه من ضحايا مدنيين، و يحاولون بشكل أو بآخر التقليل من آثارها و عدم التركيز على جرائم الحرب التي تقوم بها السعودية . و التقرير الآخير الخاص بالمقارنة بين ضحايا راجع المضادات و ضحايا الغارات الجوية ما هو إلا دليل آخر يضاف إلى جملة الأدلة السابقة و إن كان أكثر سفورا هذه المرة!

كما أنه من الواضح أيضا أن المنظمات الدولية لم تحصل على ضوء أخضر أمريكي لكي تشجب و تندد و تهدد النظام السعودي بملاحقته في محاكم جرائم الحرب. أغلب تلك المنظمات تمتلك الوسائل و القنوات اللازمة للتأثير و تحصل على الدعم المادي و لها موازاناتها الخاصة، لكنها لا تؤدي واجبها الإنساني و الأخلاقي كما يجب، و أكثر المستفيدين من هذه المنظمات هم العاملين فيها. هذا هو النفاق العالمي عندما يتخذ صورة منظمة إنسانية دولية.

نحن لسنا مطالبين بالاعتذار لمنظمة العفو الدولية و لا لأي منظمة أخرى...الضمير العالمي -إن كان هناك بقايا من ضمير - هو المطالب بالاعتذار للإنسانية عن كل هذا الصمت و "التقاعس"  في حق شعب مظلوم يفتقر إلى أبسط مقومات الحياة...منهك من الصراعات الداخلية ، و آخرما يحتاج إليه هو غارات جوية وحشية تقضي على آخر أمل له في شيء من الحياة