Pages

April 30, 2017

!أنت السبب..نعم أنت


أنيس الباشا 

المنطق والعقل يقولان أن الشخص الذي يرتكب الفعل الخطأ يستحق أن يلام عليه، لكن في عالم الواقع فإن الناس في العادة تميل لتوجيه اللوم إلى الضحية وليس إلى الجلاد!

يُسرق من أحدهم شيء ما فيتهمونه بالإهمال واللامبالاة، تتعرض إحداهن للتحرش أو حتى الاغتصاب فتُتهم بأنها هي السبب كونها مصدر فتنة أو أنها لم تتصرف بحكمة، يُفصل أحدهم من عمله بشكل تعسفي فيُتهم بأنه لم يقدم أداءا جيدا أو لم يتقن أصول النفاق، تتعرقل معاملة حكومية لآخر فيلام بأنه لم يدفع رشوة وإلا كان عمله قد أنُجز.. وهكذا تحصل الضحية على النصيب الأكبر من التقريع واللوم بينما الأغرب والأعجب من كل هذا ليس فقط  أن لا ينال الجاني نصيبه من اللوم بل أن يتم تبرئته واختلاق المبررات له في بعض الأحيان!

فعلى سبيل المثال قام النظام السعودي بشن أقذر وألعن حرب في التاريخ القديم والحديث ضد بلد فقير وضعيف مثل اليمن واستقدم المرتزقة من كل مكان وقصف البلد بكل أنواع الأسلحة وفرض حصارا جائرا عليه أوصل الملايين من الناس للمجاعة وسفك الدماء في صالات العزاء وقاعات الأعراس بصواريخ الإف 16 وأشعل حروبا أهلية في كل مكان في اليمن كل هذا تحت مبررات وذرائع واهية لم تقنع حتى من يقفون مع هذا النظام ويدعمون حربه العبثية الفاشلة، وبعد كل هذا يأتي من يقول لك أن السبب هو اليمنيين أنفسهم وليس النظام السعودي..
وقد أفهم أن نلوم أنفسنا كيمنيين بسبب التشتت والاقتتال الداخلي الذي نعيشه – والذي تغذيه أطراف خارجية ومحلية – وبالطبع لو كان هناك نوع من الوعي العام وتغليب المصلحة الجماعية لما كنا نعاني كما نعاني الآن، لكني لا أفهم أن يتم سكب اللوم على اليمنيين وتبرئة من يشن العدوان ويزين سماء البلاد بطائراته الحربية التي تقصف وتقتل وتدمر بلا تمييز منذ أكثر من عامين..

المشكلة أن عقدة تقريع النفس أو لوم الضحية متجذرة في العقلية العربية ، فعلى مدى قرون تم غرس فكرة الشعور بالذنب من منظور ديني خاطىء بعيد كل البعد عن فهم منهج الدين الحقيقي في هذا الجانب، ونتيجة لهذا الفهم القاصر والسطحي فإن تفكير الإنسان العادي يتوجه تلقائيا إلى لوم النفس عند كل مصيبة أو حادث يقع باعتبار أنه المسئول الأول والمتسبب في ذلك، فلو أن نيزكا سقط من السماء فوق رأسك أنت فهذا بسبب أنك مقصر وعابث تخلفت عن صلاة العصر في جماعة أو ضحكت كثيرا قبل شهرين أو قضيت ليلة أمس في متابعة فيلم أكشن مشوق أو غيرها من متع الحياة البريئة التي يصوروها المتنطعون على أنها كبائر وجري ولهث وراء الدنيا..وذلك النيزك اختارك أنت بالذات لتلك الأسباب البسيطة وترك الطغاة والمجرمين الذين ارتكبوا فظاعات وجرائم بحق البشرية بأكملها وتلوثت أيديهم بأنهار من الدماء مثل شارون أو جورج بوش أومحمد بن سلمان أوالبغدادي!

وبهذه العقلية وبذلك التفكير القدري الجبري نتعرض لمآسي كثيرة في الحياة لا ذنب لنا ولا يد فيها لكننا نلام عليها سواء من أنفسنا أو من قبل الآخرين، والمصيبة أن البعض وكنتيجة لشعوره بالظلم الواقع عليه يتجه إلى التنفيس عن غضبه وألمه فوق من هو أضعف منه، وهكذا نسمع عن الأب الذي يضرب أطفاله أو الزوج الذي يهين زوجته ويسيء معاملتها أو الجار الذي يؤذي جيرانه، ومعظم هؤلاء كانوا ضحايا بالأساس لأنواع مختلفة من القهر والظلم من أطراف مختلفة تفوقهم قوة وقدرة ولم يجدوا طريقة للتنفيس عن ألمهم إلا بممارسة الظلم على أطراف أضعف منهم..

ويزداد هذا التوجه للوم الضحية في المجتمعات التي لا يوجد فيها حضور وتطبيق للقانون والعدالة ويعتمد فيها أخذ الحقوق أو رد الظلم على النفوذ والقوة والطرق الملتوية البعيدة عن القانون وأدواته.. ففي هذه المجتمعات يشعر معظم الناس بالخوف ويدركون أن البقاء في مجتمعاتهم هو للأقوى وبالتالي فإن من لا يملك أسباب ووسائل القوة والجبروت يكون هو الطرف المعرض للظلم والاضطهاد وسلب الحقوق، بينما في المجتمعات المتحضرة التي يتساوى فيها الجميع أمام القانون فإن الناس لا تعاني من عقدة لوم الضحية لأن العدالة حاضرة وسيف القانون مسلط فوق رؤوس الجميع وصاحب الحق سيأخذ حقه ليس بالقوة الشخصية أو بالنفوذ وإنما بالعدل والقانون لذا فليس هناك مبرر للوم المجني عليه أو صب الغضب على أطراف ضعيفة لا تستطيع هي الأخرى أن ترد الأذى وتدفع الظلم عنها..

وفي المجتمعات المتخلفة والعربية خصوصا تتكفل عقدة الذنب وربط كل مصائب الحياة بالبعد عن الشعائر والعبادات وبالتالي استحقاق غضب الخالق مما يجعل تفكير الناس يتجه إلى لوم النفس أولا باعتبارها تستحق ما حصل لها بدلا من لوم المجرم أو الجاني او حتى البحث في الاسباب الموضوعية التي أدت إلى حصول الظلم أو المتاعب والمشاكل، أما المجتمعات المتقدمة التي لا تعاني من عقد دينية خاطئة فتتعامل مع المصائب والأحداث بطريقة مختلفة سواء كانت على مستوى فردي أم جماعي، فلو تعرضت فتاة مثلا للتحرش في مجتمع غربي فلن يقم أحدهم بلومها أو انتقادها وتحميلها مسئولية ما حدث انما سيتعاطف الجميع معها باعتبارها ضحية وبأنه في كل الأحوال لم تكن تستحق أبدا أن تتعرض لأي نوع من أنواع الأذى النفسي أو الجسدي، ولو تعرض شخص لأي نوع من الظلم أو الاضطهاد في عمله فالقانون والنقابات في صفه حتى يأخذ حقه ولن يلومه أحد أو يطالبه بتقديم تنازلات غير مقبولة بدعوى الحرص والذكاء..

ومالم تتحرر العقلية العربية من عقدة لوم النفس هذه وربط المصائب الدنيوية بقلة أو كثرة أداء الشعائر ومالم تتحول مجتمعاتنا إلى مجتمعات تحترم القانون وتطبقه على الجميع بلا استثناء سيظل الظلم يقع على رؤوس الناس وبدلا من البحث عن الجاني ومحاسبته سنستمر في جلد أنفسنا على اعتبار أننا السبب فيما حصل ويحصل، وستستمر تلك الأم بضرب أطفالها وسيواصل ذلك الزوج إهانة زوجته وسيواصل ذلك الجار إيذاء جيرانه وكل يلوم الآخر بأنه هو السبب!

April 28, 2017

!ابريل، شهر الجنون


أنيس الباشا






يتندر الألمان على شهر ابريل ويرددون مقولة مشهورة عن هذا الشهر تقول: "إبريل يفعل ما يحلو له" أو بالألمانية : 

April April, der macht was er will

ومن يحضر شهر ابريل في ألمانيا يدرك على الفور كم هم صادقون في هذه المقولة!
في المعتاد فإن الطقس في معظم دول أوروبا يسير بوتيرة زمنية تتكرر بين الفصول الأربعة "شتاء – ربيع- صيف- خريف"، ورغم ان هناك بعض الاختلافات والتحولات في المناخ وارتفاع أو هبوط درجات الحرارة أو معدل هطول الأمطار وتساقط الثلوج عما هو معتاد في العقود الماضية، إلا أنه وبشكل عام يمكن القول أن الطقس في ألمانيا يتكرر بطريقة نمطية مرتبة فبعد أشهر الشتاء يأتي الربيع يليه الصيف ثم الخريف وهكذا تتكرر الفصول الأربعة بانتظام وفي أشهر معينة من السنة وهذا الانتظام يعكس نفسه على كثير من نواحي الحياة الاجتماعية والعملية والتجارية في البلاد..

فهناك موسم التخفيضات الصيفي وهناك ايضا موسم التخفيضات الشتوي وأعياد الربيع واجازات الخريف، ويقوم الناس بالتخطيط لنشاطاتهم المختلفة بحسب طبيعة فصول السنة، فالتسوق مثلا يكون في شهر كذا وكذا والزيارات العائلية في شهر كذا والسفر في شهر كذا الخ.

لكن شهر ابريل هو الاستثناء من هذه القاعدة، فهو شهر متمرد بكل معنى الكلمة ورغم أنه من المفترض أن الربيع يبدأ "رسميا" في 21 مارس، إلا أن شهر ابريل لا يمكن تصنيفه انه شهر ربيعي أو حتى خريفي أو شتوي، فهو شهر جميع الفصول الأربعة حيث يتقلب الجو بين الربيع والشتاء والصيف والخريف بطريقة جنونية وبدون أي مقدمات.
 تخدعك الايام الأولى لهذا الشهر التي تصحب معها بعض الجو الدافىء فتتنفس الصعداء وتقوم ب "ركن" وتخزين الملابس الشتوية من معاطف برد ثقيلة وبول أوفرات وأغطية رأس وأيدي وأقدام، وتقبل على الملابس الخفيفة التي تناسب جوا كهذا لتفاجىء بعد بضعة أيام بأنك بحاجة مجددا إلى أن ترتدي "عدة" الشتاء لأن الطقس انقلب ودرجة الحرارة التي كانت 18 أو 19 أصبحت 2 أو 4 أو حتى - 3 !

والمصيبة أن هذا التحول المفاجىء في الطقس قد يباغتك بالفعل وبدون أي سابق إنذار، فقد تفتح النافذة لتجد الشمس ساطعة والسماء صافية والجو يوحي بالدفء ونشرة أخبار الطقس تقول ان الحرارة الآن 15 درجة فترتدي ملابس خفيفة وتخرج بكل حماس ونشوة لتستمتع بهذا الجو في بلد يشهد طقسا ماطرا غائما معظم أيام السنة، وبعد كم ساعة تفاجىء بأن الطقس انقلب 180 درجة وأن الشمس اختفت والسماء تلبدت بالغيوم والرياح هبت والبرودة زادت وفوق هذا كله.... بووووم يتساقط المطر الغزير ليبلل الدنيا من حولك وكل قطرة تسقط كأنها ضحكة يطلقها عليك شهر ابريل وهو يتفرج عليك بملابسك الخفيفة وأنت بلا حذاء مطر ولا مظلة..

والعكس أيضا قد يحدث، فقد تخرج وأنت في كامل استعدادك لجو عاصف بارد ممطر فترتدي ما يلزم وتنتعل حذاء المطر وتحمل مظلتك في يدك وأنت تضحك في أعماقك من أن ابريل لن يخدعك هذه المرة لتفاجأ بعد قليل بشمس ساطعة وجو صحو وحرارة معتدلة تجعل منظرك يبدو مضحكا لكن يعزيك قليلا ان هناك الكثيرين من حولك وهم من أهل البلد لكنهم قد خُدعوا مثلك وانتصر عليهم ابريل مجددا!

ورغم تكرر هذا النمط من الجنون في هذا الشهر إلا أن المرء لا يسلم من أن يُخدع مرة أو مرتين خلال هذا الشهر في كل عام، ففي هذا الشهر العجيب يمكن أن ترتفع درجة الحرارة لتجعلك تصبب عرقا وانت في الخارج وبعد بضعة أيام يمكن أن يتساقط الثلج أيضا! وعندها يمكنك أن تتخيل كيف يبدو منظر شخص يرتدي ملابس خفيفة ويمشي وسط أمطار ثلجية، أو آخر يرتدي معطفا ثقيلا وشال صوفي ويمشي تحت أشعة شمس حارة..لا تضحك عليهم أو تعتقد أنهم حمقى ، انهم ببساطة أناس خدعهم شهر ابريل وضحك عليهم مرة أخرى..

ووسط هذا كله ، تدرك أهمية طريقة لبس الطبقات  layers المتبعة في ألمانيا وهي طريقة عملية وذكية تتمثل في ارتداء عدة طبقات من الملابس بحيث اذا انقلبت حرارة الجو بإمكانك دوما أن تخفف من إحدى الطبقات، فعلى سبيل المثال يمكن ان ترتدي صديريا وفوقه معطف ثقيل فإذا خفت برودة الجو يمكنك ان تخلع الصديري وتكتفي بالمعطف أو العكس، وكذلك الحال مع قطع الملابس الاخرى مثل قفازات الأيدي وأغطية الرأس والأوشحة، والمسألة يمكن تلخيصها في قول المرحوم الممثل سعيد صالح في المسرحية الشهيرة مدرسة المشاغبين "كل ما تتزنق..اقلع حاجة"!

نعم ..إنه ابريل شهر الجنون والطقس المتقلب، لكن الناس لا تجن ولا تتقلب بل تعلموا أن يستعدوا وأن يتأقلموا مع فصول السنة ومع تقلبات الجو، فالمنازل تُبنى بطريقة معينة بسبب الأمطار التي تهطل طوال الوقت ولتتوائم أيضا مع تساقط الثلوج، ومياه الامطار يتم تصريفها من الشوارع والطرقات أولا بأول، والملابس والأدوات الخاصة بكل طقس وكل موسم موجودة ومتوفرة وهكذا يستمر الناس في ممارسة حياتهم وأنشطتهم على مدار السنة وخلال شهور العام سواء كانت شهورا عاقلة أم مجنونة..





April 25, 2017

!لو كان التدخين رجلا لقتلته


 رشا المقالح


كنا نتسوق في إحدى المرات في السوبرماركت، عندما انتبه طفلنا للمرة الأولى لعلب السجائر و للصور التحذيرية المطبوعة عليها. ظهرت على وجهه علامات الانزعاج الشديد و تسائل ببراءة و خوف عن معنى ذلك. أخبرناه أن هذه تسمى سجائر و أنها مضرة بالصحة و أن من يقوم بالتدخين فإنه يعرض جسمه للتلف و يصبح مريضا مثل أولئك الأشخاص المرضى الذين يظهرون في تلك الصور التحذيرية.
لكن أسئلة طفلنا لم تقف عند هذا الحد، فقد شغل موضوع التدخين عقله تماما فاستمر بإلقاء الأسئلة علينا و في كل مرة  كانت إجاباتنا تولد مزيدا من الأسئلة! "ما هي السيجارة؟ و لماذا يدخن الناس؟و لماذا يبيع السوبر ماركت السجائرإذا كانت سيئة للغاية وغير صحية؟ "

و بما أننا لا ندخن،  و نعارض التدخين بشدة فقد كانت هذه فرصة جيدة بالنسبة لنا لنغرس في ذهن طفلنا أن التدخين هو عادة سيئة للغاية و أنه يستنزف الصحة و المال. لذا قمنا باستعارة  بعض كتب الأطفال من المكتبة و التي تحتوي على صور لجسم الانسان : الفم و الأسنان و الحلق و الرئتين ، و شرحنا له كيف يؤثر التدخين سلبا على تلك الأجزاء.

كما جعلناه يشاهد بعض مقاطع الفيديو الموجهة للأطفال على اليوتيوب و التي تشرح مدى خطورة التدخين، بطريقة مبسطة و سلسة . ليس ذلك فحسب، و لكننا قلنا له أيضا كيف يمكن أن تؤدي السجائر إلى نشوب حرائق إذا لم يكن المدخن حريصا. ربما تحمسنا كثيرا و انجرفنا بشدة، و لكن من يمكنه أن يلوم الآباء عندما يقومون بمسئولياتهم التربوية تجاه أطفالهم؟

لاحظنا بعدها أنه أصبح مهووسا بموضوع التدخين فكنا كلما خرجنا يتلفت يمنة و يسرة بحثا عن أي شخص يمسك
بيده سيجارة، ثم في أحد الإيام عندما كنا في السوق و وقعت عيناه على شخص يدخن، قام على الفور بتغطية أنفه و فمه بوشاحه الثقيل ثم صرخ بعدها بشكل هيستيري: "هناك مدخن! اتصلوا بالشرطة!"قلنا له و نحن نغالب ضحكاتنا أن المرء لا يستدعي الشرطة لمجرد أنه رأى شخصا ما يدخن السيجارة في الشارع، شعر بالصدمة للحظة ثم صاح: "إذا يجب أن نتصل برجال الإطفاء لإخماد السيجارة!"
كان مشوشا جدا و منزعجا، وأستطيع أن أرى لماذا، ففي ذهنه الصغير الذكي لا يمكنه سوى أن يتساءل كيف يكون التدخين خطيرا و مع ذلك يسمح به من كل من رجال الشرطة ورجال الاطفاء؟! فهو يحترمهم بشدة و يراهم أبطالا يحافظون على الأمن والأمان و يبعدون المخاطر عن الناس، فكيف لا يبعدون السيجارة و هي تعد من المخاطر؟! 
في الأيام التالية، قضينا الكثير من الوقت لنشرح له أن التدخين محظور في الأماكن المغلقة مثل المباني العامة و وسائل النقل العام. ولكن يمكن للمدخنين التدخين في الأماكن المفتوحة، ثم قلنا له أن التدخين هو "خيار"، وهناك من الناس من يتخذ خيارات سيئة و يختار الإضرار بنفسه للأسف الشديد، و لكن من جهة أخرى هناك أشخاص أذكياء، مثلنا بالطبع، الذين يختارون عدم التدخين لما له من مخاطر كبيرة على صحة الإنسان.

كنا نأمل أن يكون تفسيرنا منطقيا و أن يعمل على إزالة حيرته لكنه في اليوم التالي عندما كنا في الطريق إلى روضة الأطفال، مررنا بسيدة، حمدا لله أنها لم تكن تدخن! فبادرها ابني بابتسامة  عريضة قائلا : "صباح الخير!" ثم بعدها التفت إلي قائلا بفخر: "ماما، نحن نقول صباح الخير فقط للناس الذين لا يدخنون أما أولئك المدخنين فنحن لا نلقي عليهم التحية أبدا، أليس كذلك؟؟"

شعرت لحظتها بانزعاج حقيقي فهذا الأمر لم يعد محتملا، و لكن ليس بسبب أسئلة طفلي البريئة و إنما بسبب هذا العالم المليء بالمدخنين و الذين يجعلون مهمتنا كآباء و أمهات صعبة للغاية،  لذلك،فقد حان دوري الآن لطرح الأسئلة!

أولئك الذين يدخنون، لماذا تدخنون و أنتم تعرفون تمام المعرفة أن التدخين يأكل صحتكم و أموالكم، كما أنه يجعل رائحتكم كريهة!حقا كريهة! كما أن تصرفكم هذا يربك أطفالنا و يشوش أذهانهم! أما بالنسبة للآباء و الأمهات المدخنين، هل يمكنكم حقا الذهاب إلى النوم بضمير مستريح؟

رأيت في أحد الأيام، أما مع طفلتها و التي لا تتجاوز الثلاث سنوات من العمرأمام أحد متاجر الأثاث، و قد قامت تلك الأم بإشعال سيجارة و تدخينها، و بينما كنت مشغولة في الحكم  عليها  و انتقادها لأنها تدخن أمام طفلتها و تقدم لها نموذجا سيئا، انضم إليها رجل يبدو أنه الأب حيث أشعل سيجارة هو الآخر و قام بتدخينها، ثم أمسك كل منهما بيد الطفلة و ساروا مبتعدين و هم ممسكين سيجارتهم بيد و ابنتهم باليد الأخرى!!!

كان ذلك منظر يبعث على الإنزعاج بالنسبة لي،  كما لو كانت الطفلة تسير مع "مدخنتين" بدلا من السير مع "والدين"!

وبصفتي شخصا لا يتسامح مطلقا مع التدخين، تمنيت لحظتها أن يكون اقتراح طفلي باستدعاء الشرطة للمدخنين فعالا و نافذا. ألا يجب أن يكون هناك حظر قانوني على هذه العادة البشعة في وجود الأطفال؟؟!! فهؤلاء الأطفال يتعرضون للتدخين السلبي و هو يعرضهم لعدد من المشاكل الصحية! من حق الأطفال أن يتنفسوا هواء نقيا و أن يروا آبائهم يتنفسون أيضا هواء نظيفا، كما يجب أن يتم وضع قانون يمنع تعريض الأطفال للتدخين السلبي و يعدها إساءة و إيذاء للطفل تماما مثلما تم تجريم ضرب الأطفال.


وإلى أن يقرر صانعو القرار و الآباء المدخنون أن يكونوا على قدر عال من الشعور بالمسئولية، فإننا سنستمر في تثقيف طفلنا و توعيته بمخاطر التدخين، وأن التدخين هو خيار سيء للغاية يختاره المدخنون بإرادتهم وسيندمون على اختيارهم هذا يوما ما.

April 21, 2017

"وكلاء الله في الأرض"



رشا المقالح 




على الرغم من أننا نعيش في عصر الانترنت و الفضاء المفتوح، عصر العلم و التكنولوجيا و الحصول على المعلومة "بضغطة زر" إلا أن العالم العربي من الناحية الفكرية و العلمية لا زال يعيش سذاجة القرون الغابرة. افتح التلفاز و قلب القنوات الفضائية لتفاجأ بعدد القنوات "الدينية" و كذلك بالبرامج الدينية على القنوات غير الدينية و لاحظ المتابعة الهائلة التي تحظى بها مثل تلك البرامج التي تتكاثر يوما بعد يوم بشكل لا يصدق!

استمع إلى مقدمي أو ضيوف تلك البرامج من "شيوخ" و "علماء" لتصدم بحجم إعاقتهم الفكرية، أما تأثير تلك الإعاقة الفكرية على الناس فستراها بوضوح عندما تستمع إلى تساؤلات المتصلين والمتابعين.  تساؤلات غاية في السذاجة و الضحالة، تستشف منها  غيبوبة فكرية تغلف العقل العربي بغلاف كثيف.

فعندما ظهرت القنوات الفضائية و الانترنت لم نستخدمها في نشر الوعي الثقافي و التقدم العلمي، بل استخدمناها لنشر مئات بل آلاف الفتاوى و  البرامج التي تناقش "الأحكام الشرعية" لأمور سخيفة للغاية!!

و هكذا بدلا من أن يضمحل دور هؤلاء المشايخ المعاقين فكريا، نجدهم يحصلون على منابر لم يكونوا ليحلموا بها يوما ما لينشروا جهلهم و تراهاتهم،  و ليتدخلوا في كل تفاصيل حياتنا  فهناك "حكم شرعي" لكل شيء مثل طلاء الأظافر و وضع كريم الأساس على الوجه، ، و تركيب الرموش، و نتف الحواجب، مرورا بالأكل بالشوكة و السكينة ،و رنات هواتفنا المحمولة ، و أخيرا و ليس آخر استخدام الواتس اب و الوجوه التعبيرية emoji!!! حتى "مجرد التفكير" له أحكام شرعية و فتاوى عديدة!!!

و لم يتبقى إلا أن نسأل عن حكم الاستيقاظ صباحا ، و النوم مساءا ، و حكم تناول الغداء في الساعة الواحدة، و حكم إضافة الحليب إلى الشاي، أو بالأصح هل يجوز شرب الشاي أصلا؟؟!!


تجد نفسك تقف ذاهلا أمام كمية مهولة من السخف الذي لن تجد له نظيرا في بقية أنحاء العالم، سخف يخلق أزمة حقيقية في عقل المتلقي العربي، فعلى سبيل المثال لا الحصر في الوقت الذي اتجه العالم إلى تنظيم الرياضة و وضع قوانين و تنظيمات هيكلية خاصة بها، و بطولات عالمية مختلفة، هذا على المستوى الاحترافي، أما على مستوى الهواة فهناك أندية يستطيع فيها الشباب اللعب و ممارسة رياضتهم المفضلة، و ذلك لأهمية الرياضة
و تأثيرها المباشر على صحة الانسان و لياقته، و مع ذلك نجد أحد المشايخ يظهر في فيديو على اليوتيوب يقول فيه عن رياضة كرة القدم : "" الهبل و العبط، و الخبل ...والله ما لاقي الفاظ على موضوع الكورة ده، ايه؟؟!! ايه الكاوتشه المنفوخة ديه؟؟!! ايه اللي بيحصل ده انا مش فاهم.!11 لعيب من هنا و 11 لعيب من هنا: 22 لعيب و ثلاث حكام واحد في النص و اتنين على جنب، و الملايين اللي عاملة تتفرج ديه...ايه الموضوع؟؟!!" ثم يواصل موعظته الحماسية ضد كرة القدم و ضد هيكلها التنظيمي قائلا : "مدرب؟؟!! ده بيدرب ايه؟ اللعيبة! مدلك؟؟! ده بيعمل ايه؟ بيدلك اللعيبة! مدير فني!!! مش فاهم انا يعني ايه مدير فني؟مدير إداري؟؟!!"



ثم يلخص رأيه في رياضة كرة القدم تلخيصا مفحما لا تملك أمامه إلا أن تشعر بضآلة عقلك أمام تلك العبقرية التي خرجت باستنتاج خطير لم يفطن إليه أحد من محبي كرة القدم و محترفيها في أنحاء العالم، حيث يرى شيخنا الجليل أن كرة القدم هي عبارة عن : " لعيبة بيلعبوا بالكورة في الملعب و ده لعب!!!" و هو يقصد بهذا تحقير تلك الرياضة و الاستخفاف بها و بمن يمارسونها و من يتابعونها!




و شيخ فذ آخر يطل علينا من إحدى القنوات الفضائية ليجيب على سؤال شاب يقول أنه ملتزم و لكنه يحب مشاهدة كرة القدم فما هو الحكم؟؟! و بالطبع يجيب عليه الشيخ العبقري بأن الأفضل هو عدم تضييع وقته في مشاهدة كرة القدم و الأفضل ألا يشاهد لأنه "لعب" و المؤمن العاقل لا ينبغي أن يضيع وقته في اللعب، بل أن ينتفع بوقته بما يفيده في الدين و الدنيا، يقول ذلك الشيخ هذا الكلام غير عارف بأن برنامجه هو أكبر مضيعة للوقت و للفطرة السليمة معا! و مع تلك العقلية الشاذة الكئيبة لا عجب أن الفرق العربية و أنديتها تحتل مراتب متأخرة في عالم كرة القدم، بينما نحتل المرتبة الأولى في الإرهاب و القتل و التطرف و التخلف!


يحدث هذا في عالمنا العربي بينما نجد في العالم الغربي اهتماما كبيرا جدا بالرياضة، و انتشار الأندية و أماكن التدريب الخاصة بالرياضات المختلفة و تشجيع الأطفال و الشباب على ممارسة أي "لعبة" رياضية لما في ذلك من دور في بناء شخصية الفرد و تنمية ثقته بنفسه و شغل وقت فراغه بما يفيد صحته الجسدية و النفسية!



و إذا تركنا الحديث عن "الإفتاء الرياضي" وانتقلنا  إلى الإفتاء الاجتماعي و الأسري، فحدث و لا حرج!

فمثلا اتصلت امرأة لبرنامج أحد المشايخ العبقريين، تقول له أنها متزوجة منذ عام و أن زوجها رجل جيد و يحسن معاملتها و لكنها لا تحبه و هذا الأمر ليس بيدها، فقال لها من ضمن ما قاله : "ينبغي أن يقع الحب في قلبك
لهذا الرجل...!!!" ثم نصحها بالاستمرار و البقاء معه!! 
مشكلة المرأة المتصلة حلها ليس عند الشيخ العريفي أو غيره من المشايخ الأدعياء، و لكنها العقلية العربية التي لا تبحث عن حل لمشكلتها بقدر ما تبحث عن "حكم شرعي" حتى لمشاعرها!!!
تلك الزوجة تبحث عن حكم "عدم حبها لزوجها" و تريد من يقول لها ما إذا كان ذلك حلالا أم حراما ، جائزا أو مكروها، و قد كان حريا بها أن تستشير أخصائي علاقات زوجية، أو مستشار في شئون الأسرة و لكن كل ذلك لا حاجة لنا به في عالمنا العربي مادام المفتي يقوم مقام ذلك كله!و هكذا نجد الشيخ في بلادنا العربية يفتي في كل شيء لأنه يفهم في كل شيء! يفهم في رياضة كرة القدم و يفهم في العلاقات الأسرية و يقدم استشارات زوجية!



 بل إن المفتي تطور هو الآخر بتطور الزمن و صار مواكبا للعلم و التقدم التكنولوجي فهو و إن كان لا يفهم حرفا في التكنولوجيا و لا يدري كيف يتم عمل تطبيقات مثل الواتس اب و الانستجرام  و فيسبوك و غيرها إلا أنه بارع في استنباط أحكام لكل جديد ! إنه الجهل في أبهى صوره أعز الله القارئين!! فستجد على الانترنت عشرات من مقاطع الفيديو التي تتحدث فقط عن "حكم استخدام الوجوه التعبيرية"!!! والسؤال المنطقي هنا : لماذا يشعر الناس أصلا بأن استخدام الإيموجي يجب أن يكون له "حكم شرعي" و يجب عليهم السؤال عنه؟

 بل ان هناك أحكاما شرعية لكل شيء يخطر على بالك، و لا يخطر على بالك!! فحتى قص النساء لشعرهن و نتف الإبط و حلق العانة له أحكام شرعية عند هؤلاء المشايخ؟! من أين تأتي هذه المخلوقات و كيف تكاثرت بهذه الطريقة و سيطرت على حياتنا  بهذا الشكل المفزع و المروع؟!!

هؤلاء "المشايخ" أدعياء العلم الذين نصبوا أنفسهم وكلاء للسماء في الأرض،هم في واقع الأمرمجرد مجموعة من الفشلة الذين لم يجدوا لهم دورا فعالا حقيقيا في الحياة، فاتجهوا للمشيخة و امتهنوا "الإفتاء"، و استغباء الناس و التنكيد عليهم و تنغيص حياتهم، و جعلهم يعيشون في دوامة من الشعور بالذنب و الخوف طوال الوقت، هذا بالإضافة إلى دورهم في نشر التحريض و العنف و الكراهية!

 و لو أننا قمنا بإلغاء هذه الفئة من الناس تماما من حياتنا لعشنا حياة صحيحة و صحية، سياسيا و اجتماعيا و فكريا و ثقافيا، أما بدون ذلك فسنظل نحيا في كهوف الجهل و نغرق في بحر من الظلمات بينما ينعم العالم من حولنا بضوء الشمس الساطع و أشعتها الدافئة.



April 18, 2017

المسلمون في الغرب و أزمة الهوية


رشا المقالح




تابعت ذات مرة برنامجا في قناة تونسية، يتحدث عن تعليم اللغة العربية لأبناء الجالية التونسية في فرنسا، و كان البرنامج  عبارة عن لقاء في أحد شوارع باريس مع مجموعة من الأطفال و الذين تتراوح أعمارهم تقريبا ما بين السادسة و العاشرة مع الأستاذة التي تقوم بتعليمهم اللغة العربية، و قد ختم المذيع اللقاء بسؤال أحد الأطفال " ماذا تعلمتم اليوم في درس اللغة العربية؟"  فقال الطفل : تعلمنا أن نقول "أنا تونسي، أقيم في باريس."

 وبحكم كوني يمنية "مقيمة" في الغرب و كون طفلي "مقيم" أيضا ، و بحكم كوني حريصة على أن يتعلم ابني اللغة العربية كونها لغته الأصلية ، فقد شعرت بالإعجاب في بداية الأمر و قلت في نفسي أنه شيء جميل و مهم أن يتعلم هؤلاء الأطفال لغتهم الأم رغم "إقامتهم" في بلد غربي. لكن عندما قال مقدم البرنامج في نهاية اللقاء أن هؤلاء الأطفال يمثلون الجيل الرابع من التوانسة في فرنسا، أصبت بصدمة كبيرة!!

فهؤلاء الأطفال ليسوا مجرد "مقيمين" في فرنسا كما يتم تلقينهم، و إنما هم مولودون في فرنسا لآباء مولودين أيضا في فرنسا لأجداد ولدوا في فرنسا!!! فكيف يغرسون في عقول هؤلاء الأطفال أنهم مجرد"مقيمون" في باريس بينما هم في حقيقة الأمر "فرنسيون من أصول تونسية"؟؟!

السبب وراء ذلك هو وجود أزمة هوية حقيقية تعيشها الجاليات العربية في البلاد الأوروبية، فهم يريدون العيش في البلدان الغربية و الإستفادة من رعايتها و قوانينها الاجتماعية ، و لكن من ناحية أخرى يرغبون في أن يكون ولائهم و انتمائهم لمواطنهم الأصلية فقط لا غير، حيث يعتبرون أنفسهم مجرد "مقيمين" في تلك البلاد مهما طال زمن إقامتهم، بل و يقومون بتوريث مشاعر الإنفصام هذه من جيل لآخر.

يشعرون بالخوف لذا يعيشون في كثير من الأحيان في تجمعات “communities”  حيث يحافظون فيها على عاداتهم و تقاليدهم و يخافون من التواصل الاجتماعي بالآخر المحيط بهم.  و هذه الأزمة تنعكس بشكل واضح على أبناء المهاجرين، فكثير منهم مشتتون لا يعرفون أين يجب أن يكون إنتماءهم الحقيقي، لهذا ربما يقع بعضهم فريسة سهلة للاستقطاب من قبل بعض التنظيمات المتشددة.


و الأسباب التي تقف وراء ذلك الشعور الدائم بالخوف من الآخر هي في مجملها "دينية"، حيث يعتقد كثير من المسلمين أن لديهم خصوصية يجب عليهم المحافظة عليها، و أن نمط الحياة الغربية يصطدم بشدة مع تلك الخصوصية. لكن في واقع الأمر فإن من أهم خصائص نمط الحياة الغربية  هي الفردية و الحرية الكاملة و هذه الخصائص غير موجودة أبدا ضمن نمط "الخصوصية الإسلامية" بحسب الفهم الشائع المتوارث للإسلام والذي يتبناه كثير من المسلمين للأسف.

لذا فإن خوف المسلمين  ليس من النمط الغربي في حد ذاته و إنما من الحرية المطلقة التي يتمتع بها أفراده، و هذا الخوف من الحرية مفهوم إلى حد ما، فنحن المسلمون نرزح منذ عصور عديدة تحت ضغط نظم استبدادية، و تحت
محمد شحرور
ضغط هذه النظم تشكلت كثير من المفاهيم التي تم نسبتها إلى الإسلام و لن يتمكن المسلمون من التخلص من ذلك الشعور الدائم بالخوف من الحرية و الذي يأتي معه الشعور بالخوف من "الآخر" إلا إذا قاموا بعمل إصلاحات دينية حقيقية وحاولوا فهم الدين من منظور معاصر يستند على أسس علمية ومنطقية، كتلك التي يدعو إليها بعض من المفكرين و من أبرزهم الدكتور محمد شحرور.





لنتخيل الآن لو انعكست الأمور، و هاجر إلى بلادنا الكثير من المواطنيين الغربيين و استقروا فيها و استوطنوها هم و أبناءهم لعدة أجيال، و لكنهم يرفضون الاختلاط بنا نحن سكان الأرض الأصليين رغم حصولهم على جنسية بلدنا و رغم أنهم يتحدثون العربية، لكنهم يشعرون بالخوف من ثقافتنا و من مجتمعنا و يريدون فقط الحياة في تجمعات تعزلهم عن محيطهم الكبير و مجتمعهم الحقيقي، فماذا سيكون شعورنا نحن تجاههم؟؟!! كنا سنرفض وجودهم لأننا نشعر أنهم يرفضون وجودنا رغم أنهم يعيشون في بلادنا، و هذا هو الوتر الذي يلعب عليه اليمين المتطرف في أوروبا. دائما ما يصرخون بأن المسلمين غير قابلين للإندماج و أن لديهم دائما "ثقافة الخوف من الآخر" و هم محقون في هذا الاستنتاج إلى حد بعيد.


كمهاجرة قادمة من اليمن و مقيمة في ألمانيا فأنا حريصة على تعريف الألمان بالبلد الذي جئت منه، و لكنني في الوقت ذاته منشغلة تماما في فهم مجتمعي الجديد و تعلم لغته و الإندماج فيه، لذا لا أحب العيش في تجمعات معزولة ولا أرغب في فصل نفسي عن محيطي الكبير لأنني لا أشعر بالخوف منه، اتفهم الاختلافات الثقافية و استمتع بملاحظتها و أرغب بشدة في أن ألعب دورا في مد جسر بين ثقافتين مختلفتين بدلا من إقامة حاجز بينهما.

و أنا مع تعليم أبناء المهاجرين – حتى لو كانوا من أبناء الجيل العاشر - لغاتهم الأصلية سواء كانت العربية أو الكردية أو الروسية و غيرها، لكن يجب أن يتم ذلك دون التقليل من شعورهم بالإنتماء للبلد الذي ولدوا فيه و ترعرعوا على ترابه.


April 1, 2017

نكتة باااااااااااااايخة


رشا المقالح



و صلتني هذه النكتة في الواتس اب : ((واحدة زوجها ماسكها من شعرها في الشارع وفي اليد الثانية عصا و نازل فيها ضرب وهي تصيح : يا ظالم يا مفتري، مر عليهم واحد ومسك يد الزوج اللي فيها العصا وقاله : يا أخي ضرب البهائم بالعصا وضرب النساء بالنساء "يعني تزوج عليها"، الزوج مع انفعاله ما استوعب فقاله : وضح قصدك؟؟؟  فقالت له الزوجةما عليك منه .. كمل الضرب!!))

ربما يعتقد البعض أن هذه مجرد نكتة و ليس لها أي قيمة و لا أهمية و لكن النكتة في واقع الأمر تعد نتاجا شعبيا و تخفي وراءها واقعا ثقافية و اجتماعيا. و هذه النكتة و مثيلاتها نتاج ثقافة تستسيغ العنف ضد المرأة و لا ترفضه، كما أنها تعمل على تطبيع العنف أكثر و ترسيخه في وجدان الناس، و جعله مقبولا عن طريق تصويره كأمر مثير للطرافة و الضحك، و هناك تكمن خطورة الأمر!

تلك النكتة – و غيرها الكثير -  مهينة جدا للمرأة العربية، حيث تصورها و كأنها تفضل أن يضربها زوجها على أن يتزوج عليها و كأن ليس لها سوى هذين الخيارين، و كلاهما دليل على ضعف شخصيتها و طمس هويتها الإنسانية و انعدام إرادتها و قبولها التام لأن تدور في فلك الرجل دون اعتراض.  

المفارقة هو عندما تضحك النساء على مثل هذه النكات بل و يتداولنها و يعتبرنها مثيرة للضحك بينما هي في واقع الحال مثيرة للشفقة لأنها تخفي وراءها واقعا بائسا، تكون فيه المرأة أقل منزلة من الرجل و بلا كرامة خاضعة ذليلة عليها تلقي الضرب في صمت مخافة أن يتزوج زوجها عليها، فما المضحك هنا؟؟!!

و ربما يعد مفهوما أن تنتشر مثل تلك النكات بين الرجال و يتم تداولها و الضحك عليها، كون الرجل هو الطرف المستبد و هو الذي ينظر للمرأة نظرة دونية، فتأتي تلك النكتة و مثيلاتها لتنفس عن شعوره بالقوة و التفوق، تماما مثل تلك النكات التي تنتشر بين سكان المدن و التي يتندرون فيها على سكان الأرياف حيث تشعرهم تلك النكات بأنهم  أكثر تحضرا و تمدنا و عصرية، فتأتي نكات "الصعايدة" مثلا مضحكة للغاية بالنسبة لسكان المدينة، لكن تلك النكت التي تسخر من سكان الأرياف لن تثير ضحك الصعايدة بل ستكون مثيرة لسخطهم و امتعاضهم.

و لهذا أستغرب كثيرا عندما أجد مثل تلك النكات المهينة للمرأة منتشرة بين أوساط النساء بل و يقمن بتداولها و الضحك عند سماعها! لكن من الواضح أن 
المرأة العربية، و اليمنية بشكل خاص تعرضت إلى  "غسيل دماغ" جعلها تتنازل عن كرامتها الانسانية و ثقتها بنفسها لدرجة أن تجد ذلك الوضع البائس طريفا!

هذه النوعية من النكات ينبغي ألا تمر علينا نحن النساء مرور الكرام، و انما من الواجب علينا رفضها و مقاومتها و عدم المساهمة في نشرها و تداولها، و يجب عندما تصلنا مثل تلك النكات أن نرد عليها بكلمة واحدة :

بااااااااااايخة!