Pages

April 25, 2017

!لو كان التدخين رجلا لقتلته


 رشا المقالح


كنا نتسوق في إحدى المرات في السوبرماركت، عندما انتبه طفلنا للمرة الأولى لعلب السجائر و للصور التحذيرية المطبوعة عليها. ظهرت على وجهه علامات الانزعاج الشديد و تسائل ببراءة و خوف عن معنى ذلك. أخبرناه أن هذه تسمى سجائر و أنها مضرة بالصحة و أن من يقوم بالتدخين فإنه يعرض جسمه للتلف و يصبح مريضا مثل أولئك الأشخاص المرضى الذين يظهرون في تلك الصور التحذيرية.
لكن أسئلة طفلنا لم تقف عند هذا الحد، فقد شغل موضوع التدخين عقله تماما فاستمر بإلقاء الأسئلة علينا و في كل مرة  كانت إجاباتنا تولد مزيدا من الأسئلة! "ما هي السيجارة؟ و لماذا يدخن الناس؟و لماذا يبيع السوبر ماركت السجائرإذا كانت سيئة للغاية وغير صحية؟ "

و بما أننا لا ندخن،  و نعارض التدخين بشدة فقد كانت هذه فرصة جيدة بالنسبة لنا لنغرس في ذهن طفلنا أن التدخين هو عادة سيئة للغاية و أنه يستنزف الصحة و المال. لذا قمنا باستعارة  بعض كتب الأطفال من المكتبة و التي تحتوي على صور لجسم الانسان : الفم و الأسنان و الحلق و الرئتين ، و شرحنا له كيف يؤثر التدخين سلبا على تلك الأجزاء.

كما جعلناه يشاهد بعض مقاطع الفيديو الموجهة للأطفال على اليوتيوب و التي تشرح مدى خطورة التدخين، بطريقة مبسطة و سلسة . ليس ذلك فحسب، و لكننا قلنا له أيضا كيف يمكن أن تؤدي السجائر إلى نشوب حرائق إذا لم يكن المدخن حريصا. ربما تحمسنا كثيرا و انجرفنا بشدة، و لكن من يمكنه أن يلوم الآباء عندما يقومون بمسئولياتهم التربوية تجاه أطفالهم؟

لاحظنا بعدها أنه أصبح مهووسا بموضوع التدخين فكنا كلما خرجنا يتلفت يمنة و يسرة بحثا عن أي شخص يمسك
بيده سيجارة، ثم في أحد الإيام عندما كنا في السوق و وقعت عيناه على شخص يدخن، قام على الفور بتغطية أنفه و فمه بوشاحه الثقيل ثم صرخ بعدها بشكل هيستيري: "هناك مدخن! اتصلوا بالشرطة!"قلنا له و نحن نغالب ضحكاتنا أن المرء لا يستدعي الشرطة لمجرد أنه رأى شخصا ما يدخن السيجارة في الشارع، شعر بالصدمة للحظة ثم صاح: "إذا يجب أن نتصل برجال الإطفاء لإخماد السيجارة!"
كان مشوشا جدا و منزعجا، وأستطيع أن أرى لماذا، ففي ذهنه الصغير الذكي لا يمكنه سوى أن يتساءل كيف يكون التدخين خطيرا و مع ذلك يسمح به من كل من رجال الشرطة ورجال الاطفاء؟! فهو يحترمهم بشدة و يراهم أبطالا يحافظون على الأمن والأمان و يبعدون المخاطر عن الناس، فكيف لا يبعدون السيجارة و هي تعد من المخاطر؟! 
في الأيام التالية، قضينا الكثير من الوقت لنشرح له أن التدخين محظور في الأماكن المغلقة مثل المباني العامة و وسائل النقل العام. ولكن يمكن للمدخنين التدخين في الأماكن المفتوحة، ثم قلنا له أن التدخين هو "خيار"، وهناك من الناس من يتخذ خيارات سيئة و يختار الإضرار بنفسه للأسف الشديد، و لكن من جهة أخرى هناك أشخاص أذكياء، مثلنا بالطبع، الذين يختارون عدم التدخين لما له من مخاطر كبيرة على صحة الإنسان.

كنا نأمل أن يكون تفسيرنا منطقيا و أن يعمل على إزالة حيرته لكنه في اليوم التالي عندما كنا في الطريق إلى روضة الأطفال، مررنا بسيدة، حمدا لله أنها لم تكن تدخن! فبادرها ابني بابتسامة  عريضة قائلا : "صباح الخير!" ثم بعدها التفت إلي قائلا بفخر: "ماما، نحن نقول صباح الخير فقط للناس الذين لا يدخنون أما أولئك المدخنين فنحن لا نلقي عليهم التحية أبدا، أليس كذلك؟؟"

شعرت لحظتها بانزعاج حقيقي فهذا الأمر لم يعد محتملا، و لكن ليس بسبب أسئلة طفلي البريئة و إنما بسبب هذا العالم المليء بالمدخنين و الذين يجعلون مهمتنا كآباء و أمهات صعبة للغاية،  لذلك،فقد حان دوري الآن لطرح الأسئلة!

أولئك الذين يدخنون، لماذا تدخنون و أنتم تعرفون تمام المعرفة أن التدخين يأكل صحتكم و أموالكم، كما أنه يجعل رائحتكم كريهة!حقا كريهة! كما أن تصرفكم هذا يربك أطفالنا و يشوش أذهانهم! أما بالنسبة للآباء و الأمهات المدخنين، هل يمكنكم حقا الذهاب إلى النوم بضمير مستريح؟

رأيت في أحد الأيام، أما مع طفلتها و التي لا تتجاوز الثلاث سنوات من العمرأمام أحد متاجر الأثاث، و قد قامت تلك الأم بإشعال سيجارة و تدخينها، و بينما كنت مشغولة في الحكم  عليها  و انتقادها لأنها تدخن أمام طفلتها و تقدم لها نموذجا سيئا، انضم إليها رجل يبدو أنه الأب حيث أشعل سيجارة هو الآخر و قام بتدخينها، ثم أمسك كل منهما بيد الطفلة و ساروا مبتعدين و هم ممسكين سيجارتهم بيد و ابنتهم باليد الأخرى!!!

كان ذلك منظر يبعث على الإنزعاج بالنسبة لي،  كما لو كانت الطفلة تسير مع "مدخنتين" بدلا من السير مع "والدين"!

وبصفتي شخصا لا يتسامح مطلقا مع التدخين، تمنيت لحظتها أن يكون اقتراح طفلي باستدعاء الشرطة للمدخنين فعالا و نافذا. ألا يجب أن يكون هناك حظر قانوني على هذه العادة البشعة في وجود الأطفال؟؟!! فهؤلاء الأطفال يتعرضون للتدخين السلبي و هو يعرضهم لعدد من المشاكل الصحية! من حق الأطفال أن يتنفسوا هواء نقيا و أن يروا آبائهم يتنفسون أيضا هواء نظيفا، كما يجب أن يتم وضع قانون يمنع تعريض الأطفال للتدخين السلبي و يعدها إساءة و إيذاء للطفل تماما مثلما تم تجريم ضرب الأطفال.


وإلى أن يقرر صانعو القرار و الآباء المدخنون أن يكونوا على قدر عال من الشعور بالمسئولية، فإننا سنستمر في تثقيف طفلنا و توعيته بمخاطر التدخين، وأن التدخين هو خيار سيء للغاية يختاره المدخنون بإرادتهم وسيندمون على اختيارهم هذا يوما ما.

No comments:

Post a Comment