Pages

July 1, 2017

صلاة العيد في ألمانيا

  
                                                                                                                            أنيس الباشا





وأخيرا انقضى شهر رمضان وجاء العيد بكل أجواؤه طقوسه وعاداته، و العيد في الغربة يختلف عنه بالطبع في بلاد المسلمين حيث لا شيء من حولك يدلك على أن اليوم عيد ، والأمر الوحيد الذي صنع فارقا هذا العام هو أن أول يوم من أيام عيد رمضان صادف يوم الأحد أي يوم عطلة أسبوعية رسمية في أوروبا بالتالي تمكن الناس من "الشعور" بالعيد على الأقل بعدم الذهاب إلى المدارس أو أماكن العمل في هذا اليوم..

ولأن اليوم عطلة قررت أن آخذ ابني وأن نذهب سويا لأداء صلاة العيد في مدينة هامبورج، في الطريق لاحظت
أن هناك أعدادا لا بأس بها من الناس المتوجهين لأداء صلاة العيد..كيف عرفت ذلك؟ ببساطة من الملابس التي كانوا يرتدونها حيث ارتدى الكثير من الرجال والشبان الجلباب أو الثوب الأبيض، أما النساء فبعضهن كن مغطيات من قمة رؤوسهن حتى أخمص أقدامهن!!
 كان الشعور جميلا برؤية كل هؤلاء الناس وهم يتجهون نحو وجهة موحدة تجمعهم بهذه المناسبة، وعند المصلى كان الزحام شديدا والناس تتدفق من هنا وهناك، تلفت حولي أبحث عن أي نوع من أنواع الحراسة الأمنية فلم أجد أي سيارة شرطة ولا حتى سيارات اسعاف، وهو الأمر الذي أثار استغرابي كثيرا حيث أنني أعرف جيدا أن أي تجمع احتفالي أو غير احتفالي في ألمانيا لابد أن تجد فيه بعضا من سيارات الشرطة والاسعاف والأطفاء فما بالكم بحدث مثل هذا اليوم حيث يتجمع المسلمون بأعداد كبيرة في مكان واحد؟ ثم إن حوادث الكراهية والعنصرية والارهاب ضد المسلمين تتزايد مؤخرا وقبل بضعة أيام فقط قام أحدهم بدهس مجموعة من المصلين في لندن.. في الحقيقة ضايقني الأمر خصوصا حين لاحظت وجود أعداد كبيرة من الأطفال وتمنيت في سري أن يمر الأمر بسلام..



على باب المصلى الذي كان عبارة عن قاعة رياضية ضخمة تم استئجارها لأداء صلاة العيد وقف بعض الشباب يستقبلون الناس ويوزعون عليهم أكياسا بلاستيكية من أجل وضع الأحذية فيها وأيضا بعض سجاجيد الصلاة "السفري" التي يمكن أن تطوى وتوضع في الجيب، كانت بادرة لطيفة خصوصا لمن لم يحضر معه سجادة صلاة، لكن لفت انتباهي ان السجاجيد التي تم توزيعها كانت جميعها باللون الأسود وعليها نقوش وزخارف باللون الأبيض، ورغم يقيني أن الأمر لا يعدو كونه صدفة إلا أنني تعجبت من سر اختيار هذا اللون وبذلك الشكل الذي جعل سجادة الصلاة شبيهة بعلم داعش! ألم ينتبه أحدهم لهذا الأمر؟ أليست هناك ألوان أخرى في الدنيا يمكن تصميم السجاجيد بها بدلا من ذلك اللون والشكل المقبض؟

المهم دخلنا لتستقبلنا اصوات التكبير والتهليل التي تنطلق من أفواه الناس، أما الاشخاص الذين كانوا في المقدمة وتتواجد عندهم الميكروفونات فقد كانوا يصرخون ويكبرون بصوت عال ولأننا نجلس في قاعة واسعة مغلقة وليس في فضاء مفتوح فقد كانت نغمة الاصوات عالية للغاية بطريقة تؤذي الأذن حتى أن ابني اضطر لأن يضع يديه على أذنيه من قوة الصوت وشدته، وجدت نفسي أتساءل لماذا كل هذه الضجة في ترديد التكبيرات؟

من الجميل أن يجلس الناس قبل صلاة العيد ليكبروا ويهللوا فالله سبحانه وتعالى يقول بعد الآيات التي تتكلم عن الصيام "ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم".. لكن ألم يكن من الأفضل والأجمل والأكثر روحانية أن لا يتم استخدام ميكروفونات قوية في قاعة مغلقة تكتظ بالحضور وأن يُترك الناس ليرددوا ويكبروا ويهللوا بأصواتهم فقط بدلا من كل ذلك الضجيج والصراخ في الميكروفون؟ ثم ما هو الغرض من تلك الاصوات العالية التي تكاد من فرط قوتها أن تخترق وتدمر طبلات أذان الجالسين؟ أنها فقط تلك الرغبة المحمومة لدى كثير من المسلمين في الغربة في إظهار تشبثهم بهويتهم الدينية بالطريقة التي يعتقدون أنها صحيحة وذلك بالاهتمام بالشكليات والمظاهر على حساب الجوهر والمضمون!


استمر الصراخ العالي بالتكبير والتهليل يقطعه كل دقائق أحد "المنظمين" ليعتذر عن التأخير في الصلاة لإتاحة الفرصة لحضورها لأكبر عدد من الناس الذين لا يزال بعضهم في الطريق، ووسط كل ذلك الزحام والتدافع والضجيج وهتافات الكبار وعويل الأطفال تحول المكان بالفعل إلى ما يشبه أحد أسواق القات الشعبية في اليمن الحبيب حتى توقعت في أي لحظة أن اسمع من يصرخ قائلا " على مائتين يا طيب.. الكيلو الموز بمائتين والطبق البيض بخمسمائة ريال  ويابلاشاه" 

هذا بالطبع إذا ما زالت الاسعار على ما عهدتها أو اذا كان لا يزال هناك موز وبيض في اليمن أصلا! للأسف فقدت الجلسة أي روحانية وأصبح كل همي أن يتم اقامة الصلاة كي نصلي ونرحل من المكان، وجدت نفسي اتساءل لماذا في مناسباتنا الدينية أو الاجتماعية لا نقدر كمسلمين أن نتحلى بالهدوء والروحانية بل نصر على صنع أكبر ضجة ممكنة بافتراض أنه كلما زاد الانفعال والصراخ زاد الأجر والثواب والشعور بالفرح! ولم استطع أن أمنع نفسي من التساؤل عن مغزى ذلك الضجيج الذي يحطم الأعصاب؟ هل هذا الصراخ هو لكي يسمعه الخالق عز وجل وهو الذي لا يخفى عليه دبيب النمل في أعماق الأرض؟ أم أنه لكي يسمعه أهل البلد من الألمان حتى تزيد النظرة العدائية لهذا الدين الذي لا يكف اتباعه عن تنفير الآخرين ناحيته؟

 وبعد مضي دقائق كأنها دهر نادي المنادي أن "الصلاة جامعة" فتنفست الصعداء ووقفنا نصلي، بعد الصلاة ظهر
الخطيب لكي يخطب فينا صلاة العيد وكنت أنا قد تهيأت للنهوض ليقيني التام أن الرجل لن يخرج في خطبته عن تلك الدائرة المحدودة التي سمعتها مئات المرات منذ وعت عيناي الدنيا والتي يرددها الخطباء وأئمة الجوامع في كل مكان وبنمطية تكاد أن تتطابق عبر العصور والقرون، وكأن هؤلاء اتفقوا جميعا أن من يخاطب الناس بطريقة جديدة غير نمطية ولا يكرر عبارات مثل " ها هو العيد يأتي بعد رمضان..فماذا قدمنا لرمضان.." أو "علينا ألا ننسى ذكر الله في هذه الايام أيضا.." الخ، هو زنديق فاسق يريد أن يُضل الناس ويغويهم ويفسد عليهم فرحتهم بعيدهم!

في الخارج كان بعض الشباب واقفون يوزعون على المغادرين أكياسا صغيرة تحوي بعض المعمول بالتمر للكبار وأخرى بها بعض الحلويات للأطفال، وهي فكرة جميلة بالفعل تعطي لمسة عن العيد وعما نفعله في بلداننا في هكذا مناسبة من توزيع وأكل للحلويات، عندما جلت بنظري في الساحة الكبيرة خارج القاعة التي امتلأت بالأطفال في ثيابهم الملونة والحلوى في أيديهم تذكرت الأغنية الرائعة عن العيد للمطرب الأذربيجاني المشهور سامي يوسف والتي تقول كلماتها:

الأطفال يملئون الطرقات بثيابهم الجديدة الملونة والزاهية
وجوههم مليئة بالفرحة والسرور.. وجيوبهم تملؤها الحلوى
دعونا نفرح بالفعل فهذا هو يوم العيد!



التقطنا بعض الصور وذهبنا إلى حديقة لألعاب الأطفال قرب ميناء هامبورج حيث لعب ابني هناك قليلا ثم عدنا أدراجنا إلى البيت وهناك كانت مفاجأة جميلة في انتظارنا، فقد قامت زوجتي بإعداد الغداء وتقديمه على الطريقة اليمنية التقليدية حيث جلسنا جميعا على الأرض نتناول الأطباق اليمنية ونشاهد التلفزيون. بالتأكيد يختلف العيد في الغربة عنه بين الأهل والأصدقاء لكن في كل الأحوال يظل العيد مناسبة جميلة لها مذاقها الخاص والمختلف بغض النظر عن المكان أو الزمان الذي نتواجد فيه.

  

No comments:

Post a Comment