رشا المقالح
حضرت الأسبوع الماضي ندوة استمرت بضعة أيام في مدينة في غرب وسط ألمانيا تدعى فيتسلار، وتقع هذه المدينة في ولاية هيسين. و لأنني أقيم في شمال ألمانيا منذ عامين فقد
كنت سعيدة جدا بهذه الفرصة التي أتاحت لي رؤية جزء آخر من البلاد، و الذي يبعد ما
يزيد عن الأربعمائة كيلو متر عن المدينة التي أقيم فيها.
قبل بداية الرحلة دارت في رأسي عدة تساءولات كان
أهمها عن الطقس هناك خاصة و أنني قد سمعت أن وسط ألمانيا أكثر دفئا من شمالها، وبما أننا في موسم الصيف فربما يكون الجو هناك شديد الحرارة. لكن
ما إن وصلت إلى هناك حتى اكتشفت أن الطقس لا يختلف كثيرا عنه في الشمال، فقد وجدت
ذلك المزيج الألماني الذي تعودت عليه في الشمال من الجو الغائم الماطر و الذي تتخلله فترات
من الشمس.
كان أول ما لفت انتباهي عند وصولي إلى المركز التدريبي الذي أقمت فيه خلال مدة الندوة هو المنظر الذي تطل عليه نافذة غرفتي و التي كانت في الطابق الثالث، فقد ذكرني ذلك المنظر بعض الشيء بمدينة تعز في اليمن حيث كان المنظر عبارة عن مجموعة من البيوت
المبنية على هضبة مرتفعة ، كما أن الشوارع في بعض المناطق في مدينة فيتسلار غير مستوية
أي أنها تنحدر صعودا و نزولا وهو أمر راق لي كثيرا لكنه بالتأكيد لن يروق لسائقي
الدراجات الهوائية حيث عليهم بذل مزيد من الجهد وربما لهذا السبب لم أر الكثير من راكبي الدراجات الهوائية كما هو الحال مثلا في كثير من المدن الألمانية.
المنظر من نافذة غرفتي |
تشتهر فيتسلار بمدينتها القديمة و التي كانت في السابق خاضعة للإمبراطورية
الرومانية المقدسة و لكنها كانت تتمتع بحكم ذاتي. عندما تجولت في تلك المدينة
القديمة شعرت بالفعل بعبق التاريخ، فالشوارع الحجرية الضيقة و كذلك البيوت العتيقة المطلة
عليها تنشر احساسا بالدفء و الحميمية. و عندما تنقلت بين تلك الشوارع وددت لو أنها امتدت بلا نهاية.
عندما تزور البلدة القديمة في فتسلار فلا بد أن تعرج على أهم معالمها و هو منزل "جيروساليم" و لا بد أنك ستسمع القصة التي تكمن وراءه، فهذا المنزل أقام فيه شخص يدعى كارل فيلهيلم جيروساليم قد تم تحويله إلى متحف يحمل اسمه. و توجد لافتة أمام المتحف كتب عليها بالألمانية
: " هذا هو المنزل الذي عاش فيه جيروساليم حتى حادثة انتحاره المأساوية".
![]() |
متحف جيروساليم |
ولكن من هو جيروساليم إذن؟ قبل زيارتي لمدينة فتسلار لم
يكن لدي أدنى فكرة عن هذه الشخصية. ثم
عرفت أن جيروساليم هذا كان ابنا لواعظ
بروتستانتي معروف كما كان يعمل كسكرتير مفوضية في مدينة فيتسلار، و تأتي أهمية جيروساليم من أنه كان صديقا
للأديب الألماني الشهير "غوته" . وسيخبرك السكان المحليون بفخر بالغ أن غوته أقام في مدينتهم لمدة أربعة أشهر وهو شرف عظيم للغاية، حيث قدم غوته إلى هذه المدينة في
منتصف العام 1772 كمتدرب لممارسة القانون و غادرها في سبتمبر من العام نفسه.
و هناك اعتقاد راسخ أن غوته عندما كتب أولى رواياته و أكثرها
شهرة في الوقت نفسه " آلام الشاب فرتر" فقد كان متأثرا بموت صديقه كارل
جيروسالم، حيث يظهر ذلك التأثر واضحا في الموت المأساوي لفيرتر الذي يطلق النار
على رأسه، و هي نفس الطريقة التي قتل بها جيروساليم نفسه.
![]() |
المنزل الذي عاش فيه غوته أثناء فترة إقامته في فيتسلار، باللون الأخضر |
من المعالم الهامة
الأخرى في البلدة القديمة هي الكاتدرائية،
أو ما يعرف بالـ "دوم" باللغة الألمانية. و هي عبارة عن كنيسة ضخمة بدأ
بناءها في العام 1230 و لا يزال البناء غير مكتمل حتى الآن!حيث أن الواجهة الغربية للكاتدرائية ما زالت تفتقر إلى برج الجرس من جهة الشمال.
![]() |
كاتدرائية فتسلار |
و يكتمل سحر المدينة باللمسة التي يضيفها نهر لان و جسره القديم. فهذا النهر يمتد طوله لإكثر من مائتي كيلو متر و يمر بعدد من المدن الألمانية الهامة مثل ماربورج و جيسين و فتسلار و غيرها.
من الأشياء الطريفة
التي لفتت انتباهي أثناء زيارتي لفيتسلار هي أن أرضية الحمام في غرفتي في المركز
التدريبي الذي أقمت فيه كانت تحتوي على فتحة لتصريف المياه!كان ذلك مفاجئا بالنسبة لي لأن أرضية الحمامات في ألمانيا عادة لا يوجد
بها فتحات تصريف وهو الأمر الذي ذكرني أيضا بطريقة بناء الحمامات في بلدي.
و في كل
الأحوال فإن رحلتي إلى مدينة فتسلار كانت بالفعل رحلة لا تنسى، كما أن الذكريات التي حملتها معي من
هناك ستصاحبني فترة طويلة من الزمن، كيف لا و فتسلار مدينة تبهر زائريها بتاريخها
و قصصها التي لا تنتهي، فهي المدينة التي يوجد
في كل ركن فيها و في كل زقاق قصة تستحق أن تُروى. و هي المدينة التي أينما وجهت
عينيك فيها ستأسرك بجمالها و أينما تجولت فإن طرقها ستأخذك إلى سحر الماضي وعبقه الجميل.
No comments:
Post a Comment