
رشا المقالح
لم أكن أبدا من محبي أفلام رعاة البقر "الكاوبوي" و الهنود الحمر ولم يستهوني أبدا الغرب الأمريكي القديم أو ما يطلق عليه أحيانا بالغرب المتوحش، و لكني لم أتوقع البتة أن أول لقاء لي مع هذه الفترة من التاريخ الأمريكي ستكون هنا في شمال ألمانيا!
لم أكن أبدا من محبي أفلام رعاة البقر "الكاوبوي" و الهنود الحمر ولم يستهوني أبدا الغرب الأمريكي القديم أو ما يطلق عليه أحيانا بالغرب المتوحش، و لكني لم أتوقع البتة أن أول لقاء لي مع هذه الفترة من التاريخ الأمريكي ستكون هنا في شمال ألمانيا!
تلقيتُ دعوة
للمشاركة في الرحلة التي أقامتها الشركة التي أؤدي فيها خدمة تطوعية هذا العام وذلك ضمن ما يعرف بالخدمة الاتحادية الطوعية، و هذه الشركة هي شتات بارك نورديرشتيت حيث تقيم الشركة كل
عام لكل العاملين فيها ما يعرف ب "نزهة الشركة"، و هي عبارة عن رحلة
جماعية لمنطقة ما و قد كانت نزهة الشركة هذا العام عبارة عن رحلة إلى بلدة تسمى
باد سيجيبيرج لحضور مهرجان كارل ماي وأيضا لزيارة كهف جبل الطباشير الشهير
"كالكبرج".
في الحقيقة، فوجئت عندما عرفتٌ أن بلدة باد سيجيبيرج لديها مثل
هذه المعالم الجميلة! بالنسبة لي كان الشيء
الوحيد الذي تمثله هذه البلدة الصغيرة هو "مكتب الأجانب"، وهو المكان
الذي يذهب إليه الأجانب كلما كان لديهم أمر يتعلق بالأوراق الرسمية وتصاريح
الإقامة في ألمانيا. بخلاف ذلك، لم يكن لدي أدنى اهتمام لاستكشاف هذه المدينة
الصغيرة التي تبلغ مساحتها 18 كيلومتر مربع ويبلغ تعداد سكانها 16,000 نسمة فقط! ومع ذلك، شعرت بسعادة كبيرة
للمشاركة في تلك النزهة حيث أنها تمثل فرصة ممتازة لرؤية باد سيجيبيرج من زاوية أخرى غير تلك التي
أعتدت عليها.
خصوصا و أن بلدة باد سيجيبيرج تحتفل في هذه الفترة من السنة
، من شهر يونيو و حتى شهر سبتمبر، بمهرجان مسرحي يسمى مهرجان كارل ماي، حيث يتم
تأدية مسرحيات لقصص في الغرب الأمريكي القديم. لذا، عندما وصلنا إلى المدينة، حصل
جميع المشاركين في الرحلة على قبعة رعاة البقر كهدية. كانت تلك التفاتة رائعة من
منظمي النزهة جعلت البداية موفقة للغاية!
توجهنا بعد ذلك إلى ما يعرف بجبل الطباشير "كالكبرج"
للقيام بجولة في كهفها الشهير بصحبة مرشد سياحي. هذا الجبل هو عبارة عن صخرة بيضاء
كبيرة مكونة من الجبس ويبلغ ارتفاعها 91 مترا و تقع في وسط البلدة تقريبا. أما الجزء
السفلي منها فيحتوي على كهف تم اكتشافه في العام 1913 و هو يعد موطنا للخفافيش و لنوع نادر من الخنافس لا يوجد إلا في هذا
الكهف.
كانت تلك هي المرة الأولى بالنسبة لي التي أزور فيها
كهفا، و قبل أن ننزل إلى الكهف قمنا بارتداء معاطفنا حيث أن المرشدة السياحية نبهتنا
إلى أن درجة الحرارة منخفضة كثيرا في الأسفل عنها في الأعلى . وأوضحت أن درجة الحرارة في الكهف ثابتة على مدار
السنة وأنها دائما 9 درجات. كان من الطريف حقا أن الجو دافئا وصيفي في الأعلى حيث
تزيد درجة الحرارة عن الثلاثة و عشرين درجة مئوية ! لسوء الحظ، لم أستطع التقاط أي
صور لأن التصوير محظور بداخل الكهف، كما لم نكن محظوظين بما فيه الكفاية لكي نصادف
خفافيشا في الكهف خلال جولتنا التي استمرت حوالي النصف ساعة تنقلنا فيها خلال تجاويف الكهف المظلمة ذات الأسطح
المنخفضة.

مسرح كالكبيرج |
عندما وصلنا
إلى المدرج، كانت معظم المقاعد فارغة و ذلك لأننا وصلنا قبل بدء العرض بنصف ساعة.
جلسنا في مقاعدنا وشربنا المشروبات التي اشتريناها من كشك المرطبات الذي يقع مقابل
مدخل المسرح. قمت بأخذ صور للمسرح، وانتظرت بفارغ الصبر اللحظة التي سيرفع فيها
الستار، إلا أنه لا يوجد ستار بالطبع فهو مسرح في الهواء الطلق!
بينما نحن في انتظار لحظة البدء، كانت هناك موسيقى
خاصة بالغرب القديم تنبعث من مكبرات الصوت، كما كنا كل خمس دقائق نسمع صوتا يذكرنا
بالوقت المتبقي لانطلاق العرض، كان الصوت يتحدث بطريقة مسرحية طريفة ملائمة
للأجواء. بدأ الناس بالتوافد إلى المسرح بأعداد كبيرة، و استقر الجميع في مقاعدهم،
و كنا جميعنا على أتم الاستعداد لمشاهدة العرض، و في الساعةالثالثة تماما انطلق
العرض!
المسرحية التي يتم تأديتها هذا العام بعنوان
"أولد شورهاند"، و هي قصة مؤثرة لشاب أبيض من ساكني الحدود ذا مهارات
قتالية عالية و قدرة دقيقة على التصويب. هذا الشاب يبحث عن عائلته و يقع في حب
فتاة هندية، و مع تطور أحداث القصة يكتشف أولد شورهاند أن أمه هي امرأة هندية و تدعى "العين السوداء" و أن له أخ منها و هو الشاب أبانشكا رئيس قبيلة كومانش.
وينيتو- جان سوسنيوك |
أولد شورهاند و "العين السوداء" |
أولد شورهاند مع أمه و أخيه |
في نهاية المطاف، شعرت بالسعادة لأنني أتيحت لي الفرصة
لرؤية هذا الجانب الجميل من بلدة باد سيجيبيرج، بعيدا عن ذلك الوجه البيروقراطي
الممل. فبعد تلك الرحلة المبهجة، لم تعد باد سيجيبيرج بالنسبة لي هي البلدة التي تضم
مكتب الأجانب فقط، ولكنها صارت تمثل
بالنسبة لي بلدة "المرات الأولى"، ففيها زرت لأول مرة في حياتي كهفا، و
فيها حضرت لأول مرة أداءا مسرحيا حيا و فيها صادفت لأول مرة الهنود الحمر و صراعهم مع الرجل الأبيض.
![]() |
الجمهور يحيي فريق العمل في نهاية العرض |
No comments:
Post a Comment