Pages

February 26, 2015

مضاد حيوي

أنيس الباشا



حين تمرض في بلاد الغرب، ليس بمقدورك الذهاب بكل سهولة إلى أقرب صيدلية وشراء الكمية التي تريدها من المضاد الحيوي، وبالقوة التي ترغب فيها..المضاد الحيوي هناك لا يصرف إلا بوصفة من الطبيب وذلك لأنه – أي المضاد – مسألة خطيرة لا تخضع لمزاج أو رغبة المريض أو الصيدلي!

بل أحيانا تمرض وتتحامل وتذهب للطبيب راجيا منه أن يصف لك أحد المضادات الحيوية فيرفض هذا الأخير إن كانت حالتك أو المرض الذي أصبت به فيروسيا مثلا ولا يجدي معه استخدام "المضاد الحيوي"!

أما أطبائنا اليمنيون العباقرة فبالتأكيد الوضع يختلف وهم أساسا يدينون بالكثير لابتكار اسمه "المضاد الحيوي" والذي يقوم ب "كل الشغل" عنهم في المعتاد! 

ولو أنصفوا فإنه يفترض بهم أن يقوموا بعمل تمثال رمزي يمثل المضاد الحيوي ويلزم كل طبيب بوضع هذا التمثال في عيادته وأن يقوم بتحيته مرتين في اليوم! إذ لولا هذا الدواء لما أمكنهم ممارسة مهنة الطب الحقيقية كما يمارسها الأطباء "الحقيقيون" في بلاد العالم المتقدمة!


تدخل الأم الملهوفة على الطبيب ليفحص طفلها فيكون الدواء دائما هو جرعة مضاد حيوي.. تشكو ذات الأم للطبيب آلاما معينة لديها فيصف لها مضاد حيوي آخر.. وإذا عادت تلك الأم المسكينة بالطفل مشتكية أن المضاد الحيوي لم يحسن حالته بل على العكس زادها سوءا ..عندها يهز الطبيب اليمني رأسه في فهم وذكاء ويكتب لها وصفة جديدة ب مضاد حيوي جديد وقوي مؤكدا عليها أن تعود له إذا لم ينفع هذا المضاد ايضا ..لماذا؟ لكي يكتب لها على مضاد أقوى وأقوى!!


ويتكرر السيناريو مع الشيخ المسن الذي يعاني من الروماتيزم أو آلام المفاصل والشاب الذي يعاني من ألم في حلقه والطفل الذي يعاني من الكحة أو الأنفلونزا.. وكلهم على اختلاف أمراضهم علاجهم بالنسبة للطبيب اليمني العبقري يتمثل في المضاد الحيوي ولا شيء سواه! وطبعا لابد أن تكون جرعة المضاد الحيوي "ألف" جرام على الأقل.

كلما تذكرت حال الطب والأطباء في بلادنا يقفز دائما سؤال واحد إلى رأسي أتمنى أن ألقى له إجابة .. هل هؤلاء الذين يسمون أنفسهم أطباء درسوا الطب فعلا في الخارج وتخصصوا في فروع معينة ونجحوا بتفوق؟ أم أنهم كانوا يمارسون أشياء أخرى لا علاقة لها بالطب من قريب أو من بعيد ثم عادوا ليضحكوا علينا و"يطلبوا" الله على حساب صحة وأرواح ومعاناة اليمنيين؟؟

ألا يعلم أطبائنا العباقرة أن المضادات الحيوية ليست هي الحل السحري دائما وأنها تضعف مناعة الجسم خصوصا عند الأطفال؟ هل حاولوا مرة أن "يمارسوا" الطب فعلا فيتقصوا عن المرض وأسبابه وطرق علاجه بدلا من وصفة المضاد الحيوي الجاهزة التي يجربونها  - بالإضافة طبعا إلى ترسانة أخرى من الأدوية المتنوعة - و التي تقضي على المرض و المريض معا؟!




  

February 25, 2015

من يمسك بالكتاب يرمي السلاح

رشــا المقالح




من أكثر الأشياء التي أثارت إعجابي في المجتمعات الغربية هي اهتمامهم بالقراءة و الثقافة! و على الرغم  من تطور وسائل التكنولوجيا و الترفيه ( الانترنت و الهواتف الذكية و القنوات الفضائية العديدة و غيرها) الا أن المكتبات العامة تنتشر في كل مدينة و كل قرية كبيرة كانت أو صغيرة.... بل أن لكل منطقة المكتبة الخاصة بها...



 و لاحظت أنهم يغرسون في أطفالهم حب القراءة منذ الصغر...فترى أطفالا في المكتبات تقع أعمارهم ما بين الرابعة و الخامسة يتجولون بين رفوف المكتبة و يختارون كتبا مصورة و يقلبون صفحاتها...و مما  يعزز حبهم للمكتبة وجود ركن خاص بالأطفال فيها ، يحوي كتبا و ألعابا تنمي خيال الطفل و مهاراته العقلية بشكل ممتاز....







 أما الكبار فالقراءة عندهم جزء من روتين الحياة....و المكتبات توفر للقاريء كل ما يمكن توفيره...حتى لو بحثت عن كتاب معين و لم تجده في المكتبة، فبإمكانك أن تقدم طلبا إليهم و سيبحثون عن إمكانية توفيره لك ثم يقومون بالاتصال بك لإعلامك بنتيجة البحث.

يعتقد كثير من الناس في اليمن أن الاهتمام بالقراءة و المعرفة في ظل الظروف الحالية يعد نوعا من الترف، بينما هو في واقع الأمر يشكل الخطوة الأولى في الطريق إلى الحل!  هل يمكننا فعلا أن نحل مشاكلنا الحالية دون الاستعانة بالوعي و المعرفة و أدواتهما؟ و هل يمكن أن تتوقف الحروب المفتعلة في بلادنا عن طريق توسيع أسواق القات و السلاح أو أنها ستتوقف عندما تنتشر المكتبات العامة في كل حي و كل مدينة و قرية؟

من المهم أن نعرف أنه كلما صغرت المسافة بيننا و بين الكتاب، اتسعت الهوة بيننا و بين السلاح.

February 9, 2015

!الحلاقة على أسس و قوانين

أنيس الباشا




في أوروبا لا يمكنك في العادة أن تذهب إلى الحلاق في أي وقت ترغب فيه كي تقص شعرك، إذ يتوجب عليك أولا أن "تحجز" موعدا! نعم فالحلاق لن يقص لك شعرك إلا إذا كان لديك موعد سابق ويجب أن تأتي بناء على هذا الموعد..ماعدا في بعض المولات التجارية ربما يختلف الوضع إذ يمكن أن تدخل لصالون الحلاقة بدون موعد وتحصل على قصة شعر بالطبع إذا كان هناك مكان شاغر... و تختلف صالونات الحلاقة في الغرب عنها في بلادنا في كونها مختلطة، فهناك  زبائن و حلاقين من  الجنسين! و ليس غريبا أن تجد رجلا يقوم بصبغ شعر امرأة، أو امرأة تقوم بقص شعر رجل!


أما الحلاق الإيطالي فلديه "وجهة" نظر فيما يخص حلاقة الشعر وهو يحب أن يعرض أو في الغالب "يفرض" وجهة نظره! أتذكر آخر مرة ذهبت فيها إلى الحلاق، و بعد أن انتهى من حلاقة شعري نظرت في المرآة و طلبت منه أن يقوم بقص المزيد من الشعر من الجانبين و لكنه رفض! و بعد نقاش مرير وافق على قليل جدا من التخفيف لكنه رفض بعدها رفضا قاطعا أن يقص أكثر! تذكرت حلاقي المفضل في اليمن، و كيف كنت "أطلع روحه" و أتحكم في قص شعري و أفرض وجهة نظري و ماعليه إلا التنفيذ.


الطريف أن الطبيب الذي أتردد عليه ليس لديه حجز مسبق و إنما يمكنني أن أزوره خلال ساعات الدوام ، حيث يدخل الناس إليه حسب الأسبقية في الحضور!

الحقيقة أني أشعر عند دخولي إلى صالون الحلاقة برهبة لا أشعر بمثلها عند دخولي  إلى عيادة الطبيب!



February 8, 2015

اليمن...بين الحقيقة و التشويه

رشــا المقالح



يردد أحد أصدقاءنا العرب أنه لم يكن يعرف أن اليمن بلد جميل و أن بها شبابا متعلما إلا بعد أن التقى بنا!
فكرة العرب و العالم بشكل عام  عن اليمن يمكن تلخيصها في ثلاث كلمات  : "قبائل و زواج الصغيرات" و لا شيء آخر يقع بينهما!

هذه هي اليمن في عيون الآخرين... أعرف أن لدينا الكثير من السلبيات و أننا نواجه أوضاعا سياسية و اجتماعية و اقتصادية مقلقة، و أن جزءا كبيرا من الصورة السيئة التي تصل إلى العالم عنا للأسف هي حقيقية و لكنها مع ذلك تصل مع كثير من المبالغة و التشويه، و هذا عبارة عن انعكاس لما تعرضه وسائل الإعلام. فمثلا مشكلة زواج الصغيرات يتم تضخيمها بشكل سخيف جدا و كأن الغالبية العظمى من البنات في اليمن يتزوجن في سن السابعة أو الثامنة! و هذا مناف للواقع بشكل صارخ، فلدينا في اليمن مشكلة تأخر سن الزواج و لكن هذه الظاهرة لا يتم تسليط الضوء عليها لأنها لا تستدعي دعما من المنظمات و السفارات الأجنبية!



صديق عربي آخر قال أنه يستقي فكرته الأساسية عن اليمن من قناتي الجزيرة و العربية، و أن الصور و المشاهد التي تتضمنها تقارير تلك القناتين الإخباريتين عن اليمن هي عبارة عن صور قبائل و سلاح و أنه لا يرى أي أثر للمدنية، و أنه لا يصدق أنه توجد لدينا مدراس و جامعات و مستشفيات و مطاعم و حدائق و غيرها.

الغالبية العظمى من اليمنيين تحاول ممارسة حقها الطبيعي في الحياة، و لكن لا أحد يسلط الضوء عليهم و كأنهم ليسوا جزءا أساسيا من المشهد الحقيقي في اليمن....




نضطر دائما مع جميع من نلتقيهم عربا و غربا، أن نريهم صورا لبلادنا الجميلة و التي تثبت أننا بشر مثلهم و أننا نذهب للمدارس و الجامعات والمطاعم و الحدائق و الأسواق و غيرها، و نحاول أن نعيش حياتنا بما هو متاح أمامنا... نحن فقط نختلف عنهم بأن لدينا أسوأ أنواع الساسة و أقذرهم على الإطلاق....فقط...و هؤلاء هم من يجعلون اليمن تبدو على ما هي عليه اليوم.. 

February 7, 2015

العنصرية و أشياء أخرى

رشــا المقالح

العنصرية هي من أبشع الخصال التي من الممكن أن يتصف بها الإنسان...و العنصريون أشخاص بغيضون متواجدون في كل مكان و زمان... في الغرب و في الشرق أيضا... لكن هل كل تصرف سيء يصدر من قبل الآخر المختلف عنا، لا يمكن تفسيره إلا بالعنصرية؟
لاحظت أن كثيرا من العرب و المسلمين المقيمين في الغرب يسارعون إلى تفسير ابسط التصرفات على أنها عنصرية ضدهم!

مثلا إذا وصل أحدهم في آخر لحظة لمحطة الباص، بينما الباص يتأهب للمغادرة، و رفض السائق  أن يفتح له الباب، تجد العربي أحيانا أو المحجبة يقولون:

 "ما فتح لي لأني مسلمة!"

أو "لأني عربي!"

 أو "لأني أسود!" !!!

" لو كان شعري أشقر و عيوني زرق كان بيتعاطف معي و يفتح لي الباب!!".......!!

صادفت هذه الطريقة في التفكير كثيرا، مما جعلني أدقق في الموضوع، و بصراحة لاحظت أن الموقف نفسه تكرر في أوقات مختلفة مع:

- فتاة غربية تلبس الشورت و مع ذلك لم يفتح لها السائق الباب!!

- مع سيدة غربية، كبيرة جدا في السن و مع ذلك لم يرحمها السائق و لم يفتح لها الباب!

- مع سياح أجانب في مناطق سياحية!!

 و لكن من ناحية ثانية، لاحظت أن بعض السائقين يتعاطفون كثيرا مع الركاب ...فمثلا رأيت في أكثر من مرة أن الباص يكون في طريقه للمغادرة و لكن عندما يلمح السائق شابا أسودا يأتي راكضا من بعيد في محاولة منه للحاق بالباص، فإن السائق يقف في مكانه في انتظار الراكب مع أنه غير مضطر على ذلك أبدا!
و حدث معي أنا الموقف ذاته أكثر من مرة، حيث أحاول اللحاق بالباص و تكون هناك مسافة لا بأس بها بيني و بين الموقف و مع ذلك ينتظر السائق حتى أصل و أصعد الباص رغم إني مسلمة محجبة، و بعدها يغلق الباب و ينطلق!

لا يجب أن نفسر كل تصرف سيء تفسيرا عنصريا...فكثير من التصرفات السيئة لها أسباب أخرى، مثل انعدام الذوق و التفهم، الجهل،سوء التقدير، و غيرها من الأسباب...

العنصري شخص شعوره بالأمان النفسي ضعيف....لكن كذلك الشخص الذي يفسر كل التصرفات السيئة ضده على أنها عنصرية، لديه نفس الشعور!


February 6, 2015

خضروات الزينة

رشــا المقالح


عند دخولك لأي سوبرماركت في السويد، تجذبك الخضروات بأشكالها الجميلة و طريقة تغليفها المبهرة، و تجد نفسك مدفوعا للشراء رغما عنك...فطريقة العرض مغرية و لا يمكنك المقاومة ...



لكن عندما تعود إلى البيت حاملا معك تلك المنحوتات النباتية الرائعة و  تقوم  بإعداد السلطة أو شوربة الخضار و غيرها من الأطباق النباتية ، تتفاجأ بأنك تأكل خضارا لا طعم لها و لا رائحة!




و مهما جربت وصفات مختلفة لإعداد الخضار، ينتهي بك الأمر بالحصول على نفس النتيجة... لا طعم و لا رائحة!









الخضروات في السويد ليست للطباخة و الاستهلاك الآدمي على ما يبدو، و إنما للزينة و التقاط الصور فقط








February 1, 2015

اللص الأوروبي و الضحية الأفريقية

رشــا المقالح


 تقام  احتفالات الكرنفال كل عام في جميع أنحاء إيطاليا في الفترة ما بين شهري فبراير و مارس. و هي عبارة عن احتفالات شعبية، يرتدي فيها الناس الأقنعة و الأزياء التنكرية المختلفة و يتناولون الحلويات الخاصة بتلك المناسبة.كنا محظوظين عندما تمكنا في إحدى المرات من حضور هذه الاحتفالات مع بعض الأصدقاء في روما. 

وفي ذلك اليوم و بينما كنت أقوم بالتقاط صور الكرنفال ، إذا بي أفاجأ بشخصين يقفان إلى جانب بعضهما البعض و يقوم أحدهما بوضع قدمه على شيء ما ملقى على الأرض، فيما كان الشخص الثاني يراقب من حوله. توقفت عن التصوير و دققت النظر في الشيء الملقى على الأرض فعرفت على الفور أنه هاتف محمول من نوع الهواتف الذكية ، ثم قام الشخص الأول بالانحناء على الأرض و التقاط الهاتف بسرعة و دسه في جيبه، و ابتعد الاثنان عن المكان!


ارتبكت في تلك اللحظة و لم أعرف كيف أتصرف. شخص ما أضاع هاتفه الذكي  و شاهدت أمام عيني الشخص الذي سرقه. كل ما تمكنت من فعله هو سؤال أصدقائنا الذي حضرنا معهم ما إذا كان أحدهم قد أضاع هاتفه، فتفقدوا جميعهم هواتفهم و كانت الإجابة بالنفي!

نسيت الموضوع بعدها و وانشغلت بالمهرجان، ثم حانت اللحظة التي سيغادر فيها الموكب الاستعراضي من الساحة التي كنا موجودين فيها إلى ساحة أخرى أكبر.

و عندما توجه الناس إلى السيارات و الحافلات، شاهدت سيدة أفريقية تبكي و ترفض الصعود إلى الحافلة التي أتت بهم و قالت بأنها أضاعت هاتفها الذكي، و أنه من نوع جلاكسي اس 4 و لا يزال جديدا! كانت السيدة منهارة و غير مصدقة، اندفعت ناحيتها ،و كنت أشعر بنوع من تأنيب الضمير و المسئولية، و أخبرتها أنني رأيت هاتفا ملقى على الأرض و رأيت أيضا الشخصين الذين أخذاه و أنني قد التقطتُ لهما بعض الصور، و قلت لها  أننا يجب أن نذهب إلى الساحة الكبيرة لأنهما ربما يكونا قد توجها إلى هناك، فقد كانت الساحة التي كنا فيها فارغة تقريبا. شعرت السيدة بالأمل و رجتني أن أساعدها.



  صعدنا إلى الحافلة و انطلقنا و عند وصولنا إلى تلك الساحة، نسيت أمر الاحتفالات تماما و انشغلت أنا و السيدة الأفريقية في البحث عن اللص بعد أن عرضت لها صوره. كانت الساحة كبيرة و ممتلئة بالناس و الأطفال، و بعد مرور حوالي نصف ساعة من البحث وقعت عيناي على اللص! و من حسن الحظ أن الشرطة الإيطالية كانت - كعادتها في مثل تلك الاحتفالات و التجمعات- منتشرة في كل مكان، فذهبنا إلى أقرب سيارة شرطة و كان حولها مجموعة من رجال الشرطة يتجاذبون أطراف الحديث، فقطعنا عليهم حديثهم و أخبرناهم بالمشكلة، فجاء معنا أحدهم إلى حيث أشرنا لهم بوجود اللص و مساعده، و كان الشاب الذي أخذ الهاتف هو و صديقه واقفان في مجموعة من الشباب و البنات، و قد كانا يرتديان ملابس تنكرية و يحمل أحدهما مسدسا كجزء من ذلك الزي، و عندما جاء الشرطي إليهما اعتقدا أنه يستفسر عن المسدس فأخبره السارق أنه مسدس غير حقيقي، لكنه طلب منه أن ينسحب بهدوء خارج المجموعة و يأتي معه، أخبره الشرطي بما حدث و شعر الشاب بالارتباك و اعترف على الفور بأنه وجد هاتفا ملقى على الأرض و نادى على الشاب الآخر و طلب منه أن يخرج الهاتف، و سلمه للشرطي على الفور. جاء الشرطي إلينا و سلم الهاتف إلى السيدة الأفريقية،و التي أخذت هاتفها و انهارت راكعة  على ركبتيها و هي تبكي و تشكرني، و احتضنتني بشدة معبرة لي عن امتنانها الشديد. الأمر الذي أثار حيرتي هو أن الشرطي كان يدافع بشدة عن الشاب الإيطالي قائلا بأنه لم يقصد السرقة و بأنه كان سيعلن عن الهاتف المفقود! كدت أن أصدق ذلك الشرطي لولا أنني رأيت بأم عيني ذلك الشاب و هو يضع قدمه على الهاتف و ينحني بخفة و بطريقة اللصوص و النشالين ليسحب الهاتف من الأرض و يضعه بسرعة في جيبه بينما صديقه يتلفت يمينا و يسارا.

أحسست بغرابة الموقف، فنحن نسمع في العادة عن استياء الايطاليين من المهاجرين الأفارقة الفقراء و من المهاجرين بشكل عام، و تساءلت فيما لو كان ما حدث هو العكس، و أن مواطنا ايطاليا فقد هاتفه و أخذه شخص أفريقي أو عربي، فهل كان الشرطي سيترك الأفريقي أو العربي يمضي في حال سبيله أم أنه كان سيمسك به و يكون شديدا معه؟! كان ذلك الموقف درس في ضرورة التخلي عن الأحكام المسبقة والصور النمطية التي نرسمها لبعضنا البعض.


شعرت بالراحة لأن الهاتف عاد إلى صاحبته. و بعد مضي حوالي ربع ساعة جاء إلينا ذلك الشاب الإيطالي الذي التقط الهاتف و أخفاه، و كان مرتبكا و يشعر بالحرج و بالإهانة، و كان يضغط على أسنانه بشدة و هو يحاول أن يبرر لنا موقفه بأنه لم يقصد السرقة و إنما كان سيعلن عن وجود هاتف مفقود معه، ابتسمنا له و مضينا في طريقنا للاستمتاع بما تبقى من الكرنفال.