أنيس الباشا
حين تمرض في بلاد الغرب، ليس بمقدورك الذهاب بكل سهولة إلى أقرب صيدلية
وشراء الكمية التي تريدها من المضاد الحيوي، وبالقوة التي ترغب فيها..المضاد
الحيوي هناك لا يصرف إلا بوصفة من الطبيب وذلك لأنه – أي المضاد – مسألة خطيرة لا
تخضع لمزاج أو رغبة المريض أو الصيدلي!
بل أحيانا تمرض وتتحامل وتذهب للطبيب راجيا منه أن يصف لك أحد المضادات
الحيوية فيرفض هذا الأخير إن كانت حالتك أو المرض الذي أصبت به فيروسيا مثلا ولا
يجدي معه استخدام "المضاد الحيوي"!
أما أطبائنا اليمنيون العباقرة فبالتأكيد الوضع يختلف وهم أساسا يدينون
بالكثير لابتكار اسمه "المضاد الحيوي" والذي يقوم ب "كل
الشغل" عنهم في المعتاد!
ولو أنصفوا فإنه يفترض بهم أن يقوموا بعمل تمثال
رمزي يمثل المضاد الحيوي ويلزم كل طبيب بوضع هذا التمثال في عيادته وأن يقوم
بتحيته مرتين في اليوم! إذ لولا هذا الدواء لما أمكنهم ممارسة مهنة الطب الحقيقية
كما يمارسها الأطباء "الحقيقيون" في بلاد العالم المتقدمة!
تدخل الأم الملهوفة على الطبيب ليفحص طفلها فيكون الدواء دائما هو جرعة مضاد حيوي.. تشكو ذات الأم للطبيب آلاما معينة لديها فيصف لها مضاد حيوي آخر.. وإذا عادت تلك الأم المسكينة بالطفل مشتكية أن المضاد
الحيوي لم يحسن حالته بل على العكس زادها سوءا ..عندها يهز الطبيب اليمني رأسه في
فهم وذكاء ويكتب لها وصفة جديدة ب مضاد حيوي جديد وقوي مؤكدا عليها أن
تعود له إذا لم ينفع هذا المضاد ايضا ..لماذا؟ لكي يكتب لها على مضاد أقوى وأقوى!!
ويتكرر السيناريو مع الشيخ المسن الذي يعاني من الروماتيزم أو آلام المفاصل
والشاب الذي يعاني من ألم في حلقه والطفل الذي يعاني من الكحة أو الأنفلونزا..
وكلهم على اختلاف أمراضهم علاجهم بالنسبة للطبيب اليمني العبقري يتمثل في المضاد
الحيوي ولا شيء سواه! وطبعا لابد أن تكون جرعة المضاد الحيوي "ألف" جرام
على الأقل.
كلما تذكرت حال الطب والأطباء في بلادنا يقفز دائما سؤال واحد إلى رأسي أتمنى أن ألقى له إجابة .. هل هؤلاء الذين يسمون أنفسهم أطباء درسوا الطب فعلا في الخارج وتخصصوا في فروع معينة ونجحوا بتفوق؟ أم أنهم كانوا يمارسون أشياء أخرى لا علاقة لها بالطب من قريب أو من بعيد ثم عادوا ليضحكوا علينا و"يطلبوا" الله على حساب صحة وأرواح ومعاناة اليمنيين؟؟
ألا يعلم أطبائنا العباقرة أن المضادات الحيوية ليست هي الحل السحري دائما
وأنها تضعف مناعة الجسم خصوصا عند الأطفال؟ هل حاولوا مرة أن "يمارسوا"
الطب فعلا فيتقصوا عن المرض وأسبابه وطرق علاجه بدلا من وصفة المضاد الحيوي الجاهزة التي يجربونها - بالإضافة
طبعا إلى ترسانة أخرى من الأدوية المتنوعة - و التي تقضي على المرض و المريض معا؟!