رشــا المقالح
تقام احتفالات الكرنفال كل عام في جميع أنحاء إيطاليا في الفترة ما بين شهري
فبراير و مارس. و هي عبارة عن احتفالات شعبية، يرتدي فيها الناس الأقنعة و الأزياء
التنكرية المختلفة و يتناولون الحلويات الخاصة بتلك المناسبة.كنا محظوظين عندما تمكنا في إحدى المرات من حضور هذه الاحتفالات مع بعض الأصدقاء في روما.
وفي ذلك اليوم و بينما كنت أقوم بالتقاط صور الكرنفال ، إذا بي أفاجأ بشخصين يقفان إلى جانب
بعضهما البعض و يقوم أحدهما بوضع قدمه على شيء ما ملقى على الأرض، فيما كان الشخص
الثاني يراقب من حوله. توقفت عن التصوير و دققت النظر في الشيء الملقى على الأرض فعرفت
على الفور أنه هاتف محمول من نوع الهواتف الذكية ، ثم قام الشخص الأول بالانحناء
على الأرض و التقاط الهاتف بسرعة و دسه في جيبه، و ابتعد الاثنان عن المكان!
ارتبكت في تلك اللحظة و لم أعرف كيف أتصرف. شخص ما أضاع هاتفه الذكي و شاهدت أمام عيني الشخص الذي سرقه. كل ما تمكنت
من فعله هو سؤال أصدقائنا الذي حضرنا معهم ما إذا كان أحدهم قد أضاع هاتفه، فتفقدوا
جميعهم هواتفهم و كانت الإجابة بالنفي!
نسيت الموضوع بعدها و وانشغلت بالمهرجان، ثم حانت اللحظة التي سيغادر فيها
الموكب الاستعراضي من الساحة التي كنا موجودين فيها إلى ساحة أخرى أكبر.
و عندما توجه الناس إلى السيارات و الحافلات، شاهدت سيدة أفريقية تبكي و ترفض الصعود إلى الحافلة التي أتت بهم و قالت بأنها أضاعت هاتفها الذكي، و أنه من نوع جلاكسي اس 4 و لا يزال جديدا! كانت السيدة منهارة و غير مصدقة، اندفعت ناحيتها ،و كنت أشعر بنوع من تأنيب الضمير و المسئولية، و أخبرتها أنني رأيت هاتفا ملقى على الأرض و رأيت أيضا الشخصين الذين أخذاه و أنني قد التقطتُ لهما بعض الصور، و قلت لها أننا يجب أن نذهب إلى الساحة الكبيرة لأنهما ربما يكونا قد توجها إلى هناك، فقد كانت الساحة التي كنا فيها فارغة تقريبا. شعرت السيدة بالأمل و رجتني أن أساعدها.
صعدنا إلى الحافلة و انطلقنا و عند وصولنا
إلى تلك الساحة، نسيت أمر الاحتفالات تماما و انشغلت أنا و السيدة الأفريقية في
البحث عن اللص بعد أن عرضت لها صوره. كانت الساحة كبيرة و ممتلئة بالناس و
الأطفال، و بعد مرور حوالي نصف ساعة من البحث وقعت عيناي على اللص! و من حسن الحظ
أن الشرطة الإيطالية كانت - كعادتها في مثل تلك الاحتفالات و التجمعات- منتشرة في
كل مكان، فذهبنا إلى أقرب سيارة شرطة و كان حولها مجموعة من رجال الشرطة يتجاذبون
أطراف الحديث، فقطعنا عليهم حديثهم و أخبرناهم بالمشكلة، فجاء معنا أحدهم إلى حيث
أشرنا لهم بوجود اللص و مساعده، و كان الشاب الذي أخذ الهاتف هو و صديقه واقفان في
مجموعة من الشباب و البنات، و قد كانا يرتديان ملابس تنكرية و يحمل أحدهما مسدسا
كجزء من ذلك الزي، و عندما جاء الشرطي إليهما اعتقدا أنه يستفسر عن المسدس فأخبره
السارق أنه مسدس غير حقيقي، لكنه طلب منه أن ينسحب بهدوء خارج المجموعة و يأتي معه،
أخبره الشرطي بما حدث و شعر الشاب بالارتباك و اعترف على الفور بأنه وجد هاتفا
ملقى على الأرض و نادى على الشاب الآخر و طلب منه أن يخرج الهاتف، و سلمه للشرطي
على الفور. جاء الشرطي إلينا و سلم الهاتف إلى السيدة الأفريقية،و التي أخذت
هاتفها و انهارت راكعة على ركبتيها و هي
تبكي و تشكرني، و احتضنتني بشدة معبرة لي عن امتنانها الشديد. الأمر الذي أثار حيرتي هو أن الشرطي كان يدافع بشدة عن الشاب الإيطالي قائلا بأنه لم يقصد السرقة و بأنه كان سيعلن عن الهاتف المفقود! كدت أن أصدق ذلك الشرطي لولا أنني رأيت بأم عيني ذلك الشاب و هو يضع قدمه على الهاتف و ينحني بخفة و بطريقة اللصوص و النشالين ليسحب الهاتف من الأرض و يضعه بسرعة في جيبه بينما صديقه يتلفت يمينا و يسارا.
أحسست بغرابة الموقف، فنحن نسمع في العادة عن استياء الايطاليين من
المهاجرين الأفارقة الفقراء و من المهاجرين بشكل عام، و تساءلت فيما لو كان ما حدث هو العكس،
و أن مواطنا ايطاليا فقد هاتفه و أخذه شخص أفريقي أو عربي، فهل كان الشرطي سيترك
الأفريقي أو العربي يمضي في حال سبيله أم أنه كان سيمسك به و يكون شديدا معه؟! كان ذلك الموقف درس في ضرورة التخلي
عن الأحكام المسبقة والصور النمطية التي نرسمها لبعضنا البعض.
شعرت بالراحة لأن الهاتف عاد إلى صاحبته. و بعد مضي حوالي ربع ساعة جاء
إلينا ذلك الشاب الإيطالي الذي التقط الهاتف و أخفاه، و كان مرتبكا و يشعر بالحرج و بالإهانة،
و كان يضغط على أسنانه بشدة و هو يحاول أن يبرر لنا موقفه بأنه لم يقصد السرقة و إنما
كان سيعلن عن وجود هاتف مفقود معه، ابتسمنا له و مضينا في طريقنا للاستمتاع بما
تبقى من الكرنفال.
No comments:
Post a Comment