Pages

June 30, 2016

...في إنتظار إيلان اليمن


رشا المقالح






 يضع هذا العالم المتحضر "بوحشية" و المنافق "بأناقة"  رجلا على رجل، مشيحا بوجهه الباهت عن مأساة اليمنيين، ولسان حاله يقول :" أوه إنه الشرق الأوسط و لا بد إنها إحدى حروبهم الدينية و لا شأن لنا بها، و عليهم أن يهتموا بأمورهم و لنهتم نحن بأمورنا و لكن لا مانع لدينا من توريد بعض أسلحتنا الفتاكة إلى منطقتهم، فلدينا مصانع يجب أن تستمر في إنتاجها و عمالا لا بد من الحفاظ على وظائفهم حتى لو خسر أولئك الناس أرواحهم، ثم إننا سنرسل لهم مبعوثا من الأمم المتحدة ليشرف على أي مفاوضات ستجري بينهم، فنحن نسعى جاهدين لإيقاف حروبهم الهمجية المتواصلة. و ما نريد إلا الإصلاح و التوفيق ما استطعنا".
لا يجب أن نتوقع نحن اليمنيون أكثر من هذا، فكل ما يحصل في بلادنا - تلك البقعة المعزولة عن عالمهم - لا يعنيهم بل يعنينا وحدنا، فاليمن هي مشكلة اليمنيين، هكذا قضت قوانين هذا العالم المتحضر بوحشية و المنافق بأناقة بأن العالم لا يجب أن يكون قرية صغيرة أو عالما واحدا سوى في أغنيات كأس العالم و الأولمبياد و فيسبوك و تويتر أو حين يتعلق الأمر بحركة البضائع و السلع التجارية ، وهكذا فقد فتحنا أسواقنا لهم ليرسلوا لنا كل بضائعهم بما فيها  طائراتهم الحربية و صواريخهم الحديثة.

و يبدو أنهم لن يدركوا جيدا بشاعة موقفهم من العدوان الحاصل على بلادنا إلا عندما يرسل اليمنيون أطفالهم في قوارب الموت، ليلتهمهم الموج و يلفظهم على شواطئهم تماما كما حصل مع إيلان الكردي و غيره من أطفال سوريا. وهكذا  على ما يبدو أن أوروبا تنتظر من اليمنيين - لكي تلتفت إليهم و تسمع صوتهم - أن يركبوا البحر ويصلوا بمئات الآلاف إلى الشواطيء الأوروبية عندها سيتذكرون أن هناك بلد يدعى اليمن و أنه موجود على الخارطة و منكوب و ضعيف و يعاني وحيدا وسط صمت إعلامي عالمي قاتل.

 و عندها سيسعون جاهدين لفهم ما يحدث في بلادنا و لماذا يهاجر الناس منها بعشرات الآلاف و يخاطرون  بحياتهم و حياة أطفالهم. و سيسجل محرك البحث جوجل "اليمن" كأكثر كلمة يتم البحث عنها، و سيشهقون من هول ما سيجدونه و من الأوضاع السيئة التي دفعت باليمنيين إلى الخروج و الفرار. و ستتصدر أخبار المعارك و أوضاع الإنسان "اللاإنسانية"  في اليمن نشرات أخبارهم الرئيسية، و سيدخلون في نقاشات محمومة فيما بينهم عن الفصائل اليمنية المتقاتلة و الأحزاب السياسية المتصارعة، و سيعرفون أن عاصمتنا تدعى "صنعاء" و سيحفظون أسماء المدن اليمنية التي تجري فيها المعارك وتسيل فيها الدماء.

و ستقلب هجرة اليمنيين الأمور رأسا على عقب و ستصبح حديث الساعة في القنوات الإعلامية، و سينقسم الناس في العالم الغربي ما بين مرحب بالقادمين الجدد و مابين متخوف و معاد لهم، و لكن كل ذلك لن يهم، لأنهم سيفرضون وجودهم في نهاية الأمر و سيصبحون أمرا واقعا و على القارة العجوز أن تتعامل معه. ربما سيموت بعض أطفال اليمن و نسائهم و رجالهم في البحر خلال رحلة الموت التي جاءت بهم، و كم سيكون ذلك محزنا و مؤلما،  لكن ألم يكن من المحتمل أن يموتوا على كل حال لو بقوا في اليمن، إما بصاروخ طائش أو قذيفة متهورة أو سيارة مفخخة؟! و حتى إذا كانوا سعداء الحظ و نجوا من كل الأخطار السابقة فإن تردي الأحوال المعيشية و سوء الخدمات الصحية بانتظارهم و هذا وحده كفيل بالقضاء عليهم.

و مع وصول أول خمسمائة مهاجر يمني إلى الأراض الفرنسية، ستتوقف فرنسا فورا عن توزيع أوسمة الشرف على أمراء الحرب السعوديين، و ربما خرج الفرنسيون إلى الشوراع في مظاهرات شعبية للمطالبة باستعادة الأوسمة التي سبق و منحتها بلادهم لأمراء الرمال. وبالتأكيد سيضطر بان كيمون إلى إعادة اسم التحالف العربي إلى لائحة قتلة الأطفال بصورة نهائية غير قابلة للتراجع هذه المرة.

و مع تنامي موجات الهجرة اليمنية سيعقد الاتحاد الأوروبي جلسات طارئة و سيتم تسمية القادمين الجدد بـ "الأزمة" و سيبحثون عن مسببات تلك الأزمة و سيوجهون أصابع الإتهام لجار السوء، و بأنه المسئول الأول لأنه بتدخله - غير المسئول - في اليمن قد قضى على الرمق الأخير فيما كان يسمى بالدولة اليمنية، و سيصبح ما يسمى بالتحالف العربي تحت المجهر، و سيتعرض لضغوطات حقيقية هذه المرة، كما ستتم مطالبته بوقف هذه الحرب، و سيطالبون دول التحالف بفتح حدودها لليمنيين. و سيضغطون بكل ثقلهم لإنشاء مناطق آمنة على الحدود اليمنية السعودية، و ستجد السعودية نفسها في مواجهة طوفان بشري غير مسبوق، و للمرة الأولى ستكون قوة اليمنيين الحقيقية ليست في كونهم يحملون سلاحا و إنما في كونهم عزل.

و كما شكلت هجرة اليمنيين القديمة بعد انهيار سد مأرب حدثا فاصلا في تاريخ الجزيرة العربية فإن هجرتهم الجديدة ستشكل علامة فارقة في تاريخ العالم الحديث بالتأكيد. و سيندهش اليمنيون حين يكتشفون أن من لا يملك قرار الحرب و السلم لا حل له سوى الرحيل، و أن البقاء لا يعني سوى تجرع صنوف العذاب و الشقاء ، و تحمل مهازل الساسة و صمت العالم و تجاهل القريب و البعيد دون نتيجة تذكر...نوع من الصبر العبثي، تماما كالحرب العبثية و الأوضاع العبثية التي يعيشونها، و سيكتشفون أن بقائهم ما كان ليضيف شيئا ، أما رحيلهم فسيغير كل شيء.

لن يلتفت العالم إلى كل ذلك العبث السعودي في اليمن حتى تبدأ موجات الهجرة اليمنية بضرب شواطيء عالمهم و عندما يجرف الموج إيلان اليمن إلى تلك الشواطيء سيستفيقون لحظتها من غفلتهم و يشعرون بالكارثة التي خلفها صمتهم و أسلحتهم و سيتحملون نتائج تجاهلهم كاملة، و سيتباكون بالطبع أمام عدسات الكاميرا على منظر ذلك الطفل البريء و هو ملقى على شاطئهم و سيسمون ذلك وصمة عار على جبين الإنسانية ، و لكن ما إن يخلوا بعضهم إلى بعض حتى يسعون جاهدين لإتخاذ كل الإجراءت اللازمة لإغلاق حدودهم البرية و البحرية خشية من وصول ايلان يمني آخر...حيا أو ميتا... هذه هي – ببساطة - قوانين هذا العالم ....قوانين متحضرة بوحشية و منافقة...بكل بأناقة..

June 26, 2016

كيف يحولون أطفالنا إلى فتوات و متفاخرين


رشا المقالح





 كنا في السابق لا نسمح لطفلنا بمشاهدة مسلسلات الأطفال القتالية و التي تحتوي على مشاهد عنف حتى و إن كانت مصنفة بأنها مناسبة لعمره. و ذلك لأننا نؤمن بأن أطفالنا ليسوا بحاجة لمثل تلك البرامج خاصة مع كل هذا العنف و الحروب الحاصلة في العالم. و إنما هم بحاجة ماسة ليتعلموا كيف يتعايشون مع بعضهم البعض بسلام و انسجام. و لكننا لاحظنا أن طفلنا عندما يلعب مع بقية الأطفال فإنهم يبدأون بتقليد تلك الشخصيات الكرتونية و القفز مثلهم و القتال على طريقتهم بينما كان طفلنا يقف حائرا غير فاهم لما يحدث! و في الغالب يتعرض للضرب و الهزيمة! و شعرت بانزعاج كبير كيف أن مثل تلك البرامج تحول كثير من الأطفال إلى فتوات و "بلطجية" في سن صغيرة جدا!
 

و عندما بدأ طفلنا في الذهاب إلى الحضانة، كنا سعداء جدا مثل كثير من الآباء و الأمهات. و مع مرور الوقت كنا نشعر بالفخر و نحن نشاهده يكبر و يتأقلم و يتعلم لغة جديدة بسرعة قياسية. ثم بدأنا نلاحظ أنه صار يطلب منا يوميا شراء أشياء يراها مع غيره من الأطفال في الحضانة مثل تي شيرت سبايدرمان أو حذاء بات مان و غيرها من السلع التجارية غير الضرورية و التي تمتليء بها الأسواق و تجذب انتباه الأطفال و تفرغ جيوب آبائهم. لذا لم نهتم لطلباته و تجاهلناها و أخبرناه بأن لديه كل ما يحتاج إليه و أن تلك الأشياء غير ضرورية.

و في أحد الأيام عندما ذهبت إلى الحضانة في نهاية اليوم لإخذه إلى البيت، صادفت أحد الأطفال و أنا في طريقي إلى مجموعة ابني و ما إن رآني حتى أشار إلى التي شيرت الذي كان يرتديه و قال لي بفخر :" لدي تيشرت حرب النجوم"! ابتسمت له و تظاهرت بالإعجاب، و بعدها بقليل صادفت طفلا آخر، في الثالثة من عمره، و ما إن رآني حتى قال: "لدي عشرة يورو!" و في طريقي إلى البيت تذكرت كل طلبات طفلي و إلحاحه المستمر على شراء تلك الأشياء له و بدأنا بالتساؤل فيما إذا كنا محقين تماما في تجاهلنا التام لتلك الطلبات؟! ثم بدأنا بمراقبة تصرفات الأطفال و لاحظنا أنهم يميلون بشدة للمفاخرة بما لديهم و التقليل من شأن الأطفال الآخرين الذين لا يمتلكون أشياء رائعة مثل التي لديهم. كنت أعرف من قبل أن المراهقين يتعرضون لمثل تلك الضغوطات و لكني لم أتوقع أن يعاني منها الأطفال في مثل تلك السن الصغيرة.

و عندما اقترب موعد عيد ميلاد طفلنا سألناه عن الهدية التي يريد الحصول عليها فأجاب بسرعة و بدون أي تردد  أو تفكير :" لعبة سبايدرمان أو حرب النجوم"! و هي عبارة عن دمى بلاستيكية شاهدها في محل للألعاب في إحدى المرات. و لنا أن نرى كيف تستميت تلك الشركات في الوصول إلى جيوبنا بأي طريقة، في البداية تجدهم يبتكرون و يتفننون في انتاج المسلسلات الكرتونية غير المفيدة و غير التعليمية و ما إن يصبح ابطال تلك المسلسلات مشهورين و محبوبين حتى يبدأون في إغراق الأسواق بالألعاب و الملابس و الأحذية التي تدور حول تلك الشخصيات. لقد لاحظت أننا عندما نحضر لطفلنا تي شيرت على سبيل المثال لا يحتوي على مثل تلك الشخصيات فإنه يرفض ارتدائه معتبرا أن لا قيمة له!


                           


للأسف اضطررنا في الأخير للسماح لطفلنا بمشاهدة تلك المسلسلات الكرتونية كما رضخنا لمطالبه و اشترينا له بعضا من "التي شيرتات" و غيرها من الملابس التي تحتوي على تلك الشخصيات. و لاحظنا بعدها أن ثقته بنفسه قد زادت و أن شعوره بالقدرة على المنافسة مع بقية الأطفال قد تعاظم أيضا.

من الواضح أن هذه الشخصيات الكرتونية لها تأثير كبير على أطفالنا وأن هذه الشركات لا تعبث فقط بأموالنا و إنما بشخصيات أطفالنا و طريقتهم في التفكير و الحكم على الأمور. لذا يجب علينا، كأباء و أمهات، أن نحاول التقليل من ذلك التأثير قدر الإمكان. أعرف أنه ليس بإمكاننا التوقف عن شراء مثل تلك الأشياء لهم و لكننا على الأقل يجب أن نعلمهم أن تقديرهم لأنفسهم يجب أن يكون نابعا من احترامهم لذواتهم و ليس من الأشياء التي يمتلكونها.



                           


و بما أن "يدا واحدة لا تصفق" فإننا بحاجة للعمل معا من أجل إنشاء بيئة صحيحة نفسيا ينمو فيها أطفالنا و يكبرون بعيدا عن مثل تلك التأثيرات الاستهلاكية التي تعبث بعقول أطفالنا و تحولهم إلى مجموعة من المتفاخرين و الفتوات. أما إذا قررنا تجاهل هذا الأمر فعلينا أن نكون متأكدين من أن أطفالنا سيكبرون و ستكبر معهم هاتين الخصلتين السيئتين أيضا.

June 18, 2016

كفانا إساءة للنبي الكريم


رشـا المقالح


لفت انتباهي مؤخرا أننا كلما تحدثنا عن العودة إلى كتاب الله و اعتباره المصدر الوحيد للتشريع و ضرورة تنقيح ما ورد من أقوال نسبت للنبي عليه الصلاة و السلام ينبري البعض للدفاع بشراسة عن شخص النبي الكريم و عن حياته و عن أخلاقه و عن حكمته، و كأن من يدعو للعودة إلى القرآن و مراجعة الموروثات الفقهية إنما هو يقلل من شأن النبي، و كأن النبي و كتاب الله الكريم أمران متعارضان ، و كأن القرآن ليس المعجزة الخالدة و هو نبوة محمد و دليل صدق رسالته و كأنه عليه الصلاة و السلام لم يمض 23 عاما من حياته يبلغ القرآن و يحرص أشد الحرص على تدوينه و توثيقه!


 و لتبرير اقتناعهم بالسنة النبوية و بالأحاديث كـ "وحي" لا يقل أهمية عن القرآن الكريم و  كمصدر أساسي للتشريع تجدهم دائما ما يرددون بأن من يؤمن بالقرآن يجب عليه أن يؤمن حتما بما يسمى بعلم الحديث و ذلك لأن من نقل لنا القرآن و أوصله إلينا هم أنفسهم من قاموا بنقل الأحاديث، و بالتالي فإنه - في نظرهم - لا يستقيم الإيمان بكتاب الله و تصديقه دون الإيمان بالأحاديث النبوية و أسانيدها المختلفة، و الحقيقة أن هذه مغالطة كبيرة و حجة واهية للغاية و إن كانت تبدو عند أصحابها متماسكة و منطقية إلا أننا عند تحليلها و اخضاعها لبعض المنطق نكتشف بسهولة أن الأمرين غير متلازمين البتة بل و أن بينهما فوارق جوهرية كثيرة.

فمثلا  قولهم بأن من نقلوا لنا الأحاديث النبوية هم أنفسهم من نقلوا لنا القرآن فهذا غير صحيح تماما لأن القرآن تناقلته جماهير الأمة بأكملها و ليس بأسانيد معينة حيث كان النبي يقرأ القرآن على الناس و يحرص على تبليغهم به و على تدوينه و كتابته أما ما يسمى بصحيح البخاري مثلا فقد نشأ بعد وفاة النبي عليه الصلاة و السلام بقرنين من الزمان، أما القرآن فقد تم جمعه في مصحف في عهد الخلفاء الراشدين، فلماذا لم يقوموا بجمع أحاديث النبي وتدوينها؟ بل ولماذا كان عمر بن الخطاب ينهى عن التحديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم؟؟

كان القرآن متداولا بين المؤمنين جميعهم  في العصر النبوي و كانوا يحفظونه و يقرأونه في صلواتهم بشكل دائم و متكرر بغض النظر عن "عدالتهم"، و هذا بالتأكيد لا يشبه قولنا "حدثنا فلان عن فلان أن فلان سمع فلان يقول أن النبي قال "! و لنا أن نتسائل: لماذا توجد رواية واحدة فقط لآيات القرآن الكريم بينما توجد روايات مختلفة للأحاديث؟ فإذا كانت الطريقة التي وصل القرآن بها إلينا هي نفس طريقة الأحاديث فلماذا عندما نفتح كتاب الله نجده يبدأ مباشرة بسورة الفاتحة و ينتهي بسورة الناس و لا نجد رواه فلان عن فلان عن فلان عن فلان أنه سمع رسول الله يقول الآيات التالية أو السور التالية؟؟!!

 نحن نؤمن بأن القرآن وحي من الله و هو كلام الله دون الحاجة إلى أية أسانيد فلماذا توجد تلك الأسانيد في حالة الأحاديث النبوية و ما يسمى "بعلم الجرح و التعديل" و لا توجد في كتاب الله إذا كانت الطريقة التي وصل بها القرآن إلينا هي نفس طريقة وصول الحديث؟؟ ولماذا و رغم المبالغة الظاهرة  بما يسمى بالأسانيد إلا أن كثيرا من الأحاديث وصلت بروايات مختلفة؟ و لماذا هناك أحاديث تعارض بعضها البعض رغم "صحة أسانيدها"؟! و لماذا تتعدد أنواع الأحاديث فمنها الصحيح  و الصحيح لغيره و الحسن و الحسن لغيره و الضعيف و المنكر و المرسل و المنقطع و المضطرب و المشهور و الغريب و المتواتر و الآحاد و غيرها بينما لا يحدث ذلك في آيات القرآن؟! كيف تكون طريقة نقل القرآن إلينا هي نفس طريقة نقل الأحاديث إذن ؟

و أكثر ما أثار استغرابي فيما يسمى بعلوم الحديث ما يسمى ب "حديث المُختَلِط"! أي أن راوي الحديث وصف بنوع من الاختلاط لكبر سنه أو لتوليه القضاء و غيرها و هكذا فهم يقبلون منه روايته للحديث قبل الإختلاط فإذا اختلط ردوا روايته، فهل كانت هناك هيئات طبية و مصحات نفسية تحدد ما إذا كان الراوي بكامل قواه العقلية ؟! أما إنها آراء شخصية ترجيحية ظنية من أشخاص ليسوا مؤهلين للكشف عن الحالة العقلية و النفسية للآخرين و آرائهم غير دقيقة و تحتمل الصحة و الخطأ في نهاية المطاف؟!

لماذا تجرأوا على كتاب الله لدرجة أنهم أوردوا أحاديث و زعموا أنها تنسخ آيات كاملة من القرآن الكريم؟! و كيف جعلوا تلك الأحاديث متحكمة في كتاب الله و سابقة له؟!

و بينما نجد أن هناك من يمرر كثير من الأحكام و الأمور على لسان رسول الله قائلا : " قال رسول الله"،  نجد الله عز و جل في المقابل يقول في القرآن الكريم على لسان الرسول العظيم : (( و قال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا))....!

ثم إن هناك تساؤل آخر يطرح نفسه: ما دام العلماء قد اهتموا بتلك الصورة المبالغ فيها بجمع أقوال و أفعال النبي و توثيقها و تصنيفها و تتبع رواتها و اعتبار السنة النبوية مصدرا أساسيا للتشريع لا يقل أهمية بل و ربما يفوق كتاب الله أهمية، فأين ذهبت خطب الجمعة للنبي عليه الصلاة و السلام؟؟ لماذا لم تصلنا و لا خطبة منها؟ لقد مكث النبي في المدينة عشرة أعوام صلى الجمعة  خلالها و صعد فيها إلى المنبر مئات المرات و خطب في جموع المصلين فأين ذهبت خطبه تلك و لماذا لم ينقلها و يحفظها لنا "علم الحديث"؟علما بأن خطب الرسول سواء كانت في الجمعة أو في الأعياد ألقاها نبينا الكريم أمام جموع كبيرة من الناس؟؟!! لماذا تركها البخاري مثلا و لم يتتبعها و ينقلها لنا؟؟!

عندما نقرأ في كتب "علوم الحديث" و الفقه دائما ما نصادف عبارة "أجمع العلماء" و "اتفق العلماء" و لا ندري حقيقة من هم هؤلاء العلماء بالضبط و ما هي مؤهلاتهم العلمية؟!

و من الأشياء الغريبة أن الأحاديث النبوية يتم تصنيفها حسب السند فهناك المعتل و المضطرب و المعضل و هذا كله أساس الحكم فيه هو القواعد التي وضعوها للأسانيد  فإذا كان سند الحديث مخالفا لتلك القواعد ضعفوه أو أرسلوه و هكذا ، أما إذا كان المتن، أي نص الحديث، مخالفا لكتاب الله فهذا غير مهم مادام موافقا لقواعدهم الموضوعة! فعلى سبيل المثال حديث مثل : (( من بدل دينه فاقتلوه)) هو حديث صحيح حتى و إن خالف آيات القرآن، و صحته تكمن في سند الرواة و ليس في متن الحديث المخالف بشكل صارخ للعديد من الآيات التي وردت في الحرية الدينية و عدم إكراه الناس على الإيمان فمثلا : (( لا إكراه في الدين))... ((لكم دينكم و لي دين))....((و لو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)) ...و قوله تعالى فيمن يرتد عن دينه :
  (( و من يرتدد منكم عن دينه فيمت و هو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا و الآخرة و أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)) أي أن الله في هذه الآية لم يقل و من يرتدد منكم عن دينه فاقتلوه أو فيقتل و هو كافر، و إنما قال فيمت أي ميتة طبيعية و ليس قتلا بحد الردة و نحن نعرف أن القرآن دقيق جدا في ألفاظه!

عندما اقوم باستعراض كثير من الأحاديث التي نسبت للنبي عليه الصلاة و السلام و أجدها مخالفة لنصوص واضحة في كتاب الله ، بالأضافة إلى أن هناك أحاديث تعارض بعضها البعض أتذكر قوله تعالى : (( أفلا يتدبرون القرآن و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا))...!

و لا يعني ما سبق أن كل ما ورد عن النبي ليس صحيحا و لا يجب الأخذ به و إنما يجب أن يكون المقياس هنا هو مدى مطابقة نص الحديث لكتاب الله و ليس لقواعد الإسناد! فهناك أحاديث تطابق كتاب الله و نتعلم منها الأخلاق الرفيعة و الحكمة و هي متسقة جدا مع وحي الله و مع الفطرة و الإنسانية مثل قوله عليه الصلاة و السلام: ((من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت)) و قوله ايضا : (( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه)).

من المعروف أن تراثنا الفقهي تأثر بالكثير من الخلافات السياسية و أن الطامعين في السلطة عندما لم يتمكنوا من استخدام القرآن في تطويع الناس اتجهوا لما يعرف بعلم الحديث، و بعيدا عن الحكام و"علماء السلطة" الذين يتمسكون بعلوم الحديث و يروجون لها بين الناس مستغلين مكانة النبي العظيمة عند المسلمين و عاطفتهم و حبهم  الشديد للنبي لتمرير كل ما يمكنهم تمريره للحفاظ على ملكهم  و التسلط على عباد الله، فإن كثيرا من العوام يتمسكون بالسنة النبوية  و كل ما ورد فيها من أقوال و أفعال لأسباب مختلفة. فهم يعتقدون أن تقليدهم للنبي و اتباعهم "الحرفي" لكل ما قاله و فعله هو برهان حبهم وتقديرهم وأنهم بهذا  يكرمونه و يستحقون "شفاعته". بينما  من أراد تكريم النبي محمد عليه الصلاة و السلام بحق فما عليه إلا أولا العودة إلى كتاب الله.. لأنه المعجزة الوحيدة لنبينا الكريم ثم عليه ثانيا الاستفادة من المنطق النبوي في الحياة، فالنبي عاش في بيئته كما ينبغي و كان متناغما مع ظروف عصره بشكل متكامل.

فعلى سبيل المثال استخدم النبي الكريم المسواك في تنظيف أسنانه و هذا ما كان متوافرا في بيئته في جزيرة العرب في القرن السابع الميلادي و  لو كانت فرشاة الأسنان متوافرة في العصر النبوي لاستخدمها النبي ببساطة شديدة و لكن لا يجب أن يطلع علينا مسلم الآن في القرن الواحد و العشرين يتمسك بتنظيف اسنانه باستخدام السواك معتقدا أنها طريقة نبوية و أنه هكذا يهتدي بسنة النبي و إنما عليه استخدام أداة تنظيف الأسنان المتوافرة في عصره  لا أن يمشي وسط الناس ممسكا بالمسواك!


مثال آخر و هو أن النبي عليه الصلاة و السلام كان يأكل التمر و يشرب الحليب و هذه هي الأطعمة التي كانت متوافرة في بيئته و كان هذا هو انتاج قومه و ليس لأن التمر أكل نبوي،  و لو كانت الفراولة مثلا هي الفاكهة المتوافرة بكثرة في العصر النبوي لأكل منها النبي دون غضاضة...!

أما بالنسبة للباس فالنبي ارتدى مما كان يرتديه قومه في عصرهم و ما كانوا يخيطونه و يلبسونه و  يجب أن نتعلم منه أن نرتدي ما يناسب مجتمعنا و زمننا و بيئتنا  كما فعل هو عليه الصلاة و السلام لا أن نرتدي الآن في القرن الواحد و العشرين عين ما ارتداه النبي في القرن السابع الميلادي!

إذا أردنا أن نعبر بصدق عن حبنا و تقديرنا للنبي الكريم و لمكانته العالية كخاتم الأنبياء فما علينا سوى العودة إلى معجزته الخالدة و التي كرمه الله بها عن بقية الأنبياء و الرسل و هي القرآن الكريم و علينا تنزيهه عن قول أو فعل ما يتعارض مع ما ورد في كتاب الله و علينا أن نتوقف عن فهم الدعوة إلى تدبر القرآن على أنها دعوة إلى التخلي عن سيرة النبي العطرة ، و علينا أن نفهم جيدا أننا بإصرارنا على تقليد كل تفاصيل حياته التي عاشها في القرن السابع بشكل حرفي و نقلها إلى زمننا الحالي فإننا لا نكرمه بذلك و إنما نسيء إليه من حيث لا ندري و إلى نبوته العظيمة، و أننا نظهر رسالته العالمية أمام الأمم الأخرى  بمظهر محلي غير لائق و كأنها رسالة محدودة ساذجة خارجة عن سياق العقل و التاريخ.


June 8, 2016

((و اضربوهن))

رشا المقالح
في لقاء تلفزيوني على إحدى الفضائيات دار حديث حول ضرب الزوجة و تفسير قوله تعالى : ((و اضربوهن)) و أراد الشيخ ضيف الحلقة أن يبين للناس معنى الضرب أو الطريقة المثلى و التي – حسب قوله - اتفق الفقهاء عليها، فأخرج سواكه و ضرب على يده ضربة خفيفة و قال هكذا يكون الضرب و ليس أكثر و هذا فقط في حالة النشوز...!

و نشوز الزوجة  في تعريف الفقهاء ليس له معنى محدد فهو واسع جدا بحيث يشمل "الاستخفاف بالزوج و عصيانه"، و "أن تكون سليطة اللسان متعالية على زوجها"، و " امتناع المرأة عن الفراش"، و إدخالها  بيته من يكره أو كما قال أحدهم "مثل ابن عمها الذي تربت معه و تتساهل في علاقتها به"، و هكذا...!

أولا أيها السادة الفقهاء العلاقة الزوجية ليست علاقة بين طرفين أحدهما بالغ و الآخر قاصر بحاجة للتربية و التأديب فهي ليست  كعلاقة الأم بطفلها أو الأب بإبنته، و ليست علاقة بين سيد و تابع، و إنما هي علاقة ناضجة بين طرفين عاقلين بالغين متكافئين، يفكران معا في حياتهما و يتشاوران سويا في قراراتهما و في ما يصلح لأولادهما حتى في مسألة فصال الطفل قال تعالى: (( فإن أرادا فصالا عن تراض منهما و تشاور فلا جناح عليهما))، العلاقة الزوجية هي علاقة مودة و رحمة و سكن لقوله تعالى :
((وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)) و قوله تعالى :(( َجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا))..((هن لباس لكم و أنتم لباس لهن))...
 
ثانيا : بالعودة إلى ذلك الشيخ الذي ادعى أن معنى ((و اضربوهن))– بإجماع الفقهاء - أي بالسواك و يكون ضربا خفيفا، فكلامه هذا مخالف لكثير من الأحاديث الواردة في هذا الشأن فمثلا:

 
أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الزَّاهِدُ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْجُنَيْدِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يُونُسُ ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ رَجُلًا لَطَمَ امْرأَتَهُ ، فَخَاصَمَتْهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ مَعَهَا أَهْلُهَا فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّ فُلَانًا لَطَمَ صَاحِبَتَنَا ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " الْقِصَاصُ ، الْقِصَاصُ ، وَلَا يَقْضِي قَضَاءً ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ : الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ سورة النساء آية 34 قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَرَدْنَا أَمْرًا وَأَرَادَ اللَّهُ غَيْرَهُ " .
و أيضا:

"حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، سمعت الزهري يقول : لو أن رجلا شج امرأته أو جرحها ، لم يكن عليه في ذلك قود ، وكان عليه العقل ، إلا أن يعدو عليها فيقتلها ، فيقتل بها"

ما هو موقف هذه المرويات من الضرب بنعومة باستخدام السواك؟! و كيف يكون من معاني النشوز أن تمتنع المرأة عن معاشرة زوجها فيعاقبها "بالهجر في المضجع"؟! و هل إذا رفضت الزوجة معاشرة زوجها عليه أن يؤدبها حتى يرغمها على قبول ذلك؟ و هل إذا كان من معاني النشوز بغض الزوجة لزوجها و امتناعها عنه فإن ضربها سيحملها على حبه و الرضوخ له؟ و أين موقع الآية (( فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان))؟؟ ثم إذا كانت الزوجة ناشزا بمعنى أنها سليطة اللسان و لا تحترم الزوج و لا تحفظه فهل سيؤثر معها ضربة خفيفة بالسواك؟! ما هذا العبث التربوي و التفسير الطفولي الساذج للآيات؟ إنهم لا يمانعون من الإساءة لله و لرسوله مقابل احتفاظهم بسلطاتهم الذكورية و إذلالهم للمرأة و إخضاعهم لها.


 ألم يحن الوقت بعد لاعتماد معنى آخر مختلف تماما عن المعنى السائد للقوامة و النشوز؟ ثم ألا توجد معان أخرى و كثيرة لكلمة الضرب في القرآن غير معنى الأذى الجسدي فلماذا نستمع القول و لا نتبع أحسنه؟  و لماذا يصر الفقهاء على تثبيت معنى مخزٍ كهذا دون غيره و يستميتون في الدفاع عنه و يضعون النص القرآني في مأزق أمام الفطرة السليمة؟! أليس من المخجل أن تتجه كثير من دول العالم لمنع ضرب الأطفال و تجريمه، و يأتي فقهاءنا ليقولوا أن القرآن سمح للأزواج بضرب زوجاتهم و تأديبهن؟

صحيح أن الخلافات واردة جدا في العلاقات الزوجية لكن ما نوعية تلك الخلافات التي قصدتها  الآية و وضعت لها حلولا؟! هل النشوز هو ذلك التعريف الواسع الفضاض الذي وضعه الفقهاء؟ أم هو نشوز ناشيء اصلا عن حيازة القوامة فالآية تتحدث أساسا عن القوامة و التي أساسها المال و ليس عن امتناع المرأة عن فراش زوجها و لا عن سلاطة لسانها! 

لماذا يسمحون للرجال بضرب زوجاتهم و هم يعرفون  بل و يرددون طوال الوقت أن النبي عليه الصلاة و السلام ماضرب خادما و لا امرأة قط ؟! و امتناع النبي عن الضرب بمعناه الفيزيائي لمن هم أضعف منه ينسجم مع الرجولة الحقيقية و الأخلاق العالية و التي يعد نبينا عليه الصلاة و السلام أجل مثال عليها. لكن ما يحصل في واقعنا مخالف لذلك تماما حيث ينشأ الذكور في مجتمعاتنا الإسلامية على احتقار الأنثى و اعتبارها "ناقصة عقل و دين" و "فتنة" و هي"عورة" و " اذا ما خرجت من بيتها استشرفها الشيطان" و عندما تتزوج يحق لزوجها  ضربها ثم يأتي بعد ذلك من يقول أن الإسلام كرم المرأة؟!


و مما أدهشني حقيقة أن ذلك الشيخ استشهد في ذلك اللقاء بأن المرأة "تضرب" دائما و في كل الثقافات و بأن هناك إحصائيات مخيفة في الغرب عن العنف ضد المرأة، و كأن لسان حاله يقول أن القرآن لم يختلق و يبتدع شيئا جديدا هنا ! صحيح أن العنف المنزلي منتشر في كل أنحاء العالم، لكن على الأقل لديهم هناك إحصائيات رسمية بهذا الخصوص و لديهم قانون يجرم العنف الجسدي ،أما في مجتمعاتنا و بلداننا الإسلامية فضرب المرأة لا يعد جرما و لا تعديا و لا أمرا يستحق الإحصاء، و هذا طبيعي مادامت  تضرب بأمر إلهي!

June 3, 2016

هكذا تكلمنا عن اليمن


رشـا المقالح
أنيس الباشا






عندما لاحظنا للأسف الشديد أن أغلبية الألمان ليس لديهم فكرة عن بلدنا اليمن و عما يجري فيها من حرب و عدوان، قررنا إقامة فعالية ثقافية عن اليمن و قد تعاونت معنا المكتبة العامة في المدينة التي نقيم فيها في شمال ألمانيا، و قد قام طاقم المكتبة مشكورا قبل موعد الفعالية بتجهيز الإعلان المتعلق بها و بموعد إقامتها و توزيعه و تعليقه في الأماكن العامة في المدينة.


كما قام أحد الصحفيين المحليين بعد قراءته للإعلان بكتابة مقالة عن اليمن بعنوان "اليمن...البلد المنسي" في صحيفة هامبورجر ابندبلات، و أشار إلى ما كتبناه في مدونتنا عن تجاهل العالم لليمن و لمعاناة أهلها حيث اقتبس الكثير من العبارات من مقالتنا "من الذي يحرق اليمن؟"والمكتوبة باللغة الانجليزية و المنشورة في المدونة
?who is burning Yemen ثم أشار الصحفي إلى الإعلان الخاص بالفعالية الثقافية التي سنقوم بها،  و تواصل بعدها معنا عدد من أصدقاءنا و معارفنا الألمان و أخبرونا بأنهم قرأوا تلك المقالة التي نشرت عن اليمن و عن الفعالية التي ستقام في المكتبة العامة، كما أحضرت لنا صديقة مقربة  نسخة ورقية من الجريدة. شعرنا بسعادة كبيرة أن هناك بعض الضوء يسلط على اليمن و ما يجري فيها.

أقيمت الفعالية بتاريخ 28 مايو، و قمنا بتقسيم العرض إلى جزئين، ثقافي و سياسي.  في الجزء الثقافي تحدثنا عن تاريخ اليمن و ثقافته و عن الفروق الثقافية التي نواجهها في هذه البلاد، أما في القسم الثاني فتحدثنا عن رأينا في الحرب الدائرة و في العدوان السعودي على اليمن و الوضع السياسي الحالي.




الجزء الثقافي:
حدثناهم في البداية عن "موكا" و عن أصلها و من أين جاءت هذه الكلمة و كانت معلومة جديدة بالنسبة لهم فهم يسمعون هذه الكلمة كل يوم و يشربون قهوة موكا بشكل اعتيادي و لكنهم لم يكونوا يعرفون أنها اسم مدينة ساحلية في اليمن! و أن هذه المدينة "المخا" كانت المكان الأول الذي انطلقت منه القهوة إلى كل أنحاء العالم...و قلنا لهم: في المرة القادمة عندما تسمعون كلمة "موكا" تذكروا اليمن!


ثم حدثناهم عن تاريخ اليمن و أنها من أقدم الحضارات في المنطقة العربية و كذلك في العالم، لم يكونوا يعرفون ذلك و فوجئوا بأن اليهود يشكلون جزء أساسي و كبير من تاريخ اليمن و أن لهم اسهاماتهم في الثقافة اليمنية.

ثم حدثناهم عن الفرق في الطقس بين ألمانيا و اليمن و كيف أن اليمن بلاد مشمسة بعكس ألمانيا و التي  لا تظهر فيها الشمس بكثرة و خاصة في الشمال الألماني...و أخبرناهم أن اليوم المشمس في المانيا يعد يوما سعيدا بينما في اليمن هو مجرد يوم اعتيادي! أما بالنسبة للمطر فقد فوجئوا عندما وضحنا لهم أن شعور اليمنيين تجاه المطر يختلف تماما عن شعورهم و السبب في ذلك يعود إلى أن الأمطار هنا تهطل بشكل شبه يومي لذا فإن الناس معتادة على المطر و لا تحبه و الجو الممطر هنا جو ممل جدا،  بعكس ما يحدث في اليمن فتساقط الأمطار فيها محدود و في فترات معينة و عندما تهطل الأمطار في بلادنا تنشرح صدور الناس و يشعرون بالفرح !






و بالتأكيد لم يكن من الممكن الحديث عن ثقافة اليمن دون أن نأتي على ذكر الجمبية! عرضنا لهم صورا لطفلنا و هو يرتدي الجمبية و لأنيس و هو يلبسها في يوم زفافه و أخبرناهم أنها جزء أصيل من الثقافة اليمنية و أننا فخورون بذلك. و شرحنا استخداماتها المختلفة في الرقص التقليدي اليمني و عرضنا لهما مقطعا لرقصة البرع الجميلة، كما قلنا لهم أن الجمبية تشكل جزءا مهما من اللباس التقليدي للرجل في اليمن خاصة في المناطق الشمالية ، ثم تطرقنا للباس التقليدي للمرأة اليمنية و أخبرناهم أن أغلب النساء في اليمن في الوقت الحالي منتقبات و يرتدين اللون الأسود عند خروجهن من المنزل و أن هذا التقليد تفشى عندنا بسبب المد الوهابي القادم من الجار السعودي و الذي يتبنى أسلوب حياة متشدد جدا و خاصة فيما يتعلق بالمرأة.                                                                                          
أما عندما تحدثنا عن المطبخ اليمني فكان الطبق الرئيسي هو السلتة...! تحدثنا عن مكوناته و عن الوعاء الذي يقدم فيه – المدرة أو الحرضي -  و عن الحلبة التي تضاف إليه و عرضنا لهم صورة عن الخبز الذي يؤكل مع السلتة ثم تحدثنا عن بنت الصحن و ترجمنا معنى اسمها الغريب و مكوناتها و العسل الذي يضاف إليها و أخبرناهم أنها عبارة عن طبق تحلية يقدم بعد الغداء مباشرة.

ثم عرضنا لهم صورا عن غرفة الجلوس التقليدية في البيت اليمني و التي تسمى "ديوان" و أنها المكان الذي يستخدم لاستقبال الضيوف و أيضا – للأسف -  لجلسات القات. حيث لم يكن من الممكن الحديث عن اليمن و عن الحياة الاجتماعية فيها دون ذكر شجرة القات الخبيثة و عادة "تخزين القات" السيئة المتفشية في بلادنا و التي تتكرر بشكل يومي.
و بما أننا ذكرنا نباتا سيء الصيت مثل القات فقررنا أن نحدثهم عن نبات آخر جميل جاء إلينا من الهند تقريبا و أنه يزرع في اليمن حاليا و هو "الفل" أو ما يعرف بالياسمين العربي و شرحنا لهم أنها عبارة عن زهرة ذات رائحة جميلة جدا و أنها تستخدم من قبل النساء و الرجال على حد سواء في المناسبات الإجتماعية المختلفة مثل حفلات الزفاف و حفلات التخرج و غيرها.

و بمناسبة حديثنا عن تلك الزهرة الرائعة،  أخبرناهم أننا لاحظنا انتشار محلات الزهور في بلادهم حيث يوجد في كل سوبرماركت ركن للزهور و أننا لاحظنا أن هذا يعد  جزءا مهما من ثقافتهم و كيف أنهم في زياراتهم الإجتماعية يحملون الزهور معاهم إلى بيت مضيفهم و أنهم عند زيارتهم لشخص مريض في المستشفى سيحملون معهم في الغالب باقة من الزهور بينما نحن في اليمن سنحمل معنا كيسا من الفواكه! و ليس هذا عيبا أو شيئا نخجل منه و إنما هي فروق ثقافية فقط ، و قد قلنا لهم ربما السبب وراء ذلك أن اليمني يؤمن بأهمية الفواكه و بأنها مهمة لتقوية المناعة خاصة في حالة المرض، و أن محلات الفواكه منتشرة في بلادنا بكثرة مثل انتشار محلات الزهور عندهم.

كما تكلمنا أيضا عن الشمع في الثقافة الألمانية و عن وجوده في بيوتهم و كيف أنه يباع بألوان و أحجام و أشكال و روائح مختلفة و جميلة، و أنهم يستخدمون الشمع لأغراض جمالية فقط حيث أنه يعطي منظرا جميلا و دافئا و رومانسياو رائحة عطرة في بعض الأحيان، و قلنا لهم أن الشمع مهم أيضا في اليمن و لكن لأغراض مختلفة! فاليمن تعاني من دائما من انقطاع التيار الكهربائي لذا يستخدم الشمع في اليمن لغرض الإضاءة فقط.

و في نهاية الجزء الثقافي لفتنا انتباههم إلى أن هناك تصور خاطيء عن اليمن في أذهان الكثير من الغربيين مفاده أن اليمن بلد صحراوي مثل الدول الخليجية كالسعودية مثلا، و قلنا لهم رغم أن هناك صحراء في اليمن إلا أن اليمن ليست صحراوية حيث  يمكن وصفها  بالبلد الجبلي،  فالجبال تشكل جزءا كبيرا من تضاريس اليمن، كما أن التربة خصبة في اليمن و يمكن زراعة الكثير من المحاصيل و قديما كانت تعرف اليمن بالعربية السعيدة
Arabia Felix بسبب خصوبة أرضها على عكس الطبيعة الصحراوية لدول الخليج.



الجزء السياسي

بدأنا الجزء السياسي بسؤال من ثلاث كلمات.."من يحرق اليمن؟"
وشرحنا بإيجاز تداعيات ما عُرف بالربيع العربي على اليمن وكيف خرج معظم الشعب اليمني مدفوعا بالرغبة في التغيير والحصول على حياة أفضل مطالبا صالح الذي حكم البلد ل 33 سنة بأن يتنحى..وكيف اندلعت المواجهات بين المحتجين وقوات النظام ثم قبول الأطراف السياسية بالمبادرة الخليجية وتنحي صالح واختيار المجتمع الدولي لهادي رئيسا لفترة انتقالية مدتها سنتين.

وتكلمنا عن مؤتمر الحوار الوطني الذي كان الهدف منه صياغة دستور جديد توافقي وأن يشرف على انتخابات رئاسية في 2014، لكن المؤتمر خرج بقرار تمديد الفترة الرئاسية لهادي إضافة إلى أن مقترح تقسيم البلد إلى أقاليم شكل مسألة مُختلف عليها وبعيدة عن الهدف الأساسي للمؤتمر.

وأوضحنا أن الوضع تأزم مجددا خصوصا مع بروز الحوثيين كقوة لاعبة على الساحة ومجيئهم إلى صنعاء في سبتمبر 2014 ودخولهم في تحالف مع القوات التي تدين بالولاء للرئيس السابق  ، وكيف توتر الوضع بين جميع الأطراف السياسية الفاعلة بدءا من وضع هادي تحت الإقامة الجبرية وفراره إلى عدن معلنا شرعيته من هناك وصولا إلى دخول قوات الحوثيين وصالح إلى عدن وانتهاءا بهروب هادي مجددا إلى الرياض.

شرحنا أن السعودية شنت عدوانها على اليمن في 26 مارس 2015، وأن ذريعتهم لشن العدوان هي دعم الشرعية المتمثلة في هادي وانقاذ الشعب اليمني..وأن عشر دول عربية تشارك السعودية عدوانها بالاضافة إلى دعم لوجستي واستخباراتي وعسكري مقدم من الولايات المتحدة وبريطانيا.

ووضحنا أن حجة دعم هادي باطلة قانونا لأن هادي انتهت شرعيته في 2014 وكان من المفترض أن تكون هناك انتخابات رئاسية، أما موضوع ان العدوان شن من أجل اليمن واليمنيين فقلنا بأننا سنتظاهر بتصديق هذه الحجة ونستعرض سويا من خلال الصور والأرقام والحقائق هل قامت السعودية بالعدوان من أجل اليمن أم لا؟
عرضنا صور مختلفة لحجم الدمار الذي ألحقته الطائرات التي اشترتها السعودية من الغرب بالبلد على مستوى الأفراد والبنى التحتية والخدمات.. وحرصنا على إيراد أرقام صدرت من منظمات دولية معروفة مثل الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية ومنظمة حقوق الإنسان واليونسيف وغيرها.

عرضنا كيف تم قتل الاف المدنيين وتدمير مئات المنازل والبيوت والمستشفيات والمدارس والطرق والجسور بل وحتى المواقع الأثرية والسياحية والمصانع ومزارع الدجاج والأبقار.

تحدثنا عن الانفجار الذي وقع في صنعاء في الخامس من مايو 2015 وأنه بحسب تحليل خبراء الطاقة الذرية فإن هناك احتمالية عالية جدا بأنه انفجار نووي.

شرحنا بالأرقام بعض من المجازر البشعة التي ارتكبها العدوان السعودي في تعز والمخا وصنعاء والحديدة وصعدة، وتحدثنا باستفاضة عن مجزرة سوق مستبأ في حجة وقصف منزل القاضي ربيد في صنعاء..
تحدثنا عن دعم الجماعات الارهابية وسيطرتها على مناطق كبيرة في الجنوب وعرضنا رسوم كاريكاتورية توضح ان السعودية والارهاب وجهان لعملة واحدة.



وعرضنا بالأرقام نتيجة عام من العدوان على اليمن وكان الاستناد على تقرير تابع للأمم المتحدة لم يتم نشره وحصلت صحيفة الجارديان البريطانية على نسخة منه.

ووضحنا أنه بعد كل هذا الدمار الذي لحق باليمن من غير المنطقي تصديق مزاعم السعودية بأنها اعتدت على اليمن وشنت حربا فيه وفرضت عليه حصار كامل من أجل اليمن واليمنيين.

ووضعنا سؤال جديد وهو "لماذا تقوم السعودية بهذا؟"

شرحنا أن السعودية تتدخل في اليمن منذ عقود لكنها لاول مرة تقرر التدخل بشكل عسكري، وتكلمنا عن القصة الشهيرة لمؤسس مملكة آل سعود الذي أوصى أولاده وهو على فراش الموت بأن يحرصوا على بقاء اليمن ضعيفا مفككا..وشرحنا لهم عن اللجنة الخاصة السعودية ولماذا أنشئت وكيف عملت على خلق الولاءات عن طريق دفع رواتب شهرية لفئات مختلفة من السياسيين والمشائخ وذوي النفوذ في اليمن.

وأوردنا قصة الرئيس الراحل الحمدي وكيف حاول ان يتصدى للنفوذ السعودي وأن يبني بلد قوي ومستقل فتمت تصفيته بتخطيط سعودي وتنفيذ أدوات يمنية.

وقلنا أننا كيمنيين ندرك تماما بأنه لولا الدعم الغربي المتمثل في صفقات السلاح الضخمة التي تورد للسعودية لما تمكنت الأخيرة من فعل ما فعلت وتفعله باليمن.

ووضحنا كيف أنه برغم المطالبات العديدة لمنظمات حقوقية وانسانية عالمية بفرض حظر على توريد السلاح للسعودية لايزال السلاح الامريكي والاوروبي يتدفق ويجد سوقا ضخمة في الخليج برغم ان هذا السلاح يستخدم وبما لا يدع مجالا للشك في قتل اليمنيين وتدمير بلدهم.

وانتقدنا الغرب على ازدواجية المعايير واهتمامهم بعوائد صفقات السلاح الضخمة على حساب أرواح اليمنيين، وأن الدول الأوروبية لم تكتفي بتصدير السلاح للسعودية وإنما يحصل ملوك وأمراء السعودية على الحفاوة والتكريم في أوروبا وضربنا مثل بعرض صورة الرئيس الفرنسي وهو يسلم وسام جوقة الشرف الفرنسي لولي العهد بن نايف في العام الحالي!

وختمنا بأن الوضع في اليمن أسوأ مما يمكن تخيله وأسوأ من الوضع في سوريا أو في أي مكان آخر ببساطة لأن هناك تعتيم اعلامي شديد والعالم لا يعرف عما يجري في اليمن وعن معاناة اليمنيين..وأوردنا شهادة رئيس منظمة الصليب الأحمر بيتر ماور الذي قال "أن خمسة أشهر من الحرب في اليمن جلبت دمار يساوي ما جلبته خمس سنوات من الحرب في سوريا".. وقلنا أن اليمنيين – بخلاف السوريين- محاصرون في بلدهم ولا يستطيعون الخروج والبحث عن ملجأ آمن كما يفعل غيرهم وإذا تمكن المحظوظين منهم من السفر لبلدان عربية فهم يلاقون معاملة سيئة في هذه البلدان.
 
بعد انتهاء الفعالية فوجئنا باستحسان الجمهور و شكرهم و تقديرهم لنا  على تسليط الضوء على بلد لا يعرفون
عنه الكثير و على الحرب الدائرة هناك. شعرنا بعدها بالراحة و الرضا فهذا أقل ما يمكن تقديمه لبلادنا في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها.