رشا المقالح
يضع هذا العالم المتحضر "بوحشية" و المنافق "بأناقة" رجلا على رجل، مشيحا بوجهه الباهت عن مأساة اليمنيين، ولسان حاله يقول :" أوه إنه الشرق الأوسط و لا بد إنها إحدى حروبهم الدينية و لا شأن لنا بها، و عليهم أن يهتموا بأمورهم و لنهتم نحن بأمورنا و لكن لا مانع لدينا من توريد بعض أسلحتنا الفتاكة إلى منطقتهم، فلدينا مصانع يجب أن تستمر في إنتاجها و عمالا لا بد من الحفاظ على وظائفهم حتى لو خسر أولئك الناس أرواحهم، ثم إننا سنرسل لهم مبعوثا من الأمم المتحدة ليشرف على أي مفاوضات ستجري بينهم، فنحن نسعى جاهدين لإيقاف حروبهم الهمجية المتواصلة. و ما نريد إلا الإصلاح و التوفيق ما استطعنا".
لا يجب أن نتوقع نحن اليمنيون أكثر من هذا، فكل ما يحصل في بلادنا - تلك البقعة المعزولة عن عالمهم - لا يعنيهم بل يعنينا وحدنا، فاليمن هي مشكلة اليمنيين، هكذا قضت قوانين هذا العالم المتحضر
بوحشية و المنافق بأناقة بأن العالم لا يجب أن يكون قرية صغيرة أو عالما واحدا سوى في أغنيات كأس العالم و الأولمبياد و فيسبوك و تويتر أو حين يتعلق الأمر بحركة البضائع و السلع التجارية ، وهكذا فقد فتحنا أسواقنا لهم ليرسلوا لنا كل بضائعهم بما فيها طائراتهم الحربية و صواريخهم الحديثة.
و يبدو أنهم لن يدركوا جيدا بشاعة موقفهم من العدوان الحاصل على بلادنا إلا عندما يرسل اليمنيون أطفالهم في قوارب الموت، ليلتهمهم الموج و يلفظهم على شواطئهم تماما كما حصل مع إيلان الكردي و غيره من أطفال سوريا. وهكذا على ما يبدو أن أوروبا تنتظر من اليمنيين - لكي تلتفت إليهم و تسمع صوتهم - أن يركبوا البحر ويصلوا بمئات الآلاف إلى الشواطيء الأوروبية عندها سيتذكرون أن هناك بلد يدعى اليمن و أنه موجود على الخارطة و منكوب و ضعيف و يعاني وحيدا وسط صمت إعلامي عالمي قاتل.
و عندها سيسعون جاهدين لفهم ما يحدث في بلادنا و لماذا يهاجر الناس منها بعشرات الآلاف و يخاطرون بحياتهم و حياة أطفالهم. و سيسجل محرك البحث جوجل "اليمن" كأكثر كلمة يتم البحث عنها، و سيشهقون من هول ما سيجدونه و من الأوضاع السيئة التي دفعت باليمنيين إلى الخروج و الفرار. و ستتصدر أخبار المعارك و أوضاع الإنسان "اللاإنسانية" في اليمن نشرات أخبارهم الرئيسية، و سيدخلون في نقاشات محمومة فيما بينهم عن الفصائل اليمنية المتقاتلة و الأحزاب السياسية المتصارعة، و سيعرفون أن عاصمتنا تدعى "صنعاء" و سيحفظون أسماء المدن اليمنية التي تجري فيها المعارك وتسيل فيها الدماء.
و ستقلب هجرة اليمنيين الأمور رأسا على عقب و ستصبح حديث الساعة في القنوات الإعلامية، و سينقسم الناس في العالم الغربي ما بين مرحب بالقادمين الجدد و مابين متخوف و معاد لهم، و لكن كل ذلك لن يهم، لأنهم سيفرضون وجودهم في نهاية الأمر و سيصبحون أمرا واقعا و على القارة العجوز أن تتعامل معه. ربما سيموت بعض أطفال اليمن و نسائهم و رجالهم في البحر خلال رحلة الموت التي جاءت بهم، و كم سيكون ذلك محزنا و مؤلما، لكن ألم يكن من المحتمل أن يموتوا على كل حال لو بقوا في اليمن، إما بصاروخ طائش أو قذيفة متهورة أو سيارة مفخخة؟! و حتى إذا كانوا سعداء الحظ و نجوا من كل الأخطار السابقة فإن تردي الأحوال المعيشية و سوء الخدمات الصحية بانتظارهم و هذا وحده كفيل بالقضاء عليهم.
و مع وصول أول خمسمائة مهاجر يمني إلى الأراض الفرنسية، ستتوقف فرنسا فورا عن توزيع أوسمة الشرف على أمراء الحرب السعوديين، و ربما خرج الفرنسيون إلى الشوراع في مظاهرات شعبية للمطالبة باستعادة الأوسمة التي سبق و منحتها بلادهم لأمراء الرمال. وبالتأكيد سيضطر بان كيمون إلى إعادة اسم التحالف العربي إلى لائحة قتلة الأطفال بصورة نهائية غير قابلة للتراجع هذه المرة.
و مع تنامي موجات الهجرة اليمنية سيعقد الاتحاد الأوروبي جلسات طارئة و سيتم تسمية القادمين الجدد بـ "الأزمة" و سيبحثون عن مسببات تلك الأزمة و سيوجهون أصابع الإتهام لجار السوء، و بأنه المسئول الأول لأنه بتدخله - غير المسئول - في اليمن قد قضى على الرمق الأخير فيما كان يسمى بالدولة اليمنية، و سيصبح ما يسمى بالتحالف العربي تحت المجهر، و سيتعرض لضغوطات حقيقية هذه المرة، كما ستتم مطالبته بوقف هذه الحرب، و سيطالبون دول التحالف بفتح حدودها لليمنيين. و سيضغطون بكل ثقلهم لإنشاء مناطق آمنة على الحدود اليمنية السعودية، و ستجد السعودية نفسها في مواجهة طوفان بشري غير مسبوق، و للمرة الأولى ستكون قوة اليمنيين الحقيقية ليست في كونهم يحملون سلاحا و إنما في كونهم عزل.
و كما شكلت هجرة اليمنيين القديمة بعد انهيار سد مأرب حدثا فاصلا في تاريخ الجزيرة العربية فإن هجرتهم الجديدة ستشكل علامة فارقة في تاريخ العالم الحديث بالتأكيد. و سيندهش اليمنيون حين يكتشفون أن من لا يملك قرار الحرب و السلم لا حل له سوى الرحيل، و أن البقاء لا يعني سوى تجرع صنوف العذاب و الشقاء ، و تحمل مهازل الساسة و صمت العالم و تجاهل القريب و البعيد دون نتيجة تذكر...نوع من الصبر العبثي، تماما كالحرب العبثية و الأوضاع العبثية التي يعيشونها، و سيكتشفون أن بقائهم ما كان ليضيف شيئا ، أما رحيلهم فسيغير كل شيء.
لن يلتفت العالم إلى كل ذلك العبث السعودي في اليمن حتى تبدأ موجات الهجرة اليمنية بضرب شواطيء عالمهم و عندما يجرف الموج إيلان اليمن إلى تلك الشواطيء سيستفيقون لحظتها من غفلتهم و يشعرون بالكارثة التي خلفها صمتهم و أسلحتهم و سيتحملون نتائج تجاهلهم كاملة، و سيتباكون بالطبع أمام عدسات الكاميرا على منظر ذلك الطفل البريء و هو ملقى على شاطئهم و سيسمون ذلك وصمة عار على جبين الإنسانية ، و لكن ما إن يخلوا بعضهم إلى بعض حتى يسعون جاهدين لإتخاذ كل الإجراءت اللازمة لإغلاق حدودهم البرية و البحرية خشية من وصول ايلان يمني آخر...حيا أو ميتا... هذه هي – ببساطة - قوانين هذا العالم ....قوانين متحضرة بوحشية و منافقة...بكل بأناقة..
و يبدو أنهم لن يدركوا جيدا بشاعة موقفهم من العدوان الحاصل على بلادنا إلا عندما يرسل اليمنيون أطفالهم في قوارب الموت، ليلتهمهم الموج و يلفظهم على شواطئهم تماما كما حصل مع إيلان الكردي و غيره من أطفال سوريا. وهكذا على ما يبدو أن أوروبا تنتظر من اليمنيين - لكي تلتفت إليهم و تسمع صوتهم - أن يركبوا البحر ويصلوا بمئات الآلاف إلى الشواطيء الأوروبية عندها سيتذكرون أن هناك بلد يدعى اليمن و أنه موجود على الخارطة و منكوب و ضعيف و يعاني وحيدا وسط صمت إعلامي عالمي قاتل.
و عندها سيسعون جاهدين لفهم ما يحدث في بلادنا و لماذا يهاجر الناس منها بعشرات الآلاف و يخاطرون بحياتهم و حياة أطفالهم. و سيسجل محرك البحث جوجل "اليمن" كأكثر كلمة يتم البحث عنها، و سيشهقون من هول ما سيجدونه و من الأوضاع السيئة التي دفعت باليمنيين إلى الخروج و الفرار. و ستتصدر أخبار المعارك و أوضاع الإنسان "اللاإنسانية" في اليمن نشرات أخبارهم الرئيسية، و سيدخلون في نقاشات محمومة فيما بينهم عن الفصائل اليمنية المتقاتلة و الأحزاب السياسية المتصارعة، و سيعرفون أن عاصمتنا تدعى "صنعاء" و سيحفظون أسماء المدن اليمنية التي تجري فيها المعارك وتسيل فيها الدماء.
و ستقلب هجرة اليمنيين الأمور رأسا على عقب و ستصبح حديث الساعة في القنوات الإعلامية، و سينقسم الناس في العالم الغربي ما بين مرحب بالقادمين الجدد و مابين متخوف و معاد لهم، و لكن كل ذلك لن يهم، لأنهم سيفرضون وجودهم في نهاية الأمر و سيصبحون أمرا واقعا و على القارة العجوز أن تتعامل معه. ربما سيموت بعض أطفال اليمن و نسائهم و رجالهم في البحر خلال رحلة الموت التي جاءت بهم، و كم سيكون ذلك محزنا و مؤلما، لكن ألم يكن من المحتمل أن يموتوا على كل حال لو بقوا في اليمن، إما بصاروخ طائش أو قذيفة متهورة أو سيارة مفخخة؟! و حتى إذا كانوا سعداء الحظ و نجوا من كل الأخطار السابقة فإن تردي الأحوال المعيشية و سوء الخدمات الصحية بانتظارهم و هذا وحده كفيل بالقضاء عليهم.
و مع وصول أول خمسمائة مهاجر يمني إلى الأراض الفرنسية، ستتوقف فرنسا فورا عن توزيع أوسمة الشرف على أمراء الحرب السعوديين، و ربما خرج الفرنسيون إلى الشوراع في مظاهرات شعبية للمطالبة باستعادة الأوسمة التي سبق و منحتها بلادهم لأمراء الرمال. وبالتأكيد سيضطر بان كيمون إلى إعادة اسم التحالف العربي إلى لائحة قتلة الأطفال بصورة نهائية غير قابلة للتراجع هذه المرة.
و مع تنامي موجات الهجرة اليمنية سيعقد الاتحاد الأوروبي جلسات طارئة و سيتم تسمية القادمين الجدد بـ "الأزمة" و سيبحثون عن مسببات تلك الأزمة و سيوجهون أصابع الإتهام لجار السوء، و بأنه المسئول الأول لأنه بتدخله - غير المسئول - في اليمن قد قضى على الرمق الأخير فيما كان يسمى بالدولة اليمنية، و سيصبح ما يسمى بالتحالف العربي تحت المجهر، و سيتعرض لضغوطات حقيقية هذه المرة، كما ستتم مطالبته بوقف هذه الحرب، و سيطالبون دول التحالف بفتح حدودها لليمنيين. و سيضغطون بكل ثقلهم لإنشاء مناطق آمنة على الحدود اليمنية السعودية، و ستجد السعودية نفسها في مواجهة طوفان بشري غير مسبوق، و للمرة الأولى ستكون قوة اليمنيين الحقيقية ليست في كونهم يحملون سلاحا و إنما في كونهم عزل.
و كما شكلت هجرة اليمنيين القديمة بعد انهيار سد مأرب حدثا فاصلا في تاريخ الجزيرة العربية فإن هجرتهم الجديدة ستشكل علامة فارقة في تاريخ العالم الحديث بالتأكيد. و سيندهش اليمنيون حين يكتشفون أن من لا يملك قرار الحرب و السلم لا حل له سوى الرحيل، و أن البقاء لا يعني سوى تجرع صنوف العذاب و الشقاء ، و تحمل مهازل الساسة و صمت العالم و تجاهل القريب و البعيد دون نتيجة تذكر...نوع من الصبر العبثي، تماما كالحرب العبثية و الأوضاع العبثية التي يعيشونها، و سيكتشفون أن بقائهم ما كان ليضيف شيئا ، أما رحيلهم فسيغير كل شيء.
لن يلتفت العالم إلى كل ذلك العبث السعودي في اليمن حتى تبدأ موجات الهجرة اليمنية بضرب شواطيء عالمهم و عندما يجرف الموج إيلان اليمن إلى تلك الشواطيء سيستفيقون لحظتها من غفلتهم و يشعرون بالكارثة التي خلفها صمتهم و أسلحتهم و سيتحملون نتائج تجاهلهم كاملة، و سيتباكون بالطبع أمام عدسات الكاميرا على منظر ذلك الطفل البريء و هو ملقى على شاطئهم و سيسمون ذلك وصمة عار على جبين الإنسانية ، و لكن ما إن يخلوا بعضهم إلى بعض حتى يسعون جاهدين لإتخاذ كل الإجراءت اللازمة لإغلاق حدودهم البرية و البحرية خشية من وصول ايلان يمني آخر...حيا أو ميتا... هذه هي – ببساطة - قوانين هذا العالم ....قوانين متحضرة بوحشية و منافقة...بكل بأناقة..
No comments:
Post a Comment