Pages

June 3, 2016

هكذا تكلمنا عن اليمن


رشـا المقالح
أنيس الباشا






عندما لاحظنا للأسف الشديد أن أغلبية الألمان ليس لديهم فكرة عن بلدنا اليمن و عما يجري فيها من حرب و عدوان، قررنا إقامة فعالية ثقافية عن اليمن و قد تعاونت معنا المكتبة العامة في المدينة التي نقيم فيها في شمال ألمانيا، و قد قام طاقم المكتبة مشكورا قبل موعد الفعالية بتجهيز الإعلان المتعلق بها و بموعد إقامتها و توزيعه و تعليقه في الأماكن العامة في المدينة.


كما قام أحد الصحفيين المحليين بعد قراءته للإعلان بكتابة مقالة عن اليمن بعنوان "اليمن...البلد المنسي" في صحيفة هامبورجر ابندبلات، و أشار إلى ما كتبناه في مدونتنا عن تجاهل العالم لليمن و لمعاناة أهلها حيث اقتبس الكثير من العبارات من مقالتنا "من الذي يحرق اليمن؟"والمكتوبة باللغة الانجليزية و المنشورة في المدونة
?who is burning Yemen ثم أشار الصحفي إلى الإعلان الخاص بالفعالية الثقافية التي سنقوم بها،  و تواصل بعدها معنا عدد من أصدقاءنا و معارفنا الألمان و أخبرونا بأنهم قرأوا تلك المقالة التي نشرت عن اليمن و عن الفعالية التي ستقام في المكتبة العامة، كما أحضرت لنا صديقة مقربة  نسخة ورقية من الجريدة. شعرنا بسعادة كبيرة أن هناك بعض الضوء يسلط على اليمن و ما يجري فيها.

أقيمت الفعالية بتاريخ 28 مايو، و قمنا بتقسيم العرض إلى جزئين، ثقافي و سياسي.  في الجزء الثقافي تحدثنا عن تاريخ اليمن و ثقافته و عن الفروق الثقافية التي نواجهها في هذه البلاد، أما في القسم الثاني فتحدثنا عن رأينا في الحرب الدائرة و في العدوان السعودي على اليمن و الوضع السياسي الحالي.




الجزء الثقافي:
حدثناهم في البداية عن "موكا" و عن أصلها و من أين جاءت هذه الكلمة و كانت معلومة جديدة بالنسبة لهم فهم يسمعون هذه الكلمة كل يوم و يشربون قهوة موكا بشكل اعتيادي و لكنهم لم يكونوا يعرفون أنها اسم مدينة ساحلية في اليمن! و أن هذه المدينة "المخا" كانت المكان الأول الذي انطلقت منه القهوة إلى كل أنحاء العالم...و قلنا لهم: في المرة القادمة عندما تسمعون كلمة "موكا" تذكروا اليمن!


ثم حدثناهم عن تاريخ اليمن و أنها من أقدم الحضارات في المنطقة العربية و كذلك في العالم، لم يكونوا يعرفون ذلك و فوجئوا بأن اليهود يشكلون جزء أساسي و كبير من تاريخ اليمن و أن لهم اسهاماتهم في الثقافة اليمنية.

ثم حدثناهم عن الفرق في الطقس بين ألمانيا و اليمن و كيف أن اليمن بلاد مشمسة بعكس ألمانيا و التي  لا تظهر فيها الشمس بكثرة و خاصة في الشمال الألماني...و أخبرناهم أن اليوم المشمس في المانيا يعد يوما سعيدا بينما في اليمن هو مجرد يوم اعتيادي! أما بالنسبة للمطر فقد فوجئوا عندما وضحنا لهم أن شعور اليمنيين تجاه المطر يختلف تماما عن شعورهم و السبب في ذلك يعود إلى أن الأمطار هنا تهطل بشكل شبه يومي لذا فإن الناس معتادة على المطر و لا تحبه و الجو الممطر هنا جو ممل جدا،  بعكس ما يحدث في اليمن فتساقط الأمطار فيها محدود و في فترات معينة و عندما تهطل الأمطار في بلادنا تنشرح صدور الناس و يشعرون بالفرح !






و بالتأكيد لم يكن من الممكن الحديث عن ثقافة اليمن دون أن نأتي على ذكر الجمبية! عرضنا لهم صورا لطفلنا و هو يرتدي الجمبية و لأنيس و هو يلبسها في يوم زفافه و أخبرناهم أنها جزء أصيل من الثقافة اليمنية و أننا فخورون بذلك. و شرحنا استخداماتها المختلفة في الرقص التقليدي اليمني و عرضنا لهما مقطعا لرقصة البرع الجميلة، كما قلنا لهم أن الجمبية تشكل جزءا مهما من اللباس التقليدي للرجل في اليمن خاصة في المناطق الشمالية ، ثم تطرقنا للباس التقليدي للمرأة اليمنية و أخبرناهم أن أغلب النساء في اليمن في الوقت الحالي منتقبات و يرتدين اللون الأسود عند خروجهن من المنزل و أن هذا التقليد تفشى عندنا بسبب المد الوهابي القادم من الجار السعودي و الذي يتبنى أسلوب حياة متشدد جدا و خاصة فيما يتعلق بالمرأة.                                                                                          
أما عندما تحدثنا عن المطبخ اليمني فكان الطبق الرئيسي هو السلتة...! تحدثنا عن مكوناته و عن الوعاء الذي يقدم فيه – المدرة أو الحرضي -  و عن الحلبة التي تضاف إليه و عرضنا لهم صورة عن الخبز الذي يؤكل مع السلتة ثم تحدثنا عن بنت الصحن و ترجمنا معنى اسمها الغريب و مكوناتها و العسل الذي يضاف إليها و أخبرناهم أنها عبارة عن طبق تحلية يقدم بعد الغداء مباشرة.

ثم عرضنا لهم صورا عن غرفة الجلوس التقليدية في البيت اليمني و التي تسمى "ديوان" و أنها المكان الذي يستخدم لاستقبال الضيوف و أيضا – للأسف -  لجلسات القات. حيث لم يكن من الممكن الحديث عن اليمن و عن الحياة الاجتماعية فيها دون ذكر شجرة القات الخبيثة و عادة "تخزين القات" السيئة المتفشية في بلادنا و التي تتكرر بشكل يومي.
و بما أننا ذكرنا نباتا سيء الصيت مثل القات فقررنا أن نحدثهم عن نبات آخر جميل جاء إلينا من الهند تقريبا و أنه يزرع في اليمن حاليا و هو "الفل" أو ما يعرف بالياسمين العربي و شرحنا لهم أنها عبارة عن زهرة ذات رائحة جميلة جدا و أنها تستخدم من قبل النساء و الرجال على حد سواء في المناسبات الإجتماعية المختلفة مثل حفلات الزفاف و حفلات التخرج و غيرها.

و بمناسبة حديثنا عن تلك الزهرة الرائعة،  أخبرناهم أننا لاحظنا انتشار محلات الزهور في بلادهم حيث يوجد في كل سوبرماركت ركن للزهور و أننا لاحظنا أن هذا يعد  جزءا مهما من ثقافتهم و كيف أنهم في زياراتهم الإجتماعية يحملون الزهور معاهم إلى بيت مضيفهم و أنهم عند زيارتهم لشخص مريض في المستشفى سيحملون معهم في الغالب باقة من الزهور بينما نحن في اليمن سنحمل معنا كيسا من الفواكه! و ليس هذا عيبا أو شيئا نخجل منه و إنما هي فروق ثقافية فقط ، و قد قلنا لهم ربما السبب وراء ذلك أن اليمني يؤمن بأهمية الفواكه و بأنها مهمة لتقوية المناعة خاصة في حالة المرض، و أن محلات الفواكه منتشرة في بلادنا بكثرة مثل انتشار محلات الزهور عندهم.

كما تكلمنا أيضا عن الشمع في الثقافة الألمانية و عن وجوده في بيوتهم و كيف أنه يباع بألوان و أحجام و أشكال و روائح مختلفة و جميلة، و أنهم يستخدمون الشمع لأغراض جمالية فقط حيث أنه يعطي منظرا جميلا و دافئا و رومانسياو رائحة عطرة في بعض الأحيان، و قلنا لهم أن الشمع مهم أيضا في اليمن و لكن لأغراض مختلفة! فاليمن تعاني من دائما من انقطاع التيار الكهربائي لذا يستخدم الشمع في اليمن لغرض الإضاءة فقط.

و في نهاية الجزء الثقافي لفتنا انتباههم إلى أن هناك تصور خاطيء عن اليمن في أذهان الكثير من الغربيين مفاده أن اليمن بلد صحراوي مثل الدول الخليجية كالسعودية مثلا، و قلنا لهم رغم أن هناك صحراء في اليمن إلا أن اليمن ليست صحراوية حيث  يمكن وصفها  بالبلد الجبلي،  فالجبال تشكل جزءا كبيرا من تضاريس اليمن، كما أن التربة خصبة في اليمن و يمكن زراعة الكثير من المحاصيل و قديما كانت تعرف اليمن بالعربية السعيدة
Arabia Felix بسبب خصوبة أرضها على عكس الطبيعة الصحراوية لدول الخليج.



الجزء السياسي

بدأنا الجزء السياسي بسؤال من ثلاث كلمات.."من يحرق اليمن؟"
وشرحنا بإيجاز تداعيات ما عُرف بالربيع العربي على اليمن وكيف خرج معظم الشعب اليمني مدفوعا بالرغبة في التغيير والحصول على حياة أفضل مطالبا صالح الذي حكم البلد ل 33 سنة بأن يتنحى..وكيف اندلعت المواجهات بين المحتجين وقوات النظام ثم قبول الأطراف السياسية بالمبادرة الخليجية وتنحي صالح واختيار المجتمع الدولي لهادي رئيسا لفترة انتقالية مدتها سنتين.

وتكلمنا عن مؤتمر الحوار الوطني الذي كان الهدف منه صياغة دستور جديد توافقي وأن يشرف على انتخابات رئاسية في 2014، لكن المؤتمر خرج بقرار تمديد الفترة الرئاسية لهادي إضافة إلى أن مقترح تقسيم البلد إلى أقاليم شكل مسألة مُختلف عليها وبعيدة عن الهدف الأساسي للمؤتمر.

وأوضحنا أن الوضع تأزم مجددا خصوصا مع بروز الحوثيين كقوة لاعبة على الساحة ومجيئهم إلى صنعاء في سبتمبر 2014 ودخولهم في تحالف مع القوات التي تدين بالولاء للرئيس السابق  ، وكيف توتر الوضع بين جميع الأطراف السياسية الفاعلة بدءا من وضع هادي تحت الإقامة الجبرية وفراره إلى عدن معلنا شرعيته من هناك وصولا إلى دخول قوات الحوثيين وصالح إلى عدن وانتهاءا بهروب هادي مجددا إلى الرياض.

شرحنا أن السعودية شنت عدوانها على اليمن في 26 مارس 2015، وأن ذريعتهم لشن العدوان هي دعم الشرعية المتمثلة في هادي وانقاذ الشعب اليمني..وأن عشر دول عربية تشارك السعودية عدوانها بالاضافة إلى دعم لوجستي واستخباراتي وعسكري مقدم من الولايات المتحدة وبريطانيا.

ووضحنا أن حجة دعم هادي باطلة قانونا لأن هادي انتهت شرعيته في 2014 وكان من المفترض أن تكون هناك انتخابات رئاسية، أما موضوع ان العدوان شن من أجل اليمن واليمنيين فقلنا بأننا سنتظاهر بتصديق هذه الحجة ونستعرض سويا من خلال الصور والأرقام والحقائق هل قامت السعودية بالعدوان من أجل اليمن أم لا؟
عرضنا صور مختلفة لحجم الدمار الذي ألحقته الطائرات التي اشترتها السعودية من الغرب بالبلد على مستوى الأفراد والبنى التحتية والخدمات.. وحرصنا على إيراد أرقام صدرت من منظمات دولية معروفة مثل الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية ومنظمة حقوق الإنسان واليونسيف وغيرها.

عرضنا كيف تم قتل الاف المدنيين وتدمير مئات المنازل والبيوت والمستشفيات والمدارس والطرق والجسور بل وحتى المواقع الأثرية والسياحية والمصانع ومزارع الدجاج والأبقار.

تحدثنا عن الانفجار الذي وقع في صنعاء في الخامس من مايو 2015 وأنه بحسب تحليل خبراء الطاقة الذرية فإن هناك احتمالية عالية جدا بأنه انفجار نووي.

شرحنا بالأرقام بعض من المجازر البشعة التي ارتكبها العدوان السعودي في تعز والمخا وصنعاء والحديدة وصعدة، وتحدثنا باستفاضة عن مجزرة سوق مستبأ في حجة وقصف منزل القاضي ربيد في صنعاء..
تحدثنا عن دعم الجماعات الارهابية وسيطرتها على مناطق كبيرة في الجنوب وعرضنا رسوم كاريكاتورية توضح ان السعودية والارهاب وجهان لعملة واحدة.



وعرضنا بالأرقام نتيجة عام من العدوان على اليمن وكان الاستناد على تقرير تابع للأمم المتحدة لم يتم نشره وحصلت صحيفة الجارديان البريطانية على نسخة منه.

ووضحنا أنه بعد كل هذا الدمار الذي لحق باليمن من غير المنطقي تصديق مزاعم السعودية بأنها اعتدت على اليمن وشنت حربا فيه وفرضت عليه حصار كامل من أجل اليمن واليمنيين.

ووضعنا سؤال جديد وهو "لماذا تقوم السعودية بهذا؟"

شرحنا أن السعودية تتدخل في اليمن منذ عقود لكنها لاول مرة تقرر التدخل بشكل عسكري، وتكلمنا عن القصة الشهيرة لمؤسس مملكة آل سعود الذي أوصى أولاده وهو على فراش الموت بأن يحرصوا على بقاء اليمن ضعيفا مفككا..وشرحنا لهم عن اللجنة الخاصة السعودية ولماذا أنشئت وكيف عملت على خلق الولاءات عن طريق دفع رواتب شهرية لفئات مختلفة من السياسيين والمشائخ وذوي النفوذ في اليمن.

وأوردنا قصة الرئيس الراحل الحمدي وكيف حاول ان يتصدى للنفوذ السعودي وأن يبني بلد قوي ومستقل فتمت تصفيته بتخطيط سعودي وتنفيذ أدوات يمنية.

وقلنا أننا كيمنيين ندرك تماما بأنه لولا الدعم الغربي المتمثل في صفقات السلاح الضخمة التي تورد للسعودية لما تمكنت الأخيرة من فعل ما فعلت وتفعله باليمن.

ووضحنا كيف أنه برغم المطالبات العديدة لمنظمات حقوقية وانسانية عالمية بفرض حظر على توريد السلاح للسعودية لايزال السلاح الامريكي والاوروبي يتدفق ويجد سوقا ضخمة في الخليج برغم ان هذا السلاح يستخدم وبما لا يدع مجالا للشك في قتل اليمنيين وتدمير بلدهم.

وانتقدنا الغرب على ازدواجية المعايير واهتمامهم بعوائد صفقات السلاح الضخمة على حساب أرواح اليمنيين، وأن الدول الأوروبية لم تكتفي بتصدير السلاح للسعودية وإنما يحصل ملوك وأمراء السعودية على الحفاوة والتكريم في أوروبا وضربنا مثل بعرض صورة الرئيس الفرنسي وهو يسلم وسام جوقة الشرف الفرنسي لولي العهد بن نايف في العام الحالي!

وختمنا بأن الوضع في اليمن أسوأ مما يمكن تخيله وأسوأ من الوضع في سوريا أو في أي مكان آخر ببساطة لأن هناك تعتيم اعلامي شديد والعالم لا يعرف عما يجري في اليمن وعن معاناة اليمنيين..وأوردنا شهادة رئيس منظمة الصليب الأحمر بيتر ماور الذي قال "أن خمسة أشهر من الحرب في اليمن جلبت دمار يساوي ما جلبته خمس سنوات من الحرب في سوريا".. وقلنا أن اليمنيين – بخلاف السوريين- محاصرون في بلدهم ولا يستطيعون الخروج والبحث عن ملجأ آمن كما يفعل غيرهم وإذا تمكن المحظوظين منهم من السفر لبلدان عربية فهم يلاقون معاملة سيئة في هذه البلدان.
 
بعد انتهاء الفعالية فوجئنا باستحسان الجمهور و شكرهم و تقديرهم لنا  على تسليط الضوء على بلد لا يعرفون
عنه الكثير و على الحرب الدائرة هناك. شعرنا بعدها بالراحة و الرضا فهذا أقل ما يمكن تقديمه لبلادنا في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها.

No comments:

Post a Comment