Pages

July 26, 2016

(4) خواطر امرأة يمنية في المهجر



رشا المقالح

في بلادنا عندما تفرغ الأسرة من تناول طعام الغداء مثلا، ينصرف الذكور دون حتى أن يقوموا برفع طبق واحد من سفرة الطعام، فهذه مسئولية الإناث في الأسرة، لذا ترى الذكور و قد انتقلوا إلى غرفة أخرى و استلقوا في كسل بانتظار الشاي و الذي هو بالطبع مسئولية الإناث أيضا!

و يتكرر نفس السيناريو في كل وجبة، فإعداد الطعام و تجهيز السفرة و تنظيفها بعد انتهاء الأكل هي وظيفة المرأة فقط.و كل أعمال المنزل من طبخ و تنظيف و غسل للملابس و الأطباق هي وظيفة النساء فقط ، حتى العناية بالأطفال هم مسئولية الزوجة وحدها دون مشاركة حقيقية من الرجل، و مبرر ذلك كله بأن الرجل عمله خارج المنزل و المرأة عملها داخله.

لكن ذلك غير صحيح! فقد تجد في الأسرة الواحدة أبناء و بنات و جميعهم يذهبون للدراسة في المدارس أو الجامعات أو حتى للعمل، لكن الذكور عند عودتهم للبيت غير مطالبين بأي مساهمة في الأعمال المنزلية بينما تجد الفتاة تذهب للدراسة أو العمل و تعود لتشارك  في الطبيخ و النفيخ بينما يعود أخوها ليستلقي على سريره بانتظار أن يقدم له الطعام!

أما بالنسبة للثياب المتسخة فكل ما يفعله الولد هو أن يلقي بثيابه المتسخة في السلة المخصصة لذلك في أحسن الأحوال - فهناك من سيلقيها بإهمال على الأرض - ثم يأتي في اليوم التالي ليجدها مغسولة و مطوية و موضوعة في دولابه. فقد قامت الفتاة بغسل ثيابها و ثيابه و ثياب الأسرة بأكملها! بل أنه غير مطالب حتى بتنظيف غرفته و مكان نومه و مكان جلوسه!!


و الطريف أن لدينا مصطلحات يمنية توصف بها الفتاة حسب "نبوغها" في عمل البيت فهي "حميش"  و "باشت" و"سترة"...! و تعاب الفتاة في مجتمعنا إذا كانت لا تتقن أعمال البيت بينما عدم إتقان الرجل لتلك الأعمال هو دليل دامغ على رجولته!  فترى الذكر منهم يقول بكل فخر :"لا أستطيع أن أقلي بيضة"! أو "لا أستطيع إعداد كوب من الشاي"!! 


و هكذا تتربى الفتاة في مجتمعنا على أنها خلقت للبيت فقط، و بالتالي يتم تهيئتها منذ سن مبكرة لتتلاءم مع ذلك الدور الذي رسم لها، حيث يتم تدريبها و منذ سن مبكرة في أغلب الأحيان على تنظيف البيت و إعداد الطعام و غسل الملابس، و جميع تلك الأعمال مهمة بالتأكيد و لا غنى عنها لكن الذكور لا يتم تنشئتهم على ذلك بل إنهم لا يحترمون تلك الأعمال في الغالب و ينظرون إليها بانتقاص، ثم يضحكون على المرأة و يقولون لها أنت "ملكة" في بيتك هذه مملكتك و الحقيقة أنها ليست ملكة و إنما "شغالة" بدون أجر و بدون تقدير أيضا.


واجب المرأة الوحيد المقدس و الذي يمكن أن نتفهم جلوسها في البيت من أجله هو العناية بمولودها، و العناية هنا المقصود بها ارضاعه و تنشئته التنشئة النفسية و الاجتماعية السوية و ليس مجرد الطبيخ و الغسيل و بقية اعمال المنزل لأنه هذه الأعمال ليست مسئولية المرأة وحدها و إنما يجب أن تكون مسئولية كل سكان المنزل! فإذا قررت المرأة البقاء في البيت لفترة معينة من أجل تربية أولادها فعلى الرجل أن يعرف انه مسئول مسئولية كاملة عن غسيل ملابسه و إعداد طعامه و تنظيف طبقه و ترتيب فراشه و المكان الذي يجلس فيه.


فالأعمال المنزلية مرهقة جدا و مملة و تستنزف الكثير من الوقت بدون طائل، أي أنها لا تضيف لمن يقوم بها أي مردود ذهني أو فكري، و لنا أن نتخيل إذا انشغل شخص ما يوميا بإعداد ثلاث وجبات في اليوم ، و تنظيف المطبخ بعد إعداد كل وجبة، و ترتيب البيت، و غسيل الملابس و العناية بالأطفال، فإنه من الصعب إن لم يكن من المستحيل أن يجد الوقت الكافي و الجهد اللازم و المزاج الملائم ليطور معارفه و ينمي قدراته و مهاراته، و سيفوته الكثير من الخبرات الحياتية المهمة التي تعمل على توسيع المدارك، و هكذا سيظل محدود التفكير و سيجد أن العالم يتقدم من حوله بينما هو قابع في مكانه دون أي تقدم، و الدليل على ذلك أن الشغالات اللواتي يعملن في خدمة البيوت – مع احترامي لهن و لاحتياجهن و لظروفهن – إلا أنهن في الغالب من ذوات التعليم المحدود و ربما المنعدم! 
لذا فإنه من الظلم أن يُعهد بجميع تلك الأعمال إلى المرأة وحدها و يجب أن يتشارك بها جميع سكان البيت، و هكذا تتخفف الأعباء الثقيلة.

 رسالتي لكل امرأة يمنية هي أن تحرص على أن ينشأ أطفالها في بيت يجدون فيه أمهم و أباهم يتناوبان على إعداد الطعام و يتشاركان في تنظيف المنزل، و يقوم كل منهما برفع طبقه من المائدة عند الفراغ من الأكل و غسله، و يرون والدهم  يقدم الشاي لوالدتهم مرة ، و مرة يرون أمهم تقدم طبق الفاكهة لوالدهم و هكذا. و أن يتعلم الذكور منذ سن مبكرة الدخول إلى المطبخ و المشاركة في إعداد الطعام تماما مثلما يتم تعليم الإناث. هذه البيئة الإيجابية التي تمتليء بالمحبة و التقدير و الاحترام المتبادل، ستكون كفيلة بإنشاء جيل لديه شعور بالمسئولية و احترام الذات و ثقة أكبر بالنفس.... بيئة كهذه  لا تسمح للذكر بأن ينظر بانتقاص للمرأة و لا تسمح للمرأة بأن تنتقص من قدرها و مكانتها.


July 25, 2016

ما بين خطابهم و خطابنا


رشـا المقالح

هذه الصورة التقطتها في فعالية بمناسبة عيد الشكر في الكنيسة المجاورة للحضانة التي يذهب إليها ابني، و هي كنيسة بروتستانتية ،حيث تمت دعوة الأطفال مع ذويهم لحضور تلك الفعالية، و قد حضرنا ،
و كان لدي رغبة كبيرة في التعرف على خطابهم الديني، و بعد احتفال بهيج و قصير، خرجت بعدة ملاحظات.

 لاحظت ان خطابهم يتميز بثلاثة عناصر مفقودة تماما في خطابنا:

- حضور المرأة  في الخطاب الديني، ليس كمستمع فقط و إنما كواعظة!

- الاسلوب شيق و قد نجح بشكل واضح في جذب انتباه الأطفال حيث طلب من كل طفل إحضار فاكهة معينة أو خضروات ثم تم وضعها جميعها على الأرض و حكت القسيسة حوارا بين الشمس و الأرض و كيف يهطل المطر و تنمو النباتات و كيف يجب أن نشكر الله عليها!

- استخدام الموسيقى في الخطاب الديني! حيث تخللت الحكاية مقاطع غنائية تخدم القصة ، و تلك المقاطع الغنائية قد سبق  تقديمها للأطفال قبل الفعالية  حيث كانوا يتدربون عليها مع أحد المدرسين العاملين في الحضانة  و هو عازف جيتار متمكن.

هذي العناصر الثلاثة تهذب الروح و ترقق القلب و تجعل مثل هؤلاء الأطفال الذين يتعرضون لهذه التنشئة يكبرون و هم يقدرون الحياة و ينخرطون في البناء و الإعمار.

كل ما سبق حصل بداخل الكنيسة أي بداخل دار العبادة عندهم...و التي يقابلها المسجد عندنا، فماذا يتعلم الأطفال في مساجدنا؟

- يتعلم الأطفال أن المرأة يجب أن تدخل المسجد من باب خلفي بعيدا عن الرجال و أنه لا يجوز رؤيتها و لا سماع صوتها.

- أسلوب خطابة منفر حيث يرى الطفل خطيبا يصرخ في الناس و ربما بكى و انتحب و طبعا يجب أن يدعو في نهاية خطبته العصماء بالويل و الثبور على بقية الأقوام.

- لا يتم استخدام الموسيقى في خطابنا الديني نهائيا حيث يتعلم الأطفال أن الموسيقى حرام طبعا خارج المسجد و داخله!

هذه الثلاثة  العناصر تجعل الأطفال عندنا يكبرون و هم يكرهون الحياة مما يسهل غسل أدمغتهم فيما بعد و
إقناعهم بالإنجرار وراء الصراعات و النزاعات و ربما تفجير أنفسهم بدلا من الانخراط في البناء و التعمير.

هذه الكنيسة التي أقيمت فيها تلك الفعالية، تتبع المذهب البروتستانتي و الذي أسسه مارتن لوثر رائد الحركة الإصلاحية في المسيحية، و الذي أدخل الكثير من التغييرات في الفكر المسيحي، منها مثلا رفض سلطة البابا، و السماح للقس بالزواج، و أحقية كل شخص بقراءة الكتاب المقدس و محاولة فهمه بدلا من احتكار فهمه على بابوات الكنيسة!

و اليوم نعيش - كمسلمين - في ظل صراعات و تناقضات حادة و نحن أولى بحركة إصلاحية شاملة للفكر الإسلامي، تنقيه مما علق به من شوائب و علل.

 أشعر بالأسف و أنا أرى أن الدين المسيحي على الرغم من كونه عقائديا ضعيف للغاية، و كتابه المقدس تعرض للتحريف و يحتوي على كثير من التناقضات، إلا أنه يعرض بإسلوب شيق و يقدم بطريقة إنسانية رائعة بينما العقيدة الإسلامية متينة و  أساسها كتاب محكم هو القرآن الكريم وهو كتاب عظيم يوفر أجوبة لكثير من الأسئلة، إلا أنه يعرض بطريقة بشعة و مسيئة.






July 18, 2016

أحاديث "صحيحة"...مسيئة

أنيس الباشا

كلنا نشعر بالغضب الشديد وبالإهانة عندما تقوم بعض صحف الغرب أو بعض الأقلام الغربية بنشر اساءات واتهامات مشينة لرسولنا الكريم، وشعورنا هذا شعور طبيعي نابع من حبنا وتقديرنا الكبيرين لرسولنا الذي بعثه الله رحمة للعالمين..

ولكن هل تساءلنا مرة من أين تأتي تلك الصحف والأقلام الغربية بتلك الاساءات والاتهامات المشينة لمقام وشخص الرسول عليه الصلاة والتسليم؟

سأستعرض في هذا المقام ثلاثة أحاديث فقط يفترض أنها "صحيحة" وقد وردت في صحيح البخاري، ومن خلالها يمكن أن نتبين من أين يأتي أعداء الإسلام باساءاتهم واهاناتهم للرسول الخاتم..


الحديث الأول:
((حدثنا محمد بن بشار، قال حدثنا معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن قتادة قال: حدثنا  أنس بن مالك، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار، وهن إحدى عشرة‏. ‏ قال: قلت لأنس أو كان يطيقه؟ قال: كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين‏,‏ وقال سعيد عن قتادة إن أنسًا حدثهم تسع نسوة))"
صحيح البخاري-  الغسل 265

وهذا الحديث يسيء للغاية إلى مقام رسول الله إذ أنه يصور النبي كشخص مسعور جنسيا يقوم بمعاشرة تسع نساء في ساعة واحدة وبغسل واحد! والمرء يتساءل أين المشاعر والمودة والحب بين رجل يقوم بهذه العملية مع مجموعة من النساء وفي ساعة واحدة؟؟ وهل هذا هو النبي الكريم الذي خاطبه ربه بقوله "يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا* نصفه أو انقص منه قليلا* أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا* إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا"؟؟

 ثم هل علاقة النبي الخاصة بزوجاته هي محل حديث ونقاش بين "الصحابة"؟ و من الذي حدث أنس بن مالك بما يحدث في بيت رسول الله بينه وبين زوجاته؟ هل هو النبي؟ هل يمكن ان نصدق أن يتكلم رسول الله في شأن كهذا مع أحد من الناس ويخبره أنه يجامع زوجاته التسع في ساعة واحدة؟ وإذا لم يكن رسول الله هو من أخبر أنس بالأمر فهل تكون إحدى زوجات النبي وأمهات المؤمنين هي من أخبرته؟ أليست هذه أسرار خاصة لا يصح أن يتحدث بها أحد من عامة الناس فكيف ببيت النبوة؟

وبلغت الاساءة بالحديث وعدم التأدب مع رسول الله إلى أن يتساءل الراوي محدثا أنس "أو كان يطيقه" فيجيبه هذا بأن النبي أعطي قوة ثلاثين رجل في القدرة الجنسية! من الذي "حدث" هؤلاء بمقدار القوة الجنسية لدى رسول الله وكيف تم قياسها؟ لا يفوت المرء أن يلاحظ مدى "سوقية" وابتذال هذا الحوار الذي يشبه المحادثات التي تدور بين أراذل الناس حيث يعشقون الحديث في أمور الجنس والفحولة وكم هي قوة فلان وكم هي قدرة علان!!

الحديث الثاني:
((عن أنس بن مالك ـ رضى الله عنه ـ أنه سمعه يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أم حرام بنت ملحان، فتطعمه. وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطعمته وجعلت تفلي رأسه، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استيقظ وهو يضحك‏. قالت: فقلت: وما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ‏ناس من أمتي عرضوا علي، غزاة في سبيل الله، يركبون ثبج هذا البحر، ملوكًا على الأسرة – أو – مثل الملوك على الأسرة (شك إسحاق – الراوي –‏)،‏ قالت: فقلت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم‏،‏ فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وضع رأسه، ثم استيقظ وهو يضحك فقلت: وما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ‏ناس من أمتي عرضوا على، غزاة في سبيل الله، كما قال في الأول‏،‏ قالت: فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم‏،‏ قال: ‏أنت من الأولين"))
صحيح البخاري – الجهاد والسير 2636


والحديث أعلاه يفترض أن في رأس النبي عليه الصلاة والسلام "قمل" والقمل يوجد في الشعور القذرة التي لا ينظفها أصحابها وحاشاه رسولنا الكريم أن يكون من هؤلاء..
ثم يخبرنا الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام يدخل على امرأة أجنبية عنه ومتزوجة فينام عندها بينما هي تفلي رأسه! بينما هناك أحاديث أخرى تؤكد أن النبي لم يصافح إمرأة لا تحل له فكيف يسمح لإحداهن بأن تفلي له شعر رأسه؟

كما أن صيغة الحديث نفسها بين موضوع "فلي" الرأس والنوم توحي بتبسط الرسول الكريم مع المرأة المتزوجة و هذا أمر مقزز ينأى عن فعله كرام القوم فما بالكم بالنبي محمد و هو من وصفه الله عز و جل : (( و إنك لعلى خلق عظيم)) ....!

الحديث الثالث:
(( عن عائشة رضي الله عنها، أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يخرجن بالليل إذا تبرزن إلى المناصع ـ وهو صعيد أفيح (أي مكان واسع أو خلاء) ـ فكان عمر يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: إحجب نساءك‏, فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل. فخرجت سودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي عشاء، وكانت امرأة طويلة، فناداها عمر: ألا قد عرفناك يا سودة‏, حرصًا على أن ينزل الحجاب، فأنزل الله آية الحجاب".)) صحيح البخاري – الوضوء 146


غريبة هي طريقة مخاطبة سيدنا عمر لرسول الله بقوله "احجب نساءك" وكأنه رجل راشد بالغ يخاطب شخصا طائشا غير مسئول، بينما أمر الله المؤمنين في كتابه الحكيم بالتأدب مع رسول الله وألا يرفعوا أصواتهم فوق صوت النبي!


وهنا تصوير للفاروق عمر بن الخطاب كأي مراهق طائش يقضي يومه في الجلوس في الشوارع آخر الليل ليترصد النساء اللواتي يخرجن للخلاء لقضاء الحاجة ثم حين يرى إحداهن يبادر بالصراخ قد عرفناك يا فلانة! بالإضافة إلى أن طريقة نداء سيدنا عمر لأم المؤمنين سودة بطريقة "ألا قد عرفناك يا سودة" فيها قلة أدب لا يجرؤ أحدنا أن يفعلها مع زوجة صديق له فكيف يمكن أن يقوم الفاروق بهذا الفعل ومع من؟ مع إحدى أمهات المؤمنين!!

ثم انظروا إلى ركاكة المنطق حيث يقول في الحديث أن سودة بنت زمعة كانت طويلة مما يوحي أن عمر عرفها من طولها، فهل كان الحجاب سيخفي طولها؟؟!!!

هذه عينات بسيطة فقط مما يعرف بأصح الكتب بعد كتاب الله وهو صحيح البخاري، وهناك مئات الأحاديث والمرويات التي تشوه صورة ومقام النبي الكريم وموجودة في كتب الصحاح ويعرفها ويحفظها أهل العلم و"الاختصاص" - و لكنهم في أغلب الأحيان يخفونها عن العامة –  ثم بعد هذا كله نتساءل في غضب ومرارة لماذا يتطاول هؤلاء الغربيون "الكفار" على نبينا ورسولنا؟ الجواب أنهم لم يفعلوا أكثر من قراءة كتب الصحاح و النظر في أحوال المسلمين!

July 14, 2016

مراهقة فكرية .... قناعة ساذجة


رشا المقالح





عندما كنت في عمر المراهقة وقع في يدي كتاب بعنوان "بين النهوض و السقوط -  رد على كتاب فرج فودة" للكاتب الفلسطيني منير شفيق، و كنت في تلك الفترة ككثير من الشباب المسلم تملؤني الحماسة  و تغرني الشعارات "الإسلامية" الفضفاضة، في انسياق أعمى للبيئة المحيطة بي دون أي تدقيق و بحث، معتقدة أن هذا هو الطريق الصحيح و هو الحل الوحيد لكل مشاكلنا و تخلفنا، كما كنت مؤمنة بأن الكون بأكمله يتآمر علينا نحن المسلمين و أن عللنا في معظمها خارجية. لذا اندفعت في قراءة الكتاب و أعجبت به كثيرا دون حتى أن أتسائل من هو فرج فودة - يا ترى - و ما هي كتبه و ما هي تصوراته! قرأت الكتاب و أعجبت به بشكل أعمى دون أن أكلف نفسي عناء قراءة الكتاب الأصلي و إنما اكتفيت بقراءة الكتاب الذي صدر أساسا كرد عليه! و كيف يمكنك أن تبني قناعة ما مستندا على ردة الفعل فقط دون اطلاع و تحقيق في الفعل نفسه؟!

و لأن كتاب منير شفيق قد صادف هوى في نفسي و وافق قناعاتي في تلك الفترة فقد أعجبت به جدا و اقتنعت بكل حرف فيه و شعرت بالعداء لذلك المدعو فرج فودة دون حتى أن أقرأ له حرفا واحدا و دون أن أعرف أن الرجل قد تم اغتياله على يد بعض العناصر المتطرفة المنتمية لإحدى الجماعات الإسلامية و الذي عرفت فيما بعد أنهم أيضا لم يقرأوا للرجل حرفا واحدا!

لاحقا - و بعد أن تعلمت أن لا أشكل قناعاتي إلا بعد بحث و تدقيق - قررت أن أقرأ كتاب المفكر المصري فرج فودة "قبل السقوط" ثم استمعت بعدها إلى مناظرته الشهيرة مع شيوخ الازهر و أبرزهم الشيخ محمد الغزالي و  بعض المفكرين الإسلاميين و التي جرت في العام 1992، و عرفت أن دمه – بعد تلك المناظرة - قد أهدر من قبل بعض الجماعات الإسلامية حيث كان من  الواضح أنهم قد بهتوا و أن ما قاله كان شديدا عليهم و أن أفكاره قد لاقت صدى لدى الناس في ذلك الوقت . و لأن الفكر المبني على التقليد و التبعية دون إعمال العقل هو فكر ضعيف فاقد للحجة و المنطق  يشعر بالتهديد و يخشى على وجوده لذا يجنح إلى العنف و التنكيل بخصومه و تصفيتهم تحت مسميات عدة أبرزها الغيرة على الدين! وهكذا بالفعل تم اغتيال فرج فودة على يد بعض المتطرفين الإسلاميين، و قامت الشرطة بإلقاء القبض على الجناة و تمت محاكمتهم.

 و عندما تتبعت القصة عرفت أن الشيخ محمد الغزالي، و الذي كان مثلي الأعلى - فكريا - لفترة غير قصيرة و أزعم أنني قرأت كل كتبه و كنت شديدة التأثر بفكره  الذي يوازن  بين مدرسة الرأي و مدرسة الأثر و يغلب الرأي و العقل في كثير من الأحيان، الشيخ محمد الغزالي الذي كان يعشق الحرية و يرفض الاستبداد، عرفت 
أنه استدعي للشهادة في المحكمة – و هناك مصادر تقول بأنه لم يستدع و إنما تطوع للشهادة -  ثم شعرت بصدمة كبيرة و خيبة أمل عارمة عندما أكد في شهادته أن فرج فودة مرتد بالفعل و دمه مباح و أن ما فعله الشباب المتطرف لم يكن سوى تنفيذا للحد، حيث أفتى : بـ "جواز أن يقوم أفراد الأمة بإقامة الحدود عند تعطيلها، و إن كان هذا افتئاتا على حق السلطة، و لكن ليس له عقوبة."!!!
الشيخ محمد الغزالي

                               

لم أجد في كتابات فرج فودة أو في مناظراته ما يستدعي تكفيره، فقد كان يعلن دائما بأنه مسلم و بأن الإسلام دين عظيم و أن القرآن كتاب مقدس، لكن كل ذلك لم يشفع له عند خصومه الذين يزعمون بأنهم شديدوا الغيرة على الإسلام و ما هي إلا مزايدات بائسة من أناس نصبوا أنفسهم آلهة في الأرض يحاسبون عباد الله و يحاكمونهم على أفكارهم. فحتى لو كان الرجل قد كفربحق فلا حق لأحد بقتله فلا وجود لحد الردة في الإسلام ذلك الحد البغيض الذي لا سند له في القرآن و إنما هو حد يتناقض بشكل صارخ مع كتاب الله الحكيم.

اليوم - و أنا أقف على مسافة بعيدة من تلك الفتاة المراهقة الساذجة -  أستطيع أن أقول و بكل ثقة أن أحد أسباب تأخرنا الفكري و العلمي أن كثيرا من الشباب المسلم "المتحمس" يتبنى ذلك الأسلوب الأعمى في الإتباع دون أن يكلف نفسه عناء البحث و التدقيق و الاستماع الجاد إلى خصومه. و حتى إن قام بالبحث و التحقيق فإنه يبحث بطريقة الجندي المتمترس في خندقه المتأهب للنيل من خصومه، لذا لن تجد لديه رغبة حقيقية و لا نية صادقة في الاستماع لحجة و منطق مخالفيه و إنما هو مستعد فقط للإجهاز عليهم.


لقد بدأ الخناق الفكري يضيق على أتباع المذاهب الفكرية التراثية الجامدة، و ما ظهور جماعات إسلامية متطرفة مثل جماعة داعش إلا دليل على لحظات الإحتضار الصعبة و المدوية.

من حسن حظنا 
اليوم أن أدى التقدم التكنولوجي إلى تغييرات كثيرة أبرزها "سهولة الوصول إلى المعلومة" فصار من السهل التقصي و التتبع و الإطلاع على ما تقوله الأطراف المختلفة، و مع  تقدم وسائل التواصل و خاصة التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك، نتج عن ذلك انتشار النقاشات الفكرية بين الشباب المسلم، و هانحن نرى  أن ما كان  يعد بالأمس القريب "مسلّمات" يحرم التشكيك فيها صارت اليوم أمورا موضوعة على الطاولة للتدقيق و التمحيص و الأخذ و الرد . و هانحن نرى أن ما يقال اليوم في حق تاريخنا الإسلامي و موروثاتنا الفقهية و الفكرية يتجاوز بمئات المرات ما قاله فرج فودة، و أن  التيار الداعي إلى التصحيح و المراجعة و نبذ الجمود وعدم تغييب العقل يتسع يوما بعد يوم، و إنه مثل القطارفي سيره...و سيستمر في حركته حتى يصل إلى وجهته النهائية، و سيتوقف بالتأكيد عند بعض المحطات، ليصعد على متنه من أراد الصعود و يترجل من أبى.

July 2, 2016

(3) خواطر امرأة يمنية في المهجر

 رشـا المقالح


 بات من الواضح جدا أن فيسبوك صار جزءا أساسيا من حياتنا، نستخدمه كل يوم و نشارك فيه آراءنا و نعبر فيه عن أنفسنا بكل حرية، و ربما لا ننتبه لمعنى اسمه كثيرا و الذي يتكون من كلمتين أولاهما تعني "وجه" و الأخرى تعني كتاب و بترجمة حرفية يصبح المعنى "كتاب الوجه"....! و يقال أن فكرة فيسبوك نشأت أساسا من الكتاب السنوي Yearbook و الذي يتيح للطلبة في الجامعة وضع صورهم و معلومات أخرى عنهم. لذا نجد أن أغلب المستخدمين لموقع فيسبوك يضعون صورهم الشخصية لإبراز هوياتهم  و إظهار أنفسهم بصورة لائقة و معبرة عن شخصياتهم و ميولهم و أمزجتهم. لكن هذا لا ينطبق على  المرأة في اليمن حيث في الغالب لا يسمح لها بذلك! 

فالمرأة في بلادنا محكوم عليها ألا يكون لها وجه في العالم الافتراضي تماما كما لا وجه لها في عالمها الحقيقي حيث يفرض عليها المجتمع "باسم الدين" تغطية وجهها أمام الآخرين و لذا فإن من العيب أن تضع صورتها في "البروفايل" الخاص بها ، و كنتيجة لذلك نجد أن معظم المستخدمات اليمنيات لفيسبوك يختبئن دائما خلف صور أطفالهن أو أزواجهن و ربما اخوانهن أو ربما وضعن صور ورود أو مناظر طبيعية أو صور فتيات جميلات أو ممثلات أو مطربات مشهورات و غيرها من الصور التي ربما يشعرن أنها تعبر عنهن و يمكن الاستعاضة بها عن وجوههن الحقيقية دون إغضاب المجتمع المحيط بهن، أي أنهن يستخدمن تلك الصور في فيسبوك كما يستخدمن النقاب في حياتهن اليومية عند خروجهن من المنزل.

كنت - قبل أن أضع صورتي الشخصية في فيسبوك - دائما ما أشعر بالغيظ عندما أرى أن زوجي و إخوتي و كل الذكور في مجتمعنا من حقهم وضع صورهم الحقيقية في بروفايلاتهم ،و كنت أغتاظ لأنني أرى أنهم يمارسون حياتهم "الإفتراضية ببساطة  تماما كما يمارسون حياتهم في عالمهم الواقعي، دون أية قيود على هوياتهم الحقيقية و بدون أي حاجة للاختفاء خلف صورة لا تمثل ملامحهم الحقيقية مثلما لا يضطرون للاختباء خلف نقاب أسود  لتغطية ملامحهم في الواقع

    و من الأمور التي لاحظتها أيضا في فيسبوك أنه إذا اجتمعت شلة من البنات مع بعضهن  فإنهن عندما يقمن بنشر الخبر على فيسبوك يقمن بالتقاط صور لإيديهن و عادة ما يقمن بعمل إشارة النصر بأصابعهن، كما ينشرن صورا للطعام الذي تناولنه، و يبدو لي الأمر كمحاولات لطيفة لإثبات تواجدهن في فيسبوك مثلهن مثل الآخرين الذين يظهرون بهيئاتهم دونما أي حرج، و محاولة إظهار ما يمكن إظهاره من أنفسهن، و هذا ليس أمر مستغربا بل على العكس تماما، يعد أمرا مفهوما لأنه يمثل شعورا فطريا و رغبة إنسانية كامنة في كل منا.

 


صورة منقولة من فيسبوك


و لا أدري حقيقة لماذا - في زمن فيسبوك و زمن التواصل التكنولوجي الهائل - لا زالت المرأة اليمنية مطالبة  بعدم إظهار وجهها مثل بقية خلق الله و كأنها لا تنتمي لهذا العالم و لا إلى هذا العصر؟ و كأني بهم يعاقبونها على إسلامها! لماذا يضعون كل تلك القيود عليها حتى في أمور صغيرة كهذه  لا يتم التفكير فيها مرتين في بقية أنحاء العالم كما رأيت و عايشت بنفسي؟!

ربما يسأل أحدهم أو أحدهن ( و ما أكثرهم و أكثرهن! ):" و هل الحديث عن النقاب و تغطية الوجه و صورة فيسبوكية أمر مهم لهذه الدرجة؟" و جوابي سيكون:  نعم... بالتأكيد!  و السبب - ببساطة - أن من ينكر أهمية فيسبوك في حياتنا فهو يكذب على نفسه أولا، و ثانيا هذه الظاهرة أساسا  تخفي وراءها وضعا اجتماعيا سيئا وهي تمثل واجهة لفكر يستند على مفاهيم كثيرة تنتقص من شأن المرأة و يجعلها تصدق أنها عورة و فتنة و ناقصة عقل و دين و مصدر شؤم و بأنها "تقطع الصلاة مع الكلب و الحمار" و أننا نحن النساء أكثر أهل النار!

و مع احترامي لحرية الآخرين في ارتداء ما يناسبهم إلا أنني - كمسلمة  -
صورة منقولة من Google images
 لا أقبل أن يتم تسويق النقاب كجزء من الدين الإسلامي، و لا أفهم النساء اللواتي يدافعن بشدة عن النقاب و يحرصن على إرتدائه معتقدات بأنهن بهذه الطريقة يحتفظن لأنفسهن بالتميز في زمن - حسب اعتقادهن - كثرت فيه الحملات ضد النقاب و زادت فيه الدعوات للتحرر و هكذا يعتقدن أن هذا سبب كافي لتمسكهن و مقاومتهن و بأنهن بذلك يثبتن كم هن قويات في وجه الضغوطات و سيحفظن للمرأة المسلمة "تميزها" و "تفردها" عن الآخريات. لكن أي تفرد و تميز يقصدن بالضبط؟ هذا النوع من التفرد السلبي للغاية و الذي لا يحفظ للمرأة المسلمة كرامتها الإنسانية؟ هذا "التميز" المزعوم ليس له قيمة سوى أنه يعطي صورة مشوهة عن تعاليم الإسلام الحقيقية و وضع مكانة المرأة كما أرادها الله في تنزيله الحكيم.  ثم إن من بين الأمور التي يتمايز فيها الناس عن بعضهم البعض هي ملامحهم الظاهرة و التي خص الله كل فرد  بها، فذاك يظهر على وجهه  أمارات الذكاء و آخر يبدو عليه الإصرار و هكذا، فلماذا تحرم المرأة المسلمة من ذلك؟! فالنقاب فيمحو كل تميز و تفرد للنساء المسلمات و يجعلهن جميعا متشابهات بينما يحتفظ الرجال بملامحهم و تعابير وجوهم ظاهرة غير مخفية.

و الطريف أن المدافعين عن النقاب يدّعون أن القرآن أمر المرأة بتغطية وجهها و لا يكتفون بذلك بل و يجعلون ذلك الأمر "ركنا" أساسيا من العقيدة الإسلامية و بدونها لا يكتمل الدين و لا يصح! لكن استدلالهم ذاك هو استدلال فاسد بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فلا يوجد في القرآن أمر للمرأة بتغطية وجهها، و اذا تأملنا الآية التي وضحت لباس المؤمنات في سورة النور : (( و قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن و يحفظن فروجهن و لا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها و ليضربن بخمرهن على جيوبهن......)) لن نجد ذكر كلمة وجه أبدا، و لو كان الأمر بهذه الأهمية لذكره الله تعالى واضحا جليا خاصة و أن هناك آيات عديدة في القرآن الكريم وردت فيها كلمة "وجه" بكل وضوح فعلى سبيل المثال لا الحصر:

((يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم و أيديكم إلى المرافق....))

(( و يوم تبيض وجوه و تسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم....))

((و من حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام...))

((ذلك خير للذين يريدون وجه الله...))

((فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله و من اتبعن...))

و هكذا عند تتبعنا لكلمة وجه و مشتقاتها في القرآن الكريم سنجد أنها وردت في مواضع عديدة جدا ماعدا المواضع التي تتحدث عن لباس المرأة و عن النساء! حيث لا وجود لكلمة وجه نهائيا، أفلا يستدعي ذلك التفكر؟! فلو كان الله يريد للمرأة أن تخرج مغطاة بالكامل دون أن يظهر منها شيء - كما يدّعي المتشددون-  لما ذكر الله جل و علا تفصيلات مثل : 
(( إلا ماظهر منها))...((و ليضربن بخمرهن على جيوبهن)) و لأمرها أن تغطي نفسها بالكامل و أن تضرب بخمارها على رأسها و وجهها بدلا من قوله : (( إلا ما ظهر منها))! و هكذا نجد أن تغطية المرأة لوجهها ليست مجرد مشقة تؤجر عليها المرأة و "فضيلة" كما يدّعون و انما هي افتراء على الله و مخالفة صريحة لأوامره.

 أنا على يقين تام أن المرأة اليمنية لن تتخلص من تلك النظرة الدونية لوجهها إلا إذا رفضتها بحزم و اقتنعت تماما أنها انسان كامل له إرادة مستقلة و فكر يجب احترامه، و  لن يمكنها اقناع نفسها و اقناع الآخرين بذلك و هي تعتقد بأن وجهها عورة و فتنة ، بل يجب أن تؤمن بأن وجهها هو  محل كرامتها و هويتها و قد جعله الله ظاهرا بالخلق فلا يجب أن تسمح لأحد أن يشعرها بالعار و الخزي من إظهاره، كما يجب عليها ألا ترى في نفسها "متاع" أو مجرد وسيلة "إغواء" للرجل حيث يتوجب عليها أن تحميه من شرها قدر المستطاع ،تلك النظرة الدونية تسببت في أن تفقد المرأة المسلمة ثقتها في نفسها و في العالم من حولها، و أدت إلى تشويه صورتها أمام الأمم الأخرى و اظهارها بمظهر المضطهدة و الأسيرة و الخاضعة "غريبة الأطوار" ، و هاقد جاءت جماعة مثل جماعة "داعش" لتأكيد مثل تلك الصورة النمطية عنها.
 
على المرأة في المجتمع اليمني أن تصبح ذات شخصية أقوى - و ذلك ليس من أجل وضع صورتها في فيسبوك - و إنما من أجل أن تضع بصمتها في الحياة كما ينبغي لها و كما أراد الله لها، فالله خلق الزوجين الذكر و الأنثى و جعل علاقة الرجل بالمرأة علاقة تكامل لا علاقة صراع أو استعباد. و لن تتمكن المرأة من الوصول إلى التوازن المطلوب إلا إذا صقلت شخصيتها بالمعرفة، تلك المعرفة التي تكسب صاحبها القدرة على التفكير النقدي و التحليل بدلا من الجمود و الاستسلام لفكر ما لمجرد أنه مألوف و أننا اعتدناه و نشأنا عليه .


و في الأخير لن أخفي أبدا أنني بعد أن وضعت صورتي في فيسبوك شعرتُ بأنني انضممت للتو إلى هذا العالم الإفتراضي، شعور مشابه تماما لشعوري عندما تخلصت من النقاب، شعرت بثقة أكبر و بأنني أفرض وجودي كإنسان من حقه الظهور و ليس من واجبه الإختباء، و اختلفت صورة العالم في نظري، و لم يعد يعنيني من يرى في عيني و أنفي و أذني خطرا عليه. و لكل من يفكربوجه المرأة بطريقة شاذة و لا يستطيع التعامل معها إلا من خلف قناع سميك يحجب ملامحها، أقول : لماذا اختفي خلف قناع أسود؟ الأني امرأة ...مسلمة؟ لا شكرا.......فأنا امرأة مسلمة قوية و فخورة و لم يزدني إيماني بالله و بكتابه إلا قوة و فخرا....لا اختباءا و انزواء...وعليك أن تتعامل معي كإنسان خلقه الله بملامح ظاهرة كريمة، و عليك أن تعتاد ذلك...طوعا أو كرها.



July 1, 2016

!صاع من شعير....في فنلندا


أنيس الباشا


يعاني المسلمون في أوروبا بشدة من صيام شهر رمضان الذي وافق مجيئه موسم الصيف والذي يطول النهار فيه بشكل غير عادي حيث يصل إلى عشرين ساعة أو أكثر. و ما أدراك ما صيام العشرون ساعة في أجواء حارة وطقس متطرف وأجواء غير مألوفة! وكم فيها من المعاناة والمكابدة لا يدركها إلا من جربها وعاشها بنفسه. تخيل أن تبدأ صيامك في الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل ثم تواصل الصيام حتى الساعة العاشرة والنصف مساءا حين تغرب الشمس ويكون لديك ما يقرب من أربع ساعات فقط لكي تفطر خلالها وتصلي المغرب والعشاء وتتناول طعام السحور استعدادا لصيام اليوم التالي!

ومما يزيد الأمر صعوبة هو أن المسلمين المقيمين في الغرب لا يحظون بأي استثناءات أو مراعاة خاصة في شهر رمضان كما يحصل في بعض البلدان العربية و خاصة في بلادنا اليمن، على سبيل المثال: تقليص ساعات العمل أو تأخير بداية الدوام ، أما هنا في الغرب يصلي المسلمون الفجر مثلا في الساعة الثانية والنصف صباحا و عليهم أن يستيقظوا في الساعة السادسة صباحا وذلك من أجل توصيل الأطفال إلى المدارس والذهاب إلى أعمالهم واشغالهم.. فإذا كان صيام 13 أو 14 ساعة في البلدان العربية يستدعي مراعاة للصائمين بخصوص الدوام والعمل فما بالكم بمن يصوم 20 ساعة ولا يحظى بأي استنثاء؟ فكل شيء في الغرب يمضي بنفس الوتيرة في رمضان وغير رمضان مما يضاعف من المشقة التي يلاقيها الصائمون في هذه البلدان.
ويحاول هؤلاء المغتربون أن يسألوا "مشايخ" الدين عن وضعهم وحالتهم وعن حكم الصوم لمن كان في مثل ظرفهم وعن أمور أخرى متعلقة بالصيام مثل الفدية والقضاء وخلافه. وبدلا من أن يحصل هؤلاء على بعض الأجوبة المبنية على فهم معاصر و واع للطبيعة الجغرافية والمناخية والاجتماعية للبلدان الغربية التي يعيشون فيها، إذا بمشايخ وفقهاء الدين يردونهم إلى ما قاله ابن عباس والشافعي وابن تيمية!!

وليت شعري كيف يمكن "لعلم" ابن تيمية أن يتسع ليشمل المعرفة بطبيعة البلدان الاسكندنافية وشمال أوروبا،  بل كيف يمكن للشافعي و أبو حنيفة و غيرهما أن يلموا بظروف ومقتضيات عصر شطر الإنسان فيه الذرة وارسل المجسات إلى الفضاء الخارجي وابتكر الإنترنت؟ وكيف يمكن لمسلم يعيش في فنلندا أو في كندا في العام 2016 أن يطلب رأي ابن قدامة الذي عاش و مات منذ أكثر من ثمانمائة سنة ولم ير أبعد من الكوفة ودمشق حتى مات؟؟

مسلمون يعيشون في النرويج أو هولندا أو أيسلندة يسألون عن فدية طعام المسكين في رمضان وكيف يمكن إخراجها ولمن تُعطى، وبدلا من سماع فتوى عصرية تعتمد على الاستنباط والتحري ومعرفة ظروف وأحوال الناس في بلدان كهذه حققت درجة عالية من الرفاه الاجتماعي لمواطنيها بحيث أن مفاهيم ومسميات مثل "الفقر" أو "مساكين" مختلفة تماما عن تلك التي نعرفها ونراها في بلداننا العربية، بدلا من سماع فتوى أو رأي يأخذ في حسبانه كل هذه العوامل يأتي الرد من كثير من المشايخ و الفقهاء أن فدية طعام المسكين عند الشافعي ومالك وابن حنبل هي "نصف صاع من الأرز ونحوه" أو "مد صاع من تمر أو شعير"!

ياسلام..! عندما تسمع كلمة مد "صاع" هذه تشعر أنك انتقلت بالزمن مئات السنين ولم يبق إلا أن تقوم بدفع الفدية بالدينار أو بعملات ذهبية موضوعة في صرة وعليها صك دار الخلافة.ولكي أعطي مثالا بسيطا على انفصال هذه الفتاوى عن واقع الناس هنا فإن "التمر" مثلا ليس متوفرا في أوروبا مثل توفره في الحجاز، وفي القرون القديمة ربما كان المسلم في يثرب أو في مكة سيذهب إلى أقرب شجرة نخيل و "يهزها" بيده لينزل له صاع أو صاعين من التمر، أما هنا في أوروبا فلا توجد أشجار نخيل والتمر غير متوفر وإذا توفر فبأسعار غالية، فثمن شراء " صاع" من التمر في أوروبا يكفي لإطعام شخصين وليس واحدا فقط.
وللأسف الشديد حتى أئمة الجوامع في أوروبا تجدهم يكتفون بترديد ما يقوله المشايخ على الطرف الآخر من المحيط و تراهم يشقون على الناس و يضيقون عليهم على الرغم من كونهم مقيمين هم أيضا في الغرب ويعرفون المشقة التي يلاقيها المسلمون هناك.

 صديقة ألمانية أخبرتنا - بنبرة مشفقة و مستنكرة- عن إمرأة أفغانية مسلمة ذهبت إلى الجامع تتساءل هل يمكن تخفيف ساعات الصيام فكان الجواب فقط: لا..! لم يقولوا لها إن الله يريد بنا اليسر و لا يريد بنا العسر و أن الله لا  يكلف نفسا إلا وسعها و أن هناك بالتأكيد حلولا أخرى للمسلمين في الغرب الذين يواجهون تعاقبا لليل و النهار غير متكافىء أو متوازن ، يختلف عن نظيره  في الجزيرة العربية.

طبعا نحن نعرف أنه لا يمكن تخفيف ساعات الصيام لأنه أمر يتحدد بشروق وغروب الشمس ونحن نؤمن بنص القرآن الكريم في هذه المسألة فما هو الحل إذن؟

تعالوا نقرأ السؤال التالي الذي أرسله أحدهم  إلى موقع ( الإسلام سؤال وجواب ): 
 السؤال: أعيش قريباً من الدائرة القطبية الشمالية للكرة الأرضية حيث يكون طول النهار أربع ساعات ونصف فقط ماذا نفعل في رمضان بالنسبة للصيام ؟ .
الجواب: الحمد لله..إذا كان في بلدك ليل متميز ونهار متميز فإنّ عليك أن تصوم نهار أيام رمضان من الفجر إلى غروب الشمس سواء أطال النهار أم قصر ، وفقنا الله وإياك لطاعته وحسن عبادته ..
طبعا الشيخ الذي تفضل بالجواب قالها وذهب ليفطر ويتلذذ بأنواع الطعام والشراب بعد أن يكون قد صام مالا يزيد عن 12 أو 13 ساعة وترك ذلك المسكين صاحب السؤال يكابد ويعاني وينتظر أن تغرب الشمس بعد صيام عشرين أو اثنين وعشرين ساعة و كأن لسان حاله يقول : "تستاهل هذه عقوبتك لأنك تعيش بين (الكفار)"!

يقول تعالى في آيات الصيام : ((
ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون ))

لاحظوا قوله تعالى : ((و على الذين يطيقونه فدية طعام مسكين))
الغريب أن السادة الفقهاء اجتهدوا في النص القرآني "وعلى الذين يطيقونه فدية" فقالوا أن المقصود هنا هو الشيخ الكبير العاجز والعجوز الكبيرة العاجزة والمريض الذي لا يرجى برؤه ، مع أن الآية لم تنص صراحة على ذلك لكنه "اجتهاد" فلماذا لا يجتهدوا ويضيفوا إلى هذه القائمة المسلمين الذين يعيشون في الغرب و يشق عليهم الصيام عندما تختل موازين الليل والنهار؟ طبعا وقطعا لن يفعلوا لأن هذا يحتاج إلى أن نسأل ابن قدامة أو ابن المسيب أو ابن عبد البر ولسان حال فقهاء اليوم يقول لنا أولئك الناس للأسف قد قالوا ما قالوا وماتوا فماذا تريدون أن نفعل لكم؟ لا حيلة لنا!! 

اللهم انا نعوذ بك من العجز و من علم لا ينفع! 

و بناء على ذلك تخيل معي أنك مسلم تعيش في فنلندا مثلا وعليك أن تخرج فدية الطعام في رمضان ليس لك طبعا ، لأنه مادام الصيام لم "يهلكك" ويدخلك إلى غرفة العناية المركزة فعليك أن تصوم أثابك الله، إنما مسموح لك أن تخرج الفدية عن والدك أو والدتك لأنهم كبار وعجزة ، و الحمدلله أنهم نفذوا بجلدهم !
 
و لأن الشعير و لله الحمد من المحصولات المتوافرة في فنلندا فما عليك سوى أن تحسب الكمية اللازمة "بالصاع" و تبحث عن أول مسكين تطعمه بدلا عن صيام يوم، و يا حبذا – لكي تكتمل الصورة التاريخية التي لا يتقبل الله من المسلمين أعمالهم إلا بها – أن تضع الشعير في "شوال" تحمله على ظهرك كما كان السابقون يفعلون في القرون الأولى،  ثم تخرج لتجوب الشوارع والطرقات، وأخيرا تجد أحد المساكين جالسا على قارعة الطريق يتسول ويبدو عليه الجوع فتتنهد في ارتياح و تقترب منه وبدلا من أن تعطيه مبلغا من المال ليذهب إلى أقرب مطعم ويشبع جوعه بوجبة دسمة جاهزة تقرر أن تتصرف بحسب ما أفتى به جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة فتخرج من الشوال كيسا فيه "صاع" من شعير وتبتسم له ابتسامة عريضة متمنيا له عشاءا شهيا، ثم تنصرف راضيا عن نفسك وأنت تتخيل الدموع تترقرق في عيني ذلك المسكين وهو يحدق في كيس الشعير بينما يلهج لسانه بالشكر والثناء عليك وتتركه أنت لتبحث عن مسكين آخر كي تعطيه صاع شعير أو ربما صاع "حنطة" هذه المرة على سبيل التغيير وكله بأجره عند الله!

على مشايخ وفقهاء التراث في هذا العصر أن يكفوا عن ترديد ما قاله من قبلهم و أن يطوروا علومهم ومعارفهم وأن يبحثوا ويقرأوا ويسافروا ويطلعوا، أما إذا لم يتمكنوا من مواكبة عصرنا الذي نعيش فيه فعليهم على الأقل أن يصمتوا لأننا نستعيذ بالله من علم لا ينفع، و عليهم أن يفسحوا المجال لغيرهم ممن يمتلكون المقدرة  و الفكر و لديهم روح العصر لمواجهة التحديات والتغيرات، أولئك الذين يفهمون جيدا معنى عبارة :"الإسلام صالح لكل زمان و مكان" و يستطيعون تحويلها إلى واقع يشعر فيه المسلمون في حياتهم اليومية و مهما كانت البلاد التي يعيشون فيها.

كل هذا التحجر و الجمود الذي نعيشه وانفصال الفقه الموروث عن واقعنا انما  يستدعي الغيظ بأكثر مما يثير السخرية وقد جعل أغلب المسلمين ينقسمون لفريقين.. فريق متمسك بدينه حريص عليه لكنه يعاني ويكابد ويجد من العسر والمشقة ماينغص عليه حياته، وفريق اختار التفلت والهروب من كل ما يمت للدين بصلة. ووسط هؤلاء وهؤلاء يقف أولئك المشايخ والفقهاء راضين ومقتنعين بما يظنون أنه علم وخدمة للدين وهو في الحقيقة مثل إطعام الشعير في فنلندا، جهد ضائع لا ينفع الجائع.