Pages

July 2, 2016

(3) خواطر امرأة يمنية في المهجر

 رشـا المقالح


 بات من الواضح جدا أن فيسبوك صار جزءا أساسيا من حياتنا، نستخدمه كل يوم و نشارك فيه آراءنا و نعبر فيه عن أنفسنا بكل حرية، و ربما لا ننتبه لمعنى اسمه كثيرا و الذي يتكون من كلمتين أولاهما تعني "وجه" و الأخرى تعني كتاب و بترجمة حرفية يصبح المعنى "كتاب الوجه"....! و يقال أن فكرة فيسبوك نشأت أساسا من الكتاب السنوي Yearbook و الذي يتيح للطلبة في الجامعة وضع صورهم و معلومات أخرى عنهم. لذا نجد أن أغلب المستخدمين لموقع فيسبوك يضعون صورهم الشخصية لإبراز هوياتهم  و إظهار أنفسهم بصورة لائقة و معبرة عن شخصياتهم و ميولهم و أمزجتهم. لكن هذا لا ينطبق على  المرأة في اليمن حيث في الغالب لا يسمح لها بذلك! 

فالمرأة في بلادنا محكوم عليها ألا يكون لها وجه في العالم الافتراضي تماما كما لا وجه لها في عالمها الحقيقي حيث يفرض عليها المجتمع "باسم الدين" تغطية وجهها أمام الآخرين و لذا فإن من العيب أن تضع صورتها في "البروفايل" الخاص بها ، و كنتيجة لذلك نجد أن معظم المستخدمات اليمنيات لفيسبوك يختبئن دائما خلف صور أطفالهن أو أزواجهن و ربما اخوانهن أو ربما وضعن صور ورود أو مناظر طبيعية أو صور فتيات جميلات أو ممثلات أو مطربات مشهورات و غيرها من الصور التي ربما يشعرن أنها تعبر عنهن و يمكن الاستعاضة بها عن وجوههن الحقيقية دون إغضاب المجتمع المحيط بهن، أي أنهن يستخدمن تلك الصور في فيسبوك كما يستخدمن النقاب في حياتهن اليومية عند خروجهن من المنزل.

كنت - قبل أن أضع صورتي الشخصية في فيسبوك - دائما ما أشعر بالغيظ عندما أرى أن زوجي و إخوتي و كل الذكور في مجتمعنا من حقهم وضع صورهم الحقيقية في بروفايلاتهم ،و كنت أغتاظ لأنني أرى أنهم يمارسون حياتهم "الإفتراضية ببساطة  تماما كما يمارسون حياتهم في عالمهم الواقعي، دون أية قيود على هوياتهم الحقيقية و بدون أي حاجة للاختفاء خلف صورة لا تمثل ملامحهم الحقيقية مثلما لا يضطرون للاختباء خلف نقاب أسود  لتغطية ملامحهم في الواقع

    و من الأمور التي لاحظتها أيضا في فيسبوك أنه إذا اجتمعت شلة من البنات مع بعضهن  فإنهن عندما يقمن بنشر الخبر على فيسبوك يقمن بالتقاط صور لإيديهن و عادة ما يقمن بعمل إشارة النصر بأصابعهن، كما ينشرن صورا للطعام الذي تناولنه، و يبدو لي الأمر كمحاولات لطيفة لإثبات تواجدهن في فيسبوك مثلهن مثل الآخرين الذين يظهرون بهيئاتهم دونما أي حرج، و محاولة إظهار ما يمكن إظهاره من أنفسهن، و هذا ليس أمر مستغربا بل على العكس تماما، يعد أمرا مفهوما لأنه يمثل شعورا فطريا و رغبة إنسانية كامنة في كل منا.

 


صورة منقولة من فيسبوك


و لا أدري حقيقة لماذا - في زمن فيسبوك و زمن التواصل التكنولوجي الهائل - لا زالت المرأة اليمنية مطالبة  بعدم إظهار وجهها مثل بقية خلق الله و كأنها لا تنتمي لهذا العالم و لا إلى هذا العصر؟ و كأني بهم يعاقبونها على إسلامها! لماذا يضعون كل تلك القيود عليها حتى في أمور صغيرة كهذه  لا يتم التفكير فيها مرتين في بقية أنحاء العالم كما رأيت و عايشت بنفسي؟!

ربما يسأل أحدهم أو أحدهن ( و ما أكثرهم و أكثرهن! ):" و هل الحديث عن النقاب و تغطية الوجه و صورة فيسبوكية أمر مهم لهذه الدرجة؟" و جوابي سيكون:  نعم... بالتأكيد!  و السبب - ببساطة - أن من ينكر أهمية فيسبوك في حياتنا فهو يكذب على نفسه أولا، و ثانيا هذه الظاهرة أساسا  تخفي وراءها وضعا اجتماعيا سيئا وهي تمثل واجهة لفكر يستند على مفاهيم كثيرة تنتقص من شأن المرأة و يجعلها تصدق أنها عورة و فتنة و ناقصة عقل و دين و مصدر شؤم و بأنها "تقطع الصلاة مع الكلب و الحمار" و أننا نحن النساء أكثر أهل النار!

و مع احترامي لحرية الآخرين في ارتداء ما يناسبهم إلا أنني - كمسلمة  -
صورة منقولة من Google images
 لا أقبل أن يتم تسويق النقاب كجزء من الدين الإسلامي، و لا أفهم النساء اللواتي يدافعن بشدة عن النقاب و يحرصن على إرتدائه معتقدات بأنهن بهذه الطريقة يحتفظن لأنفسهن بالتميز في زمن - حسب اعتقادهن - كثرت فيه الحملات ضد النقاب و زادت فيه الدعوات للتحرر و هكذا يعتقدن أن هذا سبب كافي لتمسكهن و مقاومتهن و بأنهن بذلك يثبتن كم هن قويات في وجه الضغوطات و سيحفظن للمرأة المسلمة "تميزها" و "تفردها" عن الآخريات. لكن أي تفرد و تميز يقصدن بالضبط؟ هذا النوع من التفرد السلبي للغاية و الذي لا يحفظ للمرأة المسلمة كرامتها الإنسانية؟ هذا "التميز" المزعوم ليس له قيمة سوى أنه يعطي صورة مشوهة عن تعاليم الإسلام الحقيقية و وضع مكانة المرأة كما أرادها الله في تنزيله الحكيم.  ثم إن من بين الأمور التي يتمايز فيها الناس عن بعضهم البعض هي ملامحهم الظاهرة و التي خص الله كل فرد  بها، فذاك يظهر على وجهه  أمارات الذكاء و آخر يبدو عليه الإصرار و هكذا، فلماذا تحرم المرأة المسلمة من ذلك؟! فالنقاب فيمحو كل تميز و تفرد للنساء المسلمات و يجعلهن جميعا متشابهات بينما يحتفظ الرجال بملامحهم و تعابير وجوهم ظاهرة غير مخفية.

و الطريف أن المدافعين عن النقاب يدّعون أن القرآن أمر المرأة بتغطية وجهها و لا يكتفون بذلك بل و يجعلون ذلك الأمر "ركنا" أساسيا من العقيدة الإسلامية و بدونها لا يكتمل الدين و لا يصح! لكن استدلالهم ذاك هو استدلال فاسد بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فلا يوجد في القرآن أمر للمرأة بتغطية وجهها، و اذا تأملنا الآية التي وضحت لباس المؤمنات في سورة النور : (( و قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن و يحفظن فروجهن و لا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها و ليضربن بخمرهن على جيوبهن......)) لن نجد ذكر كلمة وجه أبدا، و لو كان الأمر بهذه الأهمية لذكره الله تعالى واضحا جليا خاصة و أن هناك آيات عديدة في القرآن الكريم وردت فيها كلمة "وجه" بكل وضوح فعلى سبيل المثال لا الحصر:

((يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم و أيديكم إلى المرافق....))

(( و يوم تبيض وجوه و تسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم....))

((و من حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام...))

((ذلك خير للذين يريدون وجه الله...))

((فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله و من اتبعن...))

و هكذا عند تتبعنا لكلمة وجه و مشتقاتها في القرآن الكريم سنجد أنها وردت في مواضع عديدة جدا ماعدا المواضع التي تتحدث عن لباس المرأة و عن النساء! حيث لا وجود لكلمة وجه نهائيا، أفلا يستدعي ذلك التفكر؟! فلو كان الله يريد للمرأة أن تخرج مغطاة بالكامل دون أن يظهر منها شيء - كما يدّعي المتشددون-  لما ذكر الله جل و علا تفصيلات مثل : 
(( إلا ماظهر منها))...((و ليضربن بخمرهن على جيوبهن)) و لأمرها أن تغطي نفسها بالكامل و أن تضرب بخمارها على رأسها و وجهها بدلا من قوله : (( إلا ما ظهر منها))! و هكذا نجد أن تغطية المرأة لوجهها ليست مجرد مشقة تؤجر عليها المرأة و "فضيلة" كما يدّعون و انما هي افتراء على الله و مخالفة صريحة لأوامره.

 أنا على يقين تام أن المرأة اليمنية لن تتخلص من تلك النظرة الدونية لوجهها إلا إذا رفضتها بحزم و اقتنعت تماما أنها انسان كامل له إرادة مستقلة و فكر يجب احترامه، و  لن يمكنها اقناع نفسها و اقناع الآخرين بذلك و هي تعتقد بأن وجهها عورة و فتنة ، بل يجب أن تؤمن بأن وجهها هو  محل كرامتها و هويتها و قد جعله الله ظاهرا بالخلق فلا يجب أن تسمح لأحد أن يشعرها بالعار و الخزي من إظهاره، كما يجب عليها ألا ترى في نفسها "متاع" أو مجرد وسيلة "إغواء" للرجل حيث يتوجب عليها أن تحميه من شرها قدر المستطاع ،تلك النظرة الدونية تسببت في أن تفقد المرأة المسلمة ثقتها في نفسها و في العالم من حولها، و أدت إلى تشويه صورتها أمام الأمم الأخرى و اظهارها بمظهر المضطهدة و الأسيرة و الخاضعة "غريبة الأطوار" ، و هاقد جاءت جماعة مثل جماعة "داعش" لتأكيد مثل تلك الصورة النمطية عنها.
 
على المرأة في المجتمع اليمني أن تصبح ذات شخصية أقوى - و ذلك ليس من أجل وضع صورتها في فيسبوك - و إنما من أجل أن تضع بصمتها في الحياة كما ينبغي لها و كما أراد الله لها، فالله خلق الزوجين الذكر و الأنثى و جعل علاقة الرجل بالمرأة علاقة تكامل لا علاقة صراع أو استعباد. و لن تتمكن المرأة من الوصول إلى التوازن المطلوب إلا إذا صقلت شخصيتها بالمعرفة، تلك المعرفة التي تكسب صاحبها القدرة على التفكير النقدي و التحليل بدلا من الجمود و الاستسلام لفكر ما لمجرد أنه مألوف و أننا اعتدناه و نشأنا عليه .


و في الأخير لن أخفي أبدا أنني بعد أن وضعت صورتي في فيسبوك شعرتُ بأنني انضممت للتو إلى هذا العالم الإفتراضي، شعور مشابه تماما لشعوري عندما تخلصت من النقاب، شعرت بثقة أكبر و بأنني أفرض وجودي كإنسان من حقه الظهور و ليس من واجبه الإختباء، و اختلفت صورة العالم في نظري، و لم يعد يعنيني من يرى في عيني و أنفي و أذني خطرا عليه. و لكل من يفكربوجه المرأة بطريقة شاذة و لا يستطيع التعامل معها إلا من خلف قناع سميك يحجب ملامحها، أقول : لماذا اختفي خلف قناع أسود؟ الأني امرأة ...مسلمة؟ لا شكرا.......فأنا امرأة مسلمة قوية و فخورة و لم يزدني إيماني بالله و بكتابه إلا قوة و فخرا....لا اختباءا و انزواء...وعليك أن تتعامل معي كإنسان خلقه الله بملامح ظاهرة كريمة، و عليك أن تعتاد ذلك...طوعا أو كرها.



No comments:

Post a Comment